|
لن أبيع لحمي -4-
كريمة مكي
الحوار المتمدن-العدد: 4324 - 2014 / 1 / 2 - 15:41
المحور:
كتابات ساخرة
خرجت إلى الصالون أبحث عن فواتير حان خلاصها فلا وقت لي عادة لخلاص الفواتير إلا في يوم سبت كهذا حيث تعمل مكاتب البريد صباحا و أكون كأكثر الموظفين في إجازة آخر الأسبوع. عدت للمطبخ أحمل شوكولاطة علّني أُغيّر لها طعم المرارات المتعاقبة عليها. مددت لها العلبة فشكرتني معتذرة: عندي حساسية للشوكولاطة منذ أن كنت صغيرة. كدت أقول لها : يا لحظك السيء...تُحرمين من متعة في حلاوة الشوكولاطة، لكنني سرعان ما تذكرت حكايتها مع الحظ العاثر و كيف أنه صار لزاما عليّ أن أكشف لها عن الوجه الأحلى في معاملة الحظ لها بعد أن صارت لا ترى فيه إلا أسوأ ما فيه... وضعت العلبة في يدها و قلت: قد نويتها لك، يجب أن تأخذيها و لتعطها لمن تحبين. قالت بفرح طفولي: شكرا، سأعطيها لحفيدة صاحبة البيت الذي أسكن فيه، إنها طفلة رائعة تأتيني كل مساء لأراجع لها دروسها. - وهل تجدين لها الوقت مع عملك الشاق هذا و دراستك ؟ - "عندك حق فأنا جد مرهقة لكن هذه الطفلة أحبها جدا و أساعدها و لو كنت أمشي على فصوص عيني...إنما المشكلة..." و صمتت. - و هل من مشكلة أخرى؟ أجابتني متنهدة: آه يا مدام لو أظل أحكي لك مشاكلي فلن أنتهي أبدا ثم انتبهت للحقيبة في يدي فقالت : يبدو أنك كنت تستعدين للخروج ؟ - فعلا... كنت ذاهبة لمكتب البريد فقد أرسلت لنا إدارة الكهرباء إنذارا بعدم الخلاص و أخشى أن تقوم اليوم بقطع الكهرباء فنقضي آخر الأسبوع في الظلام و قد حدث و فعلتها معنا سابقا... - يجب إذن ألا تتأخري و إلا فإنني سأكون السبب... - لا تهتمي... ما يزال أمامي بعض الوقت... سأبدأ بتجهيز الغداء و سأبقى معك قليلا فالحديث معك ممتع. - و أنت أيضا يا مدام، كلامك جد مريح. و الله أحسست و أنا معك كما لو أني أزحت حجرا ثقيلا من على قلبي. وضعتُ حقيبة اليد جانبا و طفقت أجمع على الصفرة علب التوابل و مكونات الفطور. قلت : سأطبخ لهم مقرونة... إنها الأكلة الوحيدة التي تسعدهم ...هل تحبينها؟ - طبعا و خاصة من يدي أمي فهي فنانة في الطبخ و منها تعلمت الكثير...هل تحبي أن أساعدك؟ -لا شكرا... أريدك أن تساعديني فيما هو أصعب فالمقرونة و الحمد لله سهلة في التحضير لذلك أطبخها أكثر من مرة في الأسبوع رغم أنني شخصيا لا أحبها و ربما أكون الوحيدة في العالم التي لا تحب المقرونة مثلما يقول أولادي. - أحقا لا تحبينها؟ - بالمرّة إلا إذا كنت سأموت جوعا و لم أجد غيرها لذلك غالبا عندما أطبخها أكون مضطرة لتجهيز طبق ثان لي و هذا هو الذي أريدك أن تساعديني فيه الآن. - و ما هو ؟ - إنه "مرقة الخضرة" طبقي المفضل و إن كنت لا أجيده مثلما تجيده أمي فله مذاق من يدها فريد في لذته...وهذه مسألة تعقدني... - ألأن أكل أمك ألذ من أكلك؟ سألتني مندهشة - بل لأني لا أفهم كيف أحب طبقا و أوفر له أفضل المكونات و أكون سعيدة بتحضيره لكنه لا يبادل رغبتي فيه باللذة التي أبغيها و أطبخ طبقا لا أحبه فيجده كل من يتذوقة في منتهى اللذة. علقتْ بمنتهى الهدوء: -لأن الأشياء التي نحبها نادرا ما تبادلنا الحب بحب و لذلك نحن نشقى... - واوو... ما هذه الفلسفة العظيمة‼-;- صحتُ منبهرة بحكمة لا تؤتى عادة إلا لمن عاش في الدنيا و تأملها طويلا. - لا فلسفة و لا شيء يا "مدام" بل هي الأيام التي تعلمنا كل شيء و تظل تعطينا الدرس تلو الدرس و لكننا لا نريد أن نفهم أو نعتبر... - ولذلك تتكرر أخطاءنا...أليس كذلك ؟ - طبعا. كنت أعرف أن كلامها ابتعد عن موضوع الأكل في مستواه الظاهر لينتقل إلى ما هو أوسع و أعمق... إلى مفهوم الحب المعقد الشائك الذي استعصى فهمه على العلماء و الأطباء فتركوه لأهل الأدب و الشعر و العرافة ليفسّروه و يعالجوه على هواهم... قلت مشجعة إياها على فتح موضوع القلب: - أنا مصرة على التمسك بخطئي المفضل و أنت التي ستساعدينني اليوم على ارتكابه فمن يدري لعله يبادلني الحب على يديك... ضحكت ضحكة دافئة أبانت عن أسنانها الجميلة فاستطردتُ: لكنك لم تقولي لي إن كان لديك طبق تُحبينه و تتفانين في طلب ودّه فيُكذّب أحكامنا و يبادلك الحب بحب ؟ كأنها فهمت مقصودي فعادت لموضوعنا الأول، فليس من السهل على من كانت في رصانة حزنها أن تفتح أسرار قلبها من أول دغدغة. - الحمد لله أنني غير مغرمة بالأكل كثيرا و إلا كنت سأضيف لعذابي عذابات...
-يتبع-
#كريمة_مكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إذا مات القلب جوعا...
-
لن أبيع لحمي -3-
-
لن أبيع لحمي -2-
-
لن أبيع لحمي -1-
-
بدم النساء
-
أيدُ الجراح كيَدُ الإلاه؟!
-
دنياك ليست في الحواسيب
-
ألا فاهدأ...
-
و لكل حاكم...امرأة يخشاها
-
اللهم زدنا عشقا...
-
في الحب تستوي النساء.
-
كيدُها و كيدُ الهوى...
-
العاشقة تحرّر الرهينة
-
كلمة آخر الحكّام لأهل الصحافة و الإعلام...
-
مومس في الفصل (الأخيرة).
-
مومس في الفصل (قبل الأخيرة)
-
إلى العفيف الأخضر...إلى قارئي الأوحد.
-
مومس في الفصل 16
-
مومس في الفصل (15)
-
جدتي الأبية...ماتت صبيّة!!
المزيد.....
-
6 أفلام ممتعة لمشاهدة عائلية فى عيد الأضحى
-
فنانة مصرية مشهورة تؤدي مناسك الحج على كرسي متحرك
-
قصة الحملات البريطانية ضد القواسم في الخليج
-
أفراح وأتراح رحلة الحج المصرية بالقرن الـ19 كما دونها الرحال
...
-
بسام كوسا يبوح لـRT بما يحزنه في سوريا اليوم ويرد على من خون
...
-
السعودية تعلن ترجمة خطبة عرفة لـ20 لغة عالمية والوصول لـ621
...
-
ما نصيب الإعلام الأمازيغي من دسترة اللغة الأمازيغية في المغر
...
-
أمسية ثقافية عن العلاّمة حسين علي محفوظ
-
ثبتها الآن.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على نايل سات واستمت
...
-
عروض لأفلام سوفيتية وروسية في بوينس آيرس
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|