أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالحق رحيوي - الحداثة واشكالية الراهن















المزيد.....

الحداثة واشكالية الراهن


عبدالحق رحيوي

الحوار المتمدن-العدد: 4405 - 2014 / 3 / 26 - 20:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لقد قلنا سابقا أن الحداثة ارتبطت بمفاهيم أضفت على حضورها أكثر ديناميكية، فمفاهيم "التطور،التحرر (...) التقدم،الأزمة"،تعبر بوضوح عن الطابع القلق الذي يتسم به العصر، عصر يحاول ايجاد هويته الخاصة في ظل سياق تاريخي يتميز بالديناميكية وعدم الثبات.
في ظل هذا الوضع تجد الحداثة نفسها في مهمة صعبة،وهي تحديد معاييرها بدقة، أي من حاضرها بعدما اعلنت انفصالها عن الماضي، وعن ما يمكن أن تدين به إلى الحداثة المسيحية،والعصور القديمة، تحاول أن تكون بنت زمانها، والقرن الثامن عشر هو بداية تاريخيها. لكن هل يمكن للتاريخ أن يولد من جديد؟ فالتاريخ ولد بميلاد البشرية وتطور بتطور وعيها، فهذا الاستمرار التاريخي للتاريخ، هو ما يجعل الحداثة أكثر عصبية عندما يتعلق الأمر بضرورة أن تحدد موقفها من ذاتها ومن العالم، وهذا ما يعبر عنه "بلومنبرغ" في الأشكال التالي :"إن مواجهة عصر لمسألة شرعيته التاريخية ليست أمرا مفروغا منه (...) بالنسبة للأزمنة الحديثة مسألة ضمنا حاضرة في تطلعها لإنجاز قطيعة جذرية مع التراث ـ وأن تكون قادرة على هذا الإنجاز ـ كما أنها حاضرة في عدم التناسب بين التطلع وواقع التاريخ الذي لا يمكنه البتة أن يبدأ من جديد بداية تقلب كل شيء رأسا على عاقب " .
يستعين "بلومنبرغ" لتوضيح هذا الإشكال المتعلق بإيجاد الحداثة لضماناتها الخاصة، أي لكي تصبح للحداثة هوية، لأن الهوية تفرض الثبات مقابل عصر يعرف تغير لا متناهي إذ لم نقل أن الحداثة التي أعلنت انفصالها عن التقليد الذي يقوم على منطق الثبات مقابل منطق التغير الذي قامت عليه الحداثة، بنص لهيجل الشاب "إذا ما أهملنا بعض المحاولات السابقة، يعود لعصرنا حق المطالبة بملكية الإنسان ـ نظريا على الأقل ـ لكنوز كانوا قد غالوا في منحها للسماء.لكن ما هو الزمن الذي يتصف بالقوة الكافية،لإبراز مثل هذا الحق وامتلاك مثل هذه الخيرات" .
بلومنبرغ واحد من الألمان الذي سعى جاهدا للدفاع عن شرعية الأزمنة الحديثة،لكن دفاع عن هذه الشرعية في نظره ابتدأ مع هيحل الشاب أي عندما بدأت تعي الحداثة المسألة التي تجابهها المتمثلة في تأسيسها لذاتها بوسائلها الخاصة، هذا التأسيس للحديث مقابل التقليد يظهر واضحا في الأفق الجمالي أو ما أطلق عليه بالحداثة الجمالية في القرن الثامن عشر.
يرى بودلير أن التجربة الجمالية، تختلط بالتحربة الجمالية للحداثة؛ "فالحداثة هي الانتقالي، العابر،الجائز،وتشكل نصف الفن،نصفه الآخر هو الأزلي اللامتغير" .من هنا يصبح الثابت في الحداثة هو عدم الثبات.
بهذا المعنى ترتد الحداثة إلى الزمن الراهن زمن تشكل في عقود العصر الحديث، فالراهن سرعان ما يتلاشى وبذلك تتيه الحداثة، لأنه زمن لا يمكن أن يعي ذاته انطلاقا من مقارنة نفسه بعصر ادعى الانفصال عنه، لذلك فالزمن الراهن الذي تنتسب الحداثة إليه هو الزمن الذي يتشكل انطلاقا من تقاطع الزمن والأزل على حد قول بودليير. بهذا المعنى تكون الحداثة غير قادرة على إنقاذ نفسها من الهشاشة التي تعاني منها نظرا لتلاشي الراهن الذي يصعب تحديده.
في ظل تلاشي الراهن تكون الحداثة التي انتسبت الى هذا الزمان متلاشية، أي أنها تعلن عن أن ما هو حداثي اليوم، سيصبح كلاسيكيا غدا. هنا تكمن صعوبة انقاذ الحداثة لنسفها من التغير الذي يعصف بها بمجرد دخلوها للمسرح، لكنها تحاول أن تثبت نفسها انطلاقا من منطقها القائم على فكرة "التقدم".
هذا الارتباط بين الحداثة والعابر بحيث يفقد كل شيء قيمته بفقدانه لراهنيته، هو ما يفسر في نظر بودلير العلاقة الحميمية بين "الحداثة والموضة" .هذه الموضة التي ستشكل الجزء الأصيل في الفن وستجعل منه سهل للهضم حسب بودلير، بمعنى" أن الجمال الأزلي لا ينكشف إلا وهو متنكرا بلباس العصر". لذلك فالحداثة الجمالية تكون قد اعلنت القطيعة بشكل واضح مع الفن الكلاسيكي المطلق.
لقد غدت الحداثة انتقالية بشكل مطلق، هذه الانتقالية اعطاها بودليير بعد جمالي، كما جسدته "الموضة"، مما يجعل الحداثة هي لحظة تلازم الزمان بالأزل مجسدا في العمل الفني الأصيل. هذه التجربة الحداثية على الصعيد الجمالي سيسعى بنجامين ترجمتها على الصعيد التاريخي، فذاكرة التاريخ المحتفظة بأحداثها سرعان ما تخترق الحاضر، لذلك يجب على "الحداثة المختزلة في الحاضر "الراهن" أن تستعيد معياريتها من صور مرآتية لماض "استدعي" فور بلوغها اصالة الحاضر " .
