أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الكريم بدرخان - يوميّات الجرح السوري (شِعر)















المزيد.....

يوميّات الجرح السوري (شِعر)


عبد الكريم بدرخان

الحوار المتمدن-العدد: 4424 - 2014 / 4 / 14 - 03:07
المحور: الادب والفن
    


1
الغيومُ دُخانٌ شديدُ البياضِ
الغروبُ دماءٌ تسيلُ على الأفْقِ
هذي الشوارعُ مقبرةٌ للورودْ
هكذا تصبحُ الأرضُ..
حين يضيقُ بعينيكَ معنى الوجودْ

2
يوجعُني
أنْ أمشيَ في الطرقاتِ وحيداً
يتبعُني ظلُّ الموتِ، ويسبقُني ذُلُّ الدعواتْ
يوجعُني
أنْ أبحثَ عن وجهكِ في الجدرانِ
فلا أبصرُ إلاّ أوراقَ النعواتْ

3
كان يكتبُ ورْقةَ نعيٍ لهُ،
قال: ( أمي.. وحيدٌ أنا
إخوتي كلُّ أحرارِ هذا البلدْ)
لم تصدّقْ
وقالتْ: (جنونُ ولدْ)
ولكنّها -بعد يومٍ– تصدّقُ
وهْي تفـتّـشُ عن وجههِ في المرايا
تصدّقُ حين ترى اِبنها
وهْو يصعدُ نحوَ السماءِ شظايا

4
أنا أنتَ
لا تطلقِ النارَ صوبي
لكي لا تموتْ

5
جالساً فوق قبرِ ابنهِ:
هنيئاً لنا يا بنيَّ
النتائجُ قد أُعلِنتْ، ونجحتَ،
فلا تتأخَّرْ
لتذهبْ مع الأصدقاءِ إلى الجامعَهْ
أو إذا شئتَ.. فابْقَ مكانكَ
أصبحتَ أكبرَ منّي
وأقربَ من نبضتي الدامعَهْ

6
حين كان الرجالُ يصلُّون حول الشهيدْ
كانتِ النسوةُ النائحاتُ يزغردنَ في بيتهِ
حولَ طفلٍ جديدْ
حول زوجٍ تمنَّتْ -أوانَ تجمِّدُ دمعاتِها- :
( لو تأخَّرَ، يوماً، رحيلُ الشهيدْ
أو أتى، قبلَ يومٍ، صراخُ الوليدْ)
ثم تسبِلُ أهدابَ نارٍ
على دمعةٍ من جليدْ

7
يهربُ الموتُ كاللصِّ تحت الرصاصِ
وأطفالُ حارتنا يلعبون الكُرةْ:
تعالَ قليلاً.. لنلعبَ
جرّبْ
جنونَ الحياةِ هنا
ثم نكملُ معْكَ الطريقَ إلى المقبرَةْ

8
وجدوا حذاءْ
( هذا حذاءُ أخي.. وأعرفُـهُ )
وتتبّعوا خيطَ الدماءْ
وصلوا إلى بحرٍ يغطّي الأرضَ
( أين أخي؟ )
كلُّ البلادِ الآن تنزِفُـهُ...

9
أمسكُ كفّيكِ..
فيهوي رأسي كالدمعةِ في حضنكِ
أصعدُ تلَّي رُمانٍ
أهبطُ ودياناً يملؤها الوردُ
أقبّلُ عمري المسفوحَ على جسمكِ قطْراتِ ندى
يوقظُنا زلزالُ رصاصٍ
فنعودُ.. نحاولُ..
(لا بُدَّ سننجبُ طفلاً)
ليعيشَ –كما نحن نموتُ– سُـدى

