أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير عبد الرحيم أغا - الشخصية الرمزية في شعر اديب كمال الدين















المزيد.....


الشخصية الرمزية في شعر اديب كمال الدين


سمير عبد الرحيم أغا

الحوار المتمدن-العدد: 4423 - 2014 / 4 / 13 - 23:10
المحور: الادب والفن
    


الشخصية الرمزية في شعر اديب كمال الدين
دراسة في ديوان " الحرف والغراب "

سمير عبد الرحيم اغا



........................................................................................
لاشك ان الرمز " هو تقانة تعبيرية ذات دلالة واسعة محركة لمعاني القصيدة وتعكس قدرة خيال الشاعر على الابتكار والتوظيف " ذلك ان الشاعر عندما يوظف الرمز في شعره لا بد ان يعتمد على " المخيلة الشعرية القادرة على ربط ذلك الرمز الموظف مع المضمون الذي اراد ان يحمل النص " وعلى هذا الاساس فالرمز ليس تجريدا او ذهنيا بل بينه وبين الموضوع المعين علاقة تداخل وامتزاج والرمز " كيان حسي يثير في الذهن شيأ آخر غير محسوس " اي أنه يبدا من الواقع ولكنه في الخطوة التالية يجب ان يتجاوزه الى ما وراءه من معان مجردة .
لقد اوجد الشاعر المعاصر في التعبير الرمزي ما يحقق له الطابع الدرامي في عمله الشعري ، وان الفن " بما فيه كتابة النص الدرامي يقوم على اعتماد لغة رمزية " تلك اللغة التي يلجأ اليها الشاعر المعاصر عندما يشعر ان الواقع اتخذ شكلا استثنائيا لا يحتمل التعبير عنه على وفق المنطقة التقليدية وعلاقته الرتيبة التي لاتتفق ومشاعر الفنان المكثفة الحادة فعند ئذ يكون الرمز ضرورة لابد منها .
نحن نعلم ان الحروف والنقاط امتياز معروف لتجربة اديب كمال الدين وتفرده وواسطته للارتقاء بتجربته المميزة والغور في ملكوته المقدس ولعل ما يميز تجربته على الرغم من حروفيتها .. اهتمامها بالمعنى واستقراؤها لقيم الحياة الانسانية ونفاذها الى جوهر الوجود .
استخدم الشاعر اديب كمال الدين الرمز في شعره منذ اكثر من ثلاثين عاما ووظف كلماته وحروفه اكثر ما وظف الى مجموعة الرموز الاخرى تمثلت في شخصيات متعددة تنوعت وتعددت .. فكانت هناك شخصيات مثلت رموزا من التراث والادب والفن والتاريخ وغيرها . وقد لجا شعراء العصر الحديث الى استدعاء الشخصيات التراثية لتوظيها في عملية صنع الشعر وشكلت ظاهرة مهمة اسهمت في تطوير بيئة النص الشعري للاقتراب من الطابع الدرامي , ولذلك تحمل الشخصيات المستمدة من التراث ابعادا ومرجعيات نفسية.. ذلك ان الشاعر " انما يغذي عواطفه وعقله على مآثر الماضي " ونظر الشاعر المعاصر الى هذه الشخصيات من خلال النظر اليها من بعد مناسب وتمثله لها... صورا واشكالا وقوالب . بل جوهرا وروحا ومواقف بحيث ادرك فيها ابعادها المعنوية .
استمد الشاعر اديب كمال الدين العديد من الشخصيات التراثية العربية والاجنبية وتنوعت بين شخصيات دينية واخرى تاريخية وشعبية وفنية ووظفها توظيفا رمزيا خدمة للمنحى الدرامي . في ديوانه " الحرف والغراب "
توظيف شخصيات ديوان " الحرف والغراب " الصادر عن الدار العربية للعلوم عام 2013 .... بدئها في قصيدة " الغراب والحمامة " فقد وظف رمزا دينيا ايجابيا ..هو شخصية النبي نوح عليه السلام اذ عزز بها موقفه الشعري وفسر بها خواص هذه الشخصية التاريخية الدينية ...يقول في القصيدة "
الغراب والحمامة
1.
حينَ طارَ الغرابُ ولم يرجعْ
صرخَ الناسُ وسط سفينة نوح مرعوبين.
وحدي – وقد كنتُ طفلاً صغيراً-
رأيتُ جناحَ الغراب،
أعني رأيتُ سوادَ الجناح،
فرميتُ الغرابَ بحجر.
هل أصبتُه؟
لا أدري.
هل أصبتُ منه مَقْتَلاً؟
لا أدري.
لماذا كنتُ وحدي الذي رأى
سوادَ الغراب
ولم يره الناس؟
لا أدري.
.الشاعر يجسد شخصية النبي نوح .. في مسيرة الطوفان التاريخية المعروفة ( التي بدأت بالطوفان اذ اخبر الله تعالى نوحا عليه السلام بالعلامة على بدء الطوفان ، وهي ان يخرج الماء من تنور الخبز ، فلما حصل ذلك دخل نوح ومن معه السفينة ، واخذت المياه تتفجر من الارض ، ثم سارت السفينة فوق الماء ، بعد ان دمر الطوفان كل شيء ) هذا الطوفان الذي غير حياة البشرية ... في قالب تمثيلي رمزي لم يكن همه موجها الى بناء الرمز بأعتباره صورة فنية قد ما كان موجها الى استخلاص مغزاه الكلي لان طائر الغراب لم يرجع وسرعان ما عاد بعد ان جاء بالموت او السواد .. وان الغراب ما هوالا طرف في معادلة الموت الذي جاء به ... والطرف الآخر الحمامة رمز الحياة والسلام وبذلك تكتمل ابعاد الرمز وتتحول الحمامة الى الباحث عن السلام .. حقيقة يتقبلها المتلقي بسبب المعرفة الى حقيقة المرجعية لهاتين الرمزين .
ان شخصية النبي نوح عليه السلام وهو يحط على سفينته المعروفة والطوفان الذي خلص البشرية من العذاب . والحمامة التي عادت بغصن الزيتون منذ الف عام وعام . في كل صور القصيدة يكون الشاعر اديب الطفل الذي يرى... ويتذكر ويحلم .... كحال بقية قصائد الديوان وهناك مستويين من الرمز المستوى الاول للرمز الحقيقي اي الظاهر "الطفل" الشاهد والمستوى الباطني التجريدي في الشخصية الرمزية هو "الطوفان "
ومن الرموز السلبية التي استخدمها الشاعر في النص ، هي شخصية الغراب في ذات القصيدة " الحمامة والغرب " وهو رمز للشخصية السلبية اذ ان الغراب في مخيلة الناس السواد والشؤم والحداد وان تكرار عبارة الغراب تؤكد سماء السواد .. سواد الجناح .. سواد الحياة ...........لماذا كنت وحدي الذي راى / سواد الغراب .
كما وظف الشاعر اديب كمال الدين عدد من الشخصيات التاريخية في قصائد الديوان ، فاضاف بذلك على النص موضوعية اكثر واخرجها من دائرة المشاعر والافكار الذاتية والشاعر عند ما يوظف الشخصية في شعره انما يوظف التوافق بينها وبين واقعه المعاصر الذي يريد التعبير عنه من خلال تلك الشخصية .
ويتضح ذلك في قصيدة " شهرزاد " الشخصية التاريخية في كتاب " الف ليلة وليلة " اذ يخاطب ...
شهرزاد
ستحكين الحكاياتِ - ما أجملها! -
إلى شهريار المحدّقِ في شفتيّكِ مدهوشاً.
ستدّعين أنَّ حروباً عظيمةً نشبتْ،
وسفناً محمّلةً بالذهب
غرقتْ في أعالي البحار،
وملوكاً صُلِبوا ثُمَّ قاموا من الصلب،
وشطّاراً حكموا أزقّةَ بغداد،
وعشّاقاً جنّوا من العشقِ والحبّ،
ونساءً مارسنَ السحرَ والجنس
في النهرِ وقت المساء ووقت الشموع.
ستدّعين أنّكِ كنتِ مع السندباد
في كلِّ مركب.
وكانتْ مفتّحةً لكِ ولبناتِ جنسكِ الأبواب،
مفتّحةً لكِ ولهنّ
ولرغابتهنّ ومكائدهنّ وألاعيبهنّ.
سيذهلُ شهريار الملكُ بحكاياتِكِ الهائلة
وهو الذي يتأمّلُ كلّ ليلة
في شفتيّكِ ثُمّ في عنقِك
ليرى كيفَ يكونُ موضع السيفِ فيه!
سيذهلُ وأنتِ تقودينه مثل أعمى
إلى خارجِ مملكةِ الوهم
ثُمّ إلى داخلِ مملكةِ الوهم.
تمثل القصيدة نوعا من العصيان لواقع العصر والمجتمع ورغبة من التحرر ومحاولة من الشاعر لعملية انقاذ شاملة . وحكاية المراة التاريخية التي اذهلت الملك شهريار ، بحاكاياتها المثيرة والتي بفضلها انقذت حياتها، وانتقمت لبنات جنسها ...فيها حكايات عن شطار بغداد وحكايات الحروب في اعالي البحار .. حكايات السندباد بعد ان كان الملك شهريار ينام في كل ليلة على قتل امراة قبل ان يلتقي بشهرزاد ، لقد وظف الشاعر اديب كمال الدين ..المرأة مبينا كيفية التعامل مع الرجل وخاصة مثل الملك شهريار وحولته الى طفل ينام كل مساء على حكاياتها المسلية وهي محاولة لسحب تلك الشخصية على طواغيت العصر المستبدين . وشهرزاد رمز المراة الذكية وقوة لكل النساء التي ماتت على يد شهريار ... سيذهل الملك بحكاياتها وينام على ماساته .. وجد اديب كمال الدين هذا التعبير الرمزي دلالة اعمق واشد من ذلك التعبير المباشر .
وتعد قصيدة " لوركا " نموذجا للطريقة الاخرى موظفا شخصية " فرانكو " الملك الاسباني الذي قتل الشاعر لوركا ":
لوركا
1.
سيقتلكَ فرانكو
أو أتباعُ فرانكو
أو رصاص فرانكو.
وستموت
بل ستشبعُ موتاً
أنتَ الذي لم تشبعْ من الحياة
مثلما الحياة
لم تشبعْ منك.
2.
سيبكي عليكَ القَتَلة
وأشباهُ القَتَلة
وأعداءُ القَتَلة.
سيبكي عليكَ، إذنْ، أخوتُك:
أخوةُ يوسف
مثلما سيبكي الشيخُ الكبير
والمرأةُ التي جُنّتْ بحبّك
والنساءُ اللواتي قطّعنَ أيدهنّ.
حتّى الذئب سيبكي عليك!
يحاول الشاعر اديب كمال الدين تحليل شخصية فرانكو من خلال شخصية الشاعر لوركا .. ان فرانكو اعتمد في حكمه على الفلاحين المغاربة بقيادة ( محمد امزيان ) الذي بقي صديقا وحاميا لفرانكو ثم ان فرانكو كان من اعداء الثقافة والمثقفين حتى قتل المبدع الكبير لوركا في القصيدة شخصية سلبية وشخصية ايجابية ومستوى الرمز بين الاثنين يوجه حركة القتل والمطاردة ...وادخل في القصيدة شخصيات دينية تمثلت في اخوة يوسف عليه السلام وقتلهم له ، وابيه وهو يبكي عليه والذئب الذي بكى على يوسف .
استحضر الشاعر اديب كمال الدين في ديوان " الحرف والغراب " العديد من الشخصيات الفنية البغدادية ذات التاثير الفني في حياته وحياة الناس او الجمهور .. ووظفها توظيفا رمزيا بعد ان اضاف اليها التعديلات وتحويرات تتناسب وطبيعة الوظيفة الفنية ،
وكان لشخصية الفنان الكبير " ناظم الغزالي " حضور كبير في قصيدة " مطرب بغدادي " الذي بسط حكايته للقارىء ببساطة هذا الفنان المحبوب الرائع .... بملابسه وخدوده وعشاقه استلهاما من اغنيته الشهيرة " يم العيون السود ماجوزن انه ..و خدج الكيمر انه اتريك منه " هذا المطرب الذي طرب له الجميع لاغنيته واغانيه كلها ... " عيرتني بالشيب وهو وقار فوك النخل ، ميحانة ميحانة ، قل للمليحة ، صباح الخير طالعة من بيت ابوها ، ...الخ يقول في القصيدة ...
مطرب بغداديّ
1.
بجسدٍ سمين
وبوجهٍ سمين
وبعينين باسمتين،
سيذهبُ هذا الغزاليّ
جيئةً وذهاباً
أمامَ كاميرا التلفزيون
وهو يغنّي بصوتٍ رقيق:
"يَم العيون السود ما جوزن أنه
وخدّچ الگيمر أنه تريگ مِنه".
2.
وإذ لم تأبه العاشقةُ البغداديّة
لأغنيته القيمريّة
ولا لملابسه الجديدة
ولا لخدوده السمينة
فسيغنّي لها:
"واگفة بالباب تصرخ يا لطيف
لاني مجنونة ولا عقلي خفيف.
من ورة التنور تناوشني الرغيف
يا رغيف الحلوة يكفيني سنة".
وإذ لم تأبهْ له ثانيةً
فسيغّني لها ثالثةً عن النخل
ورابعةً عن العيدِ وهديّةِ العيد
وسابعةً عن الصبا
وعاشرةً مِن مقامِ الصبا.
حتّى إذ تقدّمَ به العمر
فسيصرخُ من لوعةِ العشقِ والهوى:
"عيّرتْني بالشيبِ وهو وقارُ".
لكنّه هذه المرّة
سيمسُّ وتراً
وسيطلقُ طيراً
يسمعُ تصفيقه الشرقُ والغرب.
بيدَ أنّ العاشقةَ البغداديّة
كانتْ- كعادتها- تتبغددُ من النافذة.
والمطربُ السمين
بوجهه السمين
وبعينيه الباسمتين
صارَ على موعدٍ مع الموت
حتّى إذا تعثّرَ به في صباحٍ غريب،
بكى عليه الدفُّ والكمانُ والناي.
وخرجتْ بغداد كلّها
تودّعهُ إلى الأبد.
فيما اختفت العاشقةُ البغداديّة
من النافذة
وهي تجرُّ خيبتَها
إلى الأبد.
وقد ضمن الشاعر مقاطع من هذه الاغنية في القصيدة واشار الى بعض اغانيه الاخرى بطريقة "التناص " حكى حكايته ... البغدادية المحبوبة طيلة مسيرة حياته حتى نعته بغداد في ذات صباح حزين ... بكت عليه القلوب ... الدف والكمان والناي ... ودعته بغداد كلها .... ودعته عاشقة القيمر الى الابد .. من النافذة ........
ثم وظف الشاعر شخصية المطرب العربي " عبد الحليم " من خلال اغنيته الشهيرة " قارئة الفنجان " التي كتب كلماتها الشاعر الكبير نزار قباني وكانت هي خاتمة حياته هذه الاغنية الكبيرة ، ووصفه بأنه مطرب عبقري ذكي حارب الفقر والجوع والحرمان وروض الف سندرلا... لكن مرض البلهارسيا روضه ولم يستطع ان يفوز عليه او يقاومه حتى انكسرت قارئة الفنجان وسالت روحه وهو في قمة المجد ...
عبد الحليم
1.
حينَ انكسرَ فنجانُ القهوةِ المرّة
ما بين أصابع العندليبِ المرتبكة،
سالتْ روحُه العاشقة
وسطَ حنين الناي وأنين الكمان.
2.
كانَ مطربُ قارئة الفنجان
عبقريّاً بما يكفي
ليركبَ درّاجةَ النجومِ الهوائيّة
ويغنّي عن القمر،
قريباً جداً من القمر،
ويفتنَ ألفَ سندريلا وسندريلا
بألفِ أغنيةٍ وأغنية.
كانَ عبقرياً، إذن، ليكونَ نجم النجوم.
3.
لكنَّ قارئ الفنجان الذكيّ
ومطرب قارئة الفنجان العبقريّ
الذي روّضَ الفقرَ والجوعَ والحرمان
وروّضَ الحظَّ المُمَزَّق
مثل ثياب المُهرّج
وروّضَ ألفَ سندريلا وسندريلا،
روّضتْه جرثومةُ البلهارسيا التي لا تَرى
ولا تُرى!
كانتْ أذكى من عبقريّته اللامعة
وأعظم حظّاً من نجوميّته الساطعة.
فانكسرَ فنجانُ القهوةِ المرّة
ما بين أصابعه العاشقة
حتّى سالتْ روحُه العذبة،
وهي في قمّةِ الحبِّ والشوق،
وسطَ دموع الناي وأنين الكمان.
وتنهض قصيدة " عفيفة اسكندر " على توظيف شخصية المطربة البغدادية الشعبية توظيفا رمزيا فوجد فيها ما يناسب مضمون نصه الشعري
عفيفة اسكندر *
1.
ماتتْ تلك التي شكتْ لوعةَ الفراق
وأرادتْ من الله
أنْ يبيّنَ الحوبةَ في المفارقين حبيباتهم
والغائبين.
ماتتْ وهي تغنّي
من شاشةِ تلفزيونِ بغداد
مثل لُعبةٍ كبيرةٍ جميلةٍ دون روح
تماماً دون روح مثل بغداد:
مدينة المُتخَمين والمُعدَمين والأرمن واليهود،
مدينة الملاهي والباراتِ والكنائس والمساجد،
مدينة المعتزلةِ والمتصوّفةِ والملاحدة.
2.
لم يستجب الله- بالطبع - لأغنيتِها الجميلة،
فلم تظهر الحوبة
على المفارقين والغائبين أبدا
وبقوا كالأشباحِ سعداء أبدا.
لكنَّ المطربةَ غنّت الأغنية
لسبعين عاماً أو تزيد
شاكيةً لوعة الفراقِ المرّ
للملكِ المسكينِ وقاتله،
ثُمَّ للزعيمِ: مُنقذِ الفقراءِ وقاتله،
ثُمَّ للطاغيةِ: مشعلِ الحروبِ وقاتله.
هكذا بقيتْ تغنّي أغنيةً عذبةً
دونَ روح
حتّى فارقتْها الروح!
لقد حول الشاعر اديب هذه الشخصية من رمز خاص الى رمز عام عبر من خلاله سيرة الفنانة الجميلة الطويلة الى "سيرة وطن " طيلة السبعين عاما التي عاشتها الفنانة و الحكام الذين عاصرتهم .. وهي التي غنت لبغداد .. بغداد الارمن واليهود والكنائس والمساجد ...غنت لحكام بغداد .... بغداد عاصمة المتصوفة والملاحدة و... كانت تريد ان تقول شيأ لكل محبيها وعشاقها وهي تغني " اريد الله يبين حوبتي بيهم . اريد الله على الفركة يجازيهم "
حتى ماتت بدوع وداع وبدون نعي ... من محبيهاى وعشاقها ومن عاصمها بغداد ....
ويوظف الشاعر اديب كمال الدين شخصية ادبية من مسيرة دربه الشعري وهو الشاعر الكبير " يوسف الصائغ " بقصيدة عنوانها " لافتات يوسف الصائغ "
لافتات يوسف الصائغ
1.
حاملاً على ظهرِك
جثّةَ مالك بن الريب وآلامَه الهائلة،
واقفاً تحتَ لحية ماركس الكثّة
وشوارب ستالين الصخريّة
لتهتفَ بملء الفم
تحتَ لافتةِ النضالِ الأُمميّ
ومقارعةِ الإمبرياليّة.
حتّى إذا طارَ رفاقُ الدربِ عبر الحدود
استبدلتَ بسرعةِ البرق
لحيةَ ماركس الكثّة
بلحيةِ عفلق الحليقة
وشوارب ستالين الصخريّة
بشوارب صدّام المرعبة
لتهتفَ بملء الفمِ أيضاً
تحتَ لافتةِ الطاغية،
تحتَ لافتةِ الحربِ ضد الفرس المجوس!
2.
أيّها الشاعرُ اليوسفيّ:
لِمَ خذلتَ نفسَك؟
لِمَ خذلتَ مالكاً معك؟
لِمَ خذلتَ سيّدةَ التفّاحاتِ الأربع؟
لِمَ أيّها اليوسفيّ؟
هل كانَ مشهدُ الذهبِ لا يُحتَمل؟
أم كانَ مشهدُ الرعبِ لا يُحتَمل؟
أم أردتَ الذي كانَ فوقَ الجَمل؟
3.
ليس مهماً – بالطبعِ - ما قد حدث!
المهمّ أنْ تُنزِلَ الآن من ظهرِك
جثّةَ مالك
وتنام تحت الأرضِ مستريحاً،
الرمز في هذه القصيدة ذو مستويين المستوى الحقيقي الذي اتخذه الشاعر بمثابة القالب لعاطفته وهو الشاعر الشاعر يوسف ثم المستوى الثاني التجريدي الرمزي وهو " الحياة " التي افتقدها الشاعر في ظل الحكم السابق بعد ان افتقده دربه الشعري بعد مقارعته الامبريالية تحت لافتة النضال الاممي .. وبسبب مشهد الرعب الذي جابهه ...
انه يوحي بنزعة من نزعات الذات الباطنة وهي احساس الشاعر يوسف الصائغ بانه مطارد من قبل عدو خفي وقد يكون الندم على ما فعله امام الحاكم او هو الزمن والمجهول الذي كان يتنظره ,
............................................................................................................................
هناك احالة الى شخصية من شخصيات التراث الغربي وهي الشاعرة الامريكية " سيلفيا بلاث" التي انتحرت وهي في مطلع عقدها الثالث . حيث عاشت طفولة معذبة وحياة زوجية اكثر عذابا مع زوجها الشاعر الشهير تد هيوز "
ان الشاعر اديب يعني بحياة هذه الشخصية كرمز للحياة المعذبة الانسانة او الشاعرة والرابطة العميقة الي يحسها تجاهها ..
الليلة الأخيرة لسيلفيا بلاث*
1.
لم تكنْ على مائدتِكِ الليلة
كأسُ النبيذ
ولا ملعقةُ العسل،
بل كانتْ على مائدتك
كأسُ الزوجِ الخائن
والطفولةِ المُحَطَّمة،
وملعقة الأملِ: العلقم.
أي كانتْ على مائدتِك
كأسُ الحلمِ القاسي
والأبِ الأكثر قسوة،
وملعقةُ الوهمِ التي لا تجيد
سوى تذوّق نفْسها.
بعبارةٍ أكثر وضوحاً،
كانت على مائدتِك
كأسُ السمّ
والقصائد المرتبكةِ المتلعثمة،
وملعقةُ القلبِ الذي لوّحَ للحياة
طوالَ ثلاثين عاماً
بيدِ الغريق.
2.
************************
* سيلفيا بلاث: شاعرة أمريكية انتحرتْ وهي في مطلع عقدها الثالث. عاشتْ طفولةً مُعذَّبةً وحياةً زوجيةً أكثر عذاباً مع زوجها الشاعر الشهير تَد هيوز

المستوى الرمزي لهذه الشخصية الشاعرة والزوجة العذاب والقسوة التي عانتها من حياتها ولكن كان العذاب من رموز الحزن وخاصة في حياة شاعرة حساسة رقيقة .. وهذا النموذج الغربي يكاد ان يكون من اصلح الرموز التي يشير الى الانسان المعاصر بكل ما يستشعره من قلق وخوف .........
ويتضمن نص " مهند الانصاري ثانية " ..الموت رمز الوحشية وقد كسا الشاعر اديب هذا المعنى الذاتي ثوبا رمزيا هو صورة الموت الذي حطم هذا الفنان المرهف الرائع وهي صورة تنسجم مع ما يحسه اديب في حب هذا الفنان .
مُهنّد الأنصاريّ ثانيةً *
أيّها الموت،
أيّها الوحشُ المُهذّب،
كيفَ تغيّبُ مُكلّمي وتؤامَ روحي
ومرآةَ حرفي؟
كيفَ تغيّبُ قلباً،
كلّ نبضةٍ فيه حاء،
وكلّ حاءٍ فيه باء،
وكلّ باءٍ فيه بَسْملَة الأنبياء؟
كيفَ تنثرُ رمادَك
فوقَ رأسه الذي كانَ من طمأنينةِ الذهب
أو من ذهبِ الطمأنينة؟
كيفَ تشقُّ قميصَه الذي كانَ بوّابة البحر،
حين كانَ البحرُ عيداً حقيقيّاً
لمهرجانَ الحروفِ السعيدة
والمرايا التي ترقصُ حولَ نفْسها
كدوران الطيورِ السعيدة؟
إذنْ،
كيفَ تُحطّمُ أيّها الموت،
أيّها الوحشُ المُهذّب،
بوّابةَ المستحيل؟
بل كيفَ تقولُ الذي لا يُقال،
أيّها الموت،
أيّها الوحشُ السليطُ اللسان؟
*****************************************
* مُهنّد الأنصاريّ فنّان عراقيّ من الطراز الأول في حقل الإذاعة والإخراج الإذاعي، غيّبه الموت عام 2000.
هذا الموت غيب توأم روحي ومرآة حرفي وقلبه ....... تغيرت معالم السعادة بما فيها من نبض وحياة وفراق ومهرجان الحروف الذي كان الشاعر اديب كمال الدين يديره في الاذاعة آنذاك
ومن صورة الناقد العراقي الكبير " عبد الجبار عباس " كتب قصيدة " فتى النقد " اذ وظف شخصية ادبية معروفة في الوسط الادبي النقدي وهو يزاوج بين المحسوس والمعنوي والواقع وما خلف الواقع الموت هنا ايضا .... الرمز الذي يطرق باب هذه الشخصية ... احلامه .. اشواقه الهائلة
فتى النقد
إلى: عبد الجبار عباس
1.
بعد كأسه الأولى
سيبتسمُ فتى النقدِ قليلاً
ثُمَّ يضحكُ بصوتٍ مُجلجل.
وبعد الثانية
سيغنّي أغنيةً عن حرمانِه الأزليّ
وأشواقِه الهائلة.
وبعد الثالثة
سيرقصُ مثل زوربا
أو ربّما مثل الحلاج
أو ربّما مثل طير ذبيح.
2.
أرادَ فتى النقد،
وهو يلبسُ قميصَ البياض،
في زمنِ القمصانِ الزرق والحمر،
أنْ يقولَ الذي لا يُقال:
أنْ يكونَ الطفل الذي
يصف ثيابَ الإمبراطور
كما وصفتْها الحقيقة،
حين زيّفَ الآخرون
أوصافَها حدّ الرثاء.
فما كانَ من الإمبراطور
إلا أنْ أعاده إلى بابله
مُحَطّماً مثل شظايا الهباء.
أعادهُ في زمنِ الجوعِ والقهر
كي يرتدي قميصاً من العزلة
أسودَ أسود
ويموت سريعاً
كومضةِ نجم
بقلبٍ كسير
في زمن الامبروطور ... تكسر وعاد الى بابل محطم الاجنحة ... اعتزل الحياة واعتزل النقد ... في زمن اسود حزين .....
ثم نعود الى شخصية عالمية من الادب العالمي " دستوفسكي " الكاتب الروائي صاحب رواية " الجريمة والعقاب " لقد وظف شخصية دستوفسكي لايضاح رؤيته الفكرية ونظرته الى الموت الذي غيب هؤلاء العمالقة الكبار ليس بسبب .. سوى من اجل القضية التي يحملونها والحلم الكبير الذي يراودهم كل يوم في سبيل اسعاد الانسانية ونقل معاناتها اليومية الى القارىء في كل مكان من بقاع العالم ..
