أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أبو الحسن سلام - مباهج الفرجة والتوظيف الخيالي - زنوبيا في موكب الفينيق -















المزيد.....



مباهج الفرجة والتوظيف الخيالي - زنوبيا في موكب الفينيق -


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 4356 - 2014 / 2 / 5 - 08:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مباهج الفرجة والتوظيف الخيالي
بين قراءة النص المسرحي وعرضه



" زنوبيا في موكب الفرجة والفكر:
قراءة ماقبل القراءة :

( النقد يجيب ولا يسأل والمسرح يسأل ولا يجيب . )
كثيرا ما يكون ضروريا قبل قراءة النص الإبداعي أن تستبق القراءة بقراءة ما كتب عنه من نقد سابق ؛ فنقد النقد كثيرا ما يشير أو ينبئ عن نقاط قراءة عمياء .. في محطات من نقد سابق ؛ عبر عليها الناقد الأول عبور الكرام ؛ برغم وجاهة مداخل نقده ، أو أن سؤالا استشكاليا عن للناقد الثاني ؛ يوقف مسير خلاصة النقد الأول !! كأن يقول : هل من يقرأ هذا النص يعلم تفصيل التاريخ حول القصة ، أو شيئا حول الأسطورة
أو ثنى بسؤال عن تجريبية الشكل ، حداثته . هل يحقق التمهيد لتاريخية الحدث التواصل بين متلق ومبدع ، بين إبداع وقارئ ؟! أو يشط في المطالبة سائلا مبدع النص الذي بين يديه ..
( لماذا لم تعالج مؤلفك المسرحي وفق ما نظرت له من قبل ؛ إشادة بما يعرف بالاحتفالية ؛ لماذا لم تعالج نص إبداعك ذاك الذي هو بين يدينا ليجئ احتفاليا ؟! )

واذا ما النقد هم وامتطي دابة سؤال لا محل له في عالم الإبداع ؛ حل نفسه محل المبدع ؛ وقد تصدى لنقده !! نسأله :
- فلماذا لا تحل أنت نفسك محل مبدع النص فتبدع أنت نفسك بدلا منه ؟

إن للناقد فعل الوصف والتحليل والتوصيف ثم يعطى الرأي فيما هو واصف .. إن يكن سلبا فسلبا أو إيجابا فليكن .. حكما حمل على أسبابه ؛ فلئن أصل في أسباب الحكم لربط النقد بمنهج ما ؛ صار الأرقى بوصوله إلى مصاف البحث .

خلاصة ما أبغيه ؛ أقول : إن الناقد واجد واصف فمحلل ؛ فمقوم تقويما محمولا على أسباب موضوعية إيجابا أم سلبا ، ولاشئ تحت ذلك أو فوقه .

على أن النقطة العمياء فيما قرأت من نقد تضمنته مقدمة نص ( زنوبيا في موكب الفينيق) من تاليف الدكتور عبد الرحمن بن زيدان ؛ قد تمحورت حول سؤال طرحه الناقد د. عمرو دواره :
( هل يمكن تصنيف هذا النص تحت مسمي " المسرح الذهني" الذي يمكنه تحقيق المتعة للقارئ أكثر من قدرته على تحقيقها للمشاهد؟
"
(د. عمرو دواره ، مقدمة نص : زنوبيا في موكب الفينيق ) للمؤلف د. عبد الرحمن بن زيدان ، سلسلة نصوص مسرحية (120) القاهرة ، وزارة الثقافة ، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2012 ص 22)

المسرح لا يعطى إجابات ؛ لكنه يلقى بالتساؤلات . والنقد لا يطرح تساؤلات ؛ لكنه منوط بالتوصل إلى إجابات.
والناقد "عمرو دواره" يطرح أسئلة في مقدمته للمسرحية . هو يلقي بسؤال كبير حول المسرحية الذهنية ؛ هو سؤال؛ الحكم فيه يعجز كبار النقاد ؛ حتى أننا نرى د. محمد زكي العشماوي - وهو من هو - ( لا يجد فرقا بين مسرح الفكرة ومسرح الأفكار والمسرحية الذهنية ؛ فجميعها في رأيه ذاب في مصطلح مسرح الفكر . )
ومن الغريب أن يلقي د. عمرو دواره سؤالا كهذا يحكم فيه جمهور قراء نص ( زنوبيا في موكب الفينيق ) ليقرر من يقرر منهم إذا ما كان انتماء هذا النص للمسرحية الذهنية أم لا !!
وأعلم كما يعلم د. عمرو ، وسائر النقاد الأكاديميين أن للنقد اتجاهاته القديمة والحديثة والمعاصرة ولكل اتجاه منها عدد من النظريات ؛ ويعلم كما نعلم أن الناقد لا يتأبط نظرية يعملها في منتج إبداعي مال إلى نقده ؛ وإنما يترك للمنتج الإبداعي أن يشير إلى ما يناسبه من النظريات النقدية ؛ باستثناء النظرية السيميولوجية والنظرية الهرمونطيقية : نظرية التأويل - ربما- فكلاهما - من جهة نظري - صالحتان للتعامل مع كل ألوان الإبداع في كل نزعاته أو مدارسه . . فالسيميولوجيا تعتمد العلامة دالا يؤدى إلى المدلول ( المعنى) من خلال قراءة منظومة العلامات في سياق البنية الفنية للمنتج الإبداعي موضوع النقد ؛ والتأويل عمل فوق التفسير لدور التأمل فيه وفلسفة توليد معطيات البنية في المنتج الإبداعي ؛ عن طريق المقاربات المعرفية أو المتوسطات القرائية بين ثقافة الناقد وثقافة المنتج الإبداعي الذي بين يديه . وكلا هذين المسيرين النقديين يحتاج ناقدا حصيفا مؤهلا وصاحب دربة فى القراءة السيميائية في حالة النقد السيميولوجي ؛ ورؤية تفلسفية في حالة التأويل . وكلاهما ليسا مجالا تحتمله ًمثل تلك المقدمات . وعمرو ملم بذلك.
لذلك كنت أرجو أن يواصل د. عمرو دواره تحقيق مسألة الإشكالية التي طرحها ؛ فيما إذا كانت هذه المسرحية مسرحية ذهنية أم لا ؛ تحقيقا مسبوقا بتأصيل منهجي حول مفهوم الذهنية والمسرح الذهني أولا ؛ ليراكم عليها فصله المنهجي بين ما هو مسرح ذهني مقصور تلقيه على القراءة الفردية على صفحات منشورة ، ومسرح غير ذهني صالح للعرض على خشبة المسرح أمام جمهور ؛ ذلك أن لا إجابة عن سؤاله : إذا ما كانت مسرحية ( د. عبد الرحمن بن زيدان) هي مسرحية ذهنية للقراءة فحسب ؛ أم هي صالحة للعرض على المسرح ؛ وربما نفاجأ بأن مخرجا نابها واسع الخيال قد أقدم على إخراجها فأبطل مقولة مسرح للقراءة ومسرح للعرض ؛ فقد أدهشنا الفنان كرم مطاوع ؛ حينما قام بإخراج مسرحية عدها كبار النقاد وكذلك مؤلفها مسرحية ذهنية ، وهي مسرحية ( إيزيس) لتوفيق الحكيم ؛ حيث عرضت أمام رئيس الجمهورية في إعادة افتتاح المسرح القومي في منتصف الثمانينيات . ولا أظن أن رأيا حصيفا يغامر بعرض مسرحية ذهنية - لا مجال للشك في ذهنيتها - في حفل افتتاح يحضره رئيس الدولة وحاشية المسؤولين ؛ الذين تعودوا على العروض الاحتفالية والمناسباتية الخفيفة الغنائية والاستعراضية ؛ ومع ذلك انبهر الحضور الرسميون بعرض. ( إيزيس) الذهني ؛ بعد أن فعل خيال مخرجه منابع الفرجة بجمالياتها وحرك مشاعر جمهور صفوة المجتمع بما فيهم رئيس الدولة وحواشي نظامه وخلفهم كبار المثقفين العضويين .. المسألة إذن تكمن في مخيلة التناول الإخراجي ؛ ومقدرة المخرج على فهم جوهر المسرح من حيث كونه ملعب فرجة وفكر ؛ يمتع قبل أن يقنع فيؤثر إيهاما أو يؤثر إدهاشا وإدراكا ؛ فالفرجة هي المدخل الأساسي للإقناع بالمضامين الفكرية،بقيمها الإنسانية الاجتماعية

و يعيدنا تساؤل د. عمرو دواره إلى سؤال سبق أن طرحه د. عز الدين إسماعيل عام 2003 بإحدى ندوات مجلة (فصول ) حول تلك القضية ؛ قضية الاستغناء بقراءة النص المسرحي عن عرضه .
( فصول ، مج الثاني ، ع الثالث ، أبريل / مايو/ يونيو1982 ص203 )
حيث صدم د. عز الدين إسماعيل رجالات المسرح المصري المشاركين في الندوة بطرح مضاد لأصل قام عليه فن المسرح منذ نشأته الأولى وامتد عبر مسيرته وهو يقول :
" القارئ يجعل الدراما ملائمة للحدث الذي يباشره ذهنيا من خلال القراءة ؛ فيحرك الأحداث والمشاهد بقدر ما يلزمه لكي يستمتع بها .. ويصبح في وقت واحد المؤلف والمخرج والممثل وصانع الديكور ، وما إلى ذلك من كل العناصر المصاحبة للعرض المسرحي أو التي يصنع فيها العرض المسرحي .
ويؤسس د. عز الدين على هذا المهاد سؤالا ؛ يطرحه على نخبة من كبار رجال المسرح المصري : ( سمير العصفوري ، د. فوزي فهمي ، فؤاد دواره ، المخرج أحمد زكي ، المخرج عبد الغفار عوده )
قال د. عزالدين : " هل يمكننا القول إذن بأنه قد يكون في النص المسرحي غناء عن العرض المسرحي في ظروف بعينها "
ويبدو أن د. عزالدين إسماعيل قد لاحظ عدم الإرتياح على وجوه كبار المسرحيين مخرجين و نقادا؛ فخفف من وطأة الغرابة في سؤاله أو غير من صيغة عرضه:
" ألا يمكننا ؛ على سبيل المثال المقارنة بين المتعة التي يمكن تحقيقها من قراءة عامة ثم مشاهدتهاوالاستمتاع بها عرضا مسرحيا ثم التمتع بها فيلما سينمائيا . من المؤكد أن أنواع التوصيل الثلاثة متعة فنية. ولكل منها وجودها المشروع ومذاقها الخاص "

جاءته الإجابة المسرحية ، رافضة لذلك الطرح. قال
فؤاد دواره " عملية الاستمتاع بقراءة النص المسرحي تحتاج إلى ملكة معينة وتدريب معين وإلى عملية إخراج يقوم بها القارئ في ذهنه . ولابد للكاتب المجيد في كل العصور أن يكتب وفي ذهنه تصور لعرض مسرحي . وحتى الذين زعموا أنهم لم يكتبوا للعرض المسرحي ثبت أنهم كانوا يفكرون في العرض المسرحي، الحكيم حينما قال إنه كتب شهرزاد للقراءة وليس للمسرح ؛ ثم عثرت على نص يقول فيه إنه انتهى من كتابة المسرحية وهي في حاجة إلى موسيقى كموسيقى استرافنسكي فإذا كان كتبها للقراءة فحسب فكيف يفكر في الموسيقى المصاحبة لها ؟ "
لكن د. فوزي فهمي يجيبه بسؤال يبدو استنكاريا : " هل يمكن أن تستمتع بقراءة نوتة عمل موسيقي ؟ من نوعية السيمفونية الخامسة. مثلا ؟ "
أما المخرج سمير العصفوري فيقطع بأن : " مثل هذه التجربة على مجتمعنا لا مكان لها " ويشفع جوابه بأسبابه :
- لارتفاع نسبة الأمية والبعد عن إرساء أرستقراطية مسرحية.
- الفن المسرحي لعبة ؛ فما لا يشخص على خشبة المسرح ليس مسرحا.
- المسرحية نصا ؛ مشروع غير مكتمل . قليلون جداً من يحبون رؤيته ناقصا ؛ حبذا لو قرأت المسرحية وشاهدتها بعين القارئ ثم شاهدتها عرضا مسرحيا .
- النص المسرحي حياة من الكلمات تتحرك إذا لبست اللحم والعظم ؛ كما يقول فيلار."


المخرج أحمد زكي - رئيس البيت الفني للمسرح- :
" المسرح أولا وأخيرا هو فن الممثل . الممثل يثير خيالنا ويوصل إلينا المعنى الذي يريده المؤلف " ويضيف : " قال المخرج المعاصر جان فيل بارتور : إن المسرح يتكون من مؤلف ومخرج وممثل . وفي ساعة العرض يتوارى المؤلف والمخرج ويبقى الممثل وحده في مواجهة المتفرج . وهو الذي يجسد النص لكي يستمتع المتفرج بعمل المؤلف والمخرج . النص وحده لا يستقيم بدون الممثل . "
ويبدو أن طبيعة المراجعة والتدقيق وتنويع الطرح؛ التي هي طبيعة الباحث الأكاديمي لا تفارق د. عز الدين إسماعيل في موقعه ناقدا ؛ لذا يعيد طرح تساؤله بدون كلل ، بصيغة أخرى :
" إذا كان من حق عدد قليل من المخرجين أن يفسروا النص لعدد كبير من المتفرجين ؛ ألا يكون من حق العدد الأكبر من القراء أن يفسر كل منهم النص
نفسه ؟
وهنا يقطع الأستاذ فؤاد دواره قول كل خطيب - كما فعلت " جهيزة " في تراث العرب - " أنت في المسرح تستعمل أكثر من حاسة "
أبدا لا تستسلم روح الباحث الأكاديمي عند د. عز الدين إسماعيل ؛ ويبدو أن إصراره على إعادة تلوين مقترحه والتنويع بصيغ تساؤلات جديدة كان نتاج تأثير النظريات النقدية الحداثية وبخاصة نظرية التلقى الغربية ونظرية المتوسطات القرائية العربية عند "حازم القرطاجني" - التي كتب عنها دكتور عز الدين نفسه - هي التي تطيل نفس طرحه ؛ لذا يواصل الدفاع عن مقترحه باستماتة ؛ يقول :
" متعة المشاركة في إبداع النص ؛ وهي أبلغ وأقوى في تصوري من أن أجلس لتلقي الأشياء بالحواس من خلال تفسير شخص آخر . قد يكون صاحب تفسير رائع ومقنع إلى أبعد الحدود .. يهزني .. كل هذا عظيم ؛ لكن أيهما أكثر ارتباطا بكياني أن أتلقى التفسير من الخارج وانفعل به أم أصنع هذا التفسير بنفسي ؟
ويأتيه رد قاطع من المخرج عبد الغفار عودة : " إذا أردت مسرحا فالرأي الأول وإن أردت أدبا فالرأي الثاني . "
واتصور لو كنت موجودا بينهم لكان ردي : لو تركت النصوص لتفاسير الأفراد ؛ كل واحد يفسر بنفسه ما يقرأ ؛ لو فرض أن جميع أفراد المجتمع قارئون ؛ لاستغنى المجتمع عن المفسرين والخطباء وأهل الفتوى في مجال النصوص الدينية ؛ ولتحول المجتمع عندئذ إلى حرب أهلية تبدأ بقذائف التفاسير وتقوى وتشتغل لتدمر المجتمع بقذائف من بارود ودماء .
التفسير موهبة وتأهيل وخبرة ؛ وليس الناس كلهم على موهبة أو تأهيل وخبرة .
ولكنني في نهاية الكلام عما أثاره الناقد و المخرج الدكتور " عمر دواره " حول نص ( زنوبيا في موكب الفينيق) مرجحا تصنيفه مسرحا للقراءة لا العرض ؛ أحيله إلى رأي الأستاذ دواره (الكبير) في رده الذي أفخم به د. عز الدين : " أنت في المسرح تستعمل أكثر من حاسة " وبرأي توفيق الحكيم نفسه ؛ في رده على أسئلة مجلة فصول " إمكانات العرض المسرحي أظن أنها تشغل مؤلف المسرح في الغالب "
وفي موضع آخر تقول د. سامية أسعد : " الكتابة المسرحية لم تجعل أساسا لكي تقرأ ، وإنما لكي تعرض أمام جمهور من المتفرجين . ، صحيح أن هناك ما يسمى بمسرح الكتاب ؛ اي المسرح الذي يكتب لكي يقرأ ؛ لكن هذه الكتابة لا تمت إلى المسرح بصلة اللهم إلا بالحوار . إذن النزر إلى النص المسرحي فقط نظرة قاصرة لا تكتمل إلا بالبحث عن ظروف العرض أو العروض المسرحية المختلفة التي اعتمدت على ذلك النص "
( د. سامية أحمد أسعد ، " الدلالة المسرحية" (عالم الفكر) مج 10 ع4، يناير/ فبراير / مارس 1980 ص65)
والسؤال الذي يتبادر للذهن أمام تساؤل د. دواره الذي يميل إلى إجابة ترى ما يراه من أن نص مسرحية (زنوبيا في موكب الفينيق ) ينتمي لما عرف بالمسرح الذهني . هو : هل تعتمد تلك المسرحية على الحوار ولا شئ غيره ؟ فلننظر في نص المسرحية :

النص والقراءة الإطارية:

ما بين حرب انتهت وحرب تبدأ ؛ أطياف الأسرى تتحرك وشعوب من دمي قد علقت بذيول أهواء الحاكم المستبد تتلهف .. تتسمع خبرا من غيب يكنى ( عراف حداثتنا ) فعسي ينبئ عما هو حادث .. ماذا يحدث .. انتصر الجيش .. انهزم الجيش الأمر سيان .. انتهت الحرب .. الحرب ابتدأت.. ليس يهم . شعب من دمى فالأمر سيان .. ففي الحالين هو الخسران ! في الغيب يعايش حاضره ؛ وهمزة وصل تربطه ما بين الماضي والحاضر ، ما بين الحاضر والحاضر .
في النص .. دمى وخيالات وعراف وطائر الفينيق وزانوبيا عناصر فرجة شعبية مرئية ناطقة بما يعبر عن جوهر ما تريد بوصفها شخصيات نمطية مؤنسنة :
" الدمية : ماذا تحمل معك من أخبار أيها العراف ؟
العراف : خبر عاجل.
الدمية : ماسبب الدعوة إلي هذا الاجتماع الطارئ ؟
العراف : أمر مستعجل .
الدمية : كل الأخبار الواردة علينا لا تطمئن .
العراف : أفكار تغزو المدينة وأحياءها وسراديبها
وردهات البيوت والسجون .
الدمية : هل من أثر لهذه الأفكار في عقول الناس ؟
العراف : معها كل شئ سار سريع التبدل .
الدمية : للأحسن أم للأسوأ ؟
العراف : طبعا للأسواء .
الدمية : ( مخاطبا نفسه ) لتتقاسم متعة هذه اللحظة .
دعنا نستمع إلى ما جاء به العراف.
العراف : لا تخلط بين العمل والمتعة والجدية .
الدمية : (بحزم) لا تخف لقد جعلنا لكل جدران المدينة
آذان.
العراف : وبدأنا في تعطيل العقول والكفاءات.
الدمية. : وجعل الناس ....
العراف : ( مكملا) دون ألسنة.
الدمية. : ودون عقول .
العراف : سخريتك السخيفة تفسد منعتي بحضوري
بينكم .
( يشير إلى الدمي المعلقة في الهواء )
أطياف ، خيالات ظل ، دمي، عراف، طائر الفينيق

وقد كان المناسب في تلك المقدمة النقدية الشيقة أن تؤصل لمفهوم المسرح الذهني ؛ طالما أنها تطرح شكوكا أو اشتباها في نسبة نص مسرحية ( زنوبيا في موكب الفنينيق) إلى المسرح الذهني ؛ بديلا عن إلقاء السؤال في وجه المتلقي . وأن يبين لنا أن القائلين بوجود ما يعرف بالمسرح الذهني في مصر كان استنادا إلى ما قاله توفيق الحكيم عن ثلاث مسرحيات من تأليفه ؛ ربما تحسبا منه لعدم قدرة مخرجينا التقليديين في فترة كتابته لتلك المسرحيات على إخراجها ؛ أو تحاشيا لفشل عرضها؛ وبذلك يعلن منذ البداية عن أنه نبه إلى أنه قصد بها القارئ وليس الفرجة المسرحية على خشبة المسرح - وكلنا يعرف أن توفيق الحكيم فنان مراوغ وبارع في نحت المفاهيم - حيث قال الحكيم وقتذاك : " إني اليوم أقيم مسرحي داخل الذهن ؛ لهذا اتسعت الهوة بيني وخشبة المسرح ولم أجد قنطرة تنقل مثل هذه الأعمال إلى الناس غير المطبعة . لقد تساءل البعض : أو لا يمكن لهذه الأعمال أن تظهر كذلك على المسرح الحقيقي ؟ أما أنا فأعترف بأني لم أفكر في ذلك عند كتابة روايات مثل : أهل الكهف، شهرزاد، بيحماليون "
( توفيق الحكيم ، مقدمة نص مسرحية بيحماليون ، القاهرة ، مكتبة الآداب ومطبعتها بدرب الجماميز 1950 ص10)
هو يتهم القنطرة الأخري - جسر عبور نص المسرحي الى الجمهور - أي فن العرض المسرحي الذي لا يتحقق بدون فن الإخراج -
ولنا أن نلاحظ أن تاريخ هذا التصريح هو عام 50 من القرن الماضي ، ولم يكن لدينا من المخرجين المجددين آحد ؛ ومع ذلك أخرج زكي طليمات مسرحية ( أهل الكهف) ، وأخرج "نبيل الألفي" العائد من بعثة إلى فرنسا حديثاً - في الستينيات ( إيزيس وشهرزاد؛ وأخرج بيحماليون ) ، فضلا على عرض مسرحية :( شهرزاد) التي يركز النقاد على أنها مسرحية ذهنية وقد عرضت على المسرح الفرنسي كما عرضت. " إيزيسئ" بإخراج المبدع كرم مطاوع في منتصف الثمانينيات .. فما القضية ؟! هي مشكلة وجود مخرج مبدع يمتلك مخيلة تعادل مخيلة الكاتب ، مخرج يزن المسرحية بميزانها فكرا أو فرجة أو تأملا ذهنيا ؛ ليقدمها للجمهور نسجية مشهدية فرجوبة يمتزج فيها الفكر بالفرحة الممتعة المقنعة .

كنت اتمنى لو أن الصديق د. عمرو دوارة قد رجع إلى ما أثاره كبار النقاد وكبار مخرجينا المسرحيين ، ومنهم الأستاذ فؤاد دواره والدكتور عز الدين إسماعيل حول قضية المسرحية الذهنية المقروءة .. أو يسترجع
تفريق د. عز الدين إسماعيل بين المسرح الفكري والمسرح الذهني ؛ إذ يرى أن " الحوار هو المعول الأساسي في التفرقة بين المسرحية الذهنية ومسرحية الأفكار ؛ فالحوار في الأولى هو حوار فلسفي. يهدف إلى الكشف عن الفكرة في ذاتها ، أما الحوار في الثانية فيهتم بالكشف أولا عن الشخصية ، فالحوار فيها حركة بالشخوص نحو الاكتمال خلال مراحل التجربة ؛ أما في الذهنية فإنه( أي الحوار) حركة بالفكرة التي هي جزء بالشخصية مقدما من أجل إبرازها "

( د. عز الدين إسماعيل، قضايا الإنسان في الأدب المسرحي المعاصر ، القاهرة، دار الفكر العربي صً ص 39- 40)




العملية الفكرية والعملية الذهنية:
وأقول .. في العملية الفكرية يترجم المتلقي الصورة الكلامية أو المرئية ترجمة فورية جزئية مباشرة فور تلقيه لها. وفي العملية الذهنية يحتاج المتلقي إلى الموازنة والمقارنة بين صورة وصورة أو عبارة وعبارة ، فهي ترجمة كلية للمشترك بين الصورتين أو العبارتين ليصل إلى معنى التعبير . في الصورة الذهنية تحتاج إلى نوعية خاصة من المتلقين .
يقول د. أبو الحسن السلام مفرقا بين المسرح الفكري والمسرح الذهني ، فالمسرحي الفكري : " هو المسرح الذي يعطيك نتيجة المعادلة بين معنى ومعنى آخر ؛ اي يعطيك مغزى صراع بين مفهومين أو مجردين تمثلا في شخصيتين مسرحيتين أو اكثر. " الشخصيات فيها تنوب عن فكر ؛ أو هي أفكار دبت فيها الحياة الإنسانية ، وهي نموذج لفكر كاتبها "
أما المسرح الذهني : " هو المسرح الذي يعطيك طرفي المعادلة بين معنى ومعنى آخر ولا يعطيك المعنى نفسه بشكل مباشر .. أي يترك لك إيجاد النتيجة . يعطيك عناصر الصراع بين مفهومين دون المغزى من وراء ذلك الصراع ؛ إذ يترك لك الاجتهاد في الكشف عن ذلك. في كل صورة أو حدث ؛ باستخدام ذهنك في عمليات تفكير متلاحقة تبعا لتلاحق الصور المعروضة على ذهنك . "

( د. أبو الحسن سلام ، اتجاهات النقد المسرحي المعاصر بين النظرية والتطبيق، القاهرة ، وزارة الثقافة ، المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية 2001،ص 37 )

إشكالية التلقي في المسرح الذهني :

" تتم عملية التفكير في المسرح الذهني على مراحل عند الشخصيات، وعند المتلقي أيضاً ؛ لذلك تفشل عروض المسرحيات الذهنية جماهيريا ؛ على حين تكون ممتعة لقارئها؛ ذلك لاعتمادها على تصور المتلقى دون أدنى مباشرة للمبدع لتحرير عناصر الصورة وتجريد جوهرها ؛ بعكس المسرحية الفكرية التي يباشر المبدع تصوير خلاصة الصور أو الفكر المجرد "

( د. أبو الحسن سلام ، اتجاهات النقد المسرحي المعاصر بين النظرية والتطبيق ، القاهرة ، وزارة الثقافة ، المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية 2001ص 41)

يقول حامد عبد القادر : " أما الصورة الذهنية المقيدة بالإحساسات البصرية؛ فهي صورة تنشئ مباشرة عن رؤية الكلمات نفسها أو تصحبها ، ذلك أن الإحساس بالكلمات إحساسا بصريا لا يحدث وحده دائماً ، بل يصحبه أو يعقبه مباشرة في غالب الحالات حضور صورة ذهنية معينة ، يشتد ارتباطها برؤية الكلمات ؛ بحيث يصعب فصلها عنها . وتعتبر هذه الصور ظلالا للإحساسات أو من مخلفاتها التي تخلقها وتبقى في الذهن حتى انقضاء الرؤية ."
ويفرق حامد عبد القادر بين الصورة الذهنية وبعضها بعضا ؛ إذ منها " الصورة الصوتية، اي صوت الكلمة الذي يرن في أذن العقل ؛ حيث حيث يقع البصر على الكلمة ، ثم الصورة الذهنية الشفهية ؛ أي ما يستحضره الخيال من حركات اللسان والشفتين والأسنان ، تلك الحركات التي تحدث في حالة ما إذا نطق اللسان بالكلمة وتسمى الصورة الصوتية . " ويخلص عبد القادر إلى أن الصور الذهنية صور تتوارد على الذهن ( طبقا لتداعيات المعاني ) لذلك تكون منها " صور معنوية ترابطية " تتوقف غزارتها أو قلتها على تجارب السامع أو القارئ فحسب "
والصور الذهنية إما أن تكون حرة ؛ وإما مقيدة ، اما الصور الذهنية الحرة في فهم حامد عبد القادر " فيراد بها تلك الصور التي لا علاقة لها برسم الكلمات، ولا بصوتها ولا بحركات النطق بها ؛ وإنما هي صور تنشا قي الذهن عند قراءة تلك الكلمات

( حامد عبد القادر ، دراسات في علم النفس الأدبي، القاهرة ،ط. النموذجية1949ص165 )

والمسرح الفكري " يغلب الأفكار على عناصر الفرجة.
يتوجه مباشرة إلى الإقناع ؛ دون التعويل كثيراً على عناصر الإمتاع بالفرجة عن طريق الصور الحركية أو المرئية . وهو يحقق ذلك عن طريق الاشخاص الذين ينطلقون في الصراع بوصفهم ممثلين لأفكار متعارضة أو نوابا عن افكار نقيضة لبعضها بعضا ؛
إذ يتخذ شكل الصراع عندهم شكل الحصانة وراء فكرة ، شخصية تتحصن بفكرة ، أو تتحرك بطاقة الفكرة وليس بطاقتها البشرية الذاتية ؛ فالدافع يأتي للشخصية المسرحية الفكرية من خارجها وليس من داخلها "

( د. أبو الحسن سلام، اتجاهات النقد المسرحي المعاصر بين النظرية والتطبيق ، القاهرة ، وزارة الثقافة ، المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية 2001، ص49)


على ضوء ما تقدم من تأصيل للمفهوم يمكن الدخول دون استئذان إلى حرم البنية الدرامية والفنية لمسرحية عبد الرحمن بن زيدان ( زنوبيا في موكب الفينيق) لترى إذا ما كانت تغلب الفكر على الفرجة أم أنها تقيم الصور المركبة متلاحقة في ذهن المتلقى الذي عليه تبعة
استخلاص مغزاها عبر القراءة . وعند التوصل إلى قيمتها الدرامية والفنية يمكن نسبتها إلى الأسلوب الفني الذي هي عليه .


قراء ما بعد القراءة :
" زنوبيا " في موكب الفرجة والفكر :

النص و ركائز بنيته الدرامية :
ترتكز البنية الدرامية لنص ( زنوبيا في موكب الفينيق ) على أربعة ركائز أساسية :
# الاستلهام التراثي ؛ محطة انطلاق بالهوية في اتجاه المأمول .
# الاعتماد علي شخصيات نمطية ( صفات أو أفكار أو رموز ) عصرية تزيح شخصيتها التاريخية وتحل محلها ظلالا تجريدية رمزية : ( زنوبيا - الفينيق- العراف - الدمى )

# تضفير الحدث الدرامي بالمزج بين أسطورتين :
( أسطورة تاريخية : طيف زنوبيا- أسطورة رمزية : الفينيق ) زنوبيا : رمز المقاومة القومية للغزاة حفاظا على الوطن وعلي هويته . والفينيق : رمز الظاهرة التاريخية للمقاومة المتجددة المتوالدة بفعل جينات الهوية القومية على مر العصور . كلاهما يسكن بداخل الآخر ؛ باستهداف تأكيد مغزى حتمية مقاومة الشعوب للاستبداد ولطغاتها؛ فهي مقاومة لا تموت ؛ فما أن تختفى إلا وتبعث من جديد لأنها تتوالد باستمرار .

# تداخل عنصر الزمن الدرامي ؛ تحقيقا لاستمرار حالة توالد الرمز / مقاومة الشعوب .

# تعددودلالة الخطاب الدرامي للنص .

# رسم شبكة العلاقات الدرامية على بنية التناظر بالتصفير بين الواقع والحلم ، بين التاريخي والمتخيل ؛ استلهاما أو ابتكارا .

# نسج اللغة حوارية شاعرية محملة بالاسقاطات السياسية في صياغة تتراوح ما بين لوحة درامية ولوحة درامية أخرى منها الجمل التلغرافية البسيطة ومنها الجمل المركبة المحملة بالأفكار الفلسفية ؛ التي تحملها الشخصية القناع.
# العتماد علي الشخصية القناع التى يتخفى المؤلف من ورائها ويتخذ منها قناعا ينوب عنه في قول أو رأي أو إسقاط سياسي على الواقع المعاصر المعيش ؛ سواء أكان التقنع مراوغا متقنا أم كان غير متقن ؛ الأمر الذي يضع اللغة في حالة اختبار ؛ حتى ينجو الأداء التمثيلي من مزالق الرتابة أو الاستغلاق على فهم الجمهور العادي ، في بعض العبارات المركبة أو الترميزية - مع أنها قد تكون لغة متطابقة مع الشخصية الدرامية من حيث مستواها الفكري والثقافي )

# اعتمادالبنية الفنية التوليدية للنص على المعادلات الرمزية والتاريخية : المعادل الرمزي يولد المعادل التاريخي ويتوافد عن المعادل التاريخي معادله الرمزي فالفينيق معادل رمزى متجدد لزنوبيا الرمز التاريخي الوطني المقاوم للغزو الأجنبي ؛ فهو / هي في كيان متوحد رمزا للمقاومة المتوالدة للشعوب الحرة الأبية . والدمى معادل رمزي للتبعية والاستماتة الممزمنة للاستنامة على سرير حكم الشعوب قهرا ؛ تلك التي ينتهي دور تبعيتها فور نجاح المقاومة في إزاحتها بفعل ثوري جماعي . لأن مقاومتها ببطولات فردية ليس لها الأثر الذي ينهي وجودها بالمقاومة الفعالة عندما تتحول إلى مقاومة جماهيرية واسعة ومنظمة.

# أسلوب الخطاب الدرامي: يتداخل بين تيارىالشعور وتيار الوعي ؛ الذي يتكشف منوخلال الحوار في مواقف النقد الاجتماعي والسياسي الذي توجهه الشخصية القناع ( الفينيق) لتلك الدمى التى ترمز إلى
أعضاء نظم الحكم الاستبدادي

# عناصر الفرجة المرئية:
الدمى: ومناط الفرجة كامن في أنسنتها . وهي لأنها فاعلة بغيرها ؛ فإنها بحكم المفعول بها باعتبار أفعالها ردود أفعال لدافع من خارجها ؛ حركتها من خارجها ؛ لأن إرادتها منزوعة منها لذلك تبدو بدون استطاعة .

# العراف : وهو مناط فرجة من حيث نمطية رسمه دمية ومن حيث ارتباط العرافة بالغيبيات ورواجها في مجتمع ناسه من دمى ؛ مع مقاربة ذلك الارتباط بما هو ماثل في واقعنا التاريخي ثم المجتمعي العربي المعيش ؛ فهو مالك لكل المقولات الماضوية مثلما هو حال
المتشيخين علينا دينيا بمناسبة وبغير مناسبة ؛ المدعين بملكية الحقيقة المطلقة .


# الأطياف: وهي فرجة شعبية تحيل إلى خيال الظل.
وهي بذلك تأصيل لفركة شعبية ذات تأثير في
وجداننا الشعبي على مر العصور .
# الفينيق : فرجة شعبية تحيل إلى الأسطورة . والفرحة في رسم المؤلف لها شخصية قناعية تحمل بعض رأيه فيما هو حاصل في الواقع المعاصر المعيش
الذي يتخطى حدود مجتمعنا العربي إلى الواقع الدولى في ظل الهيمنة العولمية العسكرة الأمريكية.

# الفرجة التأملية: لا يخلو الحوار من بعض التعبيرات التأملية المركبة ذات البنية الشاعرية المكثفة التى تستدعى تهيئة التلقي ؛ خاصة في مقاطع من حوار الفينيق : " لا تعدد في الاحتمال الواحد ، ولا خيار أمام تعدد الاختيارات اليابسة ، ولا تعدد أمام قلة المسارات الحية. ولا تعدد أمام الخطو الذي يتمرد على الخطوة ببلاهة عمياء. مع الاختيار اصطفى الصمت الذي يختارني كي ألون به نبض الكلام ، وأواخر الإعلان عن وجوده لأقرر الخروج من عزلة النفس عن النفس ، وعزلة المكان عن الأماكن، وعزلة العزلة عن وحدتها . "
( د. عبد الرحمن بن زيدان، زنوبيا في موكب الفينيق،
سلسلة نصوص مسرحية 120، وزارة الثقافة المصرية ، هيئة قصور الثقافة 2012ص 66)

حوارية المواجهة الدرامية:
من المنطقي في مواقف المواجهة أن ينحو مستوى التواصل في لغة الحوار منحى أقرب إلى روح الجدل أكثر من تدفق لغة التعبير عن جوهر ما تشعر به الشخصية وعن جوهر ما تريده ؛ وهنا يصبح الاتصال بين طرفي الجدل إلى الجمل القصيرة والمادة النبر :
" الفينيق : حلمي حلم جماعي.
الدمية: بل أضغاث أحلام .
الفينيق: أحلامنا دوما خارقة.
الدمية : أنا لا أخشى الموت ؛ بل أتمناه.
الدمية : لا تحلم وسأعطيك من المال ما يكفيك .
الفينيق: لا أحد منكم يحتفظ بالمال بعد اختبائه.
الدمية: لك نصيبك من الودائع والذهب الأسود والدتنات والياقوت والمرجان والأسهم .
الفينيق: ماذا تعبدون ؟ ومن يكون معبودكم ؟
الدمية: أتباعها من كل الألوان والأمصار يأتون لأخذ نصيبهم من الغنائم إلا أنت .
الفينيق: لأن المتسولين يصلون قبل وصول المال...
الدمية : وأنت ماذا تعبد ؟
الفينيق: أنا لا أعبد المال.. أعرف .. أعرف أن لك من المال ما يجعلك ثملا طول حياتك .
الدمية: بمالي أغير عالمك .
الفينيق: وبأحلامي أواجه مكرم. ولرئيس حزب الأغلبية في بلاد الواق واق.
الدمية: أحلامكم ستدمرك.
الفينيق: إنكم تدورون روحي في المدينة. وتدمرون من أحب .
الدمية : لنا مفاتيح مدينة تدمر وبغداد والقاهرة ومكناس وفاس ومراكش والقدس وبابل وطرابلس .
الفينيق: طقوس تسلمكم هذه المفاتيح كانت مزورة . "
( النص ، نفسه، ص-ص73-74)
" الدمية: إذا أعطيتنا صمتك سنعطيك عفوا كاملا.
الفينيق: وإذا تكلمت؟
الدمية: اصمت وستعلن عنك .
الفينيق: وبع العفو.
الدمية: نتركك تغادر المدينة.
الفينيق: لا.. ثم لا.. لأن مدينتي بنيت بوهج الإيمان في وسط الظلام الذي تنشرونه ، باحت بصوتها لتقول لا لمن يؤسس الخرافات باسم الدين لتصير مدينة التباغض والتناحر والاقتتال . قالت لا.. ثم لا. "
( نفسه ص 77)


نخلص مما تقدم إلى أننا أمام مسرحية لم تعتمد بنيتها الدرامية على شخصيات تسيرها الفكرة بعد الفكرة على طريق ذهنية حوارية متراكبة الصور بما يحتاج من المتلقى إلى زمنين لفهم معنى ما تقوله الشخصيات ؛ زمن لترجمة الصورة الذهنية إلى صورة معنوية حتى يفهمها المتلقي ؛ ولئن تمثلت مثل تلك الحالة الذهنية في بعض محطات على الخط الدرامي لبنية النص فهي بسبب توالد الصور في بنية بعض المواقف من حوارية الفنيق متقنعا بقناع المؤلف أو العكس ؛ غير أن تجسيدها لا يتم بعيدا عن فرجة من نوع خاص يناسب الموقف ؛ هي فرجة التأمل .

ولذا أرى أن هذا النص يحتاج الى مخرج .. مخرج قادر على آن يزن إبداعه الذي يوازن بين الفكر والفرحة بميزانه ؛ مخرج مفسر ؛ أو مخرج مؤول يعادل مستويات لغة البنية المتعددة للنص بمستويات لغة مسرحية سحرية تمتع فتقنع كي تؤثر .



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دلالة الإيماءة في دراما الرقص التعبيري الآسيوي
- الفن والإنسان بين التمدن والسلفنه
- ثنائية المقدس والمدنس في فن المسرح من أفلاطون إلى بريخت
- في مناهج التمثيل
- مباهج الفرجة الفنية بين تقنيات الكولاج وتقنيات الكليب
- الفرجة التفاعلية وتأثيرات فنون الميديا
- الرأي العام في بيت طاعة الاخوان
- رجالة قيصر وحريم النار
- فنون الطفل بين القانون الطبيعي والقانون الرياضي
- عروض النوادي والإبداع الافتراضي
- حيرة الناقد المسرحي أمام جهود العشماوي البحثية
- الدين والدولة - حوار عن بعد بين متأسلم و مسلم علماني
- الفاعل الفلسفي في الإبداع المسرحي
- فكرة المخلص ( المستبد العادل ) في المسرح الشعري
- المسرح بين أدب السيرة والتراجم الأدبية
- هل يمكن تعلم الإخراج
- الناقد يتأبط نظرية
- استلهام الكاتب المسرحي للتراث بين الارتباك الاتصالي والوعي ا ...
- تشريح نصوص مسرحية
- الإبداع بين الحرية والالتزام


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - أبو الحسن سلام - مباهج الفرجة والتوظيف الخيالي - زنوبيا في موكب الفينيق -