إذا كانت الحداثة هي وعي بالحاضر فإن الحاضر في نظر بنجامين، ليس قطيعة مع الماضي لأنه لا يمكن أن يعلق الاستمرارية التاريخية، فالقطيعة هنا لن تكون سوى قمعا لماضي ما انفك يحضر، فالعصور الماضية تشكل أفق التوقعات البشرية، ما على الحاضر المستشرف للمستقبل سوى العيش في تذكر ماضي يقابله كل مرة، إنه مرآته.
من هذا المنطلق لا ينبغي فهم إشكالية الحاضر باعتبارها قطيعة مع ماضي، لأن الماضي سرعان ما يستعيد حضوره، ويكون حضورا ثقيلا على الحاضر، لكن ما عليه سوى مصالحته من جهة وتحمل مسؤولية مصير بشرية تعيش على براءة اجيال سابقة.
يبقى موقف بنجامين متأخرا على هيجل زمنيا، لذلك فإشكال قطيعة الحداثة مع ايحاءات الماضي يبقى هيجليا، ولهذا الإشكال حضور في فلسفته، فبمجرد وعي الحداثة لذاتها وللانشقاقات التي تلازمها تطرح على نفسها مسألة ايجاد ضماناتها الخاصة، حاجة الحداثة الى هذه الضمانات تفسر منبع حاجتها الى الفلسفة " .
إن الفلسفة بنت زمانها كما يقول هيجل وإن كانت لا تحلق إلا بحلول الظلام، فإنها مطالبة بترجمة زمانها الى أفكار وزمنها هو الزمن الحديث، وإذا كانت الفلسفة بنت زمنها وزمنها يشكل ميلاد الحداثة فإنه يستحيل على الفلسفة أن تدرك مفهومها خارج سياق الحداثة.
تحتاج الحداثة إذن الى مبدأ جديد يؤسس لحقبتها التاريخية ويقدم لها ضماناتها الخاصة، هذا المبدأ تشكل في أفق العصر الحديث وهو مبدأ الذاتية، فالذات ترتبط بالحرية والتفكير، وهما خاصيتين غلف خطاب الحداثة منذ ميلادها، بل أكثر من ذلك على حد تعبير هيجل "إن ما يصنع عظمة عصرنا يقوم على الاعتراف بالحرية بوصفها خاصة الروح،حقيقة كونها بذاتها" .
يقدم هابرماس لمفهوم الذاتية أربع دلالات وهي " الفردية،حق النقد،استقلال العمل،والفلسفة المثالية نفسها". وكلها مفاهيم تشكل إعلان عن استقلال الأزمنة الحديثة عن التراث وقطيعة الحاضر مع الماضي، وانفصال الأرضي عن السماوي، وانفصال الكنسية عن الدولة، وتخلص العمل من القدر، والطبيعة من الغاية ، والعلم من الصدفة.بهذا المعنى تكون الحداثة عصر من عصور العالم لها موقف خاص من العالم والإنسان.
إن الحداثة ترتد الى الذات، وكل المباحث والعلوم تجد تجسيدا لها في مبدأ الذاتية، لم تعد كل الخطابات والعلوم تجد مبدأها في الدين أو الكنيسة بل أصبحت الذات هي المرجع وهي مركز العالم. بهذا المعنى يكون الإنسان قد قفز الى الواجهة واحتل مركز الثقل في العالم. عالم تحول إلى بناء داخل الذات مع كانط، وانعكاسا للروح مع هيجل.
يعتقد هيجل أن الفلسفة الكانطية هي مرآة عصرها مدام العالم يبنى داخل الذات فإن كل تمظهرات العلم والثقافة اصبحت مبنية في عقل فقد وحدته، لكن يبقى المحكمة العليا أمام كل سلوك فهو من يضفي المشروعية على السلوكات سواء الأخلاقية أو الفكرية.
تكمن قيمة كانط في كونه أدرك بوضوح ضرورة تجزيئ العقل وانشطاره هذا الانشطار فرضه مبدأ الذاتية، لكن في نظر هيجل أن إدراك هذه التمايزات التي أصبحت تفرض على الفلسفة ضرورة التفكير فيها لم يكن واعي في الفلسفة الكانطية، يبدأ هذا الوعي بمجرد ما تطرح الحداثة على نفسها ضرورة أن تستمد معاييرها من ذاتها، بعيدة عن كل إلزام تاريخي يجعل منها استمرارا للعصور السابقة،بمعنى هل "مبدأ الذاتية وبنية وعي الذات الملازمة له تشكل منابع كافية لتلبية حاجة التوجهات المعيارية(....)كيف يمكننا انطلاقا من روح الحداثة أن نبني وجها داخليا مثاليا لا يكتفي بتقليد الأشكال المتعددة للتاريخ حيث ظهرت الحداثة، ولا يفرض نفسه على هذه الأشكال من منظور خارجي؟ "
في نظر هابرماس أن هيجل أدرك بوضوح المشكل الذي خلفته الكانطية، بعد أن أفقدت العقل قوته الموحدة، فالطابع الثوري للفلسفة الكانطية القائم على الفصل بين المعرفة والإيمان،العقل العملي، العقل النظري،...الخ.يعبر بوضوح عن أزمة العصر والقلق الذي يسكن الحداثة ذاتها،لذلك فنقده للفلسفة الذاتية هو نقد للحداثة في هذه الفلسفات، لذلك يجد هيجل نفسه مطالبا بالبحث عن قوة موحدة تستطيع أن تنقذ الحداثة من الشروخات لكي تصبح قادرة على تعبير عن نفسها في مفهوم يعرفها.
في بحثه عن حل لهذه الأزمة لم يجد هيجل اكثر من العودة للعقل ليس كوحدة مغلقة "ديكارت" أو وحدة شكلية "كانط" بل العقل يسكنه روح مطلق يحتاج لظهور،هذه القوة الموحدة للعقل تسعى الى تجاوز مبدأ الذاتية في إطار فلسفة الذات.انطلاقا من هذا المبدأ سيسعى هيجل الى بلورة تصور جديد للحداثة.



