أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رمضان عيسى - كيف عرفت نظرية داروين ؟















المزيد.....


كيف عرفت نظرية داروين ؟


رمضان عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 4314 - 2013 / 12 / 23 - 21:17
المحور: سيرة ذاتية
    


في الحياة العادية نتعامل كثيرا مع المظاهر أكثر من الجوهريات , ولا تستدعي منا الغوص للجواهر إلا إذا إصطدمنا بقضية أحسسنا اتجاهها بالخطر على حياتنا ، أو قضية علمية تطلبت منا جهدا للتعامل معها بعقل متفتح ، وانتباه وحشد معلومات علمية متعددة ليكتمل تصورنا لها . فمثلا ، لو وجدت زجاجة مكتوب عليها : " مادة سامة "، فستأخذ حذرك منها ، وتحاول التعرف عليها ، اسمها واستخدامها ، ولماذا وُجدت هنا ؟ يختلف الأمر ، لو تصادفت مع زجاجة مكتوب عليها ، " مياه للشرب " أو زجاجة لا يوجد عليها أية تحذيرات .
ان كلمة " مادة سامة " ، تثير لديك الكثير من التساؤلات والتفكير وتجعلك تفكر كيف تتعامل مع هذه المادة . وفي الجانب الآخر إذا تواجهت مع قضية مثيرة للاهتمام ، اقتربت منك اقترابا ملك عليك تفكيرك ، وأشغلت بالك ، مع أنها لا تثير عند بعض الناس أي اهتمام , ولكن بالنسبة لك أصبحت الإجابة عليها ضرورية .
وهذا ما حدث معي حينما سمعت ب " نظرية داروين " ، حيث أثارت لدي الكثير من التساؤلات : ماذا تقول هذه النظرية وماذا تبحث ،وماذا تعني كلمة تطور في العضويات , وكيف تتطور ؟ وما هي الأسانيد التي ارتكزت عليها ؟
بدأت أبحث عن هذا الموضوع بانتباه واهتمام شديدين ، وأحسست أنني لست أمام قضية تتطلب دراسة وحفظ بطريقة مدرسية للنجاح في الامتحان ، وإنما أنا أمام قضية إعتقادية لها مساس بالمنظومة الفكرية لوعي الإنسان لنفسه والكون والطبيعة والمجتمع الذي يعيش فيه , ولها مساس بالمنظومة الفكرية الموروثة من الأجيال السابقة .
وأخيرا ، جاءت الفرصة ، حيث كنت معتقلا أمنيا أقضي حكما لمدة 12 عاما في سجن المجدل في إسرائيل , فقام أحد الإخوة بدعوتنا للاستماع الى محاضرة عن نظرية داروين ، قال فيها ان الحيوانات لم توجد في حالة ثبات بل تطورت من شكل الى آخر ومن قدرات جسدية وحياتية الى أخرى حسب قانون الانتخاب الطبيعي , فعبر تاريخ طويل دام ملايين السنين تغيرت أشكالها وأحجامها وقدراتها لتتكيف مع ظروف معيشتها ، أي تطورت الى الأفضل ، وعبر هذا التاريخ الطويل كان التطور يفرض على هذه الحيوانات أن تُهمل الأعضاء التي لا تستعملها ، وبالتالي فإن هذه الأعضاء المهملة تضمر ، وفي الجانب الآخر تنمو وتقوى أعضاء يجري استعمالها ، مما يعزز لديها قدرات جديدة تساعدها في ظروف حياتها حسب بيئتها الموجودة فيها . وبهذه القدرات الجديدة تمكنت تلك الحيوانات من أن تحافظ على حياتها الى زماننا هذا ، ومن لم تُطور قدرات جديدة ، كان مصيرها الإنقراض .
وذكر أمثلة عن تطور الكائنات الحية البحرية الى برمائيات ثم الى زواحف ، والزواحف الى طيور وثدييات ، والثدييات الى أنواع متعددة من الحيوانات البياضة واللبونة ، وذكر أمثلة على أن أرجل الحصان لم تكن كما نراها اليوم ترتكز في عدوها على الإصبع الوسطى ، بل كان لها خمسة أصابع ، ولأن وسيلة الحصان للمحافظة على حياته هي الهروب من الحيوانات المفترسة ، والجري فقد تركز استناد جسمه على الأصبع الأوسط ، مما أهمل استخدام الأصابع الأخرى ، فضمرت واختفت , وكذلك الزرافة التي تتغذى على الفروع الطرية العالية من الأشجار مما أدى الى انقراض الزرافات ذات الرقاب القصيرة , وبقاء الزرافات ذات الرقاب الطويلة لأنها أقدر على الحصول على غذائها .
وهذا ينطبق على كل الحيوانات على سطح الأرض ، أي تتطور الحيوانات وتتمحور أعضاءها وتتغير ألوانها لتتكيف مع ظروف بيئتها ولتكون أقدر في الحصول على غذائها ، في نضالها من أجل البقاء حية ، والمحافظة على نوعها .
وبعد انتهاء الشارح من عرض نظرية داروين ، تصدى له أحد الحاضرين قائلا : هذه النظرية خاطئة ، وأنا على استعداد لتبيان خطأها ، فرد عليه الشارح ، كما تريد غدا نحن على استعداد للاستماع الى ما تطرحه حول الموضوع .
وفي اليوم التالي سألت الشاب ماذا عنده من معلومات ليثبت خطأ نظرية داروين ؟ فلم يكن عنده غير ثلاث كلمات وهي أن الله خلق الأرض والسموات ، وخلق النباتات والحيوانات بأشكالها الحالية كتهيئة لكي تكون مساعدة للإنسان في حياته ، فبدونها لا يستطيع الإنسان أن يعيش ، ثم خلق الله الإنسان من صلصال ونفخ فيه من روحه . ولم أسمع منه أكثر من هذا ، فقد لاحظت أن هذا الشخص ليس لديه أي مرتكز علمي يمكن أن يعرضه إثباتا لآرائه . وكل مستنداته وأفكاره مستوحاة من نظرية الخلق المذكورة في التوراة ، والتي عرفها من الكتب المدرسية 0
ان معلوماتي التاريخية عن الأحياء والعضويات وتطورها كانت بسيطة , وفي حاجة الى إثراء ليكون لي موقفا علميا ومرتكزات تاريخية وجيولوجية تمكنني من تحديد موقف علمي وصلب عن هذه النظرية التي أثارت عندي كثير من التساؤلات التي هي بحاجة الى أجوبة مقنعة . وهذا لا يمكن بدون البحث وقراءة العديد من الكتب التاريخية والجيولوجية والعلمية التي تشرح هذا الموضوع .
ولحسن حظي تم نقلي الى سجن بئر السبع الصحراوي الذي كان يحتوي على مكتبة زاخرة بالكتب العلمية والفلسفية والدينية والتاريخية وبعض الموسوعات ، مثل موسوعة الأجناس البشرية . فكانت فرصتي ، وهنا هجمت كالملهوف على هذه الكتب من أجل إيجاد أجوبة لما يعتريني من تساؤلات ..
بدأت قراءتي بطريقة غير ممنهجة ، ولكن هدفي هو المعرفة ، الثقافة . ولكن ، وبعد قراءتي لكتاب " فلسفة المادية الجدلية " – اصدار دار التقدم ، عرفت المنهاجية في القراءة , حيث عرفت من خلاله أقسام الفلسفة المادية والمثالية والفرق بينهما ، والعلاقة بين العلم والفلسفة ، أي كيف تدعم الفلسفة العلوم , وكيف تدعم العلوم الفلسفة ، وعرفت كيف تُكتسب المعلومة , ومن أي الكتب ، وكيف يتشكل وعي الإنسان ، وعرفت كيف يتطور المجتمع ، وكيف يسير التاريخ , وعرفت من أين يبدأ العلم ومن أين تبدأ الخرافة والإسطوره ، وعرفت معنى الحقيقة التي هي نقيض الضلال والخطأ , فالمادية الجدلية هي منهاج علمي للتفكير ، انها بوصلة الثقافة الإنسانية ، ولن يكون مثقفا من لم يقرأ هذا الكتاب .
إن الموقف العلمي لا يعرف العواطف ، وليس لديه من مفاهيم القداسة غير العلم , والالتزام بالعلم التزاما صارما لا يعرف الهوادة مقابل الموروث الفكري والخرافة والاسطورة , فالعلم يمحو الخرافة والخطأ دون رحمة , فالشمس حينما تسطع لا ترحم الثلوج .
كنت وكأني في صحراء , وملكت البوصلة التي تدلني على الاتجاه الذي يجب أن أسير فيه , فبدأت أُحسن اختيار الكتب والمؤلفين ، فتراكمت لدي الأفكار ذات التوجه العلمي والعقلاني , وبالمقارنة مع كومة الأفكار الغير متناسقة والموروثة من الأسرة والمجتمع والمدرسة , والتي تراكمت في دماغي نتيجة للحشو الآلي المدرسي , وجدت فرقا شاسعا بين العلم المبني على الأسانيد المنطقية الواقعية , والتي تنطلق من أن لكل شيء سبب معقول ، وبين مجموعة تواريخ وأفكار مختلطة بشكل فظ وعشوائي وفاقدة للترابط التسلسلي ، بل وإسطورية الأسانيد ، وأغلبها غير معقول حول الكون والحياة والتاريخ والعقائد الرابطة بين الناس ووجود الكائنات الحية والإنسان على هذه الأرض .
ومع تراكم المعلومات التاريخية والعلمية والفلسفية ، بزغت الشمس فأذابت الثلوج , فعند المقارنة بدأت الأفكار التي لا تستند الى المعقولية تضمحل ، لتحل محلها العقلانية في التفكير والتسلسل السببي والنتائجي .
فكانت هناك تساؤلات ، وكانت هناك أجوبة ، حيث أن التساؤل والبحث ، واعتماد المنهجية العلمية هو الأساس الذي يرشدك الى الحقيقة , ويراكم لديك معرفة يقينية قوية ومتراصة ومتسلسلة لا تستطيع أي من الأساطير اختراقها .
ان ارساء المنهجية العلمية في التفكير لا يمكن أن تجد لها سبيلا بدون الأهلية العقلية لاستيعاب الجديد والإخلاص له وللحقيقة الموضوعية ، وأن تكون جاهزا لقبولها ، وأن يكون لديك الاستعداد النفسي للتنازل والتحرر من سابقتها الموروثة من الماضي ، والتي ترتدي ثوب القداسة ، والتي تختلط بشكل عشوائي مع التقاليد ، والعادات التي ورثتها الأجيال ، جيلا بعد جيل .
من التساؤلات التي كانت مثار اهتمامي ، والتي دأبت في الوصول الى جواب شافي يقيني مدعم بالأسانيد العلمية والتاريخية , هل هناك تطور وتغير في الحياة العضوية ، أم هناك ثبوت أجساد ؟ وكيف وُجدت الحياة على الأرض ، وأصبحت على ما هي عليه ، كما نراها الآن ؟ وهل الحيوانات تتجاور فقط ولا تتغير ، ثابتة ، أم تتعاقب ، أي تتسلسل من بعضها وتتطور الى الأفضل ، وما هو سبب انقراض الكثير من الحيوانات ، وهل من الممكن أن تُوجد كائنات حية لم تكن موجودة من قبل ؟

من خلال اطلاعي على تاريخ العضويات والحفريات المكتشفة وعلم الأجنة ، والتشابه بين الحيوانات وأعضائها الداخلية ودمها ، ومن خلال التعرف على تاريخ الحيوانات اللبونه والقردة العليا وموسوعة الأجناس البشرية ، وجدت علاقة تسلسلية عضوية وتاريخية بين الحيوانات بعضها ببعض ، وبين الإنسان وأشباه الإنسان . وأن هناك آلية تطورية مرت بها الكائنات الحية عبر ملايين السنين .
ووجدت أنه " لا يمكن فهم العالم على أنه مركب من أشياء جاهزة ، بل على أنه مركب من عمليات تمر خلالها الأشياء التي تبدو في الظاهر ثابتة ، وكذلك صورها الذهنية في رؤوسنا في تغيير لا ينقطع من الوجود والفناء ". ( انجلز - مدخل في المادية الجدلية – ص51 )
وهذا الفهم وجدته في نظرية التطور لتشارلز داروين الذي أوضح أن الحيوانات على تنوعها تخضع لمبدأ " الصراع من أجل البقاء او البقاء التفاضلي" مثلا الكائنات الأسرع عدوا أو الأقوى هي الأقدر على البقاء ، ومبدأ " التغير التطوري" فما دام هناك البقاء التفاضلي وتطور الأنواع ، فمن المؤكد أن هناك آلية تساعد على التغير التطوري من نوع لآخر الا وهي "الانتخاب الطبيعي" والتي تقوم بتفضيل صفة وراثية موروثة لتصبح أكثر شيوعا في الأجيال اللاحقة والصفات الغير المفضلة المورثة تصبح شيئا فشيئا أقل شيوعا.
فالانتخاب الطبيعي هو آلية تؤثر باستمرار لتحسين مدى تأقلم الأنواع مع أوساطها، فالطفرات الوراثية الحادثة داخل النوع تكشف كيف يتم الاحتفاظ بالصفات المفيدة والتي تساعد على البقاء وهذه تسمى عملية "الانتخاب الطبيعي" ، حيث يتم تمرير هذه الجينات التي تحمل الصفات المفيدة للجيل القادم. مع مرور الوقت ، الطفرات المفيدة ليس في جزء من الجسم ، بل في أجزاء كثيرة في الجسم ، تتراكم والنتيجة هي كائن مختلف تماما (وليس مجرد اختلاف الأصلي ، وإنما هو مخلوق مختلف تماما).

فداروين قصد الانتخاب التراكمي( التطوري) ، أي أثناء التكاثر النوعي والتصارع من أجل البقاء ، كانت تظهر صفات جديدة في النوع ، فكلما ظهرت في النوع صفة جديدة إما تُثبتها الطبيعة أو ترفضها (أي هناك انتخاب)، فالظروف الطبيعية (وفرة المياه، الغذاء ، الحرارة، الضغط،..الخ) هي التي تقوم بدور المراقب الذي يحتفظ بالصفات المناسبة للحياة .
حسب داروين يحدث التطور نتيجة تغير أو طفرة في ميزات قابلة للتوريث ضمن نوع على امتداد أجيال متعاقبة ومع الوقت، يمكن أن تنتج هذه العملية ما نسميه نوع جديد من الأحياء بدءاً من نوع موجود أساسا.
بالنسبة لهذه النظرية فإن جميع الكائنات الموجودة ترتبط ببعضها البعض من خلال سلف مشترك، كنتيجة لتراكمات التغيرات التطورية عبر ملايين السنين. فالتطور هو عملية بطيئة و تدريجية كما كتب داروين "... الانتخاب الطبيعي يحدث من خلال الاستفادة من التغيرات المتعاقبة الطفيفة، والتي تحدث بخطوات متتالية و أكيدة " .
وبهذا يؤكد داروين على ان الحياة العضوية ليست ثابتة بل في تطور وأن الكائنات تتطور على مر الأجيال. و هذا هو جوهر التصور الذي عرضه داروين بمهارة فائقة في كتابه "أصل الأنواع".
لكن في هذا الكتاب لم يتعرض لتطور الإنسان ، لكن الفكرة كانت تشغل باله، فكتب كتاب أخر تحت عنوان " أصل الإنسان"، في هذا الكتاب استطاع داروين أن يثبت بأن الإنسان ليس إلا واحدا من بين الكائنات المتطورة وان الإنسان ليست له هذه الأهمية التي كان يتصورها معظم الناس في الماضي, فما هو إلا نتيجة كائنات أخرى سبقته في التطور؟. أذ يؤكد أن الدلائل كلها تُحتم علينا الاعتراف بأن الإنسان ينحدر من سلالة سابقة له في سُلم التطور، فما هو إلا نوع آخر من الحيوانات ، والدرجة الفارقة بين الإنسان والقردة العليا تكمن في تطور الدماغ , كان دماغ الإنسان منذ نصف مليون عام يزن أقلّ من 400 غرام وهو اليوم يزن 1350 غراما، - فهو إذن أكبر دماغ حيوانيّ، فهو أكبر حتّى من دماغ الفيل قياسا إلى وزنه –وبهذا ينسف الاعتقاد الديني بعظمة الإنسان وكبريائه ومكانه المميز على سطح الأرض.

يقول داروين في كتابه الموسوعي " أصل الأنواع " : " هناك شيء يجمع الإنسان والحيوانات العليا، مثل القردة والغوريلا ، كلنا لنا نفس الحواس، ونفس البديهة، ونفس الشعور والعواطف التي تُظهر الغضب والانفعالات. نحن والحيوانات العليا، نشترك في صفات الخداع والانتقام والدعاية. الحيوانات تحب وتكره، وتشعر بالنشوة وتمارس حب الاستطلاع. تختار هي أيضا بين الخيارات المختلفة، وتستخدم ذاكرتها، وتحلم وتتخيل أشياء غير موجودة. يرتقي الفرد منها داخل مجتمعه من مرتبة دُنيا الى مرتبة عُليا" .
لكن هناك من يعارض نظرية داروين مرتكزا على مبررات غير علمية ، ويكررون أسئلة بطريقة ساذجة بقولهم : " اذا كانت القردة تطورت ، فلماذا نراها كما هي منذ زمن بعيد ، ولماذا لم يتطور القرد الى إنسان ؟
ونجيب : ان ألف أو ألفين من السنين ليس لها التأثير الملموس في التطور العضوي ، إن التطور العضوي عملية معقدة وطويلة استغرقت بون زمني طويل من الصعب تصوره ببساطه ، بل بنظرة علمية متفتحة تأخذ بالاعتبار البعد الزمنى والظروف البيئية المحيطة ونوعية الأعداء التي يجري الصراع معهم للمحافظة على البقاء .
وأن الذي قاله داروين معناه أننا لا ننحدر من الغوريلا أو الشمبانزي أو البونوبو لكن أصلنا واحد- نشترك معهم في الجد الأول- أي الإنسان والقردة العليا تنحدر من أصل واحد، أي من شجرة بيولوجية واحدة .
أن فكرة داروين عن حدوث تطور تدريجي من خلال "الانتخاب الطبيعي" لم تقابل بالترحاب في البدء وكان لها مهاجميها بقوة، لماذا ؟
أولا : لأنها ظهرت ليس كمنافسة قوية ، بل ناسفة لنظرية الخلق المتعارف عليها في الديانات الكتابية .
ثانيا : داروين كان قادرا على أن يبين الاختلاف بين الأنواع مفسراً إياه بالانتخاب الطبيعي ثم التلاؤم، إلا انه كان لديه قصورا في تفسير كيفية نشوء الاختلاف أو كيف يتم تعديل النوع عبر الأجيال ، كان لا بد من انتظار علم الوراثة على يد مندل، هذا الاكتشاف أضاف توضيحا ودعما لنظرية داروين ، وهكذا فكل من أتى بعد داروين أضافوا دعما لنظرية داروين، بإضافتهم عدة إثباتات لعملية التطور.

والنظرية بشكل عام هي بناء محكم أو منظومة تصف الظواهر الطبيعية وتكون مستندة إلى الأدلة والشواهد في الحياة العملية . وهي تعبير منظم ومصاغ ويبنى على كل الملاحظات السابقة ويمكن استخدامه في التنبؤ بالظواهر ومنطقي البناء وقابل للاختبار والتجربة ، أو الملاحظة والاستنتاج ، ولم يسبق أن تم نقضها.
اذا فنظرية داروين هي منظومة محكمة البناء وليست فرضية خيالية أو مزاجية ، ومن يعتقد أن نظرية داروين غير صحيحة , فلابد أن يبرر دعواه بأسانيد علمية ، وليس بقصص ارتدت ثوب القداسة نتيجة لقدمها التاريخي . .
فنظرية داروين في جوهرها هي إرساء فكرة التطور في الأحياء ، وأن الأنواع لا تتجاور فقط , بل تتعاقب ، وأنها ليست ثابتة ، ولن تبقى ثابتة ، وأنها تمتلك ماض وحاضر ومستقبل ، وأنها تتغير وتتطور .
وفكرة التطور تنطبق على نظرية داروين نفسها حيث لم تبق كما صاغها داروين ، بل هي نفسها تطورت، فبعد داروين تطورت العلوم و التكنولوجيا واستطاع العلماء اكتشاف دور الحمض النووي في تمرير العوامل الوراثية من جيل إلى جيل. وهذا ما أدى في منتصف القرن العشرين الى جمع و استيعاب كل المعلومات الجديدة لتحديث نظرية التطور. و الى يومنا هذا يرى علماء البيولوجيا أنه لابد من مراجعة أخرى لتحديث النظرية، والتي يسميها البعض "النسخة الثانية " من نظرية التطور.
فعلى سبيل المثال، شبه داروين التطور "بشجرة الحياة" وبان التطور ينمو مثل نمو الشجرة، تبدأ الشجرة بجذر واحد أصلي وبعدها يتفرع الى عدد لا يحصى من الجذوع المتفرعة.
أما علماء البيولوجيا المعاصرين يقولون أن التطور يشبه الشبكة أو غابة بدلا من الشجرة. حيث قال جورج فورد دوليتل، مؤيد داروين وعالم الأحياء في جامعة دالهاوزي في هاليفاكس ( نوفا سكوتيا- كندا) "إننا نفهم التطور جيد لكن التطور أكثر تعقيدا مما تصوره داروين"......
في عام 1968 قام العالم الياباني، موتو كيميورا، بطرح نظرية الحياد والتطور النووي، حيث أكتشف بأن مادة "الدي إن إيه" البروتينية، المكونة لجينات المورثات، لا تبقى في شكل ثابت، بل هي في تغير وتطور مستمر، وبأن 80% من طفرة هذه التغيرات الفجائية في جينات المورثات ليست ضارة ولا نافعة، ولكن تبقى بعضها مهمة للتخلص من الصفات الوراثية السلبية، كما أن القليل منها تلعب دورا إيجابيا في تحسين هذه الصفات وارتقائها. وقد أصبحت هذه الفرضية أحد الأعمدة الداعمة لنظرية دارون في الارتقاء مع الانتقاء الطبيعي.كما أثبتت أبحاث البروفيسور الياباني، ماريكو هاسيجاوا، بأن هذه الطفرات في جينات المورثات تنشط مع التغيرات البيئية.
فالداروينية أصبحت في عصرنا مذهبا ليس للتطور العضوي , بل تفرعت قوانينها الى كافة مناحي الحياة الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والعلمية , فالأفكار التي لا تتناسب مع الحياة الجديدة تسقط ولو تسندها كل الأجهزة القمعية والمخابرات . والمجموعة الاجتماعية أو الحزبية اذا لم تطور نفسها وتكيف أساليبها
وآرائها مع الواقع الجديد , ستعاني من انشقاقات وتكتلات جامدة تؤدي الى تفككها واضمحلالها . وأي مؤسسة اقتصادية لا تطور مُنتجها وتعمل على تحسينه باستمرار , لا بد أن تتوقف مبيعاتها وتكسد بضاعتها , وبالتالي تغلق أبوابها .
كذلك وصلت فكرة التطور الى التكنيك العسكري , فالجيش الذي لا يمتلك التكنيك العسكري الجديد والمتطور , ولا يعمل على تطوير قدرات أفراده باستمرار , ولم يستوعب التكنولوجيا العسكرية المتطورة , فانه سيصاب بالهزيمة عند أول مواجهة مع جيش حديث التكنيك والتكتيك .
كذلك تنطبق الداروينية على الأفكار العلمية الجديدة والتي تمحو الأفكار الغير واقعية والمختلطة بالأساطير من عقول البشر , وذلك لكونها تملك قوة الجديد والمتطور والمتناسب مع الحياة في الشكل والمحتوى .
وفي الحياة الفردية من يملك قدرات فردية أكثر – كل في مجاله - يتفوق على أقرانه ويسود عليهم .
من هنا عرفت أن اللامبالاة والجهل والتحجر وعدم القدرة على فهم الترابط التطوري في العضويات ، والميوعة في الموقف اتجاه الحقيقة ، هو الأساس الذي يرتكز عليه معارضو نظرية داروين .
من هنا كان الموقف السليم ألا أكون لا مباليا ، أو حياديا ، بل مؤيدا ومصدقا لهذا العلم وهذه الاستنتاجات التي توصلت إليها نظرية داروين والتي تجيب على التساؤل الرئيسي وهو : هل هناك تطور للحياة على هذه الأرض ، أم أن الكائنات الحية ثابتة الشكل والمحتوى منذ ملايين السنين ؟



#رمضان_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دفاعا عن مانديلا
- فتاوي خطرة
- اشكالية العلم مع الميراث المقدس
- الاسلام لا يمكن الا أن يكون عنيفا
- معنى الثورة وأبعادها المصرية
- حفظ القرآن في الأرض أم في السماء ؟
- مدلولات النسيان عند نبي الاسلام
- من هو العدو ؟
- المادية الجدلية وعلم النفس
- لمن أكتب مقالاتي ؟
- العرب وخداع النفس
- بين ايمان - أُمي - وايمان الاخوان
- تاريخ الخوف من المجهول
- قراءة في كتاب - سقوط العالم الاسلامي -
- الوجه الآخر للعنف !!!
- ماذا وراء وصول مصر الى غرفة الانعاش ؟
- مصر في غرفة الانعاش
- كشف المستور وراء تجاهل الحنفاء قبل ظهور دعوة النبي محمد !!!
- الإسلام السياسي وصكوك الغفران
- هل كان حمورابي نبياً ؟


المزيد.....




- الأرض أم المريخ؟ شاهد سماء هذه المدينة الأمريكية وهي تتحول ل ...
- وصف طلوع محمد بن سلمان -بشيء إلهي-.. تداول نبأ وفاة الأمير ا ...
- استطلاع رأي: غالبية الإسرائيليين يفضلون صفقة رهائن على اجتيا ...
- وصول إسرائيل في الوقت الحالي إلى أماكن اختباء الضيف والسنوار ...
- شاهد: شوارع إندونيسيا تتحوّل إلى أنهار.. فيضانات وانهيارات أ ...
- محتجون يفترشون الأرض لمنع حافلة تقل مهاجرين من العبور في لند ...
- وفاة أحد أهم شعراء السعودية (صورة)
- -من الأزمة إلى الازدهار-.. الكشف عن رؤية نتنياهو لغزة 2035
- نواب ديمقراطيون يحضون بايدن على تشديد الضغط على إسرائيل بشأن ...
- فولودين: يجب استدعاء بايدن وزيلينسكي للخدمة في الجيش الأوكرا ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - رمضان عيسى - كيف عرفت نظرية داروين ؟