10
الجنازةُ تولدُ منها الجنازةُ
والشهداءُ يشيّعُهُمْ شهداءٌ جُدُدْ
وردةٌ كسَرتْها الرياحُ
تفتّحَ من طلْعها حقلُ وردٍ
وغطَّى جراحَ البلدْ
هكذا يأخذُ الموتُ شكلَ الحياةِ
نموتُ
نموتُ
لنجبلَ من طينةِ الموتِ ربَّ الأبدْ

11
إننا بشرٌ مثلكُمْ
دمُنا مالحٌ
ولنا أمهاتٌ يقبّلْنَنا بالدموعْ
فانظروا خلفكُمْ
واذكروا أمهاتٍ تجمَّدنَ في الشُرفاتِ
على أملٍ بالرجوعْ

12
كان في حلْقهِ بلبلٌ
يبعثُ الدفءَ في رجفةِ الخائفينْ
قطعوا حبْلَ صوتِ المغنّي
وألقوهُ في النهرِ أغنيةً من أنينْ
هو ذا النهرُ يسقي البلادَ
ومن صوتهِ..
تحبَلُ الأغنياتُ
وينتشرُ الياسمينْ

13
يرحلونْ
ثم نحذفُ أرقامهم من هواتفنا
يرحلونْ
ويظلُّ صدى الضحكاتِ.. يذكّـرُنا
أنهم ميّتونْ
لم يكن بيننا
غيرُ خبزٍ وملحٍ
وحفنةِ يأسٍ، وخمرِ الجنونْ
يرحلونَ ولا يرحلونْ
حين في دمنا
يسكنونْ

14
وجَعٌ عابرٌ في الهواءْ
مثلَ صرخةِ موتٍ
ومثل كلامِ الرثاءْ
وجعٌ مثلُ خيطٍ يمرُّ بكلِّ القلوبِ
لينسجَ سُـجّادةً من بكاءْ
وجعٌ لا وجود لنا دونهُ
لا وجودَ لهُ دوننا
كإلهِ السماءْ

15
كانَ غيثاً.. وكان مَطَرْ
كان يعطي الورودَ لمنْ يقتلونَ البشرْ
ربما ما استطاعوا أمامَ الورودِ
وخافوا هتافاً يُذيبُ الحجرْ
ولذا أرجعوهُ إلى زوجهِ
وإلى طفلهِ المُنتظَرْ
جثةً كالقمرْ!
كان لا بدَّ أنْ تصعدَ الروحُ نحو السماءِ
ليهطلَ فوق البلادِ.. مَطَرْ !

16
الضحايا قرابينُ نرفعُها للإلهْ
والفتاتانِ في شارعٍ ضيّقٍ تدخلانِ
– القذائفُ حولَهما–
تحكيانِ عن الحبِّ
والشهوةِ العنبيّةِ فوقَ الشـفاهْ
قبلَ أنْ يلبسَ الموتُ جلْدَ الحياهْ

17
يوماً.. يوماً..
يزدادُ حضورُ الموتى في قلبي
يزدحمُ القلبُ بأدمعهمْ
ملؤوني بالموتِ..
كأني أتبعثرُ طُولَ العمرِ لأجمعهُمْ
ملؤوني بالموتِ..
فماذا يملؤهُمْ ؟؟

18
وكان يقولُ لوالدةٍ من حنينْ:
(أنا لا أموتُ
لماذا على خشيةٍ تنزفينْ؟
أنا لا أموتُ..)
مضى..
ليصوِّر عينَ الحقيقةِ
وسْطَ عماءِ الفجيعةِ
وسْطَ انفصامِ اليقينْ
(أنا لا أموتُ..)
وما عادَ من يومها
لوالدةٍ حضنَتْ خوفَها
كالصليبِ على صدرها
ثم ذابَ الحنينْ
غيمةً في مهبِّ السنينْ

19
كلُّها مِيْتةٌ واحدةْ
في حياةٍ أقلَّ من الواحدةْ
سوف يحضنُنا الموتُ مثلَ صديقٍ قديمٍ
ويمحو مخاوفَـنا الزائدةْ

20
الألـمْ
دَمَعاتُ الوجودِ على وجنتيِّ العدَمْ
والألـمْ
صورةُ اللهِ في ضعفهِ البشريِّ
وحكمتُهُ حين تبلى الحِكَمْ
الألـمْ
شوكةُ القلبِ توقظُهُ من ورودِ الحلُمْ
والألـمْ
شهقةُ النايِ في الجسدِ الآدميِّ
وأغنيةُ الصمتِ عند احتراقِ النَّغَمْ

21
في زمنٍ
سقطتْ عن عورتِهِ
أوراقُ التوتْ
لا أعرفُ أني حيٌّ
إلّا حينَ أموتْ
أتحسَّسُ نبْضاتي
أتلمَّـسُ أنفاسي
وأدقُّ على خشبِ التابوتْ
لا صوتَ يهزُّ جدارَ الصمتِ
ولا ضوءٌ ..
يثقبُ أمداءَ الظَلَموتْ

22
يسكنُ الموتُ في مفرداتِ الحياةْ
لكأنَّ الوجودَ غيومٌ
كأنَّ الترابَ سريرُ المماتْ
وأرواحُنا تتساقطُ بينهما
قَطَرَاتْ

23
قليلٌ من الخمرِ يكفي لتغفوَ
إنّ الرصاصَ موسيقى
تهدهدُ أحلامكَ الغافيَهْ
ولكنكَ الآن تصحو
وتبصرُ في الكأسِ أحزانكَ الطافيَهْ
كيف تغفو وتصحو؟
كأنيْ أناقضُ نفسي قليلاً
ليأتي الكلامُ على القافيَهْ

24
الآن يبزغُ ضوءُ الفجرِ، لا لغتي
تكفيهِ وصفاً، ولا بُحّاتُ أغنيتي
تدري بهذا الشذى المنسابِ في جسدي
كرعشةِ الحبِّ إذ تسري مصادفةً
بين الضلوعِ.. وبين الصوتِ والشـفَةِ
كأنها ذكرياتٌ ضاعَ أوّلُها
وغابَ آخِرُها.. في غيهبِ الأبدِ
الآنَ تبزغُ أحلامي.. فهل أملٌ
يضيئُها.. بعد موتِ الشمسِ في بلدي؟

25
عندما يموتُ شخصٌ نعرفهُ
يموتُ شيءٌ منّا معهُ
ويبقى شيءٌ منه حيّاً فينا
وهكذا ..
يزدادُ حضورُ الموتى في حياتنا
إلى أنْ نمتلئَ بالموتِ
ونتلاشى فيه...

* * * * *


[ كُتبتْ هذه المقاطع في حمص، بين آذار 2011 وآذار 2012]



#عبد_الكريم_بدرخان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة بوصفها رمزاً للحرية - قراءة في مجموعة للشاعر فرج بيرق ...
- دُوَار (شِعر)
- مدينة الأحزان (شِعر)
- في مطلعِ السنة الجديدة (شِعر)
- هذا المساء (شعر)
- سلطة النموذج في العقل العربي
- حمص: الأسطورة تجدّد شبابها
- إلى شاعر معتقل
- هل كان الماغوط معارضاً للنظام؟
- هل العنف ظاهرة دينية؟
- النظام الوراثي.. من الدين إلى السياسة
- الصراع السنّي- الشيعي بديلاً عن العربي- الإسرائيلي
- (الدولة العلوية) ورقة الأسد الأخيرة
- قصيدة الأرض
- موت المؤلف والصحف العربية
- التحوّل الديمقراطي ومشكلة الأقليّات
- الدولة المدنية في الإسلام
- الإسلام السياسي والمأزق الفكري
- الشباب العربي وقتل الآباء
- قراءة في تاريخ الموت المقدس


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الكريم بدرخان - يوميّات الجرح السوري (شِعر)