دوستويفسكي
بلحيته الطويلة،
بعينيه القلقتين،
بجريمته وعقابه،
بذكرياته المُرّة
مِن بيتِ موتاه وموتاي،
بأبلهه العجيبِ وبمقامره الأعجب،
بارتباكه الحيّ وجنونه الباذخ،
بلحظاتِ وقوفه مرعوباً
ينتظرُ حبلَ الموت
كي يلتفَّ على الرقبة،
بهَلْوَسَته الحكيمةِ وبحكمته المُهَلْوِسة،
قَتَلني رمياً بالرصاص
وأنا في سنِّ العشرين!
كانت حياة الكاتب فيدور دستوفسكي مليئة بالجنون الباذخ ومغامراته العجيبة ورواياته الاعجب من "الاخوة كرامازوف ، الى الابله ، كان رمز لمعاناة الادباء العمالقة في مسيرتهم الادبية . الحياة في هذا النص تبحث عن الخلاص .. تجعل المتلقي يعيش عذاباته ويحس بمعاناته ويصل النص الى ذروته في المقطع الاخير بدفقة شعرية قاتلة .
هناك الكثير من الشخصيات التي وظفها الشاعر اديب كمال الدين في عملية الصنع الشعري ...وهي احدى الطرق الخلاقة لكتابة نص مفعم بالمشاعر والاحاسيس وقد شكلت ظاهرة مهمة تستوجب القراءة والدراسة في هذا الديوان " الحرف والغراب " وهناك اهتمام بالشخصيات الادبية والفنية والتي تشكل المحور الاساس في الرابطة القوية التي تربط الشاعر بينه وبين هؤلاء و هناك تعاطف بينه وبين هذه الشخصيات في حدود الدلالة الظاهرية المحدودة الى مستوى آخر هو مستوى الايحاء الباطني العميق حيث يرى الشاعر آلام رحلته المضنية من خلال هذه الشخصيات . وفيها يعود ليؤكد مأساوية الحياة وظلامية الحكام واستسلامية البشر . وان شخصياته ذبحت وهي ترقص من الالم .
وبهذا المقياس يمكن ان ننظر الى قصائد الشاعر اديب كمال الدين في صراع مع الشخصيات التي وظفها في وجدانه ووقف عند دلالتها الواقعية ولان كان التراث قوة كامنة تربط عمل الشاعر باعمال اسلافه بأعتبار الانسان قيمة ثقافية ونفسية وثيقة الصلة بصور الماضي ونماذجه العليا .وقد كانت نظرته الى هؤلاء في مجملها اغناء للرؤيا الشعرية ووصلا حيا لحاضر الشاعر بماضيه وان كان الموت معنى اجتماعي لهذه الشخصيات فان له بالأضافة الى ذلك دلالة عاطفية ... قد يكون الحب لهذه الشخصيات طريقا الى الخلاص وربما الى الهرب من الحزن المقيم في الذات .
...................................................................................
"الحرف والغراب " شعر ، اديب كمال الدين ، الدار العربية للعلوم ، بيروت 2013





#سمير_عبد_الرحيم_أغا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرمز في قصص صلاح زنكنة
- الرياضة للجميع
- ملامح عامة عن نظام التعليم العالي في اليابان
- ذئب المحيط
- الرهان
- ما تبقى لنا من الأمس
- أحلى لعبة
- نشيد اللقلق
- حسن وسوزان
- كنت مع السيد حراز
- مدخل بطعم البرتقال
- سر في قلب رجا
- أنا والمدير والمدرسة
- الغجرية
- يعود غدا أبو مائدة
- كنت مع الشيخ غازي
- المعلم يشوع
- نهر يعد الى السماء
- يوميات مدينة في منتهى الأحتلال
- الثورة التعليمية في الانترنيت مدارس مفتوحة وجامعات بلا ابواب


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير عبد الرحيم أغا - الشخصية الرمزية في شعر اديب كمال الدين