أحمد القبانجي
الحوار المتمدن-العدد: 4408 - 2014 / 3 / 29 - 07:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قالوا وقلنا:.........
قال الله:( من طلبني وجدني, ومن وجدني عشقني, ومن عشقني عشقته, ومن عشقته قتلته, ومن قتلته فعلي ديته, وأنا ديته )-حديث قدسي.
أقول: هذا الحديث الشريف يجسد العرفان بأدق معانيه, فالعرفان ليس هو علم يحصل عليه الانسان بالنظر واعمال الفكر كالفلسفة والعقائد والعلوم الاخرى, بل هو حركة من اعماق الانسان للبحث عن الله, لذا ينبغي القاء بعض الضوء على فقرات هذا الحديث النوراني :
1-(من طلبني وجدني), فكل من أراد الله يجب ان يطلبه ,ولابد أن يسبقه شوق أكيد الى طلب الحق,وهو ماورد في دعاء الامام الحسين اذ يقول: ولقد علمت ان افضل زاد الراحل اليك عزم إرادة يختارك بها.. فاذا توفر هذا الشوق والعزم تحرك الانسان نحو الطلب, ولكن الانا القشرية لا تدع الانسان يطلب الله لانه اذا سار في هذا الطريق فان ذلك يهدد وجودها كما ان نمو الفرخ في البيضة يهدد وجود القشرة,والله في بداية الامر-وحسب رؤية العرفاء- كالنطفة في قلب الانسان وأعماق وجوده ويمثل ذاته الحقيقية كما تقدم في المقالة السابقة,فاذا اهتم الانسان بتغذية هذه الذات الحقيقية او الوجدان فان الانا او النفس القشرية سوف تتعرض لخطر الذبول والفناء,ولذلك تتحرك هذه النفس لمنع تحرك الانسان بهذا الاتجاه بمختلف الوسائل, واهمها أن تقدم للانسان اهدافا بديلة كأن تصوًر له الكمال في طلب المال او المكانة الاجتماعية والجاه وكسب البطولة وحتى في التدين للحصول على الجنة والنجاة من النار و..الخ, ولكن الانسان الطالب لله فقط اذا لم يلتفت الى هذه الحيل النفسانية واستمر في طلبه للحق تعالى فسوف يجده حتما في نهاية المطاف كما ورد في هذه الفقرة, وهذا يحتاج الى توحيد الارادات والرغبات في نفس الانسان ليقوى شوقه ويشتد عزمه في طلب الله,ولكن الانا تسعى الى تشتيت ارادته وتفريقها الى ارادات كثيرة ومتنوعة نحو غايات دنيوية وامور المعاش والكسب والوظيفة ومشاكل الاسرة والسياسة وغير ذلك مما يضعف في الانسان الارادة الخالصة في طريق الكمال المعنوي.
2-(ومن وجدني عشقني),فعندما يتوجه الانسان بقلبه نحو الله ويرى نعمه الكثيرة عليه ويتذكر كم من المشاكل والازمات التي انقذه الله منها طيلة حياته ويستمر على ذلك مدة من الزمان فسوف يتولد حب الله في قلبه,لأن الانسان عبيد الاحسان كما يقال, ولكن لا ينبغي الانخداع بهذا الحب فهو حب العبيد ويختلف عن العشق الوارد في هذا الحديث,لانه حب مصلحي وليس خالصا من الانانية, فالمتدين يحب الله لانه يرزقه المال والصحة والسكن وامثال ذلك مثل حب الطفل لامه لانها ترضعه وترعاه وليس لانها اصل وجوده, اي انه في بداية الامر يتخذ من الله وسيلة لتحقيق منافعه الدنيوية او الاخروية,اما العشق فهو الحب الخالص من شوائب المصلحة والنفعية,ومثل هذا العشق قد يتولد بعد الحب فيما لو استمر الطالب في طريقه مهما تعرض للضغوط من داخله وخارجه كالوحدة والعزلة والنبذ من المجتمع والمشاكل العائلية والمالية , فاذا اصر على سلوك هذا الطريق رغم هذه الصعاب ولم يكن طلبه لله من اجل الثواب والجنة فهذا يعني العشق, فاذا تولدت بذرة العشق لله في قلبه فسوف يعشقه الله ويسارع في مساعدته للتغلب على تلك الصعاب, وبذلك يتبين ان الله يحب جميع مخلوقاته اما العشق فيختص بالعاشقين له كما ورد في التفاسير ان(الرحمن)هي الرحمة العامة لجميع الخلائق,و(الرحيم)هي الرحمة الخاصة بالمؤمنين..
