أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - تزوير مسيحية يسوع - 12















المزيد.....

تزوير مسيحية يسوع - 12


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4301 - 2013 / 12 / 10 - 16:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ملاحظة: هذه المقالة تُعتبر كتكملة لسلسلة المقالات السابقة تحت عنوان (تزوير مسيحية يسوع – 1 إلى 11)، ويجب أن تُقرأ المقالات السابقة كمقدمة أساسية وضرورية لهذه المقالة.


"جميع النصوص المقدسة [في العهد القديم] التي يستخدمها أصحاب الضلال لإثبات ضلالهم، يُمكن تفنيدها من مكان ما بالقرب من تلك النصوص" [الراباي يوجانان (Yochanan ben Zakkai)، توفي سنة 90 مـ، السنهدرين، 38 ب ]


يرتكز النقد اليهودي للعقيدة المسيحية وأدلتها، في جوانب متعددة منه، على تلك المقولة الشهيرة للرباي يوجانان أعلاه. إذ الملاحظة المتكررة في الاستدلال المسيحي على يسوع في نصوص العهد القديم أنها تعاني من نقطة ضعف رئيسية وواضحة لكل دارس لتلك النصوص بلغتها العبرية الأصلية أو حتى الترجمات، وهي أن هذا الاستدلال (يتعمد عزل النص) عن سياقه الطبيعي وعن مضمونه ضمن موضعه الأصلي، وأحياناً كثيرة (يحوّر ويُعدّل ويُلغي ويُضيف) على كلمات النص، وذلك في سبيل (إلغاء المعنى المقصود الأصلي) والخروج بمعنى جديد للنص يوافق العقيدة المسيحية في يسوع. هذه الممارسة هي (قديمة جداً)، إذ أنها رافقت رسول المسيحية الأول بولس ومن بعده كتبة الأناجيل الأربعة، كلهم وبلا استثناء. والإشكالية الخطيرة في هذه الممارسات أن بعضها على الأقل يُمكننا إثابت، من دون أدنى شك، أنها وقعت (بتعمد وبوعي وبقصد) من هؤلاء الكتبة، أو القديسين (!!)، الأوائل. إذ النص الذي اقتبسوه من العهد القديم في رسائلهم وأناجيلهم كان واضح المعنى وواضح الدلالة ضمن محيطه في النص الكامل، ولكن لجوءهم إليه، ومن ثم عزله عن سياقه الطبيعي في الاستدلال، مع التحوير فيه مصحوباً بالإلغاء والإضافة، يؤكد تعمدهم محاولة (تزوير الوعي) لكل من يقرأ ما كتبوه بدون أدنى شك. النقد اليهودي لنصوص الاستدلال المسيحي على يسوع الناصري في العهد القديم لا يفعل أكثر من أن يرجع للنص اليهودي المقدس الذي اقبسه المسيحييون، ثم يُقارن النص المسيحي بالنص الحرفي الأصلي، ومن بعد ذلك يقرأ النص في سياقه الطبيعي، تماماً كما أشار الراباي يوجانان في التلمود، ثم ليخرج بالدليل الواضح على الممارسات (غير النزيهة) التي استخدمها كتبة النصوص المقدسة المسيحية للتدليل على إلههم الجديد، يسوع، ومسيحانيته. هذا الجزء من السلسلة سوف يركز النظر على بعض الأمثلة لتلك الممارسات غير النزيهة في الاستدلال.

قبل البدء في المقالة أود أن أؤكد مرة أخرى ما ذكرته في المقالة السابقة وهو أن على القارئ لنصوص (العهد الجديد) أن يبقى دائماً واعياً إلى (حقيقة) أن كتبة الأناجيل والرسائل هؤلاء لم يكن يدور بخلدهم إطلاقاً، ولا حتى بأكثر أحلامهم تطرفاً، أن ما سيكتبونه سيستقر لاحقاً كـ (كتاب مقدس) يتداوله ويدرسه الملايين و (يُفنده) الباحثين والدارسين. هؤلاء الكتبة كانوا يكتبون لمجتمعات صغيرة جداً عاملهم المشترك هو (جهلهم المطلق) بما يحتويه نصوص العهد القديم، مع تأثرهم بالثقافة الهيلينية وعقائدها وبالمناخ الروماني متعدد الآلهة، هذا بالإضافة إلى (الأمية الساحقة) التي كانت منتشرة في تلك المجتمعات. فلا أحد من هؤلاء الكتبة كان يتوقع أصلاً أن يُساءَل عن صحة أو دقة ما يكتبه من "نبوءات"، إذ ما كتبوه كان موجه بالأساس لهذا (النوع) بالتحديد من المجتمعات التي وصفناها. تلك المجتمعات لا تتساءل ولا تشك ولا تُناقِش بما لا تعرف أصلاً. ولهذا السبب بقيت نصوص العهد الجديد خارج نطاق النقد حتى القرن الثامن عشر. وبعد أن خرجت المجتمعات الغربية إلى عصور التنوير والمعرفة، ابتدأ سقوط قداسة نصوص العهد الجديد عند تلك المجتمعات تدريجياً، وما زالت في طور السقوط.

أشرنا في المقالات السابقة إلى (هوس) كاتب إنجيل متّى باثبات مسيحانية يسوع من خلال من ما يفهمه من نصوص العهد القديم على أنها (نبوءات) بالمسيح اليهودي، حتى وإن أدى هذا إلى (اختراع) تفاصيل لا حقيقة لها لحياة يسوع [انظر على سبيل المثال سلسلة المقالات للكاتب تحت عنوان: متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس]. هذه الممارسة عند كاتب إنجيل متّى كانت من الوضوح بحيث أن أوائل النقّاد استهدفوا هذا الانجيل بالذات، لسهولة المقارنة بينه وبين النص الذي يقتبسه (مشوّهاً) من العهد القديم. أدناه ثلاثة أمثلة على تلك الممارسات عنده.

كاتب إنجيل متّى، كان يمارس (التلاعب المتعمد والواعي والمقصود) لتزوير وعي قراءه. تلك (حقيقة) مؤكدة لها الكثير من الشواهد والأدلة. بل حتى (المترجمين المسيحيين العرب) شاركوا (بوعي وبتعمد) في هذا التزوير. فلا أحد بريء إطلاقاً في النصوص المسيحية المقدسة. ورد في إنجيل متّى القصة الشهيرة لدخول يسوع إلى الهيكل في أورشليم (القدس) وقلبه لموائد الصيارفة (ودخل يسوع إلى هيكل الله وأخرج جميع الذين كانوا يبيعون ويشترون في الهيكل، وقلب موائد الصيارفة وكراسي باعة الحمام. وقال لهم: مكتوب: بيتي بيت الصلاة يدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص) [متى 21: 12-13]. كاتب إنجيل متّى، مثله مثل كاتب إنجيل لوقا [لوقا 19: 45-46]، كان ينقل هذه الحادثة، حتى هذه اللحظة من التفاصيل، من إنجيل مرقس [مرقس 11: 15-17]. إلا أن كاتب إنجيل متّى، على عكس لوقا، لم يكتفي برواية مرقس التي كان ينقلها، وإنما (اخترع) تفاصيل جديدة للقصة مضافاً إليها (تزوير متعمد) في لفظ نبوءة اقتبسها من أسفار العهد القديم. أضاف كاتب إنجيل متّى هذه التفاصيل للقصة التي توجد (فقط) عنده: (وتقدم إليه عمي وعرج في الهيكل فشفاهم. فلما رأى رؤساء الكهنة والكتبة العجائب التي صنع، والأولاد يصرخون في الهيكل ويقولون: "أوصنا" [الترجمة العربية غير دقيقة هنا، الكلمة عبرية (هوسنّا)، ولها اشتقاق آرامي (هوشيانا)، وتعني "أنقذنا" أو "خلصنا"، وربما المترجم المسيحي العربي لم يفهم معناها فوضعها كأقرب لفظ مقروء] لابن داود، غضبوا. وقالوا له: أتسمع ما يقول هؤلاء؟ فقال لهم يسوع: نعم أما قرأتم قط: من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحاً؟) [متى 21: 14-16]. يسوع، كما يصوّره كاتب إنجيل متّى، يقول لكهنة اليهود وكَتَبَتهم بأنه مكتوب في أسفار العهد القديم: (من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحاً). وعندما نبحث في (الترجمة العربية بالتحديد) في أسفار العهد القديم فإننا، بالفعل، نجد هذا الاقتباس في مزامير داود هكذا (من أفواه الأطفال والرُضّع أسست حمداً بسبب أضدادك لتسكيت عدو ومنتقم) [مزامير 8: 2]. فالأطفال في قصة متّى كانوا يهتفون ليسوع بعد أن عمل المعجزات داخل الهيكل، ويسوع في قصة متّى يقتبس من العهد القديم (من أفواه الأطفال والرضع هيأت تسبيحاً)، والترجمة العربية للمزامير تقول (من أفواه الأطفال والرُضّع أسست حمداً)، إذن كل شيء يبدو صحيحاً ومتوافقاً وعلى ما يرام ولا مشكلة إطلاقاً. ولكن حقيقة الأمر على العكس تماماً. كاتب إنجيل متّى عندما (اخترع) التفاصيل التي أضافها على قصة مرقس، (تعمد تحوير لفظ) المزمور الذي اقتبسه. المزمور بلفظه الصحيح مترجماً من العبرية هو (من أفواه الأطفال والرضع أسست قوة لأجل خصومك، حتى تضع نهاية لعدو ومنتقم) (Out of the mouth of babes and sucklings You have established strength because of Your adversaries, in order to put an end to enemy and avenger) [انظر الترجمة العبرية في الرابط أدناه]. إذ كاتب إنجيل متّى كان يعي تماماً أن اللفظ الدقيق لِما ورد في المزمور (لا يتوافق إطلاقاً) مع قصته التي اخترعها، (فاستبدل متعمداً) لفظ (أسست قوة) بلفظ (هيأت تسبيحاً) أو (أسست حمداً) على حسب الترجمة العربية حتى (يتوافق النص) الذي اقتبسه مع تفاصيل القصة التي اخترعها من هتاف الأطفال له. بالطبع، الترجمات الغربية للمزامير كانت واعية جداً لهذا (التزوير)، وقد انساق بعضها معها، على الرغم من أن نسخة ترجمة الملك جيمس (King James Version) قد ترجمتها ترجمة صحيحة، أي (قوة). إلا أن الأغلبية العظمى الآن من الترجمات الحديثة للعهد القديم اضطرت أيضاً للتراجع وتصحيح ترجماتها لنص المزمور ولنقرأ فيها الآن لفظ (strength) (قوة) بدلاً من (حمداً) [انظر على سبيل المثال وليس الحصر ترجمات: 21st Century King James Version أو American Standard Version أو Amplified Bible أو English Standard Version أو English Standard Version Anglicised أو Jubilee Bible 2000]. إلا (الترجمة العربية) ومترجموها المسيحيون العرب، الذين كانوا واعين تماماً لهذا التزوير، وواعين لوجود ترجمات مثل ترجمة الملك جيمس وترجمة جنيف لسنة 1599 (1599 Geneva Bible)، بالإضافة إلى الأصل العبري الذي يقول صراحة (قوة)، ومع ذلك (تعمدوا) ترجمة الكلمة إلى (أسست حمداً) حتى (لا يعارضوا التزوير الذي انخرط فيه كاتب إنجيل متّى) وحتى لا ينقضوا الاستدلال الذي قاله يسوع للكهنة. إذ المزمور يتكلم عن (هزيمة) و (نهاية) بواسطة (قوة) وهو ما ينطبق على (داود) تحديداً، فداود كان يمجد ربه على تلك النعمة، نعمة النصر العسكري الذي حققه على أعدائه، كما هو واضح من النص وسياقه، ولا يتكلم إطلاقاً عن (حمد) و (هتاف) و (تسبيح) كما أراد كاتب إنجيل متّى أن يوهم قراءه حتى يطابق القصة التي اخترعها ليسوع. إذ نص المزمور ليس (نبوءة) أصلاً، وكهنة اليهود، على فرض صحة قصة متّى، كانوا يعرفون حتماً أن النص ليس (نبوءة) فضلاً عن أن يكون نصاً مسيحانياً، وغياب اعتراضهم على هذا الاستدلال الخاطئ من جانب يسوع يؤكد اختراع القصة وتزويرها.

سنبقى مع كاتب إنجيل متّى، ومع قصة أحداث طفولة يسوع. يسرد لنا كاتب إنجيل متّى سبب هجرة يسوع وعائلته إلى مصر هكذا (لما رأى هيرودس أن المجوس سخروا به غضب جداً. فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها، من ابن سنتين فما دون) [متى 2: 16]. بداية، المترجمون المسيحيون هنا (تلاعبوا) بالترجمة الحرفية للإنجيل، لأن الترجمة الحرفية هي (قتل جميع الصبيان الذين كانوا في بيت لحم وجميع السواحل منها [أي القريبة]) (slew all the children that were in Bethlehem, and in all the coasts thereof) [انظر على سبيل المثال الترجمات الغربية القديمة، ومنها ترجمة الملك جيمس التي لا تزال متوفرة بسهولة للقارئ، وانظر أيضاً: 1599 Geneva Bible أو Authorized (King James) Version أو Wycliffe Bible أو غيرها من الترجمات]. ولكن المشكلة الواضحة بالطبع هي أن بيت لحم (ليست لها سواحل) كما هو واضح، ولذلك اضطرت الترجمات الحديثة، ومنها الترجمة العربية، إلى تمويه هذا (الخطأ الجغرافي الواضح)، فاستبدلت كلمة (السواحل) بـ (التخوم) كما في الترجمة العربية أو في بعض الترجمات الغربية بـ (الحدود). وعلى أي الأحول سوف (تضطر) تلك الترجمات [باستثناء الترجمات العربية بالطبع ومترجميها العرب الرافضين لكل الحقائق الدامغة] في النهاية، كما (اضطرت) في غيرها من المواضع، إلى أن تُرجع تلك الكلمة إلى نصوص ترجماتها (المزورة)، المسألة فقط مسألة وقت، ولذلك سنغضُّ النظر عنها. وسنغض النظر أيضاً عن (حقيقة) أن قتل الأطفال هذا هو إدعاء مُختَرَع (غير تاريخي) من كاتب إنجيل متّى ولم يروه لنا لا مؤرخي الرومان ولا مؤرخي اليهود ولا غيرهما. إذ من المستغرب جداً أن يُقتل أطفال اليهود في مدينة بكاملها ولا يروي الحادثة أي مؤرخ يهودي على الرغم من شهرة اليهود (بتضخيم) مثل تلك الحوادث. إلا أن ما أود أن أركز النظر عليه هنا هو ما سرده كاتبة إنجيل متّى تعليقاً على هذه الحادثة المخترعة من عنده، إذ استرسل قائلاً: (حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي القائل: صوت سمع في الرامة، نوح وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى ، لأنهم ليسوا بموجودين) [متى 2: 17-18]. كاتب إنجيل متّى يريد أن يقول لقرائه بأن هناك (نبوءة) تقول بأن (راحيل)، وهو يستخدم الاسم هنا بمعنى رمزي لإسرائيل، ستبكي على أولادها لأنهم (قُتِلوا)، ولذلك هو يُقارن (القتل للأطفال في بيت لحم) الذي ادعاه بهذه (النبوءة عن بكاء راحيل). إلا أن حقيقة "النبوءة" ليست كذلك إطلاقاً. هذا هو النص كاملاً من سفر إرميا: (هكذا قال الرب: صوت سمع في الرامة، نوح، بكاء مر. راحيل تبكي على أولادها، وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين. هكذا قال الرب: امنعي صوتك عن البكاء، وعينيك عن الدموع، لأنه يوجد جزاء لعملك، يقول الرب. فيرجعون من أرض العدو. ويوجد رجاء لآخرتك، يقول الرب. فيرجع الأبناء إلى تخمهم) [إرميا 31: 15-17]. راحيل كانت تبكي أبناءً (أسرى عند الأعداء) فيعزيها ربها قائلاً لها (فيرجعون من أرض العدو) و (يرجع الأبناء إلى تخمهم). فالذي فعله كاتب إنجيل متّى أنه (عزل النص عن سياقه الاستدلالي)، مع معرفته المسبقة أن الموضوع عن (أسرى) وليس (قتلى)، ثم (تعمد) وضع النص المجتزأ في إنجيله على أنها (نبوءة)(!!) في (قتل) أطفال بيت لحم. هذا مع غضّنا النظر أيضاً، وللمرة الثالثة، وتغافلنا عن أن ما اقتبسه كاتب إنجيل متّى هو أصلاً ليس نصاً مسيحانياً على الإطلاق ولا يتعلق بالمسيح اليهود المنتظر.

لنبقى مع قصة طفولة يسوع. يسرد كاتب إنجيل متّى قصة ولادة يسوع، ومن ثم قدوم (المجوس) من المشرق إلى الملك هيرودس ليسألوه عن (ملك اليهود) الذي وُلِد، فيخدعه المجوس وبعدها يأمر هذا الملك بقتل جميع (الصبيان) في بيت لحم كما تطرقنا لذلك أعلاه، وتهرب مريم وزوجها يوسف مع الرضيع يسوع إلى مصر بعد ظهور (ملاك الرب) ليوسف، وأخيراً بعد موت هيرودس يظهر الملاك مرة أخرى ليوسف ويأمره بمغادرة مصر والرجوع إلى فلسطين، هذا كله يحويه الأصحاح الثاني من إنجيله [متى 2: 1-21]. يُعلق كاتب إنجيل متّى على خروج يسوع إلى مصر ومن ثم عودته منها، مع ملاحظة أن إنجيل متّى هو (الوحيد) بين كتبة الأناجيل الأربعة الذي يذكر (حكاية) الهجرة إلى مصر، بالآتي: (لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: من مصر دعوت ابني) [متّى 2: 15]. وكما أشرت في مقالات سابقة، وبصفة عامة، إذا قرأت (العهد الجديد) ورأيت تعمد إبهام لموضع الاقتباس من العهد القديم، فإنه في الغالب هناك أمر (غير بريئ) إطلاقاً يحاول كاتب هذا النص أن يموّه عليه بدرجة أو بأخرى. هذا الاقتباس من سفر هوشع، وهو هكذا (لما كان إسرائيل غلاماً أحببته، ومن مصر دعوت ابني) [هوشع 11: 1]، وذلك بعد أن ألغى كاتب إنجيل متّى (متعمداً) الجزء الذي لا يتماشى مع ما يريده، أي (لما كان إسرائيل غلاماً أحببته)، إذ الضمير في (ابني) عائد على (إسرائيل) كما هو واضح، ولكن عندما (ألغى) كاتب إنجيل متّى بداية الجملة فإنه (أبهم متعمداً) المعنى لصالح ما يريد أن يرسخه في عقول من يقرأ إنجيله في أن (ابني) عائد على (يسوع). ولكن نصوص العهد القديم، نفس النصوص التي يستدل بها المسيحيون على مسيحانية يسوع، تخاطب (شعب إسرائيل) بكل وضوح وصراحة بكلمة (ابني). ففي سفر الخروج نقرأ خطاب الرب لموسى (فتقول لفرعون: هكذا يقول الرب: إسرائيل ابني البكر. فقلت لك: أطلق ابني ليعبدني، فأبيت أن تطلقه) [خروج 4: 22-23]. فلفظ (ابني البكر) و (ابني) في نصوص العهد القديم، بشهادة نصوص العهد القديم ذاتها وفي الترجمات المسيحية ذاتها، وكما هو في مقدمة الجملة التي ألغاها (متعمداً) كاتب إنجيل متّى، المقصود بها (شعب) إسرائيل، وليس فرداً بعينه. هذا بالإضافة إلى أن الأصحاح الحادي عشر من سفر هوشع، الذي اقتبس مقدمته كاتب إنجيل متّى، هو (ليس نبوءة) أصلاً، وليس سفراً (مسيحانياً) أطلاقاً، وكل ما على القارئ أن يفعله هو أن يعود لهذا الأصحاح ليقرأه كاملاً، وسوف يتأكد بأن الأصحاح كان يتكلم (تحديداً وحصراً) عن شعب إسرائيل وخروجهم من مصر مع (موسى) ومن ثم بعض تاريخهم. وما فعله كاتب إنجيل متّى، بواسطة (تلاعبه) في النص وإلغاء مقدمة الجملة وعزل النص عن سياقه، هو أنه (اخترع) نبوءة حيث لا وجود لها أصلاً وذلك في سبيل (تزوير) مسيحانية يسوع. ففي مجرد حوالي (خمسة أسطر)، على حسب نسختي العربية، من [متى 2: 15] إلى [متى 2: 18]، (اخترع) كاتب إنجيل متّى لقراءه (نبوءات) في يسوع حيث لم تكن هناك نبوءات أصلاً. ومع توفر حقيقة أن هناك من (آمن بالفعل) بما كان يقوله كاتب إنجيل متّى لهم، وما زالوا، يعطيك دليلاً باهراً على المستوى المعرفي للعامة في ذلك الزمان.


...يتبع


هــــــــــــامـــــــــــــــش:

http://www.chabad.org/library/bible_cdo/aid/16229



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تزوير مسيحية يسوع - 11
- تزوير مسيحية يسوع - 10
- تزوير مسيحية يسوع - 9
- تزوير مسيحية يسوع - 8
- تزوير مسيحية يسوع - 7
- تزوير مسيحية يسوع - 6
- تزوير مسيحية يسوع - 5
- تزوير مسيحية يسوع - 4
- تزوير مسيحية يسوع - 3
- تزوير مسيحية يسوع - 2
- تزوير مسيحية يسوع -1
- العلم الطاهر
- الرواية الإباضية للإسلام - 2
- الرواية الإباضية للإسلام - 1
- ابن خلدون يقول لكم - أنتم أمة وحشية
- أهذه معارك تستحق اسم الله؟
- التشخيص النفسي كأداة لنقد الإنجيل
- إشكالية ذهنية التخوين في الوطن العربي
- خاطرة - لا تصلح كمقالة
- معلولا ... والدونية الإنسانية المتطرفة


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - تزوير مسيحية يسوع - 12