أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بلاد الثلوج. . . تُحفة كاواباتا الأدبية















المزيد.....

بلاد الثلوج. . . تُحفة كاواباتا الأدبية


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4370 - 2014 / 2 / 19 - 16:05
المحور: الادب والفن
    


صدرت عن "دار المدى" بدمشق رواية "بلاد الثلوج" لياسوناري كاواباتا، ترجمة لُطفية الدليمي التي سبق لها أن ترجمت عدداً من قصصه القصيرة. وأشادت "بأسلوبه الأدبي الفريد، ولغته الوجيزة، وابتعاده عن استخدام الصفات، وتركيزه على جوهر العلاقة الإنسانية". وجدير ذكره في هذا الصدد أن جملة كاواباتا القصصية أو الروائية هي جملة مٌقتصدة، تذهب إلى الصميم مباشرة، ولا تميل إلى الإسهاب أو الإطناب، وأكثر من ذلك فهي جملة شعرية، وشاعرية ملفعة بغموض مُستحَب.
لا يخطئ قارئ "بلاد الثلوج" ملامسة عزلة الشخصيات التي تبدو وكأنها محاصرة فعلاً في عالمٍ قاسٍ تحيطه الثلوج من كل جانب، كما تطوّقه برودة العواطف الإنسانية التي تضاءلت إلى درجة كبيرة أو شُلّت لأسباب كثيرة توضحت في بعض المواضع، لكنها ظلت عصية على التأويل في مواضع أخرى من هذا النص الروائي الفاذّ الذي اعتبره المترجم والناقد الأميركيي أدوارد جورج سيدنستكر "تُحفة كاواباتا الأدبية" التي نال بسببها جائزة نوبل إضافة إلى روايتيه المهمتين اللتين أشارت إليهما لجنة الجائزة وهما "الغرانيق الألف" و "العاصمة القديمة". وقد جاء في قرار لجنة التحكيم أن كاواباتا مُنح هذه الجائزة "لبراعته السردية التي تعبِّر بحسّاسيّة كبيرة عن جوهر العقل الياباني".
لا بد من الإشادة بالمقدمة المركّزة التي كتبتها لُطفية الدليمي مُسلّطة فيها الضوء على حياة كاواباتا الغامضة، وعلى تجربته الأدبية التي تفتّحت وهو لما يزل طالباً في جامعة طوكيو الإمبراطورية عندما بدأ بنشر صوره القَلَمية التي أطلق عليها تسمية "قصص بحجم راحة اليد" فحققت له بعض الشهرة، لكن حضوره الأدبي سرعان ما ترسّخ إثر نشر سيرته الذاتية المثيرة للجدل "راقص الإيزو" سنة 1926.
تشير الدليمي في مقدمتها إلى أن كاواباتا قد كتب أكثر من مائة قصة قصيرة بأسلوب نثري مركّز خلافاً لأقرانه الروائيين الذي بدأوا حياتهم الأدبية بكتابة الشعر. ثم انتقل إلى كتابة النصوص الروائية التي حققت شهرة واسعة فيما بعد مثل "سيد الغوّ"، "البحيرة"، "صوت الجبل"، "جمال وحزن"، "يد واحدة" و "بيت الجميلات النائمات".
كان كاواباتا قبل فوزه بجائزة نوبل يحب العزلة كثيراً لأنها تمنحه فرصاً نادرة للتأمل والاستغراق في الموضوعات التي يكتبها، لكنه ما إن خطف الجائزة حتى اقتحمت مختلف وسائل الإعلام حياته الخاصة وظلت تلاحقه مثل "لعنة أبدية" فهو كاره للشهرة التي جاءته "سعياً على الرأس لا مشياً على القدم" لتنبش في تفاصيل حياته الشخصية، وتبحث في الموضوعات التي يكتب عنها علّها تعثر على جديد لا يعرفه القرّاء غير النزعة الحسيّة، والحرب، والعزلة، والافتتان بالطبيعة، والجوانب الإيروسية الغامضة، خصوصاً وأنه تشارك مع الكاتب التجريبي الحداثي يوكو ميتسو ريتشي في إصدار مجلة أدبية أصبحت صوتاً خاصاً للنزعة الحسيّة التي أُطلق عليها "جماعة الإدراك الحسي الجديدة" وقد سبق لكاواباتا أن أنشأ مدرسة أدبية حملت اسم "الحساسية الجديدة" التي تعتمد، كما يذهب النقاد، "على رهافة النفس اليابانية".
لا تضجّ رواية "بلاد الثلوج" لكاواباتا بعدد كبير من الشخصيات، ولو دققنا النظر فيها لوجدنا لا تتجاوز الأربع شخصيات رئيسة يرتكز عليها النص الروائي برمته مع بعض الشخصيات التي تمرّ مروراً عابراً. لا يمكن بطبيعة الحال تناول شخصية شيمامورا من دون ربطها بالحرب العالمية الثانية، ذلك لأنها من نتائج تلك الحرب البشعة التي دفع الشعب الياباني ثمناً باهضاً لها. ومع أنه لا توجد أية إشارة عابرة إلى الحرب إلاّ أن هذه الشخصية الإشكالية هي من نتائجها الطبيعية كونها تحمل شعوراً مزدوجاً تجاه الموروثين المحلي والغربي. فشيمامورا هو "ثري متبطّل، لكنه عاجز عن الحُب. كما أنه نصف متشائم ونصف ساخر، وخبير في فن الباليه الغربي لكنه لم يشاهد عرض باليه طوال حياته"، فما هو الهدف من التخصص في فن البالية إذن؟ يقوم شيمامورا برحلة من طوكيو إلى شمال اليابان حيث الثلوح تحاصر تلك المنطقة على مدى ستة أشهر. وهناك في منتجع أحد ينابيع المياه الحارة يلتقي بـ "كوماكو"، فتاة الغيشا، "النقية الطاهرة الروح في عالم فاسد ولا يشجِّع على الحب. يحاول كلاهما أن يثوّر غريزة الحب في الطرف الآخر، لكن الحب، على يبدو، لا يأتيهما قط، وكلما اقتربا من بعضهما بعضاً يزدادان ابتعادا وعزلة"، وحين يقرر شيمامورا العودة إلى طوكيو تغرس كوماكو جذورها في الجبال القصيّة.
تكشف أحداث النص الروائي أن شيمامورا منجذب إلى "يوكو" من خلال كوماكو، تلك الفتاة غريبة الأطوار التي تومض في مخيلة شيمامورا مثل ضوء مشع في ظلمة الجبل. ثم نفهم أن المرأتين قد تنافستا في الحب مرتين، مرة مع "يوكيو" الذي مات، ومرة مع شيمامورا الذي لم يصرّح إلاّ بالحد الأدنى من هذا التنافس. وحين احترق متجر شرانق الحرير لم نعرف إذا كانت يوكو حية أم ميتة لأن ساقها كانت تتحرك حركة واهنة إثر تشنج ربلة الساق.
إن أجمل ما في هذه الرواية هو أسلوبها المتدفق بغض النظر عن طبيعة الأحداث غير المعقدة التي أوضحت لُطفية جانباً منها، كما تعمّق في شرحها مترجم النص سيدنستكر. إن الجمل القصيرة الخالية من الصفات هي جمل روائية دقيقة تذهب إلى الصميم ولا تعرف اللف والدوران، غير أن هذا الوضوح لا يعني نبوّ الكاتب تماماً عن الاستعارة والمجاز، فثمة أشياء كثيرة تدور في فلك الرمز واللغة المجازية بدءاً من عنوان الرواية وانتهاءً بتجلياتها التي تتعلق بالفوارق الطبقية، وينابيع المياه الحارة، وفتيات الغيشا اللواتي يترجحنَ بين المنزلتين الفنية والإيروسية العابرة.
تجدر الإشارة إلى استغراق كاواباتا في الجوانب المحلية بدءاً بالآلات الموسيقية كالساميسن التي تحيل إلى اليابان تحديداً، مروراً بنساء الغيشا، وانتهاءً بالفنون الدرامية الكلاسيكية كـ "النوّ" و "الكابوكي" وغيرهما.
يشعر القارئ وهو يمضي في قراءة هذه الرواية بأن يتجول بين أناس أحياء يعبِّرون عن مشاعرهم الإنسانية ضمن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تحيط بهم، بل أن المتلقي يشعر غالباً بأنه أحد شخصيات هذه الرواية وأن الثلوج تحاصره مثلما هي تحاصر شخصيات النص جميعاً، الأثرياء منهم والفقراء على حد سواء.




#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدكتور لؤلؤة يترجم -غنائيات- شكسبير ويعزّزها بشروح مستفيضة
- المناهج البحثية عند الدكتور علي الوردي
- رؤىً مستقبلية للنظام الصحي في العراق
- الأفلام المجسّمة وتعزيز الوهم البصري العميق
- بؤر المهمشين والخارجين على القانون والحالمين بمستقبل أفضل في ...
- الآمال الكبيرة لكيوان مجيدي
- قراءة نقدية في فلم -رمضان في الأطراف- لفتحي الجوادي
- البنية المجازية في فلم -فتاة عُرضة للخطأ- لكونراد كلارك
- السينما العالمية من منظور ناقد عربي (3-3)
- دليل السينما العربية والعالمية 2013 (2-3)
- قراءة نقدية لدليل السينما العربية والعالمية 2013 لمحمد رضا ( ...
- العدالة الانتقالية وآليات تطبيقها
- سطوة الواقع وسحر الخيال العلمي المجنّح
- معرض استعادي في -بيت السلام- للفنان شاكر حسن آل سعيد
- د. علي علاوي يستقرئ العلاقة بين مفهومي الأخلاق والسياسة
- السيد مضر الحلو وقراءته الجديدة للتراث
- سماحة السيد حسين إسماعيل الصدر ومفهوم المساواة بين الناس (2)
- سماحة السيد حسين إسماعيل الصدر ومفهوم الحوار مع الآخر (1)
- مهرجان الظفرة السابع يحظى باهتمام إعلامي عالمي
- مهرجان الظفرة. . توثيق الماضي بعيون معاصرة


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بلاد الثلوج. . . تُحفة كاواباتا الأدبية