علوم الاستعمار : الأنثروبولوجيا والاثنوغرافيا والاثنولوجيا -2-

العربي عقون

الحوار المتمدن-العدد: 4409 - 2014 / 3 / 30 - 18:01
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    

سألني البعض في شأن المقال السابق مشيرا إلى أنّه ليس واضحا بالقدر الكافي وكأنّه ومضة موجّهة لنخبة المتخصصين فرأيت أنّه لا بدّ من المزج بين البيداغوجيا وقواعد التحرير العلمي "شبه الصحفي" لتوضيح ما المقصود بعبارة : علوم استعمارية بدءا من التعريف بهذه العلوم التي تتمحور كلها حول الإنسان كإنسان ثم كإنسان في مجتمع وأخيرا كعرق؟
1- الأنثروبولوجيا(1) أو علم الإنسان : هو من العلوم الحديثة وله عدد من الفروع يهمنا منها هنا الأنثروبولوجيا الثقافية التي تدرس معتقدات الإنسان والنظم التي تقوم عليها البنى المجتمعية وزعم بعض المتحمسين أنّ أبحاثهم في هذا المجال يمكن أن توصلهم إلى إقامة قوانين عامّة عن الإنسان في مجتمعه يمكن بواسطتها إقامة علم تطبيقي وهو ما طبقه الاستعمار الأوربي فعلا على الإنسان في مستعمراته وفي هذا السياق يقوم بـ"رصد" عدد من الصفات السلوكية وهي كلّها بكل أسف غاية في السلبية ثمّ يقوم بإسقاطها على كافة أفراد المجتمع محلّ دراسته "الأنثروبولجية" مثل حدّة الطبع ومحدودية الذكاء والخمول والتعصّب ... وفي الأخير تختصر هذه "المثالب" في عبارات تحقير وإهانة مثل عبارات (2) Bougnole وRaton التي يعرفها المعاربيون (أبناء شمال أفريقيا) جيّدا ولا تزال تستعمَل ضد جالياتهم في فرنسا, لكن أخطرها هي ما تستعمله عامّة السكان الأهالي ضدّ بعضها من تنابز تستغلها الأنثروبولوجيا لإشعال نار الفتنة بين العشائر والمناطق ولذلك أسميناها الأنثروبولوجيا الاستعمارية.
2- الإثنوغرافيا(3) أو علم وصف الأعراق وهو فرع من الانثروبولوجيا مجاله الدراسة الوصفية لطرائق وأساليب الحياة لعرق من الأعراق أو مجتمع أو شعب ما، وخلال الفترات الاستعمارية كان هذا العلم مهتما بالشعوب الواقعة تحت الاحتلال التي يضعها في خانة البدائية ويبحث في فلكلورها وفي تناقضاتها ونزعاتها الاحترابية الطائفية والقبلية وقضايا مثل الثأر والتنابز بأسماء أو عبارات قدحية مهينة (4)... .
3- الإثنولوجيا(5) أو علم الأعراق البشرية يهتمّ بالناحية العرقية والسلالية للشعوب من خصائصها العرقية السلالية والثقافية والاقتصادية وكذا حركة ونزوح الشعوب وانتشارها وتوزعها ولغاتها وعاداتها وأعرافها ... وحتى مثالبها ....
هناك تداخل كبير بين هذه العلوم لأنّ مجال دراساتها يتمحور حول الإنسان كفرد وعضو في جماعة بل إنّ الإثنولوجيا "الاستعمارية" اختصت في دراسة الأقليات القومية أو الطوائف الدينية مرتكزة خصوصا على الدين والمذهب والعِرْق فإذا كانت الانثوبولوجيا الاستعمارية قد خرجت بنتيجة وهي محدودية الانسان غير الأوربي وقصوره الطبيعي والفطري والثقافي فإن الإثنوغرافيا وسعت مجال المحدودية والقصور إلى شعوب بأكملها وجاءت الإثنولوجيا لتركّز على العرق والمذهب وهما فتيل سريع الالتهاب يمكن إشعاله متى دعت مصلحة الاستعمار القديم المتجدد إلى ذلك وما يحدث في العالم العربي حاليا ما هو إلاّ نتاج لاستثمار طويل المدى قامت به الدوائر الأكاديمية تحت مظلة وزارات الحربية واستخبارات الدول الاستعمارية وها نحن في العالم العربي نتيجة لذلك قد عاد بعضنا إلى حرب البسوس وبعضنا إلى قلعة ألَموت وحسَنها الصبّاح ليستنبط فتاوى جديدة في الجهاد وبعضنا الآخر ترك إسلام الأخلاق والفضيلة إلى إسلام السياسة ظنا منه أنّ "تصنيع" خليفة في مستوى عمر -وبالوصف الذي ورد في امهات الكتب- يقودنا إلى الحكم الراشد أمرا هيّنا ..... "يحسبونه هيِّنا وهو عند الله عظيم.
غباوة ما بعدها غباوة ! كان على النخب السياسية أن تقرأ تاريخ بلدانها وشعوبها لتتعظ ولتعتبر ... لكن ودون ريب هي لا تقرأ لأنها لو قرأت ما كانت لتعيد ذات الأخطاء لتثبت صحّة ما جاء من مثالب في حقها وحق شعوبها.
____________________________
(1) الانثروبولوجيا من كلمتين إغريقيتين (Anthropus) وتعني الانسان وLogos وتعني علم أو دراسة وقد عرّبها البعض بالإناسة أو علم الإناسة.
(2) عبارات قدح واهانة استعملها الكولون الذين جاء بهم الاستعمار الفرنسي من جنسيات اوربية مختلفة كانوا ينعتون بها الأهالي في شمال أفريقيا وهي لا تزال مستعملة من قبل الفرنسيين في حقّ الجاليات الشمال أفريقية في فرنسا، ويحاول الاكاديميون الفرنسيون تبرئة الاستعمار الفرنسي منها بالقول أن كلمة بونيول (Bougnoule) مثلا هي من لغة الولوف (Wuluf) الأفريقية وهي تعني (الأسود) وإن كانت كذلك لماذا استعملوها لنعت الشمال أفريقيين وهم من الجنس الأبيض بل إن الكثير منهم أشدّ بياضا وشقرة من كثير من الفرنسيين أنفسهم.
(3) إثنوغرافيا من كلمتين إغريقيتين هما : Ethnos وتعني عِرق و Graphein وتعني وصف أو صورة
(4) والكل في ناحية بسكرة في الجزائر مثلا يعرف أن عبارة بسيطة لا مجال لذكرها هنا كان التلفظ بها كافٍ لإشعال نار الفتنة في حقّ قبيلة البوازيد ... وهذا من نتائج زرع المثالب (dénigrements) بين السكان ... ومن المؤسف أن نجد رئيس حكومة وأمام كاميرات التلفزيون يتفوّه بعبارات من قاموس الإثنولوجيا الاستعمارية في حقّ شعبه كادت أن تتسبب في حرب أهلية وهذا ما جعلنا نكتب هذا المقال لنلفت الانتباه إلى خطورة استعمال هذه المثالب التي رصدتها بخبث تلك العلوم ضدّ أمن مجتمعاتنا وانسجامها.
(5) اثنولوجيا من كلمتين إغريقيتين هما : Ethnos وتعني عِرق وLogos وتعني علم أو دراسة

#العربي_عقون (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل