أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عدنان اللبان - عندما سمعنا ان النظام آيل للسقوط















المزيد.....

عندما سمعنا ان النظام آيل للسقوط


عدنان اللبان

الحوار المتمدن-العدد: 3940 - 2012 / 12 / 13 - 14:22
المحور: سيرة ذاتية
    




" كرجال " وادي حجري شمال بيارة وطويلة في محافظة السليمانية , يتوسطه طريق لا يكفي في بعض مواقعه الا لعبور شخص واحد , ينحدر الطريق الى اعالي مصيف وشلال " احمد آوه " . كانت تتوزع عل جانبيه مقرات الانصار الشيوعيين والحزب الديمقراطي الكردستاني . وبعكس التوجه لأحمد آوه يصعد الطريق الى الجبل الذي عليه الدعامات الحدودية وينزل الى مدينة " مريوان " الايرانية . الجيش العراقي الى اليمين والإيراني على اليسار , وعندما يتم تبادل اطلاق النار بين الطرفين في المدفعية فان الكثير من القنابل تسقط في ارض الحرام " وادي كرجال " . وفي الطريق النازل الى قرية احمد آوه بين اشجار المصيف , توجد منطقة لا تتجاوز الخمسين مترا مكشوفة لربايا الجيش العراقي وهي الاصعب في الاجتياز للوصول الى القرية , وهي مرصودة طيلة النهار , وسقط فيها شهداء وجرحى .

كان للحزب الشيوعي موقعين في كرجال , الاول مقر قاطع السليمانية وكركوك ويتبع له ثلاثة افواج , الفوج التاسع ومقره " باني شهر " ويشرف على قضاء سيد صادق ومركز المحافظة وبعض مناطق سهل شهرزور وعنده ثلاث سرايا وفصيل مقر , والفوج الخامس عشر ومقره قريب من " دربندي خان " ومناطق عمله تصل الى ديالى , والفوج السابع ومقره في كرجال ايضا قريبا من القاطع ومناطق عمله حلبجة وما جاورها وبعض مناطق شهرزور .

كنا مجموعة انصار تربطنا صداقة متينة نتوزع بين القاطع والفوج السابع , دعانا الرفيق كاوه لحفلة صغيرة بمناسبة استلامه مبلغ جيد من اهله عن طريق احد المعارف , ليعينه على الخروج وإكمال دراسته في الفلسفة الالمانية التي يعشقها . كاوه من اهل البصرة , التحق بنا مؤخرا , اسمر طويل , خريج جامعة البصرة قسم الفلسفة , ودون الثلاثين .

اخترنا مكان يليق بترف هذه الدعوة , وكان بجانب شلال احمد آوه الذي يدفع بمائه من علو ثلاثين مترا الى وسط غابة من الفواكه تقع في نهايتها قرية احمد آوه . كان الحزب قد رفع مساعدتنا من خمسة الى عشرة دنانير شهريا كمصرف شخصي للنصير , وهي لا تكاد تكفي سكائر للمدخنين , ودعوة كاوه لها وزنها , ولا تتحمل اي تقصير في تحضير مستلزماتها بشكل دقيق , خاصة وان الحزب قد منع المشروبات الكحولية بشكل مطلق .

كنا اربعة مع كاوه لشراء مستلزمات الدعوة من القرية , يتقدمنا فاخر " ملازم علي " آمر سرية حلبجة في الفوج السابع , وتم انتخابه آمر للسرية من قبل الرفاق الاكراد وهو العربي الوحيد بينهم , لما يتمتع به من جرأة , وتخطيط عسكري ارعب السلطة وجحوشها في السليمانية , وكانت مفارز الجحوش تتحاشى الاصطدام بسريته وهم في عز قوتهم , ووضعوا جائزة كبيرة لمن يستطيع قتله او الايقاع به . الاثنان الآخران كانا من اشد المتضررين عندما نمر بجانب محل للحلويات , وتتثاقل خطواتهم حالما يشاهدان صواني البقلاوة .
احدهم ابو مناف اقترح على كاوه : البقلاوة طيبة بعد الشرب .
كاوه : لا بالعكس , الحلاه بعد الشرب تسبب التقيؤ .
اكمل ستار: يا رفيق هو عاجبه بقلاوة , وأنت صاحب الدعوة .
كاوه : آني على موده , اخاف يتقيأ ونصير فضيحة .
ستار بعصبية : العن ابو موده , آني راح اشتر يله .
كاوه لم يحرك ساكنا , ستار التفت الى ابو مناف واشر له بيده ( ماكو فائده ) .
ابو مناف كان مسئول قوة مقر قاطع السليمانية , نزل الى الداخل مع زوجته للعمل في اعادة تنظيم الداخل والقي القبض عليهم , وأنجبا ابنهم البكر في السجن , قضيا فترة طويلة في زنزانات انتظار الاعدام , وأطلق سرحهما نتيجة وساطة احد الشيوخ التكارتة الكبار . وستار خريج الجامعة التكنولوجية , بنى له فرن صمون في الفوج السابع يجهز به الفوج بدل الخبز يوميا , يدعي انه لا يسمع بسبب انفجار قذيفة هاون قربه مزقت طبلة اذنه , ولكنه يسمع صراخ النمل كما يقول ( المثل العراقي ) , ولا يسمع الا ما يرغب بسماعه , ويتكلم العربي والكردي والفارسي والانكليزي بطلاقة .

كاوه كان كريما , وابتاع كل ما نحتاج اليه , وقد اشترى كيلو ( لقم ) بدل البقلاوة التي اعيد فتح موضوعها . اخذنا نتسلى باللقم ونحن نتوجه الى المكان المتفق عليه لإحياء احتفالنا البسيط بجانب الشلال . سرعان ما وصلنا ووجدنا في انتظارنا سلام ومنير , جمعنا حطب يابس لايقاد النار , وعملنا اسياخ من اغصان رفيعة اقتطعناها من الاشجار لشي قطع الدجاج , الكل يعمل بهمة , ولم تمضي ربع ساعة حتى اكتمل كل شئ , وأخذت الكؤوس تدور , وكلمات المجاملة تلطف الجو وتحث للتحدث عن الرغبات والآمال , وإعادة كشف بعض ( الاسرار ) المكشوفة اصلا وإعطائها اهمية اكثر بسبب تأثير شرب بعض الكؤوس . كان العرفان يفيض من الكلام , خاصة لكاوه وموقفه النبيل بهذه الدعوة , وشرح ابو مناف لسلام ومنير حجم المبلغ الذي صرفه العزيز كاوه , وكاوه اخذ يبالغ بالأريحية والبرمكلغية , ويشعر بامتلاء جربته اكثر من الآخرين .

كانت حفلتنا هذه في نهاية نيسان عام 1984 , والجو في المصيف في احسن حالاته , واكتمل تفتح البراعم والزهور , ورائحة تدفق الحياة تملئ الوجدان بالوجود . تذكرنا آلام ومآسي ضربة البعث للحزب وقد مضى عليها خمسة سنوات , واخذ البعض يصف معاناته في وقتها , وكيفية تخلصه من تلك الكوابيس الجهنمية ووصوله الى كردستان . كانت قصة سلام اكثر ايلاما من الآخرين , حيث القي القبض عليه ومعه اثنان من رفاقه وهم في طريقهم الى السليمانية , واودعوا في الامن العامة لعدة اشهر , ذاقوا خلالها مختلف صنوف التعذيب , وبعد اصرارهم على انهم كانوا في سفرة اعتيادية الى السليمانية اطلق سراحهم . وأعادوا الكرة ثانية , ونجحت هذه المرّة .

كان منير مولعا بالسيارات , وكان مع شقيقه قبل ضربة الحزب في عام 1978 يملك معرضا للسيارات في الاعظمية . كان حاله كحال الآخرين , يعتقد ان وجودنا في الانصار مسألة وقتية وقصيرة , ولا بد ان ينتهي صدام بأسرع وقت . خاصة وان خسائر جيشه مع الجيش الايراني اخذت بالازدياد , وحدثت عدة انهيارات كان اهمها انهيار جبهة العمارة ( الشوش ) , والهروب المخزي لجيش صدام حتى دخوله ( الفكة ) العراقية المقابلة لمدينة العمارة . كان للشرب تأثيره في زيادة مناسيب الرغبة في سقوط صدام .
ستار : تدرون يا جماعة , آني سمعت ان النظام آيل للسقوط .
وتخيل منير ان يذاع الآن نبأ هذا السقوط , وما علينا الا ان نذهب الى احمد آوه ونركب سيارة لاندروفر الى حلبجة , ومنها نأخذ سيارة تويوتا موديل 80 حديثة , ويؤكد منير انه خلال ثلاثة ساعات سنكون في بغداد .

سلام يبدو عليه انه كان صاحيا , ومن طريقة كلامه ناقش الصعوبات بكل جدية , واعترض على منير كون السيارة لا تحمل الا ستة راكبين حشك ونحن سبعة , فكيف سيحل هذا الاشكال ؟! وأصر سلام على ان لا يذهب الى بغداد بدون حل هذه المشكلة , وزاد من تعنته بان رفض الركوب حتى في اللاندروفر من احمد آوه .
ابو مناف توسل اليه , وحاول اقناعه بأننا عندما نصل الى حلبجة يمكن ان نتوزع على سيارتين , المهم بس اركب هسه .
سلام رفض هذا الحل بعصبية .
منير ابتسم وقال : بسيطة أني احلها , بس اصعد هسه ويانه .
سلام : والله ما اصعد اذا ما تكَلي شنو الحل ؟
منير : بسيطة نصعد احنه الستة , ونعوف كاوه ياخذ تكسي وحده لان عنده فلوس .
كانت كلمات منير اشبه بالزيت المغلي وسكب على راس كاوه , وقف واخذ يرتعد ويتألم , والكلمات تتصادم عند اندفاعها منه : حقراء , تفهه , جنت اعرف انتوا متفقين تعوفوني وحدي بالكراج , عرفت من ستار غمز لسلام , العتب مو عليكم , على اللي عزمكم .
منير : على كيفك , عمي تعرف انت تسوق وآني اركب بالصندوك , تعرف انت تسوق جاوبني ؟
كاوه وقد فقد اعصابه : انت كلش زين تعرف آني ما اسوق .
وقف فاخر وقبله : ولا يهمك آني انتظر وانت اصعد , بس لا تصير عصبي .
دفع فاخر بعصبية وقال : انت ما تختلف عنهم .
اخذ سلاحه من على الارض وذهب الى المقر .
في اليوم الثاني سألني بخجل : ها اشو ما رحتوا ؟
اجبته : احنه ما نروح اذا مو انت ويانه .
فقال : اغسلوا اديكم , بعد كل عزيمة ماكو .



#عدنان_اللبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين سنوات الجمر ونابليون بونابرت
- كان شهيدا وهو في عز الشباب
- بعد ربع قرن-رأي في حركة الانصار الشيوعيين( 2 )
- بعد ربع قرن - رأي في حركة الأنصار الشيوعيين


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عدنان اللبان - عندما سمعنا ان النظام آيل للسقوط