أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - بين السلطة والإخوان: لا بديل عن التفاوض














المزيد.....

بين السلطة والإخوان: لا بديل عن التفاوض


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1244 - 2005 / 6 / 30 - 14:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لدينا مشكلة سياسية تحتاج إلى حل سياسي. ليس لهذا الحل غير اسم واحد هو التفاوض. المشكلة هي صراع غير محلول ترك وراءه كثيرا الضحايا وكثيرا من المطالبات، وخلف ازمة ثقة عميقة متعددة المستويات في المجتمعين الأهلي والسياسي السوريين. الصراع بين السلطة والإسلاميين الذي أخذ شكلا متفجرا بين عامي 1979و 1982، وشكلا أقل تفجرا في السنوات السابقة لمجزرة المدفعية عام 1979 والتالية لمذبحة حماة 1982، وشكل نزيز مزمن منذ أكثر من عقد ونصف هو مشكلتنا غير المحلولة. قد تختلف مواقفنا وانحيازاتنا حيال المشكلة هذه، قد تختلف الحلول التي نتصورها لها، لكن قلة منا تنكر وجود المشكلة ذاتها.
الطرفان كذلك، السلطة والإسلاميون، يلتقيان على أن الصراع لم يحسم، وأنه لا يزال معاصرنا ورفيقنا. ذكرت السلطة بذلك قبل وقت قصير حين اعتقلت الكاتب والناشط علي العبد الله (15/5) ثم أردفته بكامل أعضاء مجلس إدارة منتدى الأتاسي (24/5) قبل أن تفرج عنهم (30/5) محتفظة بالعبد الله وحده، الذي كان قد قرأ في جلسة للمنتدى مخصصة لمناقشة تصورات الإصلاح في سوريا رأي المراقب العام للإخوان المسلمين. الإخوان، وهم في موقع الغرم، لا يعتبرون الصراع محسوما أيضا. ينشطون من خارج البلاد، مقدمين المبادرات والمشاريع، وحاجزين لأنفسهم موقعا في النقاش السياسي السوري، النشط نسبيا في السنوات الأخيرة.
السلطة لم تستطع إقناع المجتمع السوري أنه ليس هناك مشكلة. لقد استطاعت إلحاق الهزيمة بالإخوان لكنها لم تنتصر. وهي لم تنتصر لأنها لم تستطع ان تفسح المهزومين مكانا في نظامها، وتتيح لهم فرصة الاعتراف بأنهم فشلوا. أصرت على نصر مطلق مستحيل: أن تسحقهم وتجبرهم على الاعتراف بالفشل وعلى الكف عن المطالبة في آن معا. لم تستطع الحصول عليه، ولم تتمكن من إقناع المهزومين بالكف عن الوجود والمطالبة. لم ينتصر النظام لأنه لا يعرف كيف ينتصر. وهو لا يعرف كيف ينتصر لأنه يظن أن سحق خصومه أهم من استيعابهم، وأن العنف أرقى من السياسة أو أكمل اشكال السياسة. لذلك أيضا لم يستطع الاستفادة من مبادراتهم المعتدلة لدفعهم نحو الانضواء في نظام لا يقودون وحدهم دولته ومجتمعه. هذا هدر سياسي، وإن يكن غير مفاجئ بحال. بالنتيجة المشكلة أبعدت وأنكرت لكنها لم تحل. تتربص بنا عند كل منعطف.

لكن النصر سياسي تعريفا. والصراع غير محلول لأنه سياسي، ولأن الصراعات السياسية لا تحل حلولا امنية. الحل السياسي يعني مفاوضات وتسوية وتنازلات متبادلة وحلول وسط بين طرفين مكتملي "الطرفية" أو الشخصية الاعتبارية. الطرفان هما نظام الحكم البعثي في سوريا والإخوان المسلمون. لكن الصراع الذي جرف المجتمع السوري كله وكلفه أثمانا باهظة يحتاج إلى إطار تفاوضي أوسع، يشارك فيه المعارضون السورين الآخرون. المؤتمر الوطني الذي اقترحه الإخوان، بين آخرين، قد يكون إطارا صالحا، لكن تحت خيمته ينبغي التمييز بين مستويي مختلفين للتفاوض. مستوى تصفية المشكلة غير المحلولة، ومستوى التواثق على اسس نظام جديد في البلاد. النظام القديم فجر المشكلة ورفض حلها.
سوريا لم تعرف تفاوضا اجتماعيا وسياسيا داخليا منذ حكم حزب البعث قبل 42 عاما. هذا يعادل القول إنها لم تعرف السياسة. التفاوض مدرسة للسياسة تحتاجها سوريا لتكوين طبقة سياسية كفؤ وماهرة، قادرة على قيادة دفة البلاد في منطقة وزمن مفعمين بالنواء والمخاطر. نظام الحزب الواحد، بالمقابل، لم يأكل الحقوق السياسية للمواطنين وينتهك حرياتهم، بل هو أيضا الطريق الملكي لتدني مستوى النخبة السياسية، فضلا عن رعاية الفساد وتوليد العصبيات السياسية وبروز وتصدر الأحزاب العصبية ذاتها. حين يشترط البعثيون (وعلمانويون) منع تشكل أحزاب على أسس إثنية أو دينية إنما يتنكرون لنتائج سياساتهم بالذات ويسعون إلى تدفيع الشعب السوري ثمنها.هذه سياسة تقوم على لوم الضحايا، والانحياز للأقوى. لا أقول إن الأحزاب الكردية والدينية محض نتاج لنظام الحزب الواحد؛ ما أقوله إن هذه التنظيمات حل لمشكلة التمثيل غير العادل التي تنتج عن نظام يحتكر السياسة والتمثيل، ويدمر أولا الأحزاب السياسية الحديثة العابرة للطوائف والإثنايت. والنفاق يستمر اليوم: فتوعد الأحزاب "الأهلية" بحظرها قانونيا لم ينعكس تشجيعا أو تشريعا للأحزاب المدنية. بل إن حظر الأولى هو عنصر في سياسة حظر أوسع لكل اشكال الاستقلال الاجتماعي، الحديثة والتقليدية، الأهلية والمدنية، أي لكل ما قد يحد من السلطة ويحمي المجتمع.
التفاوض الداخلي معدوم في سوريا. هذا لأن النظام يطابق نفسها مع المصلحة الوطنية، وينكر تاليا ضرورة وجود أو شرعية اية أطراف اخرى. ذرائع الإنكار ومرجعياته هي التي تختلف: إيديولوجية تقدمية وعنف ثوري ضد الرجعية قبل ربع قرن، وقانونية اليوم. ولما كان المجتمع متعدد مصالح تعريفا، فإن الترجمة السياسية لإنكار وجود أطراف أخرى هي القمع واحتكار السلطة والسياسة والشرعية.
لاءات النظام اليوم هي: لا مصالحة وطنية، لا تفاوض، لا اعتراف بتعدد المصالح الاجتماعية. لكن هذا ليس حلا لأي شيء؛ إنه بالضبط المشكلة. معالجة المشكلة تقتضي الثقة بالسياسة وإعادة الاعتبار للسياسة والتوظيف في السياسة. التفاوض كحل لمشكلتنا القديمة، المزمنة، الحية، ينبغي أن يجري في سياق إعادة تأسيس نظامنا على السياسة، بما يتيح استيعابا أفضل لأية مشكلات قد تعرض في المستقبل. التفاوض الداخلي ايضا مدرسة للسياسة ولرفع مستوى النخبة السياسية وتحسين تعاطيها مع أوضاع إقليمية ودولية تزداد تعقيدا وعسرا.
استعصاء المشكلة بعد قرابة 3 عقود على تفجرها، يوحي بأن آفاق الحل مرهونة بتجاوز الطرفين معا، نحو نظام سياسي مفتوح يشاركان فيه على قدم المساواة مع غيرهما.
ليس هذا سهلا. لكن من قال أننا في وضع سهل اليوم؟ أو كنا في وضع سهل طوال ثلاثة عقود؟ حالنا صعبة. لذلك التفاوض ضروري. به نفتح لأنفسنا بابا للعقلانية، بعيدا عن الأصولية وعن الاستئصالية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخرج عقلاني من وضع مقلق
- حزب الشعب الديمقراطي السوري وتحدي بناء الذات
- المـوت الضـروري لـسـميـر قصيـر
- شعارات حرب في شوارع المدينة!
- ديمقراطية وتنمية في الشرق الأوسط!
- ماذا يريد -الإخوان المستلمون-؟
- هيمنة بوجوه متعددة، لكن بلا روح
- أزمة أحزاب وإيديولوجيات أم أزمة حضارة؟
- سوريا، حزب البعث، ونظام الحزب الواحد: الانفصال هو الحل
- كلام على غائب في ذكرى إنشتاين ونظرية النسبية
- مبارك انتهاء الخط العسكري!
- الطائفية والطغيان: الأسفلان في لبنان وسوريا
- حزب الله والبشمركة: مشكلات السيادة والسياسة والعدالة
- على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان
- مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما ب ...
- المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية
- الثقافة المنفية في سوريا البعثية
- دستور السلطة الخالدة
- الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!
- في أصل -السينيكية- الشعبية


المزيد.....




- الأردن.. عيد ميلاد الأميرة رجوة وكم بلغت من العمر يثير تفاعل ...
- ضجة كاريكاتور -أردوغان على السرير- نشره وزير خارجية إسرائيل ...
- مصر.. فيديو طفل -عاد من الموت- في شبرا يشعل تفاعلا والداخلية ...
- الهولنديون يحتفلون بعيد ميلاد ملكهم عبر الإبحار في قنوات أمس ...
- البابا فرنسيس يزور البندقية بعد 7 أشهر من تجنب السفر
- قادة حماس.. بين بذل المهج وحملات التشهير!
- لواء فاطميون بأفغانستان.. مقاتلون ولاؤهم لإيران ويثيرون حفيظ ...
- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - بين السلطة والإخوان: لا بديل عن التفاوض