أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عفيف رحمة - الوجه الديني في تكوين الأحزاب اليسارية















المزيد.....

الوجه الديني في تكوين الأحزاب اليسارية


عفيف رحمة
باحث


الحوار المتمدن-العدد: 4182 - 2013 / 8 / 12 - 01:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


عندما نقرأ ماكتبه لينين حول مرض الطفولة اليساري نكاد نعتقد أنه وضع يده على أهم أمراض الأحزاب اليسارية، وأنه بالقياس يمكننا أن نفهم ونفسر العيوب التنظيمية والفكرية للحركات اليسارية "التحررية" الناشطة في مجتمعاتنا العربية، غير أن مراجعة بسيطة لتجربة هذه الأحزاب تكشف لنا عن أمراض بنيوية ترتبط بنوازع طفولية خاصة من نوعها، فكما الطفل بعد الولادة لا يستطيع أن يعيش بعيداً عن إيقاعات القلب التي ترسخت بذاكرته خلال مرحلة الحضانة وإستكمال التكوين، كذلك فإن قياديو الأحزاب اليسارية لم يستطيعوا أن يتحرروا من إيقاعات الموروث الديني الذي رافق مسيرة تشكل مخزونهم الثقافي، ونراهم "اليوم" يقودون العمل السياسي وفق ضوابط هذه الرواسخ الدينية المتجذرة في وعيهم العميق من بواكير طفولتهم المعرفية.

وإذا كان الإسلام السياسي الذي تبنى صراحة الدين لبوساً له، ليحتمي به وليروج فكره ويبرر شغفه لرائحة السلطة، فإن ما يثير الإشمئزاز أن تنطلق قيادات الحركات العلمانية اليسارية، القومية العربية، الوحدوية، الناصرية، الشيوعية، الإشتراكية العربية،...، لتقود أحزابها ولتمارس السياسة والسلطة على إيقاعات مخزونها الديني الباطن الكامن في أعماق هذا الوعي الطفولي.

المشكلة لا تكمن في إحترام هذه القيادات السياسية للموروث الديني المتجذر في الوعي الشعبي، فالإنسان ليس بآلة وتفكيره ليس ببرنامج رقمي وهو في نهاية المطاف مجموعة من العلاقات المادية والقيم المعرفية والاخلاقية، كما لا يعيبها أن تعبر عن إحترامها للفكر الديني ببعده الإنساني والأخلاقي ودوره التاريخي في ترشيد المجتمع وعلاقاته البينية، إلا أن الخطر في الموضوع أن تسعى هذه القيادات لإنتاج المنظومة السياسية وفق معايير المنظومة الدينية ومكوناتها، وهي (القيادات) التي قبلت بالمادية التاريخية كأحد المرتكزات لنظريتها السياسية ورسمت خطوط برامجها النضالية بناء على المادية الجدلية وصراع الطبقات.

في الواقع التاريخي، الدين كقيم وأفكار، والسياسة كمشاريع وتطلعات، لم يستطيعا لعب دورهما في ترشيد المجتمع بعلاقاته المادي وحقائقه الأخلاقية إلا بعد أن تحولا إلى مؤسسة (جماعة أو حزب) ذات منظومة متكاملة بمكوناتها المتسقة في بنائين فوقي وتحتي. هذا التكوين البنيوي ما هو إلا إنبثاق طبيعي من تكوين المجتمع الذي نعرفه ببنائه الفوقي الممثل لقيمه وآخلاقه والبناء التحتي المكون من علاقاته المادية والإقتصادية، غير أن الدين عبر مؤسسته الوصائية الإملائية (DICTATUM) يحاول معالجة أمراض المجتمع بدءاً من بناءه الفوقي سعياً لتحسين العلاقات المحددة ببناءه التحتي، في حين أن مهمة السياسة، عبر مؤسستها التي يفترض أن تؤسس على الكفاءة والطوعية (VOLUNTARIUM)، أن تعالج قضايا المجتمع إنطلاقاً من بناءه التحتي سعياً لإعادة تشكيل بناءه الفوقي المتمثل بقيميه وأخلاقياته؛ هذا ما يفترض أن يميز المنظومة الدينية عن المنظومة السياسية، أما أن تنقلب الميكانيكية وتقتبس المنظومة السياسية مكوناتها وآلياتها من المنظومة الدينية فهو شكل من اشكال الإسفاف الفكري، وهذا هو حال الأحزاب والحركات السياسية اليسارية في بلداننا.

لتوضيح هذه الإشكالية فلنتمعن كيف تمّ بناء المنظومات السياسية ، القومية العربية، الوحدوية الناصرية، الشيوعية، الإشتراكية، ومجمل الحركات الشعبية... ، ولنجري المقارنة مع المنظومة الدينية، إنه لتماثل مرعب!

من حيث المرجعية، يتربع الإله عالياً في البنية الفوقي من المنظومة الدينية، الإله خالق الكون ومالكه، والذي منه وإليه يعود كل ما في الوجود، ليأتي من عنده الرسول صاحب الرؤية وحامل الرسالة المنصوص عنها في الكتاب المبين ليبشر المجتمع بعصر النور والهداية...، وبالتماثل وضمن هذا السياق التسلسلي تتدرج مكونات المنظومة السياسية، فبالوطن أو الأمة تتمثل المرجعية العليا للهوية ومن هذه الأمة يأتي القائد الإستثنائي صانع الثورة وحامل نظريتها الثورية، القائد الملهم وصاحب الرؤية السياسية الثاقبة، العالم بهموم المجتمع القادر خلف قيادته أن يحرره من التخلف والتبعية.

في القيمة الأخلاقية، يحمل النبي الرسالة المنزلة ومع الزعيم القائد المفدى تتحول النظرية الثورية إلى طاقة خلاقة، وإذا جاءت الرسالة إنسانية وأممية الصفة فالنظرية الثورية لا تقل إنسانية وقدرة على التغيير وترسيخ القيم الوطنية؛ بحسنة حامل الوحي والعقيدة سيتمكن الإنسان دخول الجنة السماوية وبحكمة القائد المرتكزة على النظرية الثورية سيبني المواطن جنته على الأرض.

إن هذا التماثل المزهل بين كلتا المنظومتين لا يتوقف عند قضايا البنية والمرجعية بل يمس العمق الفكري والأخلاقي حيث يتم شخصنة الحركة السياسية كما العقيدة الدينية، وتوظيف النص في خدمة سلطة الفرد، وبالقدر الذي يجري فيه إستثمار التفاسير والإجتهادات لشرعنة المذاهب والملل يجري ذات الإستثمار لتبرير الإنقسامات الحزبية، لا بل يتجاوزه ليتحول النص إلى مرجع مطلق لشرعنة التحريفات السياسية و العقائدية.

لقد أوضح لنا التاريخ أنه ما أن تجد الحركات الدينية مكاناً لها في ثلاثية السلطة (القوة المال الدين) حتى تتجلى حالة التناقض بين قيمة المثل وقيمة الذات، تناقض يدفع بالأفراد نحو حالة تضاد في المصالح ثم صراع وإنقسام في الرؤى يتطور غالباً إلى صراع دام تتحول عبره القراءات المختلفة بتفاسيرها وإجتهاداتها إلى مستند نصي يبرر الإقصاء والقمع والإستبداد...، وبمثل الشواهد والقراءات والتفاسير يقدم لنا التاريخ صوراً عن تحول الحركة السياسية التي أخذت من سعادة الفرد منطلقها لتجد في النص ما يبرر قمع الفرد وتشويه مفهوم الحرية وتقزيم الفكر والوعي والإنتقال خطوة متقدمة لممارسة أرقى أشكال الإستبداد. ظواهر من السهل الإستدلال عليها من التقابل بين عدد الفرق التي تتمثل بعقيدة دينية (أية عقيدة) والنزاعات العنيفة القائمة بينها وعدد التشكيلات الحزبية التي تتمثل بعقيدة سياسية قومية كانت أم إشتراكية والنزاعات الإستلابية القائمة بينها.

أما المصطلح كتعبير عن مستوى الوعي والحالة المعرفية والاخلاقية فإن التماثل لامس هذا المستوى التعبيري بين المنظومين، أفلا نجد نور الله وحبيب الله وإبن الله في القائد الملهم والقائد الخالد وحبيب الجماهير وأمل الأمة، ونجد الكافر الزنديق المرتد المجوسي المشرك الصابئي في الرجعي الخائن العميل البرجوازي الإمبريالي، والتحريفي الإنبطاحي الإنهزامي...أولا نجد المناضل في الجهادي