أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الآمال الكبيرة لكيوان مجيدي














المزيد.....

الآمال الكبيرة لكيوان مجيدي


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4359 - 2014 / 2 / 8 - 17:09
المحور: الادب والفن
    


مزارع كردي وابنته حوّلا قمة الجبل إلى حدائق غنّاء

ثمة أفلام وثائقية مُتقنة تمنح المتلقي فرصة كبيرة للتأمل والغوص في جوهر الأشياء والقناعات مهما كانت بسيطة، لكنها نفّاذة وعميقة تهزّ الضمير، وتلامس العاطفة الإنسانية في كل مكان من أرجاء هذه المعمورة. وفيلم "آمال كبيرة" للمخرج الإيراني الكردي كيوان مجيدي الذي عُرض في المهرجان الثامن لفيلم الكردي بلندن أواخر العام الماضي، هو من نمط هذه الأفلام المؤثرة التي تجعلك تنحني احتراماً وتقديراً للفلاح الكردي محمد ولابنته آزر أيضاً اللذين يعملان بشكل متواصل على مدار السنة في تهيئة حقل الأعناب كي يجنيا ثماره بعد سنة ونصف السنة على وجه التحديد.
إن اختيار هذه الثيمة من قبل المخرج كيوان مجيدي يدلل على نَفَسه الإبداعي المرهف القادر على الرصد والالتقاط والذهاب بالفكرة المهيمنة على القصة السينمائية إلى أقصاها. والسينما الوثائقية، كما هو معروف، هي سينما الواقع بامتياز حيث يتركّز جهد المخرج المبدع على بلورة الثيمة المعبّرة وتقديمها للمتلقي بشكل فني مقنع تستطيع أن تستشف منه شيئاً معقولاً في نهاية المطاف.

مقاربات بسيطة
على الرغم من تنوّع موضوعات هذا الفيلم الوثائقي الذي يمكن أن يكون عن البيئة الكردية في كردستان إيران، أو عن طراز المدن الكردية، أو عن الزراعة، أو عن سُبل تحصيل الرزق الحلال، لكنه يمكن أن يكون أيضاً وجهاً من أوجه التحدي السيزيفي الذي يقوم به كل من الأب وابنته حيث ينقل الأب التراب من سفح الوادي إلى أعلى ذروة في الجبل الشاهق الذي يستصلح أراضيه كي يزرعها بأشجار الكروم. كما تجلب البنت اليافعة الثلج من الجبل العالي المحاذي لهم، وتساعد أبيها في العمل على مدار العام في تسوية الأرض وجني الأعناب وتحويلها إلى زبيب وكشمش.
لقد انتقى المخرج سلسلة جبال هاورمان التي تقع في غرب إيران تحديداً والتي تضم مدينتي مريوان وياوه الكرديتين وتقابلهما مدينة حلبجة من الجانب العراقي. ولو توخينا الدقة لقلنا إن هذا الأب هو من قرية بولبور وهي واحدة من القرى الكثيرة المبنية بناء هندسياً متقناً لافتاً للأنظار. فالفيلم في دقائقه الأولى يستعرض هذه القرى الجميلة، ويتوقف عند بعض الينابيع والشلالات المائية الهادرة التي يحبها لأنها مرتبطة بذكريات جميلة لا يستطيع أن ينساها، ولعل أبرزها هو اللقاء الأول الذي جمعه بزوجته حينما كانت فتاة شابة ثم تزوج منها لاحقاً من دون أن يغرقنا بتفاصيل قصة حبه. لقد قال جملة مكثفة واحدة بأنه يحب الشلال الذي يحمل ذكرى ذلك اللقاء العاطفي الأول وعلينا أن نستكشف إخلاصه لها لأنه سوف يحقق لها كل ما كانت تطمح إليه من العناية بالأطفال، والشرب من مياه الشلال بعد الوضوء، وزراعة الحقل بأقلام الكروم الصغيرة.
ثمة تركيز واضح من لدن المخرج على العمل شبه الأسطوري الذي يقوم به هذا الفلاح البسيط، فهو يتسلق يومياً هذا الجبل الشامخ حتى يصل إلى قمته، ثم يقوم يتنظيفه من الصخور التي يستعملها لبناء الأسيجة الحجرية للقطع الزراعية التي يقسّمها، ولأن بعض الأماكن تخلو من التراب لذلك يلجأ إلى نقل التراب على ظهره من سفح الجبل إلى قمته وهي مهمة شاقة لا يقوى عليها إلاّ من ينتمي إلى هذه الشريحة المثابرة الصبورة، فمَزارع الكروم المعلقة في قمم الجبال الشاهقة تحتاج إلى نصف متر من التراب في الأقل كي تكون صالحة لإنتاج الغلّة. وأكثر من ذلك فهذه المزارع تحتاج إلى الماء الذي ينقله محمد من الشلالات التي تتساقط في بطن الوادي كي يسقى نبابات الكروم التي أينعت في الأعالي وصار ينتظر هو وآزر موسم الجني والقطاف. ولأنه عملَ بنصيحة زوجته الراحلة فقد زرع محمد أقلام عنب صغيرة فلا غرابة أن يتأخر ثمرها إلى الموسم القادم. وأن من ينقل على ظهره أطناناً من التراب والمياه إلى قمم الجبال يستطيع أن ينتظر موسماً لكي يتمتع بالغلة في الموسم القادم. وهذا ما حصل بالفعل حيث حلّ الموسم الثاني بخير وفير من العنب. وقد رأيناه، هو وآزر، منهمكين في جمع العناقيد، وغسلها في مياه الينابيع، ووضعها في السلال حيث تجد طريقها إلى أسواق المدن القريبة من قريتهم. أما العنب الفائض عن الحاجة فإنهما يحوّلان العنب الأسود إلى زبيب والأبيض إلى كشمش.

