أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فكرى عمر - قصة قصيرة/ الشبح والعصا














المزيد.....

قصة قصيرة/ الشبح والعصا


فكرى عمر

الحوار المتمدن-العدد: 4421 - 2014 / 4 / 11 - 19:03
المحور: الادب والفن
    


حين وقف أمام المرآة ذات ليلة رأى وجهه داخلها مثيرًا للفزع. شعره طويل شوكي. عيناه أسماك مشتعلة. ذقنه الطويل ثعابين رفيعة. في الأسفل يحمل جسدًا مترهلًا لوحش لم يعتده في نفسه. هو الهزيل دقيق الملامح نهم الأحلام يخاف خوفا بشعًا من الظلام، ومن سيرة العفاريت، ومن الوحدة. أطفأ النور، وأضاءه مرة أخرى. وجد الشبح ما يزال ثابتًا محدقًا فيه. التفت للخلف. لم يجد أحد سواه بالحجرة مما أوقف الزغب الأصفر الذي يغطى جسده وأطرافه، ويسمر أصابع قدميه. لم يقو على الخروج من حجرته مسرعًا؛ لأن الشبح داخل المرآة شده بعصا ملونة. طرفها خطافي. رسم الشبح بتلك العصا داخل المرآة منحنيًا نصف دائري كقوس قزح. تفتت قوس قزح لفراشات رائعة البهجة. هبطت الفراشات؛ لتشكل أشخاصا بانت ملامحهم، فإذا هو يعرفهم جميعا: صديقه الوحيد، وأبوه، وأمه، وإخوته، وأناس بملامح فظة يعرفهم. لم تواته الجرأة، رغم معرفته بوجود عائلته الحقيقية خارج حجرته ،لا تلك الأشباح فى المرآة، أن ينادى أحدهم ليفسر له ما يحدث. لا حيلة له الآن إلا أن يقف مراقبًا أشباح المرآة. مد يده ببطء، وأطفأ النور. أضاءت في الحال شمس المرآة صفراء ذابلة، واستطاع أن يميزهم. بدؤوا في اللعب فرادى، ثم تشكلوا فرقا من قبل أن يتعارفوا جيدا، ودب فيهم الحماس. أشاروا إليه ضاحكين. وقف بعيدًا في مقام الحيرة. لم يبرحه اندهاشه. مد باطن كفه إلى سطح المرآة. مسحت غُبارً خفيفاً كان فوقها. تباعدت أجسادهم. بينما يميل شبحه العصا بالعكس فتمحى آثارهم كممحاة.
لم يستطع طفل الخامسة والعشرين القابع بداخله أن يخبر أحدًا ممن حوله؛ خشية اتهامه بالجنون. كان يخرج أول النهار. يستنشق هواءً طازجًا، ويفتح أذنيه لكلمات متناثرة لا رابط بينها. يجلس وحيدًا في مقهى، أو على الدكك الخشبية المثبتة بالأطوار تحت ظلال أشجار الزينة، ثم يعود ماشيًا. يتخذ أطول الطرق إلى بيته. بينما يقطع لحظات لا يرى فيها العيون التي يكرهها، والتي تتبعه، وتقذف فوقه لهيب صمتها. هو آمن بالشارع؛ إذ يرقص كالمذبوح، والدفء يلامس قدميه، والبنايات الأسمنتية تفترق عن شوارع مستقيمة ملتوية. مضاءة بشمس النهار، ومبللة بخطو المارة. سيعود نافضًا عن نفسه عبق الزحام الذي كان يمقته من قبل، ولا يجد مناصًا من الاحتماء بدفئه الأليف الآن. كان متاحًا لمرات كثيرة أن يطوى الغطاء عن جسده، ويتجاهل أخاه النائم أحيانًا فى نفس الحجرة، ويشعل النور؛ ليراقب صورته الغريبة التي تظهر كلما حدق في المرآة، وتجلب آخرين يخيفونه، ويسخرون منه. أخوه النائم في الحجرة سرعان ما تململ في فراشه، وقام محدقًا فيه بنظرة مرتابة فيعود متظاهرًا بالنوم.
مرة قرر أن يدخل في مناوشة حقيقية مع الشبح الذي يظهر داخل المرآة؛ فهو لا يستطيع الاعتراف، أو السكوت. ربما يصل إلى حقيقة ما يراه. خلف إضاءة خفيفة وقف ينتظر...
بين خطوط أول النهار ظهر الشبح في المرآة. حدق أحدهما في الآخر. لم يكن بالبيت أحد. أصر على مواجهته. انقض عليه قبل أن يستدعى الشبح أعوانه بالعصي التي في يده. يراها كثيرا، ويبتعد في الحال عنها. شكله الحقيقي ظهر فجأة، ثم تلاشى ليحتل الشبح مكانه في المرآة مستلذًا ساخرًا مرعبًا. ظلت المناوشة دائرة، لكن الشبح تكلم، بل ودعاه للدخول في المرآة. يا للمعجزة!
لم تصبه الدهشة؛ فالأحداث المتلاحقة لم تترك مكانا داخل عقله للتفكير. أغمض عينيه، ومد يده ليكسر خوفه. لمس طرف العصا الذي مدها الشبح له، ومر بجسده النحيل فلفحه نسيم بارد. ما إن أصبح داخل المرآة حتى فتح عينيه فلم ير الشبح المخيف، ولا أتباعه بجواره. استدار فوجدهم قد احتلوا حجرته وسريره. مد يده طلبًا للمساعدة، أو للنجاة من الخدعة، لكن الشبح كسر العصا، ورماها خارج شباك الحجرة.
راقب الشبح وكائناته بفزع من خلال ضباب المرآة وقد استباحوا: كراساته، وصوره، وحاجاته الأخرى. لم يعبؤوا لصراخه المجنون وهم يفتتون ذاكرته أشلاء صغيرة.



#فكرى_عمر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة - أصابع الأشياء الصغيرة
- قصص قصيرة جدًا
- قصة قصيرة / حُلم
- قصة قصيرة / رجل الساعة الضاحك
- قصة قصيرة - تفاوض
- قصة قصيرة - تراب النخل العالى
- قصة قصيرة - وراء الستار
- قصة قصيرة - الثقب والكرة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فكرى عمر - قصة قصيرة/ الشبح والعصا