أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عائشة مشيش - ماسح أحذية ...














المزيد.....

ماسح أحذية ...


عائشة مشيش

الحوار المتمدن-العدد: 4356 - 2014 / 2 / 5 - 21:10
المحور: الادب والفن
    



ماسح أحذية ...
وضع كرسيّه على الأرض ثم جلس عليه مستريحاً من عناء الطريق .فتح حقيبته الخشبية أمامه وبدأ يفرغ ما في جوفها من أدوات : فرشاة لمسح الأحذية ، دهان أسود وآخر بني ، بضع فوطات لونها أصفر، لم يبقَ من لونها إلا الحواشي ..وضعها بعناية فوق الصندوق ثم تطلع إلى الشارع ولم تكن الساعة قد تجاوزت التاسعة صباحاً ..
كان الشارع يستقبل بتثاؤب بعض العاملين والموظفين وبعض المارين لشراء إفطارهم ... جو بارد ، سماء زرقاء بسحب متفرقة ترسمُ من خلالها وجوهاً لحيوانات أليفة، وبينهما وجه يشبه وجه جدته....
تناول سيجارة من سجائره الرخيصة .. وبدأ يدخن في محاولة للتخلص من الشرود الذي كان ينتابه كل حين..تارّة يستمع إلى أصوات السيارات المارة أمامه ، وتارّة أخرى يثيره أمر ما في محيطه، كان يتأمل جمال الجبال المحيطة بمدينته والتي تبدو وكأنها فاتحة ذراعيها لاحتضانه..
وقف رجل بجانبه ... أهلاً سيدي تفضل..قال له ..
بدون أن يتكلم أخذ صاحبنا في دهن الحذاء بخفة ودعكه بفرشاته كأنه يرسم لوحة تشكيلية بحماس صباحي وهمة مؤقتة..تنتظر نصف النهار لتتلاشى وتنقضي ليعود إلى استكانته والى سيجارته والى تأمله .. استمر في مسح حذاء الرجل ..
ماذا لو وضعتُ قدمي مكان قدمِ هذا الرجل وهو الذي قام بمسح حذائي..؟ ... قال لنفسه ..
لا يبدو الأمر سهلاً ، فلابد من عملية مسح كبيرة تعيد ترتيب العالم المحيط بي وتجعلني أنا مكانه ...
هل عملية المسح لا تطال إلا هو وأمثاله مِن مَنْ يقولون عنهم مهمشين ..؟
طُرِدَ من المدرسة حين لم يستطيع شراء الكتب واللوازم الدراسية ، ومواكبة التلاميذ في دراستهم...
كان الابن السابع من بين اثني عشر ابناً وبنتاً...لم ينتبه إليه أحد من الذين هم تحته ولم يحظَ باهتمام من هم فوقه ..!! ضاع بين تحت وفوق...
حتى حين خرج من المدرسة ، لم يسأله أحد عن بقائه في البيت سوى أمه التي كانت تنتبه إليه حين تبدأ بتنظيف البيت فتبعثه إلى الشارع كي يترك لها المكان خالياً ...
نظرت إليه المديرة بأسف وقالت : " خسارة أنت تلميذ نجيب ولكن لا يمكنك الاستمرار دون الكتب واللوازم الدراسية "...ثم مسحته من عينيها لتبدأ بالاهتمام بآخر ..

عملية المسح تلك كانت ذات أثر على نفسه..ترك الصف وخرج مسرعاً يجر خلفه طموحاته وآماله ، ونظرات معلمته تتبعه عن بعد وعيناها تكاد تدمع..فقد كان تلميذاً جاداً في الدراسة و ذكياً ..
انتهى من عملية مسح حذاء الرجل، جمع منشفته ، ثم مدّ يده إليه يقبض ما أعطاه إياه دون أن ينظر إليه ولا إلى ما أعطاه..كان يعرف أنّه بمجرد استلامه هذه النقود سيضعها في يد احمد البقال بعد قليل ....
عاد إلى كرسيه ..أشعل سيجارة من سجائره الرخيصة ..نفث دخانها .. وغاب نحو ترتيب حلمه بمسح ما كان، ليعيد ترتيب ما قد سيكون في سعيه نحو تجاوزالزمان والمكان في محاولة لصنع ذاته من خلال مسح كلي لتلك المدينة الرمادية اللون ، الكئيبة الذكرى....

عائشة مشيش ...




#عائشة_مشيش (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفحة بيضاء ...
- المحاولة الثانية لنبش الداكرة ..
- محاولة النبش في الذاكرة ...
- الحرية .. الحلم الدائم .
- شهرزاد والحكاية ..


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عائشة مشيش - ماسح أحذية ...