أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عفيف رحمة - شيوعيو سوريا وفقد الرؤية الطبقية















المزيد.....

شيوعيو سوريا وفقد الرؤية الطبقية


عفيف رحمة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 4216 - 2013 / 9 / 15 - 01:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


من يراجع تاريخ الحركة الشيوعية في سوريا يعرف كم تعرضت هذه الحركة لأزمات وصدمات وإنقسامات، تعود بأسبابها السياسية والتنظيمية لعدم إمتلاك هذه الحركة للحد الأدنى من الإستقلالية عن المرجعية السوفييتية التي أستمرت الحركة الإهتداء بها حتى ما بعد الكومنترن (الأممية الثالثة)، أما ما استبقى هذا الإرتباط فهو العطالة المعرفية لقيادات هذه الأحزاب التي لم تتعامل مع النظرية الماركسية بمقاييس البلدان ما قبل الرأسمالية بخصوصيتها الإقتصادية والإجتماعية، حيث جُردت من حالتها التاريخية الموضوعية لتعيد القيادات إنتاجها في خيالها المعرفي وفق صور نمطية مستقات من الأدبيات اللينينية لتبني عليها رؤيتها التحزبية وأحكامها السياسية.

إلا أن أهم موضوع وضع قيادات هذه الحركة، وأحزابها وفصائلها فيما بعد إنشقاقاتها المتتالية، في مأزق فكري وسياسي، هو الموقف من السلطة كمؤسسة ومن السلطة الحاكمة كمفهوم سياسي، والعلاقة بين هوية الدولة والبنية الإجتماعية والفكرية للجماعة الحاكمة وخاصة العسكرية منها، ودور برجوازية السلطة (الحزبية)، والبرجوازية المدنية الملتصقة بالسلطة بحكم مصالحها الطبقية.

لم تكتفي قيادات الحركالشيوعية بإسقاط نظرة السوفيت لبنية النظام وقاعدة حكمه على تحالفاتها السياسية بل كررت هذا الإسقاط في برامجها السياسية والإقتصادية مما جعلها عاجزة عن استقراء التطورات الممكنة لهذا النظام وانحرافه نحو شكله الإستبدادي، عجزاً نقل فصائل الحركة من موقع الحليف المرحلي إلى موقع محامي الدفاع عن النظام، جاعلين من التهديدات الإسرائيلية والعداء للإمبريالية العالمية مفتاحاً لدفوعاتهم السياسية، منهج لم يجدي سوى بتعميق الآثار الكارثية لسياسات الدولة على الصعيد الإقتصادي الإجتماعي وعلى صعيد الحريات الفكرية والسياسية.

لم تقتصر هذه العطالة على الشأن الداخلي بل تعدته لتشل قدرتها على فهم التطورات التي مرت بها الحركة الشيوعية العالمية، والشيوعية السوفيتية بشكل خاص، مما جعل مختلف فصائل الحركة في سوريا تضطرب وتفقد بوصلة توجهها تحت تأثير البريسترويكا، الهزة الأعمق والأشدة في تاريخ الحركة الشيوعية العالمية.

البرسترويكا قلبت الطاولة رأساً على عقب حيث وضعت موضع الشك مجمل القيم المعرفية السياسية والمعايير الجمالية للسلطة السوفيتية التي تكونت على صورتها شخصية قيادات فصائل الحركة الشيوعية في سوريا.

تاريخياً بريسترويكا عام 1991 لا تقل أهمية عن ثورة أوكتور عام 1917 من الناحية النقدية لكونها محطة رئيسة في تاريخ الحركة العمالية والإشتراكية. ومهما كان الموقف منها أيجابياً أم سلبياً فإن الموضوعة الهامة التي يمكن أن نستخلصها من هذه المحطة التاريخية هو ضرورة مراجعة الشيوعيين لنشاطهم الفكري والتنظيمي وإعادة تقييمهم لقيمة الفرد وللحرية والديمقراطية.

العطالة المعرفية لقيادات الحركة أوقفت الزمن بالنسبة لبعضهم عند لينين وللبعض الآخر عند ستالين، مما جعلهم يكفرون كل محاولة من محاولات الإبداع الفكري والفلسفي، ممارسة حولت الماركسية والشيوعية من سماتهما الثورية الإبداعية إلى سلفية سياسية استنساخية.

سلفية وضعت الحركة الشيوعية في موقف عداء دائم من المدارس الفكرية الإشتراكية التي نشأت في آسيا وفي أميركا اللاتينية منطلقة بالتعامل معها كحالات سياسية مناقضة للماركسية، رغم ما حملته هذه المدارس من قيم معرفية وجمالية كان من الممكن الإستفادة منها كتجارب وطنية وتحررية في مجتمعات ما قبل الرأسمالية.

هذه البنية السياسية للحركة ومنهجها كانا عائقاً في فهم واستيعاب التحولات التاريخية في العلاقات الدولية وفي علاقات الإنتاج الجديدة وفي تحليل نظم الاقتصاد العالمي الجديد، بمعنى أدق كانت عائقاً في إدراك قوانين المادية التاريخية والعلاقة الجدلية بين الكم والنوع.

بعد الحرب العالمية الثانية فهمت البرجوازية ومالكي رأس المال في الغرب أنه لا يمكن لهما أن يحافظا على وجودهما كقوة وكسلطة إذا لم يجريا إصلاحاً في منظومتها ويتقبلا ضرورة الأخذ بمصالح الطبقة المنتجة ولو جزئياً، فهماً جعلهما يستمرا ويتفوقا من جديد على المنظومة الإشتراكية التي أظهرت حينها نجاحات تاريخية قبل دخولها مرحلة الصراع البنيوي المستتر وتحولها من ثورة إلى سلطة ضحت بأهم قيم المجتمع، الحرية والقيمة الإبداعية للفرد.

لقد قلصت سلفية الحركة الشيوعية القدرة على فهم التطورات التاريخية بمنظور ماركسي مما منعها من الإستقراء المبكر لتفكك الإتحاد السوفييتي، وحرمها من إدراك أبعاد التحولات السياسية الإقتصادية التي جرت في الصين الشعبية وأضعف زهوة عمل قواعدها من أجل الشيوعية.

في الماضي القريب لم تكف القيادات الشيوعية في سوريا من المشاركة في ترويج تهمة الخيانة للقضية الشيوعية وانحراف رفاقهم الشيوعيين في فرنسا وإيطاليا نحو الإصلاحية البرجوازية، كما لم يكفوا عن اتهام رفاقهم في اميركا اللاتينية بالمغامرة والشعوبية وعدم الإنضباط...لكنهم لم يحاسبوا أنفسهم مرة واحدة لتحالفهم مع الأنظمة القمعية والاستبدادية التي لبست لبوس القومية والتقديمة والإشتراكية، والتي لم تترك فرصة سانحة إلا وحقرت فيها قيمة الحرية وشوهت مفهوم الإشتراكية والتقدمية ناهيكم عن غدرها وقمعها لحلفائها في الحركات السياسية الأخرى.

رغم كل ما حصل في الغرب من انحسار لدور الشيوعيين في الحياة العامة لأسباب تعود لحنكة البرجوازية ومرونة رأس المال إلا أن الشيوعيين ما زالو يحظون باحترام خصومهم، ورغم ما تعرضت له الحركات اليسارية في اميركا اللاتينية من نكسات إلا أنها ما زالت تختزن من الطاقة الفكرية الكامنة ما يكفي لإنطلاقتها من جديد وهذا ما شهدناه في العقدين الأخيرين من عودة القوى الوطنية واليسارية إلى سدة الحكم في أميركا اللاتينية بطرق الإنتخاب والديمقراطية، أما الفصائل الشيوعية في سوريا فما زالت تعيش حالة الانقسامات في صفوفها و الضياع في الرؤية والتبعية في الأداء ووالترهل والوهن في التفكير والتحليل.

حين اختار الحزب الشيوعي (الشرعي الوحيد حينها) الدخول في تحالف مع حزب السلطة وجد ليبرر خياره السياسي غطاء التقديمة والإشتراكية والعداء للإمبريالية والصهيونية، الشعارات التي تأسس عليها برنامج الجبهة، ورغم الغبن الذي أصاب الحزب من هذا التحالف استمرت القيادات بدفاعها عن خياراتها عقوداً أربع، رغم أن لا شيئ من برنامج الجبهة قد تحقق، لا بل نالت قواعد الحزب من القمع والملاحقة ما نالت، وظل الحزب بعد انقساماته المتعددة يدافع عن الجبهة تحت راية ما أسماه المقاومة والممانعة.

في ضوء هذا المناخ استمرت قيادات فصيلي الحركة بتجاهل الحقائق الإقتصادية والإجتماعية التي أنتجتها السياسات الحكومية من كوارث على صعيد الدولة والمجتمع، مواضيع ومؤشرات عدة كان يمكن أن تكون مرجعاً لها لتبني عليها تحليلها للواقع وتبني عليها رؤيتها السياسية وتقييم مدى إلتزام سلطة الحزب القائد بالقضايا الوطنية.

التراجع الكارثي لسوريا في برنامج التنمية البشرية، إزدياد نسبة الأمية وأمية قوة العمل، تراجع حجم قوة العمل النسائية وقوة العمل الزراعي، ارتفاع لمؤشر الإعالة، تدهور البنية الإجتماعية الإقتصادية للمحافظات الزراعية نتيجة التهميش والإهمال التنموي، تدهور القطاع الزراعي وتراجع مساهمته في تشكيل الثروة القومية، تراجع في مساحات الأراضي المروية وتراجع في الزراعات الستراتيجية، إهمال الصناعات الزراعية والمشاريع الأهلية، عدم وجود خطط تنموية لإستثمارات الخامات المحلية والثروة الباطنية، تعزيز الإستثمار المصرفي في القطاع التجاري عالي وسريع الربح، تدهور في العملية التربوية والتعليمية، هجرة الشباب من التعليم إلى العمل، تنامي البطالة، إزدياد الفقر وتزايد الهوة الطبقية، ازدياد الهجرة الخارجية والداخلية، هجرة قوة العمل الزراعي إلى المدن والمراكز الصناعية للعمل في أعمال البناء والنقل والخدمات، إنتشار العشوائيات...، لتنتهي السبحة بالفساد وفساد جميع قطاعات الدولة ومؤسساتها.

أرقام ومؤشرات ومعدلات لا تتوافق مع مفهوم التقدمية والإشتراكية، كما لا تتوافق مع شروط صمود وتصدي الأمس وممانعة ومقاومة اليوم، أرقام ومؤشرات تؤكد الخلل في المعادلات السياسية التي تبنتها ومارستها السلطة ومؤسسات النظام.

إنتهاك لحرية الفرد وكرامته، غياب الحريات السياسية والفكرية، عدم توفر فرص الإبداع والتطوير، غياب الشفافية، سيطرة القمع والإستبداد، ضمور لحضور المرأة في الحياة العامة، عودة سيطرة الفكر الديني الماورائي الذي نُبذ بخجل من المؤسسة الدينية الرسمية لفترة طويلة...، هي حقائق المجتمع السوري التي لا تتوافق مع أي نظرية سياسية أو إجتماعية عرفتها البشرية.

تلك هي الصورة المأساوية لدولة تنادي بالتقدمية والإشتراكية والعلمانية والمقاومة والممانعة لكنها تعيش أرقى حالات القمع والتخلف والإستبداد والإستئثار بالسلطة.

بعد تسعة عقود من الممارسة السياسية تقف قيادات الفصائل الشيوعية المتحالفة مع السلطة فاقدة القدرة على توصيف إنتفاضة الشعب ملتزمة بالدفاع عن تبعيتها السياسية تحت قبعة تحالفها الجبهوي الذي قضى على أي فرصة لتجددها، تبعية أنستها الفقراء والمهمشين والعاطلين عن العمل الذين يخوضون اليوم نضالهم المطلبي والإجتماعي في إطار حرب داخلية تمكنت حركات لا وطنية من قيادتها وتحديد مساراتها المجنونة.

حرب لا بد أن تكون محطة تاريخية لولادة فضاء سياسي جديد تسقط فيه القوى الساكنة وتولد أخرى، قوى جديدة تتعامل مع واقعها بحركية واستقلالية مستندة على صدق تفاعلها مع بيئتها الطبقية والإجتماعية، واضعة هدفها الأول إعادة بناء الدولة الوطنية وإستكمال عملية التحرر الوطني من كل اشكال التبعية، حاملة راية الحرية والديمقراطية كراية لليسار الشعبي الجديد.



#عفيف_رحمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعب يريد إنهاء عصر الإستبداد!
- وقود الأزمة الوطنية في سوريا وبيئتها الحاضنة
- هجرة الكفاءات مؤشر فشل سياسات التنمية في سوريا
- الداخل الوطني رهينة نرجسية السياسات الخارجية
- زيرو دولار زيرو روبل
- تفاعلية الوجود بين السلطة السورية وجبهة النصرة
- -المعارضة وقاعدة حكم السلطة في ميزان الأزمة السورية-
- جنيف 2 و أوهام التغيير
- الفساد منظومة ظل الدولة
- مراهنات النظام وآثارها في تعميق الأزمة الوطنية الكبرى في سور ...
- التعليم في سوريا ومشكلاته
- البحث العلمي في سوريا-حقائق ومؤشرات
- فساد النظام وتجلياته في معالجة القضية السورية
- الوجه الديني في تكوين الأحزاب اليسارية
- قراءة طبقية في جذور الأزمة السورية-حقائق ومؤشرات البيئة الإج ...


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عفيف رحمة - شيوعيو سوريا وفقد الرؤية الطبقية