أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم مرزة الاسدي - 1 - الرصافي بين الشموخ والاستكانة ... حكّام العراق يسحقون عباقرته !















المزيد.....

1 - الرصافي بين الشموخ والاستكانة ... حكّام العراق يسحقون عباقرته !


كريم مرزة الاسدي

الحوار المتمدن-العدد: 4396 - 2014 / 3 / 17 - 11:26
المحور: الادب والفن
    


الرصافي بين الشموخ والاستكانة ... حكّام العراق يسحقون عباقرته !
كريم مرزة الاسدي
الحلقة الأولى
(موشح المرزباني): حدّث احمد بن خلاد عن ابيه قال:قلت لبشار:انك لتجيء بالشيء الهجين المتفاوت . قال : وما ذاك ؟ قلت : بينما تقول شعراً تثير به النقع ,وتخلع به القلب. مثل قولك :
اذا ما غضبنا غضبةً مضريةً ً*** هتكنا حجاب الشمس او قطرت دما
إذا ما أعرنا سيداً من قبيــــلةٍ ***ذرى منبر ٍ, صلّى علينا وسلّمــــا
تقول :
ربــــــــــابة ربّة الــــــبيتِ *** تـصـــــب الخلَ في الزيــــــــت
لــــــــها عشر دجـــاجــاتٍ *** وديـــــكٌ حـــسـن الصـــــــــوت
فقال:لكل وجه موضع , فالقول الاول جد , وهذا قلته في ربابة جاريتي , وانا لا أكل البيض من السوق , وربابة هذه لها عشر دجاجات وديك , فهي تجمع لي البيض وتحفظه عندها , فهذا عندها من قولي , احسن من ( قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ ) عندك .
هذا هو بشار في اوجه , وهذا هو بشار في حضيضهِ , ووفر لنا قناعة ترضيه .. وهذه الرواية تجرنا للحديث عن الرصافي ضيفنا الكبير لهذه الحلقات .. فالرصافي الذي يهزّنا بشموخه العالي اعجاباً واكباراً اذ يقول :
هي المنى كثغور الغيدِ تبتسمُ *** إذا تطرّبها الصمصامة الخذمُ
وإن شأو المعالي ليس يدركه *** عزمٌ تسرّب في اثنائه الســأمُ
وكلّ من يدّعي بالمجد سابقة ً *** وعاش غير مجيدٍ فهو متـــهمُ
لا اخالك تصدق ان هذا الشاعر الشامخ يقف أبان قنوطه مشجعاً ومصفقاً لكل من يدخن سجائر ( غازي ) , بل يطلب ان يجازى على عمله بهذين البيتين الهزيلين :
دخن ســـــــــــــــــيجارة ( غازي ) ***في وقفــــــــةٍ واجتــــــــــيازِ
وجـــــــازِ نصـحـي بـخيـــــــــــــر ٍ*** ان كـــنت مـمـن يــــــــجازي
أوجد بشار كما قلنا لنفسه العذر , اذ قال شعره لجارية واحدة يفهمها وتفهمه , ولكن ما عذر شاعرنا الكبير, وهو يلقي بهذا الشعر لعموم الناس .. للشعب .. لشبابه .. لرجاله .. لشيوخه .. ان لم نقل لنسائه ! ثم ياترى مسؤولية من ان يلجأ شاعر مثل الرصافي الكبير , وفي أواخر ايامه لمثل هذا ( الغازي ) , وهذا الـ ( يُجازي ) !