الشخصية الأسطورية
يعيش بعضُ الشخصيات الأسطورية بيننا من دون أن نلتفت إليهم. فليس بالضرورة أن تكون الشخصية الأسطورية إلهاً أو نبياً أو إمبراطوراً أو قائداً عسكرياً أو مفكراً سياسياً خارقاً للعادة، بل يمكن ببساطة شديدة أن يكون فلاحاً بسيطاً مثل المُزارع محمد، بطل هذا الفيلم الوثائقي، أو مثل آزر ابنته التي لا تقل عنه بطولة، فمازال لُهاثها يملأ آذاننا، نحن المتلقين، وهي تشعر بالإنهاك قبل أن تصل إلى قمة الجبل حيث ينغمس والدها في العمل. أكاد أن أقول إنهما يتناصفان البطولة لولا الجهود الجبارة التي كان يبذلها الأب في نقل التراب والماء من مسافات بعيدة ووعرة، فهي بالتأكيد لا تستطيع أن تقوم بهذه المهام في مثل هذه السن المبكرة من حياتها، لكنها تشترك معه في عدد من الجوانب من بينها الكدّ والمثابرة والدأب اليومي والصلاة في أعالي القمم حيث تغدو للهمسات المقدسة معنىً آخر وكأن مسافة الصلة بالربّ تصبح أقصر مما هي عليه في المناطق العادية. لا يمكن إهمال اللحظات الطفولية لآزر حينما كانت تلعب مع قريناتها كرة القدم أو غيرها من الألعاب المألوفة فهي تشكّل جانباً مهماً من طفولتها. فالفيلم يمكن اعتباره فيلم فتيان أيضاً وهو نوع رائج من الأفلام الروائية والوثائقية خصوصاً عند عباس كيارستمي وغيره من المخرجين الإيرانيين الذي حققوا سمعه طيبة داخل إيران وخارجها. جدير ذكره أن كيوان مجيدي قد أنجز عدداً من الأفلام الوثائقية أبرزها "علاج النساء" وهو يدور في المناطق الحدودية التي تفصل العراق عن إيران وقد بنى تفاصيله من القناعات المستمدة من الغيبيات والأساطير الشعبية التي ليس بالضرورة أن يكون طرفا فيها.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية في فلم -رمضان في الأطراف- لفتحي الجوادي
- البنية المجازية في فلم -فتاة عُرضة للخطأ- لكونراد كلارك
- السينما العالمية من منظور ناقد عربي (3-3)
- دليل السينما العربية والعالمية 2013 (2-3)
- قراءة نقدية لدليل السينما العربية والعالمية 2013 لمحمد رضا ( ...
- العدالة الانتقالية وآليات تطبيقها
- سطوة الواقع وسحر الخيال العلمي المجنّح
- معرض استعادي في -بيت السلام- للفنان شاكر حسن آل سعيد
- د. علي علاوي يستقرئ العلاقة بين مفهومي الأخلاق والسياسة
- السيد مضر الحلو وقراءته الجديدة للتراث
- سماحة السيد حسين إسماعيل الصدر ومفهوم المساواة بين الناس (2)
- سماحة السيد حسين إسماعيل الصدر ومفهوم الحوار مع الآخر (1)
- مهرجان الظفرة السابع يحظى باهتمام إعلامي عالمي
- مهرجان الظفرة. . توثيق الماضي بعيون معاصرة
- كنوز العراق الخفية
- السخرية السوداء في فيلم -111 فتاة- لناهد قبادي وبيجان زمانبي ...
- غربة المثقف العراقي في المنفى البريطاني في فيلم وثائقي ثقافي
- السينما الرقمية بين الصدمة والإبهار
- المهاجرون في مجتمع متعدد الثقافات
- الملتقى الأول للرواية العراقية المغتربة بلندن


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - الآمال الكبيرة لكيوان مجيدي