#عبدالحق_رحيوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطاب السياسي للحداثة وميلاد الدولة الحديثة
- هيجل والوعي الفلسفي بالحداثة
- الثورات العربية على ضوء كتاب -سيكولوجية الجماهير- جوستاف لوب ...
- الدرس السقراطي والمدرسة الخصوصية
- الجنس والجنسانية من وجهة نظر تاريخية


المزيد.....




- في وضح النهار.. فتيات في نيويورك يشاركن قصصًا عن تعرضهن للضر ...
- برج مائل آخر في إيطاليا.. شاهد كيف سيتم إنقاذه
- شاهد ما حدث لمراهق مسلح قاد الشرطة في مطاردة خطيرة بحي سكني ...
- -نأكل مما رفضت الحيوانات أكله-.. شاهد المعاناة التي يعيشها ف ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- صفحات ومواقع إعلامية تنشر صورا وفيديوهات للغارات الإسرائيلية ...
- احتجاجات يومية دون توقف في الأردن منذ بدء الحرب في غزة
- سوريا تتهم إسرائيل بشن غارات على حلب أسفرت عن سقوط عشرات الق ...
- -حزب الله- ينعي 6 من مقاتليه
- الجيش السوري يعلن التصدي لهجوم متزامن من اسرائيل و-النصرة-


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبدالحق رحيوي - الحداثة واشكالية الراهن