اما شاعرنا أوجد لنفسه عذراً , ولطم التاريخ بأنامله العشر مع كفتيه قائلاً :
قد انقلب الزّمان بنا فأمست *** بغاث الطير تختصر النسورا
وساء تقلّب الايـــــام حتـى*** حمدنا من زعازعها الدبـــورا
هذا هو حكم الزمان .. وهذه هي اعتبارات المجتمع .. وهذا هو قدر الشاعر .. والعجيب ان شاعرنا لم يكتف بأيجاد العذر لنفسه , بل دفعه شرف نبلهِ , وسعة ادراكه , وصدق مشاعره ,ان يجد مبرراً حتى لقومه ,وابناء عصره على ما لحقه في حياته من اجحافهم له , وازدرائهم أياه , وتحملهم عليه , وذلك قبل وفاته , رحمه الله :
لو يملك الامر قومي في مواطنهم *** ما كان حقي لديهم قطٌ مهضـــوما
لكنّما امرهم مـلك لاجـنـبــــــــهم *** فليس من عجب ان عشت مظلوما
فمن هو شاعرنا الكبير الذي اراد له استاذه وشيخه ( محمود شكري الالوسي ) ,ان يكون نظيراً للمتصوف البغدادي الشهير . في ذلك الصوب – ( معروف الكرخي ) فنعته بـ ( معروف الرصافي ) , فتلاقفته الايام وسارت به مع دهرها ! ولد شاعرنا في بيت صغير بمحلة ( القراغول ) من محلات رصافة بغداد سنة 1291 هـ حسب ما ذكره عبد المسيح وزير , ونقله راوية الرصافي الاستاذ مصطفى علي في كتابه ( أدب معروف الرصافي ) , وهذه السنة توافق 1874 م ,ونحن ننفرد بهذا التاريخ خلافاً لما ذهب اليه كل من ارّخ للرصافي , وكتب عنه بأنها كانت 1875 او 1877 , ونحن نرجح تاريخنا , وذلك في دار جدّه لامه , لان والديه كانا يسكنان تلك الدار مع أ خواله وخالاته , وهو ثاني اخوين ولدتهما امّه , لم يعش منهما الا الشاعر , فأخوه البكر توفي وهو في مهد الطفولة , وشاعرنا معروف هو ابن عبد الغني محمود ينسب الى عشيرة ( الجبّارة ) التي تعتبر من القبائل الكردية , غير ان هذه العشيرة معروفة عند اكثر الاكراد بأنها علوية النسب , لذلك يشير كل من كتب عن الرصافي الى هذه الناحية , والرصافي لقلة ارتباطه بعشيرة ابيه القاطنة في منطقة تقع بين محافظتي كركوك والسليمانية , ولعدم احتكاكه بها , لم يتحدث عنها , ولا عن أسرته الا قليلاً , بل كان يتهرب من الاجابة عن أصل أبيه وينتسب الى ( أدم ) مباشرةً :
اجـــل ان القبـائـل مـن معــــدّ ***علوا فـتسـنـموا المـجـد التليـدا
وإنّ لهاشم ٍ في الدهر مـــــجداً ***بناه لها الـــذي هـشـم الـثريـدا
ومذ قام ( ابن عبد الله ) فيهم***أقـــام لـكـــلّ مـكرمــةٍ عــمودا
فهم فتحوا البلاد ودوّخــــوها*** وقادوا في معاركها الجـــنودا
الرصافي لم يتمتع بوجه ابيه كثيراً , اذ كان هذا الاب عريفاً في جيش العثمانيين , واشترك بحربهم مع الروس , ولما رجع انخرط في سلك الدرك ( صنف الخياله ) , واصبح عريفاً في قسم ( البغالة ) , فقضى معظم العمر في الاسفار والتجوال , وقلماً وجد في بغداد , لذلك كان اجتماع صاحب الترجمة بوالده قليلاً , ومن الجدير ذكره ان المؤرخين قد ذكروا عنه انه كان متديناً , كثير الصلاة وكثير قراءة القرأن الكريم ,حاد المزاج , اذا غصب اخاف , واذا ضرب أوجع , وكان يحسن التكلم باللغات العربية والتركية والكردية , ويقرأ العربية ويكتبها , قراءة وكتابة بسيطتين , وهذا يعني انه كان يمتلك قدرات عقليه عالية , لم تسنح له الظروف بالبروز والظهور , ولكن ورّثها لابنه الـ ( معروف ) , كما ورّث شاعرنا ذكاء امه , واكتسب قوة شخصيته من قوة شخصيتها , فهذه المرأه حلت محل ابيه في تولي امر تربيته , وكان تأثيرها على ابنها حاسماً بعيد المدى , يقول الرصافي ( كانت مرجعي في كل شيء حتى بعد مجاوزتي العقد الاول من حياتي , لإني كنت لا ارى أبي الا قليلاً , فهي التي كانت ترسلني الى الكتاب وانا صغير , وهي التي كانت تجهز لي ما يلزم لذلك ) فبالرغم من فقرها , وأصلها المتواضع , كانت حريصة على الأرتفاع بابنها فوق طبقتة الدنيا, فدفعته الى الدرس , وغرست فيه حب العلم وتحصيله , وعلى ما يبدو , كانت لهذه الام منزلة اجتماعية كبيرة , وعلاقات حميمة , وشخصية محببة , فلها ( في قلوب اهل محلتها محبة عميقة, واحترام عظيم , وكانوا يتخذونها حكماً في أمورهم ,ويعرضون عليها مشاكلهم ) , ولا ريب قد اثرت هذه العلاقات الاجتماعية الطيبة , والشعور الانساني النبيل في نفسية شاعرنا منذ الطفولة , فأنعكست على شعره , حتى شغل الجانب الأجتماعي نصف الجزء الاول من ديوانه ,وهي من اروع قصائد ه أطلاقاً , فلا يريد للمرأة ( الطلاق) , لانه لا يريد لامّه ان تطلق , ويتقطر قلبه أسى علــى ( ام اليتيم ) ,لانه لايريد لامه ان تترمل , ولما وجدها في ( الأرملة المرضعة ) , سكب كل أحزانه وأشجانه , وكل ما يعرف القلب من آلآم صادقة , وكل ما يفيض الشاعر من احاسيس جياشة :
لقيتها ليتني ماكنت ألقاهـــــا **** تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابها رثةُ ٌ , والرجل حافيــــةٌ *** والدمع تذرفه فــي الخدّ عينــــاها
تقول ياربّ ! لا تترك بلا لبن ٍ **** هـــــذه الرضيعة وارحمني وأيـــاها
كانت مصيبتها بالفقر واحدة ً **** ومــــوت والــــــــدهـا بـالـيتـم ثـنـّاها
القصيدة لوحة فنية رائعة رسمت بريشة فنان قدير , ليرجع اليها من يشاء في ديوانه , ولك ان تتذكر كم من ( أرملة مرضعة ) في عراقنا الحبيب هذا اليوم , وكم من ( مطلقة ) , و ( ام يتيم ) , و ( يتيم في العيد ) ,و ( دار الايتام ) , و ( فقر وسقام ) ,و( يتيم مخدوع ) , واخيراً كم ( سجن في بغداد ) , و نكرر هذا اليوم هذه العناوين لبعض قصائد شاعرنا الاجتماعية التي نظم عقودها بمهارة فنية عالية , والحقيقة هنا تكمن قوة الرصافي وعبقريته الفذة , وقد تشربها من نفس امه وروحها , وفي الدرجة الثانية فيما أحسب يأتي شعره السياسي , وليس له شعر اخر يستحق به الخلود عدا هذين المجالين , فقد بلغ بهما القمة .
على كل حال ماتت ام شاعرنا الكبير في بغداد , وهو غائب عنها في اسطنبول اثناء الحرب العالمية الاولى , ولم يخبر بوفاتها حتى رجوعه العراق سنة 1921 م , مما جعله يطفح بالندامة ويشعر بعقدة الذنب , بالرغم من انه كان يرسل اليها الدراهم لذلك يقول ( اما اليوم فكلما ذكرتها جاشت نفسي بالاحزان , لاني اشعر انني لم يساعدني الحظ على القيام بالواجب الذي لها علي ... ولذا اصبح اليوم وامسي وانا في ذكرى محزنة ومؤلمة جداً .)
انها الام الصالحة الخيرة الطيبة , يقتضي الوفاء منه ان يحزن لفراقها , ومنا ان نتذكرها بالخير حيث دفعت ابنها لإن يجود بأروع القصائد الانسانية في مجالي الامومة والطفولة , ونرجع الى طفولة الرصافي حيث بدأ حياته الدراسية عند احد الكتاب حتى ختم القرأن الكريم , وتعلم مبادىء الكتابة , وانتقل بعدها الى المدرسة الابتدائية ,وكانت تتألف من ثلاثة صفوف , وبعد تخرجه منها التحق بالمدرسة الرشيدية العسكرية , وكانت بمستوى المدارس المتوسطة , وفي الصف الرابع من مدرسته الاخيرة رسب في الامتحان لعدم اجادته اللغة التركية , ولعدم التزامه بالانضباط العسكري , لنزعته الحرّه , لذلك اضطر أن يترك المدارس الرسمية , ويتجه الى طلب العلوم الدينية , فألتحق بالشيخ ( محمود شكري الألوسي ) سنة 1924م ,ولازمه اثنى عشر عاماً , والعلامة الألوسي هو مؤلف ( نهاية الأرب في احوال العرب ) الذي طارت شهرته بالآفاق , ونال عليه جائزة اللغات الشرقية في ستوكهولم , بالاضافة الى أن شاعرنا تتلمذ على يدي الشيخ عباس القصاب , والشيخ قاسم القيسي , وغيرها في تلك المرحلة من حياته , واستطاع لهمته العالية ,وجهوده المثمرة , وتطلعاته الخيرة ان يكون ( الرصافي ) :
همم الرجال مقيسةٌ بزمانــها **وسعادة الأوطان في عمرانـها
وأساس عمران البلاد تعاونٌ ***متواصل الأسباب من سكانـها
وتعاون الأقوام ليس بحاصلٍ ***الاّ بنشر العلم في أوطانــــــها
والعلـم ليــــــس بنافع ٍ الاّ اذا *** جرت به الأعمال خيل رهانها
إن التجارب للشيوخ وانّمـــا *** أمل البلاد يكون في شبّـانــــها
نرجع الى سيرة حياة شاعرنا ,لنتابع معه رحلة العمر , إذ تركناه قد تخرج أيدي شيوخه ,فنحن الآن إذن في بدايات القرن العشرين ,حيث يمارس شاعرنا مهنة التعليم في المدرسة الرشيدية ببغداد ,ثم ينتقل الى مدرسة ( مندلي ) لمدة سنة دراسية , ويعود بعدها الى بغداد ليحاضر في إحدى المدارس الثانوية في الأدب العربي ,وينظم أثناء ذلك أروع القصائد في الأجتماع والثورة على الظلم , ويبعثها للنشر في الصحف المصرية ,وخاصة جريدة ( المؤيد ), ومجلة (المقتطف ) وغيرهما , وكان يرتدي حينذاك العمامة والجبة , ولم يكن الرجل في بحبوبة من العيش الرغيد, والعمر السعيد ,بل كان فقيرا , لا تسعفه ذات يد , وكم مرة صارع هوى نفسه , فتغلب عليه , واخضع رغبته وشهوته , لشهوة حالته المادية :
واقنع بالقوت الزهيـــــــــد لطيبه**** حذار وقوعي في خبيث المطاعم ِ
واترك ما قد تشتهي النفس ميله **** لما تشتهيــــــــه قلّة في دراهمي
بقى شاعرنا في وظيفته التعليمية حتى ( تموز 1908م ) , اذ أعلن الدستور العثماني , فترجم للعربية النشيد الوطني العثماني الذي وضعه الشاعر التركي المشهور ( توفيق فكرت ) , مما أدى الى زيادة شهرته , وتغلغل نفوذه في عاصمة الدولة العثمانية , وشيوع ذكره اكثر فأكثر في جميع انحاء الوطن العربي , فأختير رئيساً لتحرير القسم العربي في صحيفة ( بغداد ) وهي اول صحيفة أهلية غير رسمية تصدر في بغداد ’ وقد أصدرها فرع جمعية الاتحاد والترقي , ( صدر العدد الأول منها في ( 6 اب 1908 م ) باللغتين العربية والتركية , ووردت إليه دعوة من ( أحمد جودت ) صاحب صحيفة ( إقدام ) التركية ليعمل محرراً في صحيفته , فشدّ الرحال الى الاستانة في أوائل ( 1909 م ) على ما أرجح , ولما وصل اليها خذله صاحب الدعوة , فرجع خائبا مرورا بسالونيك وأثناء وجوده فيها سمع بإنتصار المستبدة , والغاء الدستور , وحل مجلس ( المبعوثان ) , وذلك في 31 آذار 1909 م ,فذهب شاعرنا الى بيروت , وأعوزه المال هناك ,فبادر السيد محمد جمال الدين صاحب ( المكتبة الأهلية ) في بيروت الى شراء مجموعة شعره التي صدرت باسم ( ديوان الرصافي ) عام 1910 م وهو أول ديوان يطبع له , وعاد الى بغداد وعلى الأرجح الى العمل في رئاسة تحرير القسم العربي بصحيفة ( بغداد ) الى أواخر أيامها , ثم سافر الى اسطنبول ( ألآستانة ) مرة ثانية , وتولى رئاسة تحرير صحيفة ( سبيل الرشاد ) العربية أثر برقية جاءته من ( جمعية الأصدقاء العرب ) , وكُلف هناك بإلقاء محاظرات في ألأدب العربي في مدرسة الواعظين التابعة لوزارة الاوقاف , وكان الرصافي يتمتع بمنزلة اجتماعية رفيعة , وقام بتدريس طلعت باشا وزير الداخلية ,وكان هذا العمل على مايبدو هو سبب في اختياره نائباً في مجلس المبعوثان ( النواب ) العثماني عام 1912م وذلك عن لواء المنتفك , ونستنتج من شعره انّه كان عضواً فعّالاً متكلماً يبدي رأيه بجرأة , حتى انه يستهزأ من نواب بغداد الصامتين في المجلس ( هو محسوب على نواب المنتفك ) , فعندما يهجو رجلاً مغروراً جاهلاً يشبهه بنواب بغداد قائلاً :
وشـــــامخ الأنف ما ينفكّ مكتسباً **** ثوب التكبّر في بحبوبة النادي
قد لازم الصمت عبئأً في مجالسه **** كأنما هو من نــواب بـــــــغدادِ
وفي ذلك الحين تزوج شاعرنا الكبير ثيباً من بنات أزمير اسمها بلقيس ,شقيقة طبيب تركي مشهور يدعى الدكتور( أكرم أمين بك ) , وهي زوجته كما يزعم بعض المؤرخين , فالشاعر يروي لنا ساعة توديع زوجته حين اضطر الى مغادرة الاستانة بعد خرابها , حيث أصبحت شبح عاصمة لمملكة كانت كبرى , وأصبح هو بين أحضان شعب يعاني من مرارة الهزيمة , وذلك بعد الحرب العالمية الاولى قائلاً :
تقول ابنة الأقــــوام وهي تلومني **** وأدمعها رقراقة في المـحاجرٍ ِ
الى كم تجدّ البين عنّي مسافـــــراً ***** أما تستلذ العيش غير مسافرِ
ولا غرو أن أبكي أسى من بكائها *** فأعظم ما يشجي بكاء الحرائرِ
وقلت لها : انّيِ امرؤ لي لبــانة ٌ **** منوط ٌ مداها بالنجوم الزواهرِ
تعوّذت الا أستنيم الـــــــى المنى *** وآلا أرى الاّ بهيـئة ثائـــــــــرِ ِ
لا طلاق ولا هم يحزنون , هذا بكاء من الطرفين , وهذا اللوم والعتاب وانكسار الخاطر , والشاعر يطمح للنجوم الزواهر , وان يرى بهيئة ثائر , وتحت قدميه ركام الاستكانة , وأمامه شحوب الآستانة , وراحل الى المجهول ,لا أهل ولا سكن ! تركها في الآستانة , وعند مكوث الشاعر في بغداد ,رغب بالعودة اليها ’ وطلب سلفة على رواتبه لتذليل عقبات السفر ولكنه لم يوّفق لما أراد :
قد عاقني الإملاق عن سفري الى **** من طال معتلجاً اليه حنيني
وانا المشوق , ولست ممن شاقهم ****بقر العذيب ولا مها يبرين
لكن قلبي لايـــــــــزال يشوقــــه *** ظبيّ ٌ أقـــــام بدار قسطنطين
المهم شاعرنا قرر الرجوع الى وطنه, ولكن العراق أيضاً تحتله القوات الانگليزية أحتلالاً عسكرياً , فما العمل ؟ ! يمم وجهه شطر دمشق , ومنها الى القدس حيث جاءته دعوة للعمل كمدرس بمدرسة المعلمين في القدس الشريف , فأشتغل هنالك بالتدريس من سنة ( 1918 – 1921 م ) , وكان موضع تقدير في مجتمع مدينته المقدسة , فدعي الى المآدب والاحتفالات , وطلب اليه أنشاد الشعر , ولكن لم تهز ّه أحداث العراق ,فلم يشارك في الثورة العراقية الكبرى عام 1920 ,فلم نعثر على أي قصيدة له فيها . .
ورجال الثورة وافقوا على تنصيب ( فيصل ) ملكاً على عرش العراق ,وهو قد هجا من قبل والده الشريف حسين بأبيات قاسية , لذلك عند عودته للعراق سنة ( 1921 م ) لم يسعفه الحظ الاّ بوظيفة دون طموحه الكبير , وأقل مما يستحقه بكثير , وهي وظيفة ( نائب رئيس لجنة الترجمة والتعريب في وزارة المعارف ) , فقضي فيها نحو سنة ونصف , واثناء وجوده ببغداد , أقام المعهد العلمي حفلة تكريمية لأمين الريحاني ( ايلول سنة 1923 ) ألقى الشاعر فيها قصيدة تعد من غرر قصائده فما أحوجنا اليها في هذه الايام الحالكة :
لو ما تــــــرى قطر العراق بحسنه **** قد فاق مقفره على مأهولــــهِ
فلقد عفا المجد القديــــــــم بأرضه *** وعليه جرّ الدهر ذيل خمولـهِ
واذا نظرت الى قلوب رجـــــــــالهِ *** فأنظر حديد الطرف غير كليلهِ
تجد الرجال قلوبها شتى الهــــوى **** مدّ الشقاق بها حبالة غولـــهِ
متناكرين لدى الخطوب تناكــــــراً *** ** يعيا لسان الشعر عن تمثيلــهِ
فالجارُ ليس بمأمن من جــــــــــارهِ ***والخلّ ليس بواثقٍ بخليلــــــهِ
واذا تكلم عالمٌ في أمرهــــــــــــــــم **** حفروا ذمام العلم في تجهيلـهِ
حالٌ لو افتكر الحكيـــــــــــمِ بكنهه **** طول الزمان لعُيّ عن تعليلــهِ
من أين يرجى للــــــــــعراق تقدمٌ ******** وسبيل ممتلكيه غير سبيلـــهِ
لا خير في وطن ٍ يكون الســـــــيف ***** عند جبانه , والمال عند بخيلــهِ
والرأي عند طريده والعلــــــــــــم **** عند غريبه والحكم عند دخيلهِ
وقد أستبد قليله بكثيـــــــــــــــــرهِ ***ظلماً وذل كثيره لقلــــــــــيلهِ
اني اذا جدّ المقـــــــــــــال بموقفٍ *** فضلتُ مجمله علـــــــــــى تفضيلــهِ



#كريم_مرزة_الاسدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 27 - التجديد في الشعر العربي ..... علم البديع وتطوره
- خمسون عاماً ،والنضال يمرُّ من دون الأغَرْ، خسئت وما طال القد ...
- الانتخابات العراقية ومجالسها المصلحية بين اليعقوبي والرصافي ...
- 5 - جرير والفرزدق و الأخطل بين أيدي هؤلاء
- ما كانَ - يا دهرُ- هذاالشبلُ يُلتهمُ
- 4 - المعري ظلم المرأة لعُقده وليس لفكره
- حبيبتي حفيدتي الصغيرةْ
- لمرأة والرجل متكاملان تماماً ، والنوع الإنساني وليدهما
- 2 - انتصاراً للمرأة العربية
- 1 - انتصاراً للمرأة العربية
- (وكلُّ الناسِ ِ في الدنيا سويّة)
- 6 - المتنبي عبقري بالقوة الفكرية والشعرية ، ولهذا تلاقفه الد ...
- مَا كانَ لوْ تتريّثُ...!!
- 5 - المتنبي إنسان بالقوة ، ولهذا تلاقفه الدهر...!!
- 4 - دعبل الخزاعي عبقريٌ بالقوة، وثائرٌ طيلة قرنه !!
- تمايز فكري وثقافي وعنصري تحت غطاء أمني ، الفيس بوك في أمريكا ...
- 3 - العبقري بين إنسانيته بالقوة وقوة إنسانيته ...!!
- ما بيني وبين العبقري الخالد ابن الرومي ...!!
- 2 - العبقري ما بين إنسانيته بالقوة وقوة إنسانيته...!!
- العبقري ما بين إنسانيته بالقوة وقوة إنسانيته...!!


المزيد.....




- التعبيرية في الأدب.. من صرخة الإنسان إلى عالم جديد مثالي
- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم مرزة الاسدي - 1 - الرصافي بين الشموخ والاستكانة ... حكّام العراق يسحقون عباقرته !