أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إيمان أحمد ونوس - ثقافة الحوار ضرورة إنسانية- حضارية















المزيد.....

ثقافة الحوار ضرورة إنسانية- حضارية


إيمان أحمد ونوس

الحوار المتمدن-العدد: 4401 - 2014 / 3 / 22 - 02:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




ما يميّز الإنسان علن باقي الكائنات الحية، أنه كائن عاقل ناطق، ففي مرحلة لاحقة من تطوره العقلي والنفسي استخدم الرسم والإشارات للتواصل مع الآخرين، إلى أن وصل مرحلة النطق والكلام التي اعتُبرت مرحلة راقية ومتطورة في التاريخ البشري. وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلُّ على الحاجة المّاسّة والضرورية للتواصل والتعاطي بين البشر في مختلف ميادين الحياة والأنشطة الإنسانية المتنوعة، مُدلِلاً من خلال ذلك على أنه ليس وحيداً في هذا العالم، وإنما هناك أشخاص آخرون مثله عليه التعاطي والتعاطف معهم وتبادل الخبرات والأفكار والرؤى، وعلى هذا الأساس قامت الحضارات الإنسانية على مرّ التاريخ.
فالحوار كظاهرة صحية من أهم أسس وضرورات الحياة الاجتماعية، إضافة إلى أنه ركيزة فكرية وثقافية بين الشعوب باعتباره الوسيلة المُثلى للتعبير عن حاجاتنا ورغباتنا ومشاعرنا، وأهم الطرق والسبل لحلِّ مشاكلنا بشكل سلس وحضاري بعيداً عن الإقصاء والعنف.
" ومن هنا نلاحظ اليوم الاهتمام الكبير للدول المتقدمة التي تسعى إلى الوصول والرقي والتقدم بلغة الحوار من خلال تعزيز ثقافته ومهاراته داخل المجتمع ومؤسساته المختلفة إيماناً منها بأن الحوار يساعد المجتمع على إتقان الحديث في المجالات الحيوية المختلفة، كما أن هذه الدول المتقدمة تخصص أقساماً علمية بالجامعات لتعليم فنون التواصل والحوار وتخصص مقررات منفصلة لتعليم مهاراته وقواعده وآدابه وأصوله." (1)
لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل الحوار ثقافة مكتسبة أم طبيعية؟
الحوار بشكله الأولي يُعتبر غريزة طبيعية لدى الإنسان عموماً، لأنه السبيل الأنجع للتعاطي مع الحياة والآخرين، بينما نجد أنها بالشكل الثقافي الراقي يُكتسب من خلال التربية الأسرية أولاً، ثمّ من خلال باقي مسارات حياة الفرد سواء التعليمية أو المهنية، وكذلك سائر الأنشطة الثقافية والسياسية وسواها عبر التعبير عن آرائه في الأوساط التي يتواجد فيها.
لكنّ التعبير عن الرأي يحتاج إلى فضاء من الحرية الحقيقية والهادفة. غير أن الواقع الحقيقي لمجتمعاتنا، أنها قائمة على جملة من القيم والتقاليد والمفاهيم التي تُعزز الفكر التسلطي والرأي أُحادي الجانب بدءاً من البيت مروراً بالمدرسة والجامعة وأماكن العبادة والعمل، وحتى في أوساط الأحزاب والنخب السياسية والثقافية وصولاً إلى أنظمة الحكم القائمة أساساً على قمع الحريات ومُصادرة الآراء، ومُعاقبة المبدعين في كافة المجالات التي لا تصبُّ في مصلحتها وتخدم رؤاها.. الخ، حتى بتنا لا ندرك قيمة الآخر المختلف عنّا ولا نعترف به ما لم يتمثَّل قيمنا ومفاهيمنا وآرائنا، وإلاّ نبذناه كما يُنبَذ الأجرب، ذلك أننا لم نعتد أن يكون هناك رأيٌ مخالف لما نعتقد، ولا قبول الآخر والتعايش معه كما هو.
الأمر الطبيعي والصحي في كل المجتمعات الإنسانية هو الاختلاف والتنوّع، وإلاّ تحوّلت هذه المجتمعات إلى حالة من الجمود والسكونية التي لا تتوافق مع قيم التطور والتحضّر، وبالتالي سيادة التبعية للآخر المتسلط. لأنه كلما ضاقت مساحة الحوار، كلما تقلّص الوعي والثقافة، وبالتالي اتسعت مساحة العنف والقمع اللذين يُصبحان الطريق الوحيدة في التعامل بين أفراد المجتمع. فبالتنوع والتعددية واختلاف وجهات النظر يغدو المجتمع حيوياً مزدهراً بمجمل الآراء المطروحة والمتجددة دوماً، وبالتالي يزدهر الفكر الإنساني وترتقي المجتمعات. كما أنَّ امتلاك ثقافة الحوار يُعتبر مقدّمة وركيزة أساسية لبناء الديمقراطية الحقيقية القائمة على التفاعل والاعتراف بالآخر شريكاً أساسياً ومهماً في بناء قدرات تلك المجتمعات، لأن الحوار الحقيقي والفعّال يستند أساساً إلى العقل الذي يعتمد عليه منطق الحوار.
من هنا، فإنّ أيّ حوار بيننا وبين الآخرين يجب أن يرتكز على شرطين أساسيين وهما:
1- فهم الطرف الآخر، الفيلسوف الألماني بولتوف يترجم هذا الشرط بالقدرة على الإصغاء للآخر، إنه إدراك أن الآخر يودُّ أن يقول شيئاً مهمّاً بالنسبة لي، شيئاً عليَّ أن أُفكّر فيه، وقد يُرغمني، إلاّ إذا دعت الضرورة على تغيير رأيي.(2)
2- أمّا الشرط المسبق الآخر، فهو الثقة بالآخر، قال الفيلسوف الصيني- لاوتسه-
" إذا لم تثق بما فيه الكفاية، فلا أحد سيثق بك."(3)
على الرغم من البساطة الظاهرية في هذين الشرطين، إلاّ أنهما في ذات الوقت غاية في التعقيد، لأنهما يعتمدان أخلاقيات متجذِّرة أساساً في الشخصية، فبقدر ما تكون هذه الشخصية مرتكزة على تربية غرست فيها حبَّ وفهم الآخر والثقة فيه من خلال الثقة بالنفس وتقدير الذات، بقدر ما تكون ناجحة في علاقتها مع الآخر، والعكس صحيح.
" كيف لي أن أُصغي إلى الآخر وأثق به إذا كنتُ أساساً لا أُصغي إلى نفسي ولا أثقُ بها."(4)
أجل، كيف لنا هذا وتربيتنا الاجتماعية- الدينية- السياسية قائمة أساساً على التسلّط وقمع الآخر، فلا يُمكننا أن نصل إلى الحالة التي تؤهلنا لذلك إلاّ عبر نضال شاق وطويل مع الذات وتهذيبها وترويضها عليه.
يقول إيريك فروم في كتابه- الإنسان من أجل ذاته: بحث في سيكولوجيا الأخلاق-
" إن إصغاء المرء إلى نفسه شديد الصعوبة، لأنَّ هذا الفن يقتضي قدرة أخرى نادرة في الإنسان الحديث، هي قدرة المرء على أن ينفرد بذاته."
وأعتقد أن ما يرمي إليه فروم من وراء الانفراد بالذات ليس فقط المعنى التجريدي للجملة رغم أهميتها لدى إنسان هذا العصر المقيّد بكل الوسائل والتقنيات التكنولوجية الحديثة التي أخذته من ذاته، وإنما أيضاً التحرر من قيود التبعية والتسلّط للآخر المستبد تربوياً وثقافياً... الخ.
إنّ ثقافة الحوار البنّاء لا يمكن تَبَنْيها من خلال الدعوة إليها فقط، وإنما تحتاج أيضاً إلى تحفيز العقول للعمل بها بما تمتلكه من علم ومعرفة وإدراك يؤهلها لتلك المهمّة المُعَقَدة والحساسة. وهذا ما سيجعلنا إذا ما رغبنا حقيقة في امتلاك هذه الثقافة في مجتمعاتنا بحاجة إلى زمنٍ ليس بالقصير ولا الهيّن لامتلاك أدوات الحوار التي يمكنها أن تُخرجنا من دائرة الانغلاق والخوف من مواجهة الآخر، وتكوين مفاهيم وأفكار خاطئة عنه تكون بمثابة عراقيل ومُعيقات لضعف التفاهم والتواصل معه. وهذا لا يتمّ باعتقادي إلاّ من خلال التربية الأسرية رغم ما تحتاجه من زمن لتأهيل الأجيال القادمة لتبني تلك الثقافة، بالإضافة إلى تبني الحكومات هذه المفاهيم عبر المناهج التربوية والتعليمية وطرائق التدريس التي تعتمد الاعتراف بشخصية الطالب وحقه الطبيعي في إبداء رأيه، بالإضافة إلى سنّ تشريعات وقوانين ترتكز إلى شرعة حقوق الإنسان والاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة. وقبل كل هذا وذاك العمل على إطلاق الحريات السياسية وسواها في المجتمع وصولاً إلى تعددية تعمل على بناء كيان الدولة والمجتمع بناءً حضارياً وراقياً.
يُضاف إلى ذلك الدور الهام والأساسي المنوط بالأحزاب والنُخب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من خلال الممارسة الحقيقية والفعّالة والجادة لمبدأ الديمقراطية وحرية التعبير والرأي بعيداً ما أمكن عن المركزية الشمولية التي تُلغي وتُقلّص الدور الحيوي والهام للأعضاء.
يأتي كل ذلك انطلاقاً من حتمية الاختلاف الطبيعي بين الناس في المجتمع الواحد، إذ لا يمكن لأفراد الأسرة الواحدة أن يتفقوا جميعاً ودائماً على رأي واحد، فكيف بالمجتمع المتعدد والمتنوع الأطياف السياسية والثقافية والدينية وإلى ما هنالك من تنوّعات تُغني الحياة إذا ما تبنّت وأتقنت فعلاً وقولاً فنّ الإصغاء والاعتراف بالآخر شريكاً في الحياة والوطن.
مراجع:
(1) د. عبد الإله المعيوف- الحوار الطلابي البناء...دعم للتواصل وتقبل الآخر وطريق لبناء المستقبل.
http://rs.ksu.edu.sa/85653.html
(2) مقدمة مترجم كتاب فن الإصغاء لإريك فروم.
(3) مقدمة مترجم كتاب فن الإصغاء- المقدمة العربية لكتاب- التحديات الكبرى في الحياة والدين والدولة- تأليف آرتولد تويني ودايساكو اكيدا- ترجمة محمود منقذ الهاشمي.
(4) محمود منقذ الهاشمي- مقدمة مترجم كتاب فن الإصغاء لإريك فروم.



#إيمان_أحمد_ونوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إِلامَ ترنو المرأة السورية في عيدها العالمي..؟
- وضع المرأة في العمل السياسي
- الزواج والطلاق العرفيان يسودان مناطق التوتر
- أهمية وضرورة الصحة الإنجابية
- الأزمة السورية... ويلات وكوارث لم يشهدها التاريخ.
- من لجّة الموت والدمار.. السوريون يصرخون كفى
- أطفال سوريا في مواجهة عواصف متعددة
- ما مصير الأطفال مجهولي النسب في النزاعات والحروب
- المرأة السورية في مواجهة عنف مضاعف
- قذائف بعيدة المدى لسوريا وأطفالها
- الطلاق أحد أهم تجليات الأزمة السورية
- المرأة العربية في الدين والمجتمع
- طلاب وتلاميذ سوريا في مهب الريح
- هل بات العنف سمة المجتمع السوري اليوم.؟
- المواطن السوري بين سندان الحكومة والتجار... ومطرقة الولايات ...
- القانون السوري يُجرّم الضرب... والعرف أقوى تجاه المرأة
- أمريكا.. نشوء دامي وتاريخ إجرامي ما زال مستمراً
- متى يتنحى العرف أمام القانون..؟
- قانون مكافحة الدعارة في مجتمع يعجُّ بها بأشكال متعددة...
- تمييز لا إنساني ضدّ المرأة والطفل في قانون الجنسية السوري


المزيد.....




- لافروف يتحدث عن المقترحات الدولية حول المساعدة في التحقيق به ...
- لتجنب الخرف.. احذر 3 عوامل تؤثر على -نقطة ضعف- الدماغ
- ماذا نعرف عن المشتبه بهم في هجوم موسكو؟
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام 12 سجينة في طقس -خميس العهد- ...
- لجنة التحقيق الروسية: تلقينا أدلة على وجود صلات بين إرهابيي ...
- لجنة التحقيق الروسية.. ثبوت التورط الأوكراني بهجوم كروكوس
- الجزائر تعين قنصلين جديدين في وجدة والدار البيضاء المغربيتين ...
- استمرار غارات الاحتلال والاشتباكات بمحيط مجمع الشفاء لليوم ا ...
- حماس تطالب بآلية تنفيذية دولية لضمان إدخال المساعدات لغزة
- لم يتمالك دموعه.. غزي مصاب يناشد لإخراج والده المحاصر قرب -ا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إيمان أحمد ونوس - ثقافة الحوار ضرورة إنسانية- حضارية