أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان















المزيد.....

على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1191 - 2005 / 5 / 8 - 11:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


التغيير يدق الأبواب في المشرق العربي. بأيد خارجية؟ ربما. تحت راية الديمقراطية؟ حتما. لكن مستقبل بلاد المشرق سيكون رهنا بمساحة التقاطع بين الضغط الخارجي والمبادرة الداخلية.
في المجرد، ثمة احتمالين أقصيين وسلسلة من الاحتمالات المتوسطة. الاحتمال الأقصى الأول هو الخارج يحتكر التغيير والداخل منفعل سلبي. الاحتمال الثاني الداخل يتولى عملية الإصلاح والتغيير دون أن يكون للخارج دور فيهما. الاحتمالات الوسيطة هي مشاركة متفاوتة النسب بين الطرفين. ونميل إلى الجزم بأنه كلما كان دور الداخل في التغيير أكبر كان هذا أكثر مواتاة للديمقراطية والاستقرار في آن معا. وبالعكس، يكون التغيير أضعف إثمارا بقدر يتناسب مع دور الفاعلين الخارجيين فيه. وينبغي ألا تختلط هذه المسألة بمسألة القدرة على إحداث التغيير: قد يكون الخارج هو الأقدر، لكن توطين التغيير هو الذي يضمن استدامته.
في العراق كان قرار التغيير وتنفيذه وتولي الأمور بعده بيد الولايات المتحدة، فيما كانت المشاركة الإيجابية للداخل العراقي محدودة جدا. الحالة القصوى العراقية تمثل نموذج مستقلا: التغيير عبر الغزو والاحتلال، أو ما قد نسميه الشكل العراقي لتغيير الأنظمة. والصلة ليست عرضية بين التغيير عبر الغزو وبين ما تلاها من انهيار الدولة وتفجر عنف يمزج المقاومة والإرهاب والنزاع الاهلي. فـ"الخارج" (الأميركي - البريطاني أساسا) القائم بالتغيير غريب عن "الداخل" موضوع التغيير، وبفعل غربته يميل إلى تصور شيئي للداخل العراقي وهندسي للعملية التغييرية، والتصورات الهندسية مولدة دوما للعنف والإرهاب. ثم أن التغيير ليس انتقالا سلبيا من حال إلى غير بقدر ما هو فاعلية اجتماعية يتمرس الناس عبر المشاركة فيها في التحكم بها وتوجيهها والسيطرة عليها. بعبارة أخرى، تشكل المشاركة في التغيير والتحكم بالتغيير وجهان لعملية واحدة، نسميها تملك التغيير. ومن المفهوم تاليا أن التمرس بالتغيير وتملكه يكون أدنى حين يأتى التغيير من الخارج، حتى لو كان "هدية" غيرية من الغير.

الحال اللبناني مختلف. لا ريب في تأثير مهم للخارج ظهر للعلن بعد التمديد للرئيس لحود في خريف عام 2004، وأخذ شكل قرار دولي في تشرين الثاني من العام نفسه، والتقت في إصداره وإعلان إرادة تنفيذه دول الغرب الكبرى. وتصعّد العامل الدولي إلى ضغوط مباشرة شملت تلويحا باستخدام القوة ضد سوريا بعد اغتيال الرئيس الحريري في شباط 2005. لكن دور الداخل اللبناني كان حاضرا قبل الاغتيال، وصار بالغ الأهمية بعد الاغتيال. وفي الأصل، يعتقد ان الرجل اغتيل لأن له ضلع في إصدار القرار الدولي 1559. ما يعني، إن صح، أن الحريري الذي "مثّل" داخلا لبنانيا غير مكتمل التشكل كان يصبو إلى إنهاء نظام الهيمنة الذي يحكم بلاده واستكمال مقومات "الداخلية" اللبنانية. أما بعد 14 شباط 2005 فقد كان نزول اللبنانيين إلى الشارع يعكس إرادتهم مشاركة مباشرة في عملية تغيير نظام حكمهم وللشكل الهيمني للعلاقة السورية اللبنانية، الذي كان اغتيال الحريري نقطة بدء انهياره المتسارع بدل أن يمدد عمره. لقد حكم "إعدامه" بالإعدام على نظام الهيمنة. في هذا المعنى كان الحريري قربانا لفصم شكل علاقة لم يستطع فصمه وهو حي. وفي هذا المعنى قدم اللبنانيون شهيدا كبيرا لاستقلالهم، فوق إسهامهم المليوني المباشر في التغيير وصنع مستقبل بلدهم.
النموذج اللبناني يتمثل، تاليا، في مساحة تقاطع واسعة بين الداخل والخارج. واتساع المساحة هذا يضمن تقليل احتمال الانهيار العام والنزاع الأهلي. يضمن ايضا قطع الطريق على وراثة الخارج الأميركي أو الأميركي الفرنسي للخارج السوري في السيطرة على الحياة السياسية اللبنانية.
ليس هذا وجه الخلاف الوحيد بين النموذجين اللبناني والعراقي. ففي لبنان كانت المشاركة الداخلية كما تجسدت في "انتفاضة الاستقلال" عابرة للطوائف، فيما تمحورت السياسة العراقية بعد العهد الصدامي حول الطوائف قانونيا وليس واقعيا فحسب. لا نعني أن لبنان آخذ بالتحرر من الطائفية، ما نعنيه أن السيطرة على الانقسام الطائفي تكون اكبر حين يشارك لبنانيون من منابت طائفية متعددة في تغيير نظام الهيمنة الذي كان يحرص على إدارة انقساماتهم. ولا نعني أن لبنان هو "المستقبل الماضي" للعراق بالضرورة، ما نعنيه ان الضعف السياسي للمجتمع العراقي بعد عقود من الطغيان البعثي جعل من مياه السياسة التي كانت محجوزة تجري اليوم في أقنية طائفية. وهو ما ينسجم مع مصلحة نظام الهيمنة الأميركي في العراق.
من وجوه الاختلاف الأخرى أن الاحتجاج اللبناني أخذ شكلا سلميا، ما أتاح اتساع القاعدة الاجتماعية للمشاركة فيه، وما فتح الباب أمام مشاركة أنثوية واسعة. فيما كان الشكل العنفي لتغيير النظام في العراق ولمقاومة الاحتلال طاردا للنساء من الميدان العام ومقلصا للمشاركة الاجتماعية. فالشكل العنفي للتغيير والسياسة، في كل مكان، ذكوري الميل ومضاد للنساء، ونخبوي ضيق القاعدة.
وجه اختلاف إضافي بين النموذجين اللبناني والعراقي هو دور الشباب الكبير في عملية التغير اللبنانية، فيما لم يكن لافتا دور الشبان العراقيين، رغم أنه في حكم المؤكد انهم هم المحاربون، وان أكثر "جيش المهدي" الشيعي من الشبان. الدلالة هنا أن حصة لبنان في صنع مستقبله أكبر من حصة العراق.
والخلاصة أنه لا يمكن للصلة بين السلمية والعلانية واتساع المشاركة وعبور الطوائف وشمول الجنسين في لبنان، وبين نقائضها في العراق أن تكون عرضية ومقطوعة العلاقة بشكل التغيير وبتوقعات ما بعد التغيير في البلدين.
هناك نموذج ليبي يبدو للوهلة الأولى نقيضا للنموذج العراقي. لكن وراء الاختلاف الظاهر ثمة تماثل أساسي في حيثية داخل/ خارج. في الحالين التغيير خارجي حصرا. التغيير الليبي محدود قصّر عن إسقاط النظام، خلافا للتغيير العراقي، لكن في الحالين المبادرة للخارج ومساحة التقاطع الداخلي معه معدومة.
وماذا عن سوريا؟ هناك ضغوط خارجية قوية، وطوق عزلة محكم حول النظام. لكن يبدو ان الضغوط تهدف إلى تغيير في النظام لا إلى تغيير النظام. لماذا؟ لأسباب عديدة. أولها الدرس المستخلص من التجربة العراقية: إسقاط النظام وإلغاء الدولة يقود إلى انفجار المجتمع ضد نفسه وضد المحتلين. وضع اللااستقرار العراقي مزعج للأميركيين. و1500 قتيل أميركي ليس شيئا هينا. ثانيها، ما يبدو من جدوى دفع النظام في سوريا نحو تغيير ذاته أو حتى الانقلاب على ذاته بمزيد من الضغوط. هنا قد يكون ثمة تغيير خارجي بوكالة داخلية، بطريقة تذكر بعنصر الوكالة في الدور الإقليمي السوري. في هذا شبه مهم مع النموذج الفرعي الليبي.
هذا يجعل احتمال الشكل العراقي للتغيير مستبعدا. وهذا من حسن حظ الشعب السوري. فالغزو مؤذن بخراب عام وليس فقط بسقوط النظام. بالمقابل من المرجح أن تكون مشاركة الشعب السوري في العملية التغييرية أقل مما في لبنان واكثر مما في العراق وليبيا. ومساحة تقاطع العامل الخارجي والمبادرة الداخلية أضيق من الجار الصغير، وأوسع من نظامي الروائي صدام والفيلسوف معمر.
وهنا ينبغي إدخال عامل زمني. فمساحة التقاطع قد تكبر مع الزمن إذا بقيت الضغوط الخارجية ثابتة على مستواها الحالي.
لكن أين الاحتمال الأقصى الآخر: تغيير داخلي حصرا مع مساحة تقاطع داخل/ خارج معدومة أو بالغة الضيق؟ هذا الاحتمال غير موجود ببساطة. فقد نجحت نظم الحكم العربية في إغلاق الداخل واستئصال السياسة والتغيير منه. التغيير مؤسسة في "الخارج" اسمها الانتخابات، أما في "الداخل" فالتأبيد جهاز اسمه السلطة.
هذا يقول لنا شيئا عن سبب انعدام التغيير من الداخل، لكنه بالطبع لا يقول لنا شيئا عن سبب مبادرة الخارج إلى التغيير، بعد أن كان السند الأول للمحافظة والاستقرار. من أجل أن نعرف السبب ربما ينبغي معرفة الأحوال الداخلية لأهل "الخارج" الذي يغيرنا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما ب ...
- المسألة الأميركية والثقافة السياسية السورية
- الثقافة المنفية في سوريا البعثية
- دستور السلطة الخالدة
- الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!
- في أصل -السينيكية- الشعبية
- وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!
- جنون الاستهداف والعقل السياسي البعثي
- في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!
- ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟
- على شرف حالة الطوارئ: حفلة لصيد -الخونة- بين قصر العدل وساحة ...
- نحو تملك عالمي للحداثة والتغيير تأملات حول شيوعية القرن العش ...
- نقاش حول الدين والثقافة وحرية الاعتقاد
- تسييس العلاقة السورية اللبنانية
- ما بعد الحقبة السورية: تحديات الوطنية اللبنانية الجديدة
- أمام الأزمة وجهاً لوجه
- من يقتل رفيق الحريري؟
- الإعلام الفضيحة: ماذا فعلت جريدة -تشرين- بالحوار مع الأسير ا ...
- السجناء السوريون في إسرائيل أو موقع الجولان في الوعي السوري ...
- دولة مؤسسات أم دولة أجهزة؟


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل فلسطينيين اثنين في جنين بعد مهاجم ...
- رئيسي يندد بالعقوبات الغربية المفروضة
- إزالة 37 مليون طن من الحطام المليء بالقنابل في غزة قد تستغرق ...
- توسع الاتحاد الأوروبي - هل يستطيع التكتل استيعاب دول الكتلة ...
- الحوثيون يعرضون مشاهد من إسقاط طائرة أمريكية من نوع -MQ9-.. ...
- -الغارديان-: أوكرانيا تواجه صعوبات متزايدة في تعبئة جيشها
- هجوم صاروخي من لبنان يستهدف مناطق في الجليل الأعلى شمال إسرا ...
- السيسي يوجه رسالة للعرب حول فلسطين
- الأمن المصري يضبط مغارة -علي بابا- بحوزة مواطن
- نائب نصر الله لوزير الدفاع الإسرائيلي: بالحرب لن تعيدوا سكان ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان