أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عفيف رحمة - إعادة بناء الدولة السورية (1)















المزيد.....

إعادة بناء الدولة السورية (1)


عفيف رحمة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 4282 - 2013 / 11 / 21 - 22:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إستثنائية الدولة السورية
في ظل الإختبار التاريخي الذي يمر به الشعب السوري تتعرض قيمنا الثقافية والسياسية التي نعرف بها وجودنا الوطني للنقد والتشكيك، أولى هذه القضايا قضية توصيف هوية الدولة السورية ومحدداتها، فهل الدولة السورية في أزمة أم أن الأزمة هي نتاج لغياب الدولة أو عدم اكتمال مكوناتها.
لقد أظهرت أحداث العنف والقمع والإرهاب التي يتعرض لها الإنسان القاطن في هذه الرقعة الجغرافية الشرق أوسطية أنه يعيش في دولة بهوية غير ناضجة، لا تتوافق محدداتها مع المسار الطبيعي لتشكل كيان الدولة بوصفها الإطار المدني والقانوني والحقوقي للأفراد وتجمعاتهم المدنية.
ما تقدمه الدلائل التاريخية أن الدولة السورية الحديثة لم تستكمل بعد المكونات السياسية والإقتصادية والإجتماعية للأمم، فهوية سوريا تحددت سياسياً ضمن ظرفين استثنائيين، الأول يبدأ مع انتهاء المرحلة القبلية وبداية التشكل المبكر للإمبرطوريات وانتهاء بسقوط الخلافة العثمانية، حيث لم يعرف السورييون دولتهم الخاصة التي ينتمون إليها بل كانوا خلال تاريخهم الطويل رعايا موزعين في تقسيمات إدارية تتبدل مداً وجذراً وفق مصالح السلطة الحاكمة.
آخر شكل عرفته سوريا وعرفت به ولاية دمشق (أو ولاية سوريا)، أحد ولايات بلاد الشام بتقسيماتها السياسية والإدارية الأربع (حلب، دمشق (سوريا)، طرابلس وصيدا) الموروثة في بداية القرن السادس عشر من العهد المملوكي.
اما الظرف الثاني فتمثل بمعاهدة سايكس بيكو وما ترتب عنها من توزيع للإرث العثماني بين فرنسا وبريطانيا حيث تشكل بموجبها الكيان السوري الجديد. كيان سياسي وإداري حمل في تكوينه كل التناقضات الإجتماعية والنزاعات الإقتصادي بين النخب من الأعيان والعائلات التقليدية التي هيمنت على الحياة السياسية والإقتصادية في فترة الحكم العثماني.
الدولة السورية الجديدة لم تكن إذن إلا ثمرة حمل مصطنع وولادة قيصرية مبكرة ومتعثرة زادت من آلامها ما شهده السورييون الجدد من صراعات سياسية بين قياداتهم المدمجة قصراً رغم تناقض مصالحها الإقتصادية والسياسية في هذا المكون السياسي الجديد.
في ظل هذه الدولة الوليدة وبعد تحررها من الحكم العثماني ودخولها في عهد الوصاية الغربية مرت سوريا بمرحلتين سياسيتين لم تعطي زعاماتها و قادتها كثير الأهمية لإستكمال بناء دولتهم التي يبدو أنهم لم يشعروا بعمق انتمائهم التاريخي بها، إما لأسباب إثنية أو دينية أو طبقية أو إجتماعية.
مرحلة الحركة الوطنية بنظامها السياسي وديمقراطيتها الغضة وأحزابها التي لم تكن تمثل سوى مصالح الوجهاء والعائلات التقليدية بتناقضاتهم الإقتصادية والإجتماعية والسياسية الموروثة تاريخياً من مرحلة الولايات العثمانية. مرحلة توزعت فيها إرتباطات رجالاتها بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية، كمحصلة لانفتاحهم على الغرب، بعد خروجهم من العبائة العثمانية، وذلك من بوابة مصالحهم التجارية والمالية أو من نافذة علاقاتهم الثقافية والعلمية التي ترسخت بهذه الدول بحكم متابعة قسم منهم تأهيلهم العلمي فيها.
تميزت خصوصية هذه المرحلة بالبرامج الإجتماعية والإقتصادية التي اعتمدتها الكتل السياسية والتي لا يمكن أن نشكك في زمنها بوطنيتها، لكن ما لا يمكن تجاهله عدم إعطائها الأولويات السياسية والإقتصادية اللازمة لترسيخ إستقلالية دولتهم الجديدة وعدم الفصل بين مصالحهم الخاصة والمصلحة الوطنية، حيث رضيت زعاماتها في سياق برامجها ومشاريعها السياسية ربط بناء الدولة السورية بمشاريع غير منفصلة عن المشاريع الإقليمية التي سعت إليها دول الجوار أو المشاريع الدولية التي سعت إليها الدول الإستعمارية.
على أعقاب هذه المرحلة التاريخية ظهرت قوى سياسية جديدة وضعت الأحزاب الوطنية التقليدية موضع شك أو تخوين، وتقدمت على أنها البديل القادر على قيادة عجلة العمل السياسي.
قوى سياسية نشأ قادتها الأوائل في صفوف القوات الخاصة من جيش المشرق فحملت معها الإستثنائية والعسكرة والشغف بالسلطة، لتجر الدولة الفتية بشكل مبكر نحو مشاريع إقليمية سلطوية قومية، جاعلة إحدى زرائعها رفضها لشروط تشكل الدولة الجديدة ومحدداتها، لتزيد بعملها السياسي-العسكري من إغتراب هذه الدولة الفتية وتأخير استكمال مقوماتها الوطنية، وما نشهده اليوم من صراعات ليست إلا ثمرة هذا النهج الذي تأسس عام 1949 مع أول إنقلاب عسكري على الحياة المدنية والسياسية بديمقراطيتها الغضة غير الناضجة.
مجمل هذه الظروف التي رافقت نشأة الدولة السورية لم تخلو من صراعات شكلت ضغوطاً على استكمال بناء الدولة ومقوماتها السياسية والإقتصادية، ففي الفترة الأولى وفي ظل الإنتداب جرى الصراع بين اصدقاء النظام الكمالي العلماني من ناحية وأنصار العروبة بقيادة الأسرة الهاشمية، و في مرحلة ما بعد الإنتداب جرى الصراع بين أبناء المناطق الزراعية وابناء برجوازية المدن الصناعية، أو كما يحلو للبعض وصفه بالصراع بين الريف والمدينة وبين الجبل والمدينة .
هذه الولادة القيصرية للدولة السورية الجديدة دفع قادتها التقليديين والثوريين على حد سواء للبحث عن مرجعية وجدوها في الدول الغربية التي لم يكن من مصلحتها سوى تأجيج الصراعات بين المكونات السياسية التي أفرزتها معاهدة سايكس بيكو عبر مشاريع وتحالفات إقتصادية أو عسكرية منحازة.
سلوك قيادات الدولة الوليدة لا يفسر بغير هشاشة تكوينهم الوطني نتيجة لسياسة الدولة العثمانية التي الغت الهويات الإجتماعية والإقتصادية المحلية و حاربت الهويات القومية وإستبدلتها بهوية الخلافة العثمانية.
مع تنامي عسكرة الدولة تعزز وتطور دور الحركات السياسية حاملة المشروع القومي، السوري أو العربي، حيث وجدت أن الدولة السورية بحدودها المرسومة في معاهدة سايكس بيكو لا تتوافق مع نظريتها القومية منطلقين بفلسفتهم من حالة افتراضية غير منظورة مادياً و تاريخياً.
ذلك أن هذه الأمم المقترحة لم تكن سوى فكرة سديمية تفاوتت بمقوماتها وفق الرؤية الفلسفية التي انطلق منها منظروها، وقد تباينت بين الأمة السورية إلى أمة بلاد الشام الفيصلية إلى الأمة العربية الهاشمية من شمال سوريا إلى جنوب اليمن إلى أمة القوميين العرب من المحيط إلى الخليج.
في محاولة خلق هذه الأمم ظهرت مشاريع عدة، حمل راية كل منها فريق سياسي لم يتوانى عن التحالف مع القوى الخارجية(إقليمية أو دولية) ليفوز بصراعه مع المشاريع الأخرى؛ في جميع هذه المشاريع استثمرت القضية الفلسطينية كقضية مركزية تأطر حولها المشروع القومي، سوريا الكبرى، الهلال الخصيب، دولة بلاد الشام الفيصلية، الدولة العربية، الأمة العربية....
بترسيخ هذا النهج من العسكرة زادت الحركات السياسية من استلاب الدولة ومن اسلاب هويتها المدنية، عبر سلسلة من الإنقلابات والمشاريع التي قادها العسكر، بدءاً من المشاريع القومية لحسني الزعيم وسامي الحناوي وأديب الشيشكلي إلى مشروع الوحدة السورية المصرية بمسعى من الحوراني وعفلق ثم الإنفصال الذي تبعه جملة من الصراعات العسكرية السياسية التي دارت بين البعثيين والوحدويين الناصريين ثم الصراعات البعثية-البعثية إنتهاء بالحركة التصحيحية التي امتدت مفاعيلها حتى يومنا هذا.
في جميع هذه المراحل السياسية اتسم الصراع على السلطة بالطابع العنفي العسكري والقمع والإغتيال السياسي،ممارسات لم تفعل سوى تعزيز إغتراب الإنسان في دولته وتعميق ازماته الإجتماعية والإقتصادية.
بعد المعاناة الطويلة التي رافقت ولادة الدولة السورية الجديدة وفي إطار السياسات الأمنية الخاصة التي مورست خلال العقود الأربع الأخيرة دخلت سوريا في مرحلة استقرار سياسي أمني, غير أن هذا الإستقرار لم يكن سوى الجمر تحت الرماد، حيث مورست بإرادة سياسية أمنية تصوير الواقع السوري بغير حقيقته، داخلياً وخارجياً.
القمع الفكري والسياسي، الإستئثار بالسلطة، غياب الشفافية، الإستئثار بالمؤسسات الإقتصادية والثقافية، الهيمنة على المراكز المالية، الهيمنةعلى الحركة الإقتصادية، تنامي الفساد وتحوله لمنظومة متكاملة تعيش في ظل منظومة الدولة وتؤثر بقراراتها.
ضمن هذا الواقع السياسي الإستثنائي لسوريا تم تسخير كل المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لصناعة صورة إعلامية تلمع نظامها السياسي وتبرر ما وصل إليه المجتمع من تراجع في التنمية البشرية، تخلف المناهج التربوية والتعليمية، تنامي الأمية، زيادة معدلات البطالة، هجرة الأدمغة والكفاءات، تراجع في دور المرأة وتناقص في حجم قوة العمل، تراجع القطاع الزراعي، إستئثار بعض النخب المقربة من السلطة بإقتصاديات البلاد، تزايد الفجوة بين الفقراء والأغنياء، .... مقدمات كافية لإنتاج أزمة وطنية في مجتمع لم تتطور دولته وفق القوانين الموضوعية للمجتمعات، ولم يجد فترة استقرار كافية لإستكمال مقوماتها ومحدداتها السياسية والإقتصادية.
لقد بات واضحاً أن الظروف التاريخية والشروط السياسية التي مرت بها الدولة السورية لم تسمح لها باستكمال هويتها الدستورية ومقوماتها الإقتصادية والإجتماعية كما لم تسمح لها بتطوير محركاتها السياسية من أحزاب وجمعيات وتنظيمات المجتمع المدني.
وإذا انطلقت السلطات المتعاقبة بتنظيماتها السياسية من مشاريع سديمية حيث إعتبرت فرضياتها القومية وكأنها حقائق ومسلمات مطلقة فإن التجربة الإستثنائية التي مرت بها سوريا خلال العقود الثمان الماضية تحتم علينا المراجعة الموضوعية لهذه الفرضيات لتنتقل النظرية السياسية من المسلمة القومية إلى الطموح الوطني الذي يبدأ من إعادة بناء الدولة السورية الحديثة ومؤسساتها الدستورية التي تكفل للديمقراطية السياسية بأن ترسم محددات الدولة الإقتصادية والإجتماعية وفق ما يراه الشعب السوري مناسباً.



#عفيف_رحمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسيحيون وربيع العرب
- المقاومة والممانعة شركة مساهمة محدودة
- من فضاء الفساد السياسي إلى فضاء الوطنية السياسية
- سقوط أحزاب الأمم
- المؤشرات المبكرة للأزمة السورية
- معلولا اللغز السياسي والعسكري
- شيوعيو سوريا وفقد الرؤية الطبقية
- الشعب يريد إنهاء عصر الإستبداد!
- وقود الأزمة الوطنية في سوريا وبيئتها الحاضنة
- هجرة الكفاءات مؤشر فشل سياسات التنمية في سوريا
- الداخل الوطني رهينة نرجسية السياسات الخارجية
- زيرو دولار زيرو روبل
- تفاعلية الوجود بين السلطة السورية وجبهة النصرة
- -المعارضة وقاعدة حكم السلطة في ميزان الأزمة السورية-
- جنيف 2 و أوهام التغيير
- الفساد منظومة ظل الدولة
- مراهنات النظام وآثارها في تعميق الأزمة الوطنية الكبرى في سور ...
- التعليم في سوريا ومشكلاته
- البحث العلمي في سوريا-حقائق ومؤشرات
- فساد النظام وتجلياته في معالجة القضية السورية


المزيد.....




- تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو ...
- ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض ...
- المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
- هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
- ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
- 5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
- واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
- الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عفيف رحمة - إعادة بناء الدولة السورية (1)