3-(ومن عشقني عشقته),فالشخص الذي يعشق الله فهذا يعني انه لم يبق في قلبه ميلا ورغبة للامور المادية والعناوين الوهمية, فهو يستحق ان يكون موردا لعشق الله له,ولكن الله لا يعشق سوى ذاته كما يقول العرفاء,لانه لا يوجد غيره في عالم الوجود, فعشق الله لهذا الشخص العاشق ليس كالعشق بين الرجل والمرأة الناتج من حاجة احدهما للآخر بل من حب الله لذاته الموجودة في قلب هذا العاشق,وهي ذاته الحقيقية كما تقدم,فهذا الانسان قد قام بتصفية قلبه من درن الاهواء والتعلق بالعناوين الوهمية والرغبات الرخيصة حتى صار كالمرآة انعكست فيها صورة الله او نور الله,وبهذا المعنى لا يوجد اثنينية بين العاشق والمعشوق .
4-(ومن عشقته قتلته), اي يقوم الله بقتل الانا في هذا العاشق والتي تعترض طريق الوصل بينه وبين الله وتحجبه عن رؤية معشوقة,وعندها لا يشعر الشخص بأن له وجودا آخر سوى الله,لانه لم يبق فيه سوى الذات الحقيقية فيشعر بالاتحاد مع اصله ويقول: انا الحق.. ولكن لماذا يقوم الله بقتل الانا في هذا الشخص؟ لأن من صفات العاشق الغيرة,وكلما كان العشق اكثر كانت الغيرة اشد,والزوج الذي لا يغار على زوجته فهو لا يحبها والعكس صحيح,وهذه الغيرة ليست بالمعنى البشري بل بمعنى زوال الوهم عند بزوغ الحقيقة وفرار الظلام من النور,وبما الانا القشرية في حقيقتها وهم يقبع في ذهن الانسان فسوف تزول وتفنى بمجرد ان تشرق اشعة شمس الالوهية على قلب العاشق وذهنه.
5-(ومن قتلته فعلي ديته وأنا ديته),فعندما تعود القطرة الى اصلها وهو البحر,فسوف تفقد كيانها وماهيتها كقطرة,اي تفقد ذلك الشكل الكروي ويفنى وجودها كقطرة ولكن في مقابل ذلك اتحدت مع البحر فصارت بحرا,وسوف لا يقال انها قطرة بل يشار اليها ويقال انه البحر.. هنا الله يقول انني انا ديته,اي انني احل محل الانا فيه, فيكون الله عينه التي يبصر بها واذنه التي يسمع بها ويده التي يبطش بها كما ورد في حديث النوافل,وبذلك يعيش هذا الشخص مع الناس وليس معهم ويرى مالا يرون كما قال الامام علي: ما رأيت شيئا الا ورأيت الله معه وقبله وبعده.. ويقول سيد الشهداء الحلاج:
والله ماطلعت شمس ولا غربت ... الا وحبك مقرون بأنفاسي
ولا جلست الى قوم احدثهم ... الا وانت حديثي بين جلاسي
ولا ذكرتك محزونا ولا فرحا ... الا وانت بقلبي بين وسواسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش ... الا رأيت خيالا منك في الكاسي
............... وشكرا لكم
#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