أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الكريم بدرخان - المرأة بوصفها رمزاً للحرية - قراءة في مجموعة للشاعر فرج بيرقدار















المزيد.....

المرأة بوصفها رمزاً للحرية - قراءة في مجموعة للشاعر فرج بيرقدار


عبد الكريم بدرخان

الحوار المتمدن-العدد: 4414 - 2014 / 4 / 4 - 17:40
المحور: الادب والفن
    


لا يوجد تعريفٌ محدّد لأدب السجون، وهو أمرٌ جيّد، لأن التعريفات قيودٌ ثابتة، بينما الواقعُ متغيّرٌ ومتجدّد. يمكننا القولُ إنه الأدبُ الذي يكتب في السجن، ويعبِّر عن هذه التجربة القاسية، وما تتركُه من آثار على جسد الإنسان وروحه وقلبه وأفكاره وأحاسيسه ونظرته للعالم، كما يُفترض أن يمتلك المواصفاتِ الفنية للأدب الحقيقي، فليس كلُّ ما يُكتب في السجن أدب سجون.
تعتبر تجربة الكتابة في السجن مهمّةً بحدّ ذاته، باعتبارها فعلاً حياتيّاً مقاوماً للموت، لكنّ أهميّتها في الأدب تتسّم بطابعها الخاص، وببصمتها المميّزة في تجربة الشاعر أو الكاتب. في السجن حيثُ تطولُ ساعاتُ الفراغ والملل، وتكثرُ تأمّلاتُ العقل وتواردُ الأفكار، تصبح الكلمات لعبةَ الذهنِ الوحيدةَ في الليل والنهار. في السجن حيث تتناقصُ مساحة الرؤية العينية، فالعالم محدودٌ بجدران عمياء، تتّسعُ مساحةُ الرؤيا القلبية، وينطلقُ الخيالُ للسفر في المجهول. في السجن حيث يفقدُ الإنسان شريكه وحبيبه ونصفه الآخر، يزداد حضور هذا الشريك في القلب والروح والعقل وأوراق الكتابة.
في مجموعة (حمامة مطلقة الجناحين) للشاعر فرج بيرقدار، التي كتبها في أبشع معتقلات نظام الأسد (فرع فلسطين، سجن تدمر، سجن صيدنايا)، وكان يهرّب القصائد مكتوبةً على ورق السجائر، حتى صدرت المجموعةُ عن دار "مختارت" في بيروت عام 1997. تمثلُ هذه المجموعة نموذجاً لأدب السجون السوري، بخصائصه المميّزة عن أدب السجون العالمي، كوجود موضوعاتٍ مثل الموت تحت التعذيب، ومثل فقدان كلّ أمل بالخروج من السجن طالما أنّ الاعتقال تمّ دون حكم قضائي ولمدة غير محددة، وبالتالي يهيمنُ الموت على تفاصيل الحياة، ويقف كالظلّ في آخر سرداب فترة الاعتقال.

1- الموت صديقاً للحياة:
-------------------------
يخيّم شبحُ الموت على عددٍ من قصائد المجموعة، ولا غرابةَ فالسجنُ عالمٌ سفلي، تصبح فيه الحياة موتاً متحركاً، ويزداد الإحساس بدنوّ الأجل مع استشهاد الأصدقاء تحت التعذيب، ويزداد حضورُ الموت في ظل الوحدة والوحشة والجدران الباردة الصماء، أليس الموتُ مفارقةَ الحياة؟ هو السجنُ موتٌ من نوع آخر.
عند استشهاد طالب جامعي تحت التعذيب، أحسّ الشاعر بأنه قد يكون الشهيد التالي في دوامة الموت المجنون: (لم يكنْ غيرُنا / جثّةً تتدلّى غداً / وأنا). وفي نصّ آخرَ يحاور الشاعر سلفه مالك بن الريب صاحب المرثية الشهيرة، وهو في المضمون حوارٌ مع الموت، الموت عندما يصبح صديقاً للحياة: (خلتُني وهْناً / صديقي مالكُ بن الريبِ / حيّاني وأعطاني الأمانْ / لم أكنْ حيّاً / ولا ميتاً / فأفسحتُ لهُ آهِ كم أخجلني ضيقُ المكانْ).

2- انحسار مفهوم الحرية:
---------------------------
أعتقد أنّ الشعر العربي فقير بالقصائد التي تتغنّى بالحرية، أعني الحرية بحدّ ذاتها كمفهوم مستقل عما يشابهه أو يناقضه، فغالباً ما نعتبر القصائد التي تنتقد الظلمَ والقمعَ والاستعباد قصائدَ حرية، ونعتبرُ القصائد التي تنبذُ الاحتلال والحرب قصائد حرية، لكننا في هذه الأحوال ننطلقُ من نقيضِ الحرية لكي ندركَ ماهيّة الحرية، ولا ننطلق من الحرية كمفهومٍ مستقل.
تعود هذه النظرة إلى أسباب لغوية- تاريخية- دينية، فالحرُّ في اللغة نقيضُ العبد، والحرّةُ نقيضة الجارية، وقد كرّست الأديانُ عبوديّة البشر لإلهٍ واحد، ولممثلي هذا الإله على الأرض، مما غيّب مفهوم الحرية تماماً. وأصبحت الحرية نقيضاً للواقع المعاش، أصبحتْ أشبهَ باليوتوبيا والفردوس المفقود، أصبحتْ مهرباً من الظلم والعبودية ولا توجد إلا بوجودهما.
لذلك تناقصت المساحةُ المخصّصة للحرية في مجموعة بيرقدار، لأن السجن لم يحرمه من حريته بالكامل، باعتباره مواطناً مسلوبَ الحرية منذ ولادته، لكنّه انتقل من سجنٍ كبير إلى سجن صغيرٍ فحسب، وقد فقد في هذا السجن الصغيرِ مجموعةً إضافيةً من الحريّات، مثل حرية التنقّل، وحرية لقاء الأهل والأصدقاء، وكان الفقدان الأهمُّ والأكثرُ إيلاماً ومرارةً... هو فقدان المرأة/ الشريك/ الجنس الآخر.

3- المرأة بوصفها رمزاً للحرية:
---------------------------------
لم يكن فقدان الحرية هو الفقدان الأكبر في القصائد، بل كان فقدان المرأة. في مجتمعٍ يربّي أجياله على التمييز الجندري منذ الولادة، تبتعد الأنثى عن الذكر في ألعاب الطفولة، وفي مقاعد الدراسة، وفي لقاءات الأصدقاء الشباب، ولا يلتقيان إلا في المرحلة الجامعية، وهناك يجد كلٌّ منهما نصفه المفقود، وتبدأ العلاقة بينهما على شكل صداقة أو حبّ أو زواج. في هذه السن الحسّاسة تمّ اعتقال فرج بيرقدار ورفاقه، لم يكونوا متفائلين بالخروج من السجن، طالما أنهم مسجونون دون حكم قضائي، ودون تحديدٍ لفترة السجن، كانوا يرون الموت ماثلاً أمامهم أنّى تحركتْ أحداقهم.
لقد خسروا بتجربة السجن أعزّ شيء في الدنيا، المرأة التي أحبّوها وانتظروها سنين طويلة، وبقدر ما تكون المرأة غائبةً عن الشاعر؛ تكون حاضرةً في قصائده. في قصيدة (التكوين) التي كتبها الشاعر في فرع فلسطين، يوحي جمالُ النصّ بأن الشاعر جالسٌ في بساتين قريته على ضفاف العاصي، يكتبُ متأملّاً وسْطَ مفردات الطبيعة البكر:
(تركتْ في الريحِ خصراً / ويدينْ / لم أكنْ من قبلُ ناياً / لم تكنْ أجنحةُ الطيرِ / ومَنْ يعرفُ أنّ البحرَ / في البدءِ بكاءٌ / فائضٌ عن عاشقَينْ).
تمتزج مشاعر الشوق والحنين والحبّ والألم، مع الشعور بالذنب والمسؤولية لترك المرأة وحيدةً أيضاً، وتصبح المشاعر أحياناً نوعاً من جلد الذات، يعبِّر عنه الشاعر برغبةٍ حارقةٍ بأن تكون حياته فداءً لحياة زوجته وابنته، ويبدأ بالدعاء للغيب والسماءِ طالما أنّ يديه مكبّلتان بالأغلال، وروحه محاصرةٌ بالجدران السوداء:
(ألله يا امرأتي / الله يا ابنتنا / اللهُ إنّ غزالتينِ طريدتينِ / تقبِّلانِ بآيتينِ من الندى / روحي وتبتعدانْ / يا برقُ / كنْ ظلاً لخطوهما / يا أفقُ / خُـذْ قلبي وضمَّهُما / فلربما.. يتأخّرُ الطوفانْ).
تأخذ المرأةُ في قصائد بيرقدار شكل الحرية للمفقودة، وشكل الحياة المنشودة، هي المرأة/ الإلهةُ واهبةُ الماءِ والخُضرةِ والروح والحياة، واهبةُ الحرية في أصفى معانيها، عندما زارته في السجن، انبعث الشاعر من الموت إنساناً حراً:
(ابتسمتْ حبيبتي / عن اسمِها / احتفلَ الكونُ / بسمائينِ إضافيتينِ / ولبستِ الفراشاتُ / أجنحةً من الحريّة الخالصةْ).
وقد ختم الشاعرُ مجموعته بعقدِ قرانهِ على الحرية، ولم تكنِ الحريةُ غير امرأةٍ معشوقة، ولم تكنِ العلاقةُ بينهما غيرَ علاقةِ حبّ وزواج، هذه الحريةُ التي يسعى إليه الشاعرُ سعيَ المسافرِ في الصحراء خلفَ السراب، واثقاً من الوصول إلى الماء:
( أيتها الرمالُ / زوّجتُكِ السرابْ / أيها الحُلم / زوّجْتُكَ الحريةْ).



#عبد_الكريم_بدرخان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دُوَار (شِعر)
- مدينة الأحزان (شِعر)
- في مطلعِ السنة الجديدة (شِعر)
- هذا المساء (شعر)
- سلطة النموذج في العقل العربي
- حمص: الأسطورة تجدّد شبابها
- إلى شاعر معتقل
- هل كان الماغوط معارضاً للنظام؟
- هل العنف ظاهرة دينية؟
- النظام الوراثي.. من الدين إلى السياسة
- الصراع السنّي- الشيعي بديلاً عن العربي- الإسرائيلي
- (الدولة العلوية) ورقة الأسد الأخيرة
- قصيدة الأرض
- موت المؤلف والصحف العربية
- التحوّل الديمقراطي ومشكلة الأقليّات
- الدولة المدنية في الإسلام
- الإسلام السياسي والمأزق الفكري
- الشباب العربي وقتل الآباء
- قراءة في تاريخ الموت المقدس


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الكريم بدرخان - المرأة بوصفها رمزاً للحرية - قراءة في مجموعة للشاعر فرج بيرقدار