أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريمة مكي - لن أبيع لحمي -2-














المزيد.....

لن أبيع لحمي -2-


كريمة مكي

الحوار المتمدن-العدد: 4310 - 2013 / 12 / 19 - 13:58
المحور: الادب والفن
    


سبقتها إلى المطبخ لإعداد الطعام و بعد قليل لحقت بي و قالت: مدام... لقد انتهيت من تنظيف الغرف فماذا تريدينني أن أفعل الآن؟
قلت: تعالي ساعديني في ترتيب المشتريات و قصّ الخضر...و إلى طاولة الحديث دعوتها... صارت بي رغبة أكيدة لاستنطاق حزنها المكتوم فقد رأيتها تنوء بحمل كيس أحزانها...
كانت عيناها تبرقان بلمعان الذكاء و البراءة معا لكن مسحة من الانكسار المكتسب كانت تجعلها على خلاف الأذكياء عادة تخفض نظرها أكثر الوقت إلى الأسفل عوض أن تحلق بعينيها عاليا و تحدق بكل ثقة في عيون من يحدثها.
قلت عطفا على كلامها السابق حول حظ الواحد منا إذا ساء: تلومين الحظ العاثر؟ قد تكون اعترضتك صعوبات و من منا لم تعترضه؟ أمّا و قد بلغت هذا المستوى التعليمي الهام فما عليك إلا أن تؤمني بأن الحظ السعيد هو ما أوصلك إليه...
قالت بصوت شبه مسموع نصف متهكم: الحظ السعيد...‼-;-
واصلت كلامي: عليك أن تغيّري نظرتك للأمور لتجعليها أكثر ايجابية حتى و إن كان كل تفكيرك لا يتجه لغير النقاط السوداء في مسيرتك...تلك التي عطﱠ-;-لتك و أرﱠ-;-قتك و آلمتك...
قاطعتني قائلة بحرقة الناجحين إذا خابوا : " يا مدام أنت لو تعرفين كم كنت متفوقة في دراستي لوجدت أن هذا المستوى دون طموحاتي بكثير... لقد كنت دائما الأولى و الجميع يتوقع لي المستقبل العلمي الباهر..." ثم صمتت متألمة قبل أن تتابع:" ومرضت أمي سنة الباكالوريا مرضا شديدا كاد أن يرحل بها فاضطررت للاعتناء بها و بإخوتي الثلاثة و بالبيت في جميع متطلباته فكان النجاح بمعدل مخزي لمن كانت لا ترضى بأقل من الامتياز و لو درجة."
و توقفت عن الحديث لتتنهد من الأعماق و كما لتجذب إلى أعلى حزنا ثقيلا مطمورا... و من دون أن أقطع عليها أنفاس الوجع واصلت تقول: "و ضاع الحلم الكبير...و لم أنسى أبدا أنني لن أكون في يوم طبيبة ..."
و رأيت فوق موج عينيها جثة الحلم التي كانت حتى هذه اللحظة بقلب القلب مدفونة...
و بعد شيء من الصمت سألتني: " تُرى أين هو الحظ السعيد في كل هذا؟"
سألتها: و كيف حال أمك الآن؟
أجابتني بصوت هائم:- بخير و إن كانت ما تزال تتابع العلاج إلى اليوم.
- ولماذا كنت تحبين أن تكوني طبيبة؟
فاجأها السؤال لكنها كانت كما لو أنها على استعداد دائم لتحكي عن هذا الحب الذي ضاع و مازال يسكن قلبها و يُهلكه أسفا و ندما... فنحن لا ننسى أبدا حبّا تمنيناه بقوة و ما بلغناه و لو كان تحقق لربّما كنا مللناه لكنه الحرمان مما نحب دائما يغرقنا في الكمد و الحزن على ما ضيّعنا فلا نعرف بعده كيف نفرح أو حتى ننتبه لكل ما حققنا مهما حققنا أو كسبنا.
قالت: أنا بطبعي أحب مساعدة الآخرين سواء طلبوا مني ذلك أم من تلقاء نفسي حتى أن أصدقائي يسخرون من طيبتي الزائدة التي لا تقل في نظرهم عن الغباء... و الطب هذه المهنة الرائعة العظيمة كانت ستمنحني فرصة إجراء البحوث و التجارب التي أعشقها حول الإنسان و تكوينه لذلك كانت مهنة الطبيبة ستجعلني في عملية بحث دائم عن العلاج حتى أساعد الناس على الشفاء من عللهم و إعادة الأمل و الصحة إليهم.
-ها أنك قد عالجت أقرب إنسانة إليك و ساعدت إخوتك الذين هم أكثر من كان يحتاج إليك
- فعلا.
- لا يهم إذن إن خسرت مهنة تحبينها فقد ربحت عائلتك... ففي النهاية ليس عندك سوى عائلة واحدة، فإن ضيّعتها هل تعوضينها؟
- أبدا...
- أما المهن فلك أن تمتهني ما شئت خصوصا مع ذكاء كهذا الذي وهبك الله إياه ...
-عندك حق فحبي لعائلتي يفوق كل وصف حتى أني لا أأسف لحالي إلا لأني لم أقدر على إسعادهم...الواحد يقول الحمد لله على كل حال...

- أرأيت من أي جانب عليك أن تنظري للمسألة... فقط حتى توفري على نفسك ذلك الشعور القاسي من مجافاة الحظ لك.
- ولكن الحظ يجافيني على طول الخط...قلت أرضى بدراسة الاقتصاد لأتخرج سريعا و أساعد أبي فنجحت و ما نجحت... تخرجت من الجامعة فما دخلت غير دنيا البطالة و اليأس و العدم...
- اصبري فالبطالة نصيب أغلب المتخرجين الجدد.
و انتفض الصبر بداخلها كمارد ضاق بصمته... و نسيتْ للحظات المسافة التي كانت حتى الآن تفصلنا فانطلقت الكلمات من فمها رصاصا حيا يضرب في كل الاتجاهات دون تمييز:
- وهل البطالة أمر هيّن لنصبر عليها و من أين سآتي لها بالصبر؟ إن العمل هو الحياة لمن مثلي و أما ما دونه فموتٌ قبل موتي!
هل تعتقدين أنه من السهل أن تكون السرعة بداخلك بقوة ألف حصان و تجبرك الظروف على تبني مشية السلحفاة أو المراوحة مكانك...
- فعلا الأمر صعب...
- بل هو فوق الاحتمال...
و بدأت الدموع تتجمع في عينيها منبئة بفيضان وشيك...
كانت تمسك وجهها بكلتا يديها كما لتغتسل بشلاّل دمعها الهادر و كان في كلامها شيء من كلام من يبكي موته فيعزي نفسه في نفسه: ما أقسى انتظار شيء تريده بكل عنف و عنفوان الشباب فلا يقابلك بغير الصدّ و البرود و اللامبالاة ...ما أتعب أن تتكئ على جدار الانتظار محتضنا حقيبة أحلامك المهترئة و أنت تعلم أنك في آخر محطة للصبر... ما أسوأ الانتظار...‼-;- ثم حتى متى هذا الانتظار؟ و انتظار ماذا أو ماذا بالتحديد و هذه الوظيفة التي لا تأتي و هذا النصيب المعطّل و هذا العمر الذي يذوي و هذا الفقر الذي يدق في لحمك كل لحظة مسامير الذل و القهر و المهانة...

-يتبع-



#كريمة_مكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن أبيع لحمي -1-
- بدم النساء
- أيدُ الجراح كيَدُ الإلاه؟!
- دنياك ليست في الحواسيب
- ألا فاهدأ...
- و لكل حاكم...امرأة يخشاها
- اللهم زدنا عشقا...
- في الحب تستوي النساء.
- كيدُها و كيدُ الهوى...
- العاشقة تحرّر الرهينة
- كلمة آخر الحكّام لأهل الصحافة و الإعلام...
- مومس في الفصل (الأخيرة).
- مومس في الفصل (قبل الأخيرة)
- إلى العفيف الأخضر...إلى قارئي الأوحد.
- مومس في الفصل 16
- مومس في الفصل (15)
- جدتي الأبية...ماتت صبيّة!!
- هو حكم أغبى الثورات...
- ضُعنا يا تونس... و ضيّعناكِ!
- ارحمي يا تونس قتلاك !!


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريمة مكي - لن أبيع لحمي -2-