أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - لهؤلاء الذين لا يبوحون بالحكايات














المزيد.....

لهؤلاء الذين لا يبوحون بالحكايات


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4378 - 2014 / 2 / 27 - 10:16
المحور: الادب والفن
    


كان على نهر درينا أن يبوح إلى ضفتيه في الأقل!

لا تتخذ المخرجة البوسنية ياسميلا زبانيتش من الحرب الفعلية موضوعاً لأفلامها، بل تركِّز على نتائج هذه الحرب وتداعياتها الخطيرة. ففي فيلمها السابق "Grbavic" الذي تُرجم بعنوانين مختلفين، الأول إنكليزي "سرّ أسما: ﮔ-;-ـرافيتسا" و الثاني أميركي " ﮔ-;-ـرافيتسا: أرض أحلامي" وقد خطف جائزة الدب الفضي في الدورة الساسة والخمسين لمهرجان برلين السينمائي الدولي. يتمحور الفيلم على الشخصية الرئيسة أسما، وهي امرأة وحيدة فقدت زوجها في خنادق القتال في أوائل تسعينات القرن الماضي. تحتفظ أسما بسرّ خاص لا تريد أن تبوح به إلى ابنتها الوحيدة "سارا" ذات الاثنتي عشرة سنة. غير أن الأم الضحية لا تستطيع أن تتكتم على هذا السر طويلاً فقد عرفت الابنة أن اسمها ليس مدوناً في قائمة أبناء الشهداء الأبطال الذين قاتلوا دفاعاً عن حياض الوطن فتعترف الأم لسارا أنها ليست ابنة أبيها، وإنما جاءت إلى الدنيا بسبب اغتصاب القوات الصربية لها في أثناء الحرب وأنهم أجبروها على الاحتفاظ بها، فتتفهم الطفلة ما حدث لأمها وتتعاطف معها كلياً.

الاغتصاب ثانية
على الرغم من أن عدد النساء البوسنيات اللواتي اغتصبن من قبل القوات الصربية قد بلغ العشرين ألف امرأة بوسنية إلاّ أن 1,785 امرأة بوسنية مسلمة قد اغتصبن وذبحن بطريقة بشعة في مدينة فيشغراد، كما تم اغتصاب 200 امرأة بوسنية في غرف فندق فيلنا فلاس في منطقة فيشغراد أيضاً وهو ذات المكان الذي وُلد فيه الروائي اليوغسلافي المبدع إيفو أندريتش الحاصل على جائزة نوبل للآداب عن روايته الشهيرة "جسر على نهر درينا" وهو الجسر ذاته الذي أغرقته دماء الضحايا من النساء المغتصبات اللواتي ّذُبحن كما تُذبح الخراف ثم ألقيت جثثهن بدم بارد في النهر الذي ظل صامتاً، كما ترى المخرجة ياسميلا زبانيتش وممثلة الفيلم الرئيسة كيم فيركو. إذن، هذا الفيلم مكرّس إذن لإحياء ذكرى كل النساء البوسنيات والكرواتيات المغتصبات ليس في فيشغراد حسب، وإنما في كل أرجاء بوسنة والهرسك وإن جاء التركيز على منطقة فيشغراد وجسرها ذائع الصيت على نهر درينا وفندقها الذي بات مشهوراً لأن أسرِّته وجدران غرفه لا تزال تشهد على عذابات النساء المغتصاب اللواتي تجاوزن المئتي امرأة في هذا الفندق، سيئ الصيت والسمعة، الذي انطلقت منه شرارة الفيلم من دون أن تعرف كاتبة السيناريو والممثلة الرئيسة فيه حيث نامت في إحدى غرفه وأمضت فيه ليلة كابوسية قلقة لم تستطع تفسيرها في حينه، لكن الأمور تكشفت رويداً رويداً حينما عادت ثانية إلى سيدني وأيقنت بالأدلة القاطعة أن الفندق أعلاه كان مكاناً لاغتصاب النساء البوسنيات المسلمات غير أن اللافت للنظر أن شركة السياحة وكتالوغاتها لم تذكر أي شيئ يشير إلى حوادث الاغتصاب في الفندق المذكور سلفاً. فثمة تواطؤ كبير لا يقتصر على شركة السياحة الأسترالية، ولا على دوائر المدينة، ولا على سكانها، وإنما على الجسر ذاته، والفندق الذي احتضن عمليات الاغتصاب، وعلى الطبيعة المحيطة بالمدينة برمتها.

ثقافة الصمت
لم يكسر حاجز الصمت عامل داخلي لأن النص في الأساس كتبته الممثلة المسرحية الأسترالية كيم فيركو التي صوّرت فيه نفسها سائحة أسترالية تغادر سيدني لتقضي عطلتها في البلقان مستصحبة كاميرتها الفيديوية كي تسجِّل يومياتها بالصوت والصورة متمترسة بعدد من كتيبات الأدلة السياحية التي صمتت هي الأخرى عن الجرائم والفظائع والاغتصابات الجنسية المُرتكبة بحق النساء المسلمات في البوسنة والهرسك. لقد سبق لكيم ﭬ-;-يركو أن كتبت نصاً مسرحياً عنوانه "سبعة كيلومترات شمال شرقي" وحينما شاهدته المخرجة ياسميلا كعرض مسرحي مصوّر أعجبها جداً لذلك طلبت من كاتبته وممثلته الرئيسة أن تؤفلمه فوافقت في الحال لأن قضيته الإنسانية أكبر من أي ربح مادي، ويبدو أن كليهما الممثلة والمخرجة لا يسعيان إلى الربح المادي، بل أن المخرجة نفسها عملت بصمت كبير كي لا يتسرّب اسمها في أثناء التصوير فهي مخرجة معروفة في البوسنة والهرسك وقد سبق لنا أن أشرنا إلى أن فيلمها ذائع الصيت"سرّ أسما: ﮔ-;-ـرافيتسا" إضافة إلى نحو عشرة أفلام مهمة أخرى من بينها "سيرة ذاتية"، "الليلة التي تألقنا فيها"، "هل تتذكر سراييفو؟"، "عيد ميلاد"، "جزيرة الحب" وأفلام أخر هي نتاجات معروفة خارج حدود الوسط الثقافي فلا غرابة أن تطلب ياسميلا من كل الممثلين والممثلات وعلى رأسهم كيم ﭬ-;-يركو أن تتكتم على اسم ياسميلا وتقول بأن التصوير يتعلق بسائحة أسترالية وفدت إلى البوسنة والهرسك كي تصور الجسر الذائع الصيت على نهر درينا وهو الذي حمل عنوان رواية إيفو أندريش نفسها.
لا تقتصر فظاعات القوات البوسنية على الاغتصاب والقتل وهما أبشع ما يمكن أن تفعله لكننا يجب أن نشير إلى أن عدداً من الضحايا قد ألقين بأنفسهن من نوافد الفندق كي يحمين أنفسهن من عار الاغتصاب الذي قد يلاحقهن لسنوات طويلة. الغريب أن السكان المحليين قد أنكروا مثل هذه العمليات وقد سبقهم إلى هذا الإنكار موظفوا الدولة ورموزها ولعل أبرزهم ضابط البوليس بوريس إيساكوفيتش وليون لوسيف اللذين أنكرا حادثة الاغتصاب في الفندق والتطهير العرقي في المدينة كلها.
على الرغم من قوة الفيلم كتابة وتمثيلاً وتصويراً وإخراجاً إلى أنه يبقى متحاملاً على ثقافة الصمت والسكوت، والخوف والخنوع الذي يمتدّ من البشر إلى الأمكنة جسراً وفندقاً، أزقة وشوارع، جبالاً وغابات، ونهراً يُفترض أن يبوح في الأقل إلى ضفتيه!



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توثيق الثورات العربية بعيون عربستانية
- سينما الخيال العلمي: من رصانة العلم إلى دهشة القوى الخارقة ل ...
- بلاد الثلوج. . . تُحفة كاواباتا الأدبية
- الدكتور لؤلؤة يترجم -غنائيات- شكسبير ويعزّزها بشروح مستفيضة
- المناهج البحثية عند الدكتور علي الوردي
- رؤىً مستقبلية للنظام الصحي في العراق
- الأفلام المجسّمة وتعزيز الوهم البصري العميق
- بؤر المهمشين والخارجين على القانون والحالمين بمستقبل أفضل في ...
- الآمال الكبيرة لكيوان مجيدي
- قراءة نقدية في فلم -رمضان في الأطراف- لفتحي الجوادي
- البنية المجازية في فلم -فتاة عُرضة للخطأ- لكونراد كلارك
- السينما العالمية من منظور ناقد عربي (3-3)
- دليل السينما العربية والعالمية 2013 (2-3)
- قراءة نقدية لدليل السينما العربية والعالمية 2013 لمحمد رضا ( ...
- العدالة الانتقالية وآليات تطبيقها
- سطوة الواقع وسحر الخيال العلمي المجنّح
- معرض استعادي في -بيت السلام- للفنان شاكر حسن آل سعيد
- د. علي علاوي يستقرئ العلاقة بين مفهومي الأخلاق والسياسة
- السيد مضر الحلو وقراءته الجديدة للتراث
- سماحة السيد حسين إسماعيل الصدر ومفهوم المساواة بين الناس (2)


المزيد.....




- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...
- رئيس الحكومة المغربية يفتتح المعرض الدولي للنشر والكتاب بالر ...
- تقرير يبرز هيمنة -الورقي-و-العربية-وتراجع -الفرنسية- في المغ ...
- مصر.. الفنانة إسعاد يونس تعيد -الزعيم- عادل إمام للشاشات من ...
- فيلم -بين الرمال- يفوز بالنخلة الذهبية لمهرجان أفلام السعودي ...
- “ثبتها للأولاد” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة أفلام ...
- محامية ترامب تستجوب الممثلة الإباحية وتتهمها بالتربح من قصة ...
- الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز تتحدث عن حصولها عن الأموال ف ...
- “نزلها خلي العيال تتبسط” .. تردد قناة ميكي الجديد 1445 وكيفي ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - لهؤلاء الذين لا يبوحون بالحكايات