أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عدنان اللبان - مفترق الطريق















المزيد.....

مفترق الطريق


عدنان اللبان

الحوار المتمدن-العدد: 4283 - 2013 / 11 / 22 - 11:47
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    



تمزقت القاعدة , وتشتت الرفاق , تجمعنا فوق الهضبة الصغيرة التي طالبنا بالصعود اليها قبل الهجوم , كنا نتجمع افرادا وأعدادا , ولا نعرف الآخرين الى اين توجهوا , لا نعرف عدد شهدائنا وجرحانا , كنا مستنزفين بعد ثلاثة ايام من الحصار والقتال والجوع والسهر . قبل الهجوم بيوميين اصيب فؤاد بالتهاب رئوي حاد ولم يحصل على دواء لعدم وجوده , مما دفع الرفيق بهاء وهو موظف صحي بمثابة دكتور للتذمر من تقصير المسؤولين بصوت مرتفع رغم كونه المعروف بهدوئه . كان الجميع يدرك ان القاعدة ساقطة عسكريا , ولكن لا احد من القيادة يستطيع ان يغير من وضعيتها , ولم نسمع من اي واحد من القيادات العسكرية والحزبية لم يقل أيضا ان القاعدة لا تصلح ان تكون مقرا . الا ان الجميع تحت سطوتها , اصبحت اشبه بالعاصمة للحزب , وللعاصمة هيبة ابعدت التفكير بالانتقال منها , وهذه الهيبة هي التي ستمنع الآخرين من مهاجمتها . الا ان الآخرين استسهلوا مهاجمتها لوضعها العسكري اولا , وهشاشة اسوار الهيبة تاليا .

تشكلت القاعدة في البداية من فصيلين , بشدر و شقولكا , ثم فصيل بولي ( الباء تحتها ثلاثة نقاط ) , وسرعان ما ظهر الانحياز بين الكوادر القديمة التي شارك البعض منها في قوات الانصار عام 1963 وبين الشباب الذين يلجون الحياة الريفية البدائية وصعوباتها في حياة الانصار , واغلب هذه الصعوبات البناء بالحجر او التحطيب وتقطيع الخشب او شد الاحمال على الحيوانات , والشباب مثار تعليقات ساخرة من قبل القدماء . ولكن سرعان ما تعلم الشباب وأخذت التعليقات الساخرة ( السايد الثاني ) ليس على متطلبات العيش والواجبات فقط , بل على الثقافة والفن والوعي الفكري والسياسي . كان اغلب الكوادر السياسية والعسكرية القديمة من ابناء المنطقة البسطاء , اي من جذور فلاحية اكثر مما هي جذور مدنية مثلما عند الشباب الذين كان اغلبهم من بغداد وباقي المحافظات , معلمين وموظفين وأطباء ومهندسين وطلاب جامعة , وهو ما دفع البعض لتفسيره ليس بين القديم والجديد , بل بين ابناء المنطقة من الاكراد وبين العرب القادمين من بغداد وباقي مدن العراق ( وكأن القادمين ليس بينهم اكراد والقيادات ليس بينهم عرب ) , وهو ما انعكس في بعض السلوكيات والتصرفات البائسة . ارادوا اضعاف تجمع الشباب في الفصائل عندما استحدثوا فصيل بيانا , ونقلوا اليه حسب تصورهم اغلب المشاكسين الغير مرغوب فيهم في باقي الفصائل , ووضعوا عليهم مسؤول سياسي موال لهم , وفي خلال ايام تحول فصيل بيانا الى الفصيل الانشط في بشتاشان ومسؤوله لقب بالرفيق قيطان , في النهار جهد وعمل شاق متواصل , وفي الليل اغاني ومقامات والرفيق هوبي اصبح كَبنجي القاعدة .

بشتاشان مفترق الطريق , ومنها بدأ العد التنازلي لحركة الانصار بعد ان هاجمنا بيشمركَة اليكيتي , وتمكنوا من ان يكونوا حاجزا بين حركة الانصار وقوات السلطة . الا ان بعض الرفاق كان يعتقد ان بوادر الانتكاسة كانت قبل الهجوم ,
وكانت الاعتراضات منذ البداية على عدم صلاحية بشتاشان العسكرية لتكون مقرا رئيسيا للحزب والأنصار الشيوعيين ,كانت القاعدة تضم ( المكتب السياسي للحزب , قيادة الانصار , مستشفى , مدرسة حزبية , الاعلام والإذاعة , مستودعات اسلحة وأرزاق ) . قبل الهجوم بيوميين شك ابو احلام بولي , وهو مسؤول المقر الذي يقع على اطراف بشتاشان بتحرك مريب لمفرزة كبيرة لليكيتي قادمة باتجاه الدخول الى بشتاشان , فمنعها , ووزع انصار المقر على نقاط المقاومة . حاولوا اقناعه بالمرور الا انه اصرّ على منعهم , وبعد عدة ساعات واتصالهم بقيادتهم التي اتصلت بقيادة الحزب , وصل التبليغ بالسماح لهم بالعبور . وفي مساء نفس اليوم ارسلت قيادة الحزب رفيق قيادي للالتقاء بالفصيل المشاكس بيانا لتوضيح الموقف واستطلاع آراء الفصيل , وكان الرأي الاوضح في الفصيل ان تحركات اليكيتي مشبوهة , وأكد رفاق بيانا على ضرورة الاستعجال بتحرك الرفاق الكبار في السن والقيادات والعوائل في التوجه الى هضبة صغيرة باتجاه قمة قنديل لا احد يستطيع الوصول اليها , ولا احد يعرف لماذا لم يتحرك احد الى يوم الهجوم , وربما اعتبروه تطيرا .

يقول فؤاد تجمع الكثيرون , كنا ثلاثة وسبعين نصيرا ونصيرة , كنا من مختلف الفصائل , مشتتين ولا توحدنا آلية تنظيم الوحدة الانصارية , وفي هذه الحالة تكون القيادة لأكبر مسؤول سياسي وهو الرفيق كريم احمد عضو المكتب السياسي والرفيق ابو سرباز عضو اللجنة المركزية . وكان امامنا طريقان , الاول عبور قنديل والنزول الى الجهة الاخرى التي تقابل الحدود الايرانية , والثاني هو النزول باتجاه عدة قرى متقاربة تعود لبيشمركَة اليكيتي قبل ان نعبر الطريق العام الى مقرنا الآخر في روست . ورغم ان الجميع يدرك ان عبور قنديل هو الاسلم لنا , وتحدث بعض الرفاق بذلك , الا ان الرفيق كريم احمد اصّر على اخذ الطريق الثاني , كان الإرهاق والجوع والسهر وضراوة القتال للأيام الثلاثة الماضية قد استنزف الجميع , وكان السبب الاساس في الاستجابة لقرار الرفيق كريم احمد . اندفع الجميع في النزول , وقد انزاح عنهم ثقل الحيرة بعد ان حدد لهم التوجه , كان الجميع يأملون بقسط من الراحة والطعام حتى وان من قرى الجلاليين ( اليكيتي ) , بعضنا لم يتناول الطعام منذ ثلاثة ايام , وكلما اقتربت اشكال البيوت كنا نشعر بالاطمئنان بأننا سنجد من يطعمنا , وبعضنا نسى ان البيوت تعود لمن هاجمونا . لم نجد احدا من الرجال في البيوت , كانت النساء والأطفال والشيوخ فقط , وقد ظن بعضهم اننا سننكل بهم انتقاما من الهجوم الغادر علينا , وبين التخوف والرغبة في دفعنا قدموا لنا العشاء بعد ان طبخوا عدة قدور من الرز والخبز واللبن وبعدها الشاي . يقول فؤاد بعض الرفاق قد استغرقوا في النوم فترة تحضير العشاء . كان بعض الشيوخ في هذه البيوت اخذ يهاجمنا بعبارات صريحة بعد ان اطمئنوا من سلامة نيتنا .

تناولنا طعامنا المغموس برغبة التخلص منا , واتجهنا الى بعض الخرائب خارج البيوت نتلمس بعض الراحة والدفء , لازلنا في الشهر الخامس ولا يزال الجو باردا في الليل , جمعنا بعض الحطب اليابس وتوزعنا في اكثر من خربة حول النيران التي اشعلناها , وبعد قليل تعالت السنة اللهب . دقائق وزخات الرصاص قد انهالت علينا , لذنا بجدران الحجر المقابلة لمصدر النيران , الرصاص لم ينقطع , اصبح مفردا وكلما يلمحون احدا على ضوء النار , كان الرصاص ينطلق من السفوح العالية , ويبدو ان الرجال الذين لم نجدهم في بيوتهم هم وراء هذا الكمين . الجلالييون جندوا كل طاقاتهم لإيقاع اكبر الخسائر بنا , لا اعرف من اين استمدوا هذا الحقد الاسود وهذا التصميم ؟! انسحبنا الى خارج الخرائب مستغلين خفوت اللهب وانتشار الظلام , لم تكن عندنا نقطة محددة نلتقي عندها , الشباب كانوا اسرع من الكبار في السن , ولا يوجد من الوقت الكافي لاستكمال تجمع الجميع , تحركنا باتجاه منحرف عن الخط الذي نزلنا فيه من قنديل , ورغم صعوبة الصعود الا انه كان ضروريا للتمويه وتشتيت توقعات الكمين .

في الصباح الباكر وجدنا انفسنا نسير على حافة احدى الهضبات وأمامنا احدى قمم قنديل , انتظرنا شروق الشمس لكي نحدد توجهنا عليه الى الجانب المواجه لإيران , احصينا مفرزتنا فكانت سبعة وثلاثين وبيننا عدة رفيقات , وأدركنا ان باقي المفرزة اخذت الطريق الذي حدده الرفيق كريم احمد الى مقر روست . شخص اثنان من الرفاق الضباط لقيادة المفرزة , وشخص خمسة من انشط الرفاق لتكون مفرزة استطلاع تسبق المفرزة بنصف ساعة لتحديد الطريق النازل الى الجهة الايرانية , وتنبيه المفرزة ان حصل تصادم مع الجلاليين او اعداء آخرين . ورغم الجهد الذي رافق مسيرة الليل الطويل الا اننا تجاوزنا نيران الكمين , ومشاهدتنا لقمة قنديل منحنا الشعور بالانفراج , وشحذ هممنا رغم الجوع والإرهاق والسهر المتواصل لثلاثة ايام بلياليها , لم يبق امامنا غير هذه القمة وسننزل على قرى ربما ستكون ايرانية , لا احد يعرف , ولكن سنحصل على الطعام , سنحصل على مساعدة نحن في امس الحاجة اليها . احد رفاق مفرزة الاستطلاع كان يقف على صخرة كبيرة مرتفعة , رأيناه قرب القمة يؤشر على ان نستعجل , وهو ما طمئننا وحثنا على الاسراع في الصعود , وبعد اكثر من ساعة وصلنا الصخرة التي كان يقف عليها , لنكتشف ان خلفها قمة اعلى بكثير وقد غطتها الثلوج , ورغم ان الجميع يعرف ان كردستان هكذا, قمة خلف قمة , الا ان الخيبة التي تشبعت بكل آلام الايام الماضية والغدر الذي تعرضنا له جعل منها تتخذ اشكال شتى . اشتدت آلام الجوع والعطش , الجميع يبحث عن بحاريث الخبز المتكسرة في جيوب الشراويل , رفاق جلسوا وليس لديهم السيطرة على ارادتهم بمواصلة المسير , الجميع بحاجة الى استراحة . وجدنا مجموعة لا بأس بها من نبات الريواز , وهو نبات طبيعي لا يمتلك ساق بل عضود كبيرة تحمل اوراق دائرية كبيرة مشعرة , كانت العضود تقشر وتؤكل طرية او مسلوقة وهي حامضية الطعم , اخذنا نلتهمها دون تقشير , والبعض لا يفرق بين العضد والورقة فيلتهمهما سوية رغم تفاهة طعم الورقة وخشونتها . حموضة الريواز تركت آثارا سلبية على معد وأمعاء الكثير من الرفاق , الارهاق سلب اغلب احساس حواسنا , والتبلد الذي سيطر علينا خفف الاحساس بهذه الآلام . كنا ندرك ان لا طريق عندنا غير مواصلة الطريق نحو القمة , الاستراحة رغم قصرها منحتنا بعض الطاقة , النزول ساعدنا في استعادة بعض همتنا , رغم اننا نعرف ان امامنا صعود هذه القمة الثلجية المخيفة , استعجلنا الوصول لعين ماء في الوادي الذي علينا اجتيازه , شربنا , وملئنا زمزمياتنا , وواصلنا المسير . كنا نسير آليا , ولا احد يتحدث مع الآخر , الكل مشغول باستنزافه وعن ماذا نتحدث ؟ السماء تتلبد بالغيوم , والريح اخذت تشتد , الشمس اختفت خلف القمة التي عبرناها , الريح كانت مشبعة ببرودة الجليد الذي اخذنا نسير عليه في مساحات متقطعة , وسرعان ما اصبحت مساحة واحدة . كنت اشعر ان اغلب الرفاق سيطرت عليهم فكرة كيفية انقاذ المفرزة , وهو ما دفع البعض لعرض مساعدة هو لا يقدر على تقديمها , والآخرين يتشكرون رغم حاجتهم اليها , وهو ما ساعدهم في التحايل على هذا التحمل الغير معقول . الا ان التفكير بالذات يجسم الصعوبات اكثر , ويدفع لليأس , وهو ما دفع احد الرفاق للتمني بصوت مسموع " لو كنا في مفرزة الرفيق كريم احمد لما تعرضنا لهذا العذاب " , وبعد قليل طرح فكرة : لماذا لم نسّلم ؟ وظل شبح اتهام الآخرين له بالضعف يطارده لحد الآن , رغم ان الجميع يعرفون في اي ظرف نفسي قيلت .

وجدنا بعض الصخور الكبيرة المغطاة بالثلوج , والتي كونت تحتها حسب ارتكازاتها مساحات يابسة اشبه بالشكوتات ( كهوف ) , ورغم ان النهار لم يشارف على نهايته , الا انها فرصة لقضاء الليلة تحتها بعد ان استنزفت طاقتنا بالكامل , ويكاد ان يكون المكان الوحيد الذي وجدناه طيلة اليوم يمكن الاستراحة فيه . الغيوم لا تزال تحجب السماء , والرياح اشتدت , والأصوات التي تحدثها بانكسارات الصخور تزيد الرهبة والوحشة . نقاط سوداء على السفح القريب المقابل لنا , اخذت تتوضح رغم غشاوة الجو وسرعة الرياح وصفيرها , وأحاسيسنا الرهينة للجوع كانت تكبر بسرعة , انها حيوانات , استمرت في سرعتها وتوقفت بوقت واحد كأنه ايعاز , استطعنا تمييزها , كانت سبعة او ثمانية ذئاب , توقفت بحالة الاستعداد , وترت آذانها , الجوع زاد من وحشية هيأتها , احد الرفاق سحب اقسام البندقية , اوقفه عن الاطلاق رفيق بجانبه , واخبره : لتتقدم اكثر , خوش عشه . تقدمت بخطى ثابتة لعدة امتار , توقفت , نظرت الينا جيدا , استدارت بسرعة وركضت مسافة قصيرة , توقفت واستدارت لترانا مرة اخرى , يبدو انها حدست اننا اكثر جوعا , الرفيق الذي سحب الاقسام اراد ان يصيب واحدا على الاقل , الا انها استدارت وهربت قبل ان تصل الطلقة اليها , واشتد الرصاص دون اصابة احد منها .

هبط الظلام بسرعة , وانتشر سواد كثيف , لا نجمة في السماء , ولم نعد نشاهد ابعد من اجسادنا , سواد مخيف , ونباح الريح الذي اخذ يرتفع وكأنه آلاف الذئاب , لفنا الصمت بالكامل , احد الرفاق اراد تمزيق العمق السحيق للوحشة فاعتقد انه يرى ضوءا بعيدا يهتز , وفسره انها يمكن ان تكون اضواء حاج عمران , لم يجبه احد حتى لو قال انها اضواء بغداد . انطوينا على انفسنا بعدتنا وسلاحنا , كل واحد يبحث عن الوضعية الملائمة ليدثر نفسه بها , ويوفر بعض الدفء ليأخذ غفوة صغيرة , ويعود لإيجاد وضعية اخرى يلم نفسه بها . كان البرد قاسيا وقد شخص مسؤولا المفرزة بعض الرفاق للتواجد عند طرفي مخبئنا لتبادل الحراسة , ولا احد اعترض من الانهاك او تواصل مع الحراسة . كان الذهاب للتبول شاقا رغم ان الريح قد خفت صوتها قليلا , كان الخوف بين اغفاءة وأخرى هو كيفية مواجهة الريح في الصباح ونحن نصعد بعكسها ؟ الريح اخذت تهدأ وصفيرها لم يعد يسمع عندما طلب منا الرفاق النهوض , واخبرونا ان رفاق مفرزة الاستطلاع قد ذهبت , وهي تسبقنا بنصف ساعة , نلتحق بها , ثم تواصل السير ونحن نسترح , وهكذا . نهضنا , ورغم كل عذابات الليلة الماضية شعرنا ببعض الحيوية , اندفعنا في أثر طريق رفاق الاستطلاع , احشائنا جافة وبات حتى الماء الذي شربنا قطرات منه نشعر به يلامس كل خلايا مروره , احساسنا بالجوع اخف وطأة , وكلما شعرنا اننا قريبين من القمة ازداد املنا , وليس من المعقول ان تكون قمة اخرى تنتظرنا , اصبح هذا الاعتقاد يقينا , ولا يقين غيره , وهو ما منحنا الطاقة .

فتح فؤاد عينيه , وغمامة لم تزل تحجب رؤيته , لم يدرك انه بين رفاق يحتضنونه ويدلكون يديه ورجليه وينقلون حرارة اجسادهم اليه , كان من بين مفرزة الاستطلاع , فتح عينيه مرة اخرى , ولا يزال لم يتمكن من السيطرة على حواسه وأعضاء جسمه , ولكنه اشاع الامل بمعالجيه , تجمدت بعض قطرات الدم على شفته التي تورمت وتشققت , ومحجر عينيه تورم ايضا وارتفع اعلى من الحاجب , وشك احد الرفاق بعدم استطاعته رفع الحاجب بسبب ثقل الورم . سأل بخفوت : شنو السالفة ؟
اجابه احد الرفاق بعد ان هنأه على السلامة : انهم وجدوه مدفون في الثلج , ولولا وجود الكلبة التي لم تتركه وأخذت تدور حوله لكان من الصعوبة العثور عليه .
اخبرني فؤاد , بانه لم يعرف لأي فصيل تعود تلك الكلبة , ولكنها لم تتركنا طيلة المعركة , ولازمتنا منذ خروجنا من بشتاشان الى الآن , وحتى عندما اصبحنا مفرزة استطلاع ظلت تلازمنا رغم انني لم اكن على علاقة طيبة معها . كان فؤاد قد مرض قبل الهجوم في التهاب القصبات الذي انهكه , وقد تأخر قليلا عن مفرزة الاستطلاع , وسقط في حفرة واسعة لم يتبينها وسط الثلج كانت على احد جوانب الطريق الذي اتخذوه للاستطلاع .

وصلنا القمة , انكشفت امامنا وديان تعج بالخضار , ورأينا على مسافة ليست بالقريبة بعض الرشمالات ( بيوت شعر ) لرعاة , ولا نعرف هل انها ارض عراقية ام ايرانية , المهم اعادت لنا الشعور بإنسانيتنا بعد انقطاع اليوميين الاخيرين , مفرزة الاستطلاع قد سبقتنا باتجاه الرشمالات . رحنا نستعجل النزول , استقبلونا , رحبوا بنا , لم تكن حالتنا تسمح حتى بالابتشاش في وجوههم بعد يومي المعارك ثم الكمين وانقطاع اليومين الاخيرين في متاهة قنديل . لم نسترجع لياقة حواسنا وبالذات عيوننا , لا يزال الجمود يسيطر عليها , ويلفنا السكوت , لم نسترجع تواصل احساسنا بمحيطنا الا بعد ان اخذنا قسطا من الراحة وتناولنا الغداء , ومن الغريب ان اغلبنا لم يتناول من الطعام الا القليل , وكان الشاي قد اذهلنا بسرعة اعادة الاحساس بحواسنا . اخذنا صمت جديد , ولكن ليس صمت الذهول , بل لتحسس وجودنا واستعادت تواصلنا وتقديم الشكر للرعاة حتى ولو بابتسامات لا تزال مشوهة . نسينا ان بعضنا يمتلك الراديو , وفتحت ثلاثة اجهزة في آن واحد , ودارت المؤشرات لالتقاط اذاعات احزاب المعارضة , فقد دمرت اذاعتنا بالكامل . اذاعة الجلاليين كانت تهلل للبيان المشترك بين الحزبين ( الصديقين ) الحزب الشيوعي العراقي والاتحاد الوطني الكردستاني, البيان الذي يدعو لإيقاف القتال وعودة المياه الى مجاريها , والتأكيد على وحدة الطريق المشترك لفصائل المعارضة العراقية , وان جبهة ( جوقد ) هي الابنة الشرعية لشهداء وضحايا الطرفين , والبيان موقع من قبل الرفيقين كريم احمد عضو المكتب السياسي وابو سرباز عضو اللجنة المركزية عن الحزب الشيوعي العراقي , وهم الآن ضيفين في المقر العام لجلال الطالباني .

لم ندرك ما جرى , لفنا هذه المرة صمت القبور . ولم يطل بنا الحال , فقد عرفنا ان كريم احمد وأبو سرباز اسرى من قبل الييكتي مع مجموعة من الرفاق الذين تم اعدام قسما منهم لكونهم عربا , وما تبقى من الستة والثلاثين الذين انفصلنا عنهم قد تمت تصفيتهم من قبل الجلاليين بعد انفرادهم بهم بين قرى الجلاليين قبل ان يتمكنوا من عبور الشارع الى مقرنا في روست .



#عدنان_اللبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كانه بي
- الشربة حمودي
- شهداء في قارعة الطريق
- وقائع كان يمكن ان لا تكون
- دعوة انصارية
- مسرحيون في ذاكرة النضال ضد الفاشية
- آلام كان يمكن تجنبها
- أوميد
- أم علي والحلم المغدور
- بين عزيزين
- علي خليفة وأبنائه الشهداءاحد معالم النضال الوطني
- ذكريات لها رائحة الورد( يحيى عزيز الحميدي )
- في قلب الحدث
- احتفال انصاري
- عندما سمعنا ان النظام آيل للسقوط
- بين سنوات الجمر ونابليون بونابرت
- كان شهيدا وهو في عز الشباب
- بعد ربع قرن-رأي في حركة الانصار الشيوعيين( 2 )
- بعد ربع قرن - رأي في حركة الأنصار الشيوعيين


المزيد.....




- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - عدنان اللبان - مفترق الطريق