أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - أزمة أحزاب وإيديولوجيات أم أزمة حضارة؟















المزيد.....

أزمة أحزاب وإيديولوجيات أم أزمة حضارة؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1213 - 2005 / 5 / 30 - 14:09
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


ترى، هل يسجل المستوى الفكري والسياسي والمهني للنخب المثقفة والسياسية المعارضة في المشرق العربي فرقا مهما عن نخب السلطة، ذات المستوى المتدني بالفعل؟ هل تجسد نموذجا للسياسة والتنظيم أرقى من النموذج القائم؟ أقل انانية وأقل عصبوية وأبعد عن القسوة والعنف؟ يصعب قول ذلك باطمئنان. وينبغي الا نحتاج إلى التجريب من أجل إثبات شرعية هذه الريبة. تجارب السابق تسوغ التشكك على الأقل.
على أن ما نريده ليس استنباط يقين بقوة اللاتحضر من ريبة مشروعة بضعف التحضر. نريد فقط التركيز على البعد الحضاري للعمل السياسي، ومنح اهتمام اكبر لترقية معايير سلوكية وفكرية وسياسية اكثر تجردا وعملية. وإذا صح اننا نلج مرحلة تغيير بعد عقود من الجمود، فإن مسألة التحضر تكتسي براهنية لا جدال فيها.
نعرف العملية التحضيرية المأمولة في البلاد العربية بركنين تقوم عليهما: تمدين الوعي من جهة، وتمدين السياسة من جهة اخرى. القصد من تمدين الوعي نقله من المستوى العقيدي الحامل لبذور التعصب والإقصاء والعنف إلى المستوى المدني المبني على النسبية والتسامح والتعدد واليسر والاعتدال. وبالمثل نقصد بتمدين السياسة تخليصها من العنف والقوة الخام لمصلحة التسوية والتفاوض والحلول الوسط والتنازلات المتبادلة، السياسة المدنية.

اليسر والاعتدال
لا ينشأ الوعي المدني من التبشير به وإبراز فضائله. لا تبرز صيغة مدنية للعلاقة بين الناس وعقائدهم، وبالخصوص لا تستقر وتتعمم، إلا بقدر ما تتحسن فرص الناس في السيطرة على شروط وجودهم. فالوجود المنفلت من سيطرة الأفراد والجماعات والمجتمعات، ومن استيعابهم والثقافي وسيطرتهم العملية، يدفعهم نحو التماس التماسك من هويات ثابتة لا تتغير، مع ميل إلى إضفاء طابع عقيدي مطلق ومانع التغير عليها. إن مجتمعا يتدنى دخل الأكثرية فيه، وتتحكم به سلطة اعتباطية، حضورها كثيف وغير منتظم، وتتعطل اقنية الترقي الاجتماعي التعليمية والاقتصادية، ويجرفه تيار متدفق من التغيرات المادية والسلوكية...، مجتمع كهذا لا يوفر تربة ملائمة لنمو الوعي المدني. فهنا يزداد الطلب الاجتماعي على التماسك والتشدد والاعتصام. والوعي المدني لا يصلح حبل اعتصام. تتفوق عليه بيسر العقائد الدينية والهويات الفئوية.
تمدين الوعي ليس عملية وعي، سواء كانت هذه تعلما ذاتيا أم "نقلا للوعي من خارج" أم تبشيراً بعقيدة مدنية (الليبرالية؟)؛ إنه عملية تمدن مركبة، اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية، تعود على أكثرية الناس بتحكم أكبر في شروط حياتهم وبسيطرة اقوى على مصيرهم. ولا يتطلب تمدين الوعي من اي كان ان يتخلى عن عقيدته أو إيمانه، كل ما يتطلبه ان يتحول نمط علاقة الناس بعقائدهم وإيمانهم لتكون أقل اندماجية واكثر فدرالية إن جاز التعبير، أقل إطلاقا واكثر نسبية، اقل يقينية وأكثر ريبية. بالمناسبة، وخلافا لاعتقاد شائع، ليست الاعتقادية المتشددة هي الشكل الطبيعي، دع عنك أن يكون الوحيد، للإيمان الديني. فالاعتقادية أو النزعة العقيدية هي بكل بساطة عبادة الدين وتقديس الهوية، وليست بحال عبادة الله. وهي بالذات تجد جذورها في انفلات المصير من أيدي الناس وعقولهم، وفي البحث عن رواسي ثبات وحبال اعتصام. غير أن هذا خارج موضوعنا.


سلطة أكثر، حرية اكثر
بالمثل، تكبر فرصة تمدين السياسة مع نمو "كمية" السلطة في المجتمع وليس مع نقصها. فكلما كانت كمية السلطة اكبر، كانت أنصبة الأفراد والجماعات منها أكبر، ونالوا تاليا درجة أعلى من الحصانة. وبالعكس يصعب توزيع ما لا ينمو، و"الاشتراكية السياسية" أو المشاركة في السلطة، والاقتصاد في العنف الذي يتأسس عليها، وثيقا الصلة بالوفرة السلطوية.
وتتناسب كمية السلطة مع "كمية الحرية"، التي تعكس بدروها درجة السيطرة الاجتماعية على شروط الحياة، التي اشرنا انها شرط اساسي لتكون الوعي المدني. فالمجتمعات الأكثر حرية تنتج من السلطة/القوة أكثر من المجتمعات غير الحرة. بل إنها أكثر حرية لأنها تنتج الكثير من السلطة. أو قد يكون الأصح إنها تسبغ السلطة/القوة على كل نشاط اجتماعي، وتجعل من السلطة رهان كل نشاط اجتماعي، في الثقافة والفن والرياضة والاقتصاد والعلم واليدن، ولم تعد السياسة هي الميدان الحصري ولا التفضيلي لإنتاج السلطة/القوة وتنميتها. وتأخذ هذه شكلا حصانات وشكل نفوذ وشكل حرمات وشكل هيمنة، منيعة على الانتهاك والإلغاء. فالمزيد من السلطة لا يعني القليل من الحرية إلا حين تكون السلطة مركزة وتأخذ شكلا واحدا هو العنف. لكن قانون السلطة يقضي بانها حين تكون مركزة يهبط معدل نمو إنتاجها بالضرورة. وحين يخرج نمو شكلها الإكراهي على التناسب تكون قصيرة العمر. السلطة المنتشرة متنوعة الأشكال والحرية، بالمقابل، تنموان معا. والسياسة المدنية ممكنة بقدر ما تنحسر فرص السياسة العنفية، وتحد السلطات بعضها وتقيد بعضها.
بكلام أبسط، يعني ارتقاء السيطرة على المصير شيئان: مستوى أعلى من القدرة المادية لأكبر عدد من الأفراد، اي دخلا اعلى ومستوى معيشة أعلى، والأهم من مستوى عال هو مستوى يعلو ولا يكف عن التحسن؛ ودرجة أكبر من الحصانة والحرمة والأمن لأكبر عدد من الأفراد ايضا. الأهم هنا أيضا أن تكون فرص الحصانة أكبر.

التمدن والحاجات الاعتقادية للنخبة
فرص التمدن الاجتماعي تكون أكبر حين تكون النخب المشتغلة بالعام السياسي والثقافي مدنية. المثال المدني الذي تضربه مهم كقدوة وقيادة لا كتعليم وتلقين. المثال اللامدني ذو عدوى معكوسة. وبينما لا تتحضر النخب أو تتمدن في مجتمع متقهقر (متراجع السيطرة على مصيرة وشروط حياته)، فإنه يمكن للمطالب العقيدية الخاصة بالنخبة أن تعوق أو تحرف مسارا اجتماعيا تحضيريا ناشئا. فقد أضعفت النزعات البطولية والرسولية للمجموعات الحزبية السورية، البعثية والشيوعية والإسلامية والناصرية، منذ أواخر خمسينات القرن العشرين فرص ارتسام مسار للتطور الاجتماعي والسياسي السوري اقل عقيدية وعنفا. نبتت تلك النزعات في ظروف قاسية، هشاشة داخلية ومخاطر خارجية ولا توازن اجتماعي، دفعت إلى زيادة الطلب على ضغط الزمن والتماسك الداخلي ("حرق المراحل" و"الوحدة الوطنية" في اللغة البعثية)، وفي كل الأحوال على تركيز السلطة. كانت هذا المطالب عربة صعود نخب هائجة، متدنية المستوى، تغطي على تخلفها وفظاظتها ببلاغة ثورية وقعقعة حربية لا تترك مجالا للتفكير والتبين. تحالفت حاجات هذه النخب مع قراءة إيديولوجية، عسكرية وملحمية، للتاريخ العربي، لتنتج وعيا حربيا تعبويا عقيديا، تتمركز الحقيقة كلها فيه مثلما تتمركز السلطة في يد نخبة الحكم؛ وعي يطلب الحرب ومسكون بالحرب والنصر والأعداء والجبهات. لذلك كنا، وأعني أكثرية السوريين، نبتهج كل مرة تعلق فيها معركة مع إسرائيل. فالحرب هي النصر، هي مناسبة إضافية لنصر جديد وفخر جديد. كان ذلك زمن طفولتنا الوطنية التي لم "يحررنا" منها إلا الطغيان.
كانت الحرب هي الهزيمة، وهي المهانة. وفي غفلة منا، كانت عقيدة الحرب قد تحولت إيديولوجية مشرعة للهيمنة والانتصار على المجتمع المحلي واحتكار السلطة. لذلك استمرت، ولا تزال، حتى بعد ان انتقلت الحرب إلى مجال ما يستحيل التفكير فيه. إن نقد عقيدة الحرب، ونقد العقيدية هنا، يصدر بالضبط من خبرة مزدوجة: هزيمة شنيعة أمام العدو، وتحول الحرب إيديولوجيا سلطة مطلقة.
وفي جلبة الحرب او عقيدة الحرب ضاعت فكرة الحضارة والتمدن والارتقاء وحلت محلها أفكار المواجهة والشجاعة و"الصمود والتصدي" والثبات على المبادئ والالتزام. كان يمكن لهذه الافكار الأخيرة ان تنضبط بقيم التسامح واليسر والعدل والاعتدال لتغني ثقافتنا وتمنحها درجة من الصلابة، لكن في غياب هذا الدستور القيمي آلت إلى قسوة وعنف وغضب. أما النخب الحاكمة العقيدية فقد أغناها شراء الحضارة كمنتجات عن الحضارة كفاعلية ترق وتمدن، وبفضل مراكمة السلطة العنفية العارية منحت نفسها شعورا بالتفوق يغطي على تفاهتها وشعورها بالدونية. ولا نعدو الإنصاف إن قلنا إن نخبنا الحاكمة أشد تخلفا وجمودا وشراهة ومتعية وقسوة من أن تتصور مفهوما آخر للحضارة أو تستطيع تحقيق تقدم حضاري لبلدانها. بل إن نظم حكمنا المغلقة هي اليوم العائق الأعتى أمام استئناف المسار التحضيري للمجتمعات العربية.

استقلال الحضارة
مثلما ان الوعي المدني ليس عقيدة، والسياسة المدنية ليست نظام حكم، فإن الحضارة ليست نمط إنتاج ولا مستوى تطور عال للقوى المنتجة، ولا علاقات إنتاج عادلة واشتراكية، ولا إيديولوجية علمية (إن كان لهذا التعبير اي معنى). وقد كان دور العقيدة الشيوعية في تشويش المسألة الحضارية لا يقل عن دور العقيدة القومية الحربية. ولا كذلك عن دور العقيدة الإسلامية التي تتصور الحضارة دينا وهوية وتراثا.
ثمة أزمة حضارة تشكو منها مجتمعاتنا لا ترتد إلى شيء مما سبق ولا تعالج به. قبل ثلاثة عقود أنكر المرحوم مهدي عامل استقلال المسألة الحضارية، وقرر أن السر في ازمة المجتمعات العربية هو أزمة البرجوازيات القائدة. بعد عشر سنوات اغتيل على يد متحمسين عقيديين يضفون العادية على العنف.
لقد فشلت عملية التحرر من الاستعمار لأنها لم تستكمل بالتحضر السياسي والثقافي والاجتماعي، ولم يكن استقلالنا أرضية للتمدن والترقي العام. لذلك كثيرون منا يشعرون أنهم لن يخسوا شيئا إن خسروا هذا الاستقلال.
كيف تتحرر سياستنا من العنف، وثقافتنا من التعصب، ومجتمعنا من القسوة؟ كيف نوحد مطلبي الاستقلال والتمدن؟ هذا سؤال لا ينحل في السياسة كما نمارسها اليوم، ولا يمكن القفز فوقه.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا، حزب البعث، ونظام الحزب الواحد: الانفصال هو الحل
- كلام على غائب في ذكرى إنشتاين ونظرية النسبية
- مبارك انتهاء الخط العسكري!
- الطائفية والطغيان: الأسفلان في لبنان وسوريا
- حزب الله والبشمركة: مشكلات السيادة والسياسة والعدالة
- على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان
- مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما ب ...
- المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية
- الثقافة المنفية في سوريا البعثية
- دستور السلطة الخالدة
- الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!
- في أصل -السينيكية- الشعبية
- وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!
- جنون الاستهداف والعقل السياسي البعثي
- في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!
- ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟
- على شرف حالة الطوارئ: حفلة لصيد -الخونة- بين قصر العدل وساحة ...
- نحو تملك عالمي للحداثة والتغيير تأملات حول شيوعية القرن العش ...
- نقاش حول الدين والثقافة وحرية الاعتقاد
- تسييس العلاقة السورية اللبنانية


المزيد.....




- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...
- -عار عليكم-.. بايدن يحضر عشاء مراسلي البيت الأبيض وسط احتجاج ...
- حماس تبحث مع فصائل فلسطينية مستجدات الحرب على غزة
- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - أزمة أحزاب وإيديولوجيات أم أزمة حضارة؟