أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس عبد الحسين - درجة 45















المزيد.....

درجة 45


فراس عبد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 4360 - 2014 / 2 / 9 - 18:04
المحور: الادب والفن
    


درجة 45
فراس عبد الحسين
ظنوني بحرٌ أسود متلاطم الأمواج, سفينة حزني شراعها القلق, تأخذني حيث تشاء, لمحت جزيرة إنقاذي من بعيد, فتحته, تلمست أرقامه.
- ما هذا الهراء الذي نعيش فيه, أي سخف هذا, لابد أن هناك خلل في النظام الأصغر أو الأكبر, أستعد الان لقتلك حبيبتي, هذا الذي لم يحصل من قبل, ولم أقرأه حتى في روايات الخيال.
- جميعنا نموت حبيبي ولكل شخص ساعته المحددة والموت على يد حبيب أعتقد أفضل من غيره.
نهضت في تمام الساعة الخامسة صباحاً, ارتديت بزتي العسكرية, دَخَلت عليَ أمي قبل أن أخرج من غرفتي كعادتها, وكأنها او لربما هي مستيقظة خلف الباب تنتظرني الليل بطولة.
احتضنتني بحرارة وكأنها تودعني الوداع الأخير كما تفعل في كل مرة, شمتني, ضمتني بقوة لصدرها أحسها تود ارجاعي لأحشائها من جديد, اختلطت حرارة أنفاسها بالدموع, تحولت لجمرة من المشاعر تشع حباً وحناناً.
أرجوك يا ولدي أترك الجيش, لا أريد أن أشيعك شهيداً مثل والدك, تركني وحيدة أصارع ظلمة الحياة مع أطفال صغار, ذبلت عيناي قهراً وانتظاراً حتى رأيتك رجلاً بجانبي, أرجوك لا أريد أن أبقى وحيدة.
- وأعود لرصيف الشارع يا أمي, يستمتع بمطاردتي رجال الشرطة والبلدية مثل الشاة والذئاب, مع نظرات بعض الناس المتعجرفين, ويزورنا شبح الفقر والجوع المرعب من جديد, كيف نعيش ومن أين نأكل ومَن يصرف على أخوتي الأربع.
كل شيء ملتفع بالسواد, الأزقة الطرقات الأشجار, اينما أولي فثمة وجه عتمة ليل صامتة موحشة, ألا من نباح الكلاب السائبة, ودقات قلبي الخائف المرتبك الحزين, كأنها طبول السحور لأيقاظ الصائمين, كيف سأقوم بذلك, ما الذي سأفعل؟
صمتٌ غريب يخيم على جميع الركاب المسافرين معي, تمنيت النوم مثل البقية, عيناي جافت الرقاد, صوت إطارات السيارة فحيح لكائن مرعب عملاق أتخيل وجهه, يلاحقني أينما أذهب.
وصلت لوحدتي العسكرية في الساعة الثامنة صباحاً, كانت ساحتها تغص بالأسلحة الامريكية, حديثة متطورة قد وصلت للتو, دبابات الأبرمز, المدفعية الثقيلة, مدرعات, طائرات, سيارات الهمر, حشرات قذرة عملاقة بلون التراب بأذناب أو أنياب سامة طويلة, بصقت عليها جميعاً بملء فمي, الآلات القتل والدمار تصلنا بسرعة البرق, على العكس من الآلات المعامل والمصانع..!
دخلت أحداهن, نعش كبير متحرك مجهز بأحدث تقنية القتل, مجهزة بالتكنلوجيا شاشات حواسيب ونواظير ليزرية, هذه العقول تبدع بكيفية القتل الدقيق, ولا تعرف كيف تصنع أدوات السلام والتقدم للشعوب..!
سرنا رتلاً طويلاً, أفعى سامة عملاقة تتطوى وتتمايل مع تعرجات الطريق لم يردعها ولن يقف بوجهها شيء, شوارع المدن, الانهار, الصحاري, تزحف وتزحف دون توقف, حتى وصلنا لضواحي مدينة الفلوجة, ينتشر الجنود بدروعهم وسيارات الهمر على مد البصر, ربضنا هناك بانتظار أوامر القصف أو الاقتحام.
أخرجت جهاز الهاتف من جيبي, ها قد وصلت بقربك الأن حبيبتي, لا أعلم كيف فعلت, منذ الصباح يعتصر قلبي الألم أسير خطوة للأمام وخطوتين للخلف, كيف هو حالكم في المدينة المحاصرة منذ اسابيع,
- لا يوصف, بدون ماء وكهرباء, انتهت موادنا الغذائية وتوقفت كل الأعمال, بين سندان الارهابيين من القاعدة وداعش, ملثمين لانعرف وجوههم لكن نسمع أغلبهم يتحدثون بلهجه عربية غريبة عنا, عاثوا بالمدينة فساداً وخراباً, يمنعون خروج النساء حتى للتسوق, يفرضون نقاباً يشابه ما تلبسه النسوة في أفغانستان, يتدخلون في كل شيء, نتمنى الخلاص منهم بأقرب وقت, وبين ومطرقة جيشنا العراقي الذي يعتقد أن كل أهل المدينة هم إرهابيون يجب التخلص منهم. تباً للسياسة وما أوصلتنا اليه, شعبٌ يقتل نفسه بيديه, وحبيب يقتل حبيبته, لا أصدق كل ما يحصل ألان.
تعلم حبيبي عمران كنت أتوقع أن نلتقي قريباً, تهديني دبدوباً أحمر بعيد الحب الذي سيحل قريباً, والأن ستهديني قذيفة, دائماً أقول الموت على يد الحبيب أفضل من غيره هههههههه.
- على جميع المقاتلين على المدفعية, هيئ المدفع على ارتفاع 45ْ وتحضر للرمي, قاطعنا صوت اللاسلكي المزعج.
كم أمقت هذه ال 45... لماذا بهذا الرقم بالذات, تصل القذيفة لأبعد مدى ممكن دون غيره..!
أبغضه منذ أيام الامتحانات في المدرسة, عندما لا أشارك الناجحين بالفرح ولا أستحق أن أكون مع الراسبين, وذكرني بال45 درجة مئوية عند أنقطاع الكهرباء بمدينتي كربلاء في فصل الصيف يصبح الحر مع العرق شيء لا يطاق.
لا أعرف لماذا صوت آمر الفصيل الأجش باللاسلكي ذكرني بصوت مشيع الجنازات المقيت الذي كان يمشي أمام جنازة والدي بعد استشهاده, ظل صوته للأن قابعاً بعقلي منذ أيام الطفولة, مع تساؤل كبير لماذا أصبحت يتيماً منذ الصغر..؟
بين الخوف من الحبس وعودة عائلتي للجوع والفقر, عشت بقلق وتردد رهيب يمزق نفسي, صورة حبيبتي مقتولة, أطفال مقطعون أشلاء يصرخون من الوجع, منازل مهدمة تلتهمها النيران, كل صور القتل, لون الدم الاحمر المسود ورائحته, الخراب والدمار تراءت لعيني حينذاك, لكني مرغماً نفذت الأمر.
مع كل درجة ترتفع بها فوهة المدفع, أحس أن هناك موتاً محققاً يبتعد عن أناس ليقترب من أخرين, أتحكم بموتهم بعجلة رفع الفوهة بيدي, حتى ضبطت الارتفاع على تعساء الحظ بدرجة 45.
جنود المدفعية تحضر للرمي......... أأأأأأأأأأأأأرمي.
حاولت كثيراً سحب حبل المدفع لم أستطع, وكأني أحاول سحب صخرة كبيرة وإيصالها لقمة جبل شاهق, هذه مفارقات الحياة التي لم أتوقع حدوثها بيوم, ضغطت على زر جهاز اللاسلكي, أسف سيدي لن أنفذ .
وأنا أمشي مع المأمور للسجن, سمعت أصوات انفجارات مدوية, مزقت شغاف قلبي قبل هدوء الصمت والسكينة, غطت أعمدة الدخان سماء المدينة, مثلما غطى الرعب والقلق مكامن روحي الحزينة.
وأنا مستلقيِ داخل السجن, دخل علي أحدهم ضربني على رأسي بطرف المسدس - أعترف لماذا لم تنفذ الاوامر, أعترف بسرعة قبل إن أقتلك, تكلم.... تكلم.
تكلم .. تكلم صوت منبه جوال يرن, فتحت عيني بصعوبة على صوت أمي تضع الجوال قرب رأسي, أو لربما كانت تضربني به برفق كي أستيقظ,
أبصرت اسم حبيبتي - صباح الخير حبيبي عمران ماذا قررت أخيراً.. سأعود لبسطتي على الرصيف حبيبتي.



#فراس_عبد_الحسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو العود
- عالم بلا أصوات
- خيال
- فنجان قهوه
- ابو العود
- قلم الكاتب
- صحوه بلدوزر
- السوق
- فتاه اللوحه.. لوحه الفتاه
- المقهى
- الشيخ والطفل
- ثوره الصمت
- من المسؤول
- دموع تحت الصفيح
- احذروا الحليم اذا غضب
- شيوعيا انا
- التغيير بات بأيديكم
- كابوس
- الشيوعي العراقي ..والانتخابات
- الشباب والربيع العربي


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس عبد الحسين - درجة 45