احمد سعد
الحوار المتمدن-العدد: 1222 - 2005 / 6 / 8 - 11:36
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
لفت انتباهي واثلج صدري ما قرأته بين سطور خبر نشرته الصحيفة المركزية للحزب الشيوعي الاردني "الجماهير" في عددها الاخير الصادر في مطلع شهر حزيران الجاري. فالخبر يتحدث عن احتفال الحزب الشيوعي الاردني بعيد العمال العالمي وبالذكرى التاسعة والخمسين لاستقلال الاردن وذلك في السادس والعشرين من شهر ايار الماضي. وما اثار اهتمامي وفضولي الشيوعي واثلج صدري فقرتان قصيرتان وردتا في الخبر ولكنهما كبيرتا الاهمية من حيث المدلول السياسي.
الفقرة الاولى وردت في سياق كلمة الامين العام للحزب الشيوعي الاردني، الدكتور منير حمارنة، التي القاها في الحفل والتي جاء فيها حرفيا ما يلي: "ان الحزب ينظر بثقة الى المستقبل، وخاصة ان عملية توحيد الشيوعيين الاردنيين في حزب واحد قد قطعت خطوات عديدة وكبيرة وستصل الى نهايتها قريبا، وستعطي قوة ليس للشيوعيين فقط وانما للحركة الوطنية الاردنية التي ستواصل النضال من اجل انجاز شعار "اردن وطني دمقراطي".
والفقرة الثانية جاءت تجسيدا وتأكيدا للمساعي المبذولة لاعادة لحمة وحدة الشيوعيين والتي اكدها د. حمارنة. فقد جاء في هذه الفقرة "كما جرى في الاحتفال تكريم عدد من الرفاق المؤسسين والقدامى الذين مضى على عضويتهم في الحزب اكثر من خمسين عاما وهم الرفاق عبد العزيز العطي واسحق الخطيب وآمال نفاع وحسني رأفت، وذلك بتقديم درع الحزب لكل منهم"! ومن معرفتي الشخصية وعن قرب، بهؤلاء المناضلين الشيوعيين، فان بعضا منهم ولاسباب لا حاجة لذكرها في هذا السياق او ذكر اسمائهم، لم ينشطوا تنظيميا او سياسيا داخل الاطر التنظيمية للحزب الشيوعي الاردني، ولكنهم لم يتوقفوا عن بذل عطائهم النضالي وبذل المساعي الحميدة من اجل وحدة الحزب وعودة جميع الشيوعيين المخلصين لنهج المبادئ الطبقية الثورية، النضالية الشيوعية الى البيت الشيوعي الواحد والدافئ. وهذا ما اكده المكرّمون بانهم "سيواصلون النضال وبذل اقصى ما لديهم من اجل توحيد الشيوعيين واعادة الألق لحزبهم، الحزب الشيوعي الاردني، صاحب التاريخ الناصع بصموده وصلابته وتضحياته واستمرار رفعه لراية الشيوعية الخفاقة".
اننا نأمل ان ينجح الاشقاء، الشيوعيون الاردنيون، في اعادة اللحمة وعودة الشيوعيين الى صفوف حزبهم الشيوعي الاصيل الواحد والوحيد، فنجاح مساعي الوحدة يكتسب اهمية قصوى من حيث المدلول السياسي يتخطى الحدود الوطنية الاردنية، يتخطى المصلحة الوطنية الاردنية وتجسيد الشعار الاستراتيجي ببناء "اردن وطني ودمقراطي" الذي تجتمع حول رايته احزاب المعارضة الاردنية داخل اطار لجنة التنسيق فيما بينها، والتي يبرز في اطارها الدور الناشط والفاعل للحزب الشيوعي الاردني. نجاح الجهود المبذولة لوحدة الشيوعيين الاردنيين قد يعكس اثره الايجابي على اوضاع شبيهة يتحكم التمزق والفرقة صفوف الشيوعيين في معظم البلدان العربية وغير العربية. نجاحكم قد يصبح مثلا يحتذى في كل مكان، خاصة في هذا الظرف المصيري من التطور والصراع في مواجهة الانياب المفترسة للعولمة الامبريالية ولاستراتيجية الهيمنة العدوانية الامريكية وشحذ انياب القوى والانظمة الرجعية المدجنة في حضنهما لافتراس ابسط الحقوق الدمقراطية والنقابية والاجتماعية والسياسية في بلدانها.
عندما يجري الحديث عن وحدة الشيوعيين في حزب تنظيمي فكري سياسي ماركسي – لينيني فان المقصودين بذلك هم جميع من لم يتخلوا عن الراية الكفاحية الطبقية الثورية وعن الهدف الاستراتيجي بان الاشتراكية العلمية هي الخيار الافضل لبناء مجتمع الدمقراطية والعدالة الاجتماعية والقضاء على مختلف اشكال التمييز والاضطهاد الطبقي والقومي والعنصري والطائفي والجنسي. ولا نقصد ابدا من خانوا المبادئ الشيوعية وانتقلوا الى المتراس المعادي للشيوعية مع شهادة حسن سلوك في خدمة سلاطين الاستغلال والرجعية واحزابها الرجعية.
المقصود حسب رأينا هو المظاهر التي انتشرت مثل فطريات الشتاء في حقول الاحزاب الشيوعية في كثير من البلدان، خاصة بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي والانظمة في اوروبا الشرقية. فبعض الشيوعيين في ساعات الضعف الانساني غير المشحون بالوعي الفكري الطبقي الثوري هالهم الانهيار العاصف فأصابهم الاحباط واليأس ولبسوا نظارات التشاؤم السوداء وافترشوا رصيف الاحداث واعتكفوا في بيوتهم بعيدا عن حياة التنظيم الشيوعي والنضال الشيوعي المنظم. قسم كبير من هذا البعض ترك التنظيم ولكنه لم يخرج من دائرة التأييد السياسي للحزب، والمشاركة بشكل متفاوت في نشاطات الحزب السياسية الجماهيرية وغيرها، وبعض منهم يشارك على "التساهيل" حسب مزاجه، هذا القسم الذي لم يقطع "حبل السرّة" وصلة الرحم مع الحزب الشيوعي فانه من الاهمية بمكان مساعدته وفتح الاذرع وبذل كل الجهود لعودته الى الحضن الدافئ داخل الحزب. فمن لم يترك الحزب لاسباب عقائدية فكرية وسياسية فابواب الحزب تبقى مفتوحة دائما لاستقباله وبالاحضان ويجب مناشدته دائما بالعودة الى مكانه الطبيعي، الى موقعه الطبيعي داخل صفوف الحزب. ومثل هؤلاء وجدوا في حزبنا الشيوعي الاسرائيلي. ولم يتخل الحزب عنهم يوما، خصوصا من بقوا في دائرة التأييد السياسي للحزب، وناشدهم من مختلف منابره ومؤتمراته القطرية والمنطقية والمحلية، وعن طريق العلاقة المباشرة بالعودة الى صفوف الحزب. وقد عاد قسم وعن قناعة ذاتية الى مكانه الطبيعي داخل صفوف الحزب.
وحقيقة اخرى وهي ان اجسام الكثير من الاحزب الشيوعية اخترقتها جراثيم المجتمع الاستهلاكي واخلاقياته، الانانية الذاتية المفرطة، البيروقراطية، المصلحة النفعية الفردية، "عاش الزعيم، مات الزعيم" والعشق الابدي لكرسي "الزعامة" والتنظير للعلاقة الجدلية بين الكرسي وبقاء قفاه ملتصقا بها واي فصل بينهما لا يعني سوى ضرب الحزب وحتى تدميره. وكم انقسامات حدثت في احزاب شيوعية كانت عواملها الاولية، خلافات بين قيادات الحزب على مراكز مسؤولة في الحزب، خاصة من اولئك الذين يعتبرون المركزية الدمقراطية مبدءا اساسيا في التنظيم الشيوعي يسري على غيرهم اما هم "فهم فرفور ذنبهم مغفور" ومسموح لهم عدم التقيد به. والانقسامات وخروج بعض الفئات نتيجة للمدافشة على الزعامة والكرسي يتحولان في كثير من الاحيان من خلفية خروقات تنظيمية ومنافسة وكراهية وعداوة شخصية الى انزلاقات فكرية وسياسية. وحكمة الشيوعيين المخلصين لمبادئهم، لمنهجهم ونهجهم الكفاحي، العمل اولا لتحصين الحزب، وعلى مختلف مستوياته التنظيمية، من المنظمات القاعدية حتى اللجنة المركزية والمكتب السياسي من جراثيم اخلاقيات السوق الاستهلاكية وان لا تكون هناك "اية لحية ممشطة" في مجال المساءلة والمحاسبة. والعمل ثانيا على "تجبير اليد قبل كسرها" على قاعدة الاصول التنظيمية لتقويم من "شوّط عن التلم" قبل سقوطه في هوة الانزلاق، وحتى قبل ان ينزلق فكريا وسياسيا وتحجيم الخسارة الى اقل ما يمكن.
لقد لفت انتباهي واثار اهتمامي، كما قلت، المساعي التي تبذل لرص صفوف وحدة الشيوعيين الاردنيين في حزب شيوعي اردني واحد، ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه ويثير اهتمام الشيوعيين واليساريين الحقيقيين في كل مكان، ما هو النهج، ما هو الاسلوب الذي يتبعه جميع المحروقين على وحدة الشيوعيين الاردنيين.
من المعلومات التي استقيتها من اعداد صحيفة "الجماهير" الشيوعية الاردنية ومن افواه بعض الرفاق الاردنيين من اصحاب الباع الطويلة والناشطين من اجل الوحدة، اتضح لي ان مساعي الوحدة بدأت منذ وقت طويل ولكنها خرجت الى بداية حيز التنفيذ العملي في منتصف شهر آذار الفين وخمسة. وان رفاقا من قدامى الحزب الشيوعي الاردني، المنظمين وغير المنظمين، من الغيورين على وحدة الحزب، يقومون بدور "فاعل الخير" حلقة الوصل بين مختلف الاطر الشيوعية التنظيمية القائمة في الاردن.
والنهج المتبع، الاسلوب المتبع، هو الدعوة للتباحث والتشاور حول "موضوع وحدة الشيوعيين" في اجتماعات تعقد خصيصا لهذا الغرض. يدعى لهذه الاجتماعات التي يشارك فيها اعضاء من مختلف الاطر الشيوعية التنظيمية القائمة اليوم في الاردن، ورفاق آخرون خارج هذه الاطر، مع رفاق من قدامى الشيوعيين، وحتى انه يدعى اشخاص يساريون يرون اهمية وحدة الشيوعيين ويؤيدون سياسة الحزب.
وفي هذه الاجتماعات لا تجري المقازعة لنبش قبور الماضي، النقاش وعلى من تقع المسؤولية في الانقسامات والتشرذمات التي حصلت، فمعطيات الواقع المأساوي القائم والمرتقب تستدعي تجاوز النقاش البيزنطي الذي لن يقود الا الى الطريق المسدود والتركز حول لماذا من الاهمية بمكان وحدة الشيوعيين في ظروف معطيات واقع التطور والصراع في الوقت الحاضر والمرتقبة في المستقبل. لماذا من الاهمية بمكان انجاز وحدة الشيوعيين كلبنة اساسية في المعركة من اجل وحدة اليسار الاردني.
فعلى قاعدة مثل هذا النهج والتوجه السليم عقد في 19/3/2005 الاجتماع الموسع الاول لممثلين عن القوى المذكورة في مدينة عمّان صدر عنه بيان يؤكد على العمل من اجل وحدة الشيوعيين. وقد انبثق من الاجتماع تشكيل لجنة متابعة لذلك، كما عقد في 31/3/2005 اجتماع آخر في مدينة مأدبا حيث وجه المجتمعون نداء آخر الى جميع الشيوعيين اينما كانوا من اجل رص صفوفهم واستعادة وحدتهم. وفي اجتماع عقد في مدينة الكرك في الخامس عشر من شهر نيسان الماضي جرى تداول معمق وبروح المسؤولية العالية اعرب المجتمعون عن تأييدهم المطلق للعمل من اجل وحدة الشيوعيين الاردنيين، كذلك عبروا عن ضرورة العمل من اجل اطار اوسع لوحدة اليسار ولوضع اسس اكثر وضوحا، وعلى قاعدة من الدمقراطية لبناء وحدة الشيوعيين واليسار من جديد.
وتتوالى مثل هذه الاجتماعات واللقاءات في مختلف مدن وقرى ومحافظات الاردن.
وما نتمناه في نهاية المطاف، ان تكلل المساعي المبذولة لانجاز وحدة الشيوعيين الاردنيين بالنجاح، وان نستمع قريبا الى الخبر السعيد بتحقيق هذا الهدف، وما اقل الاخبار السارة في هذا الزمن الرديء المؤقت حتما.
#احمد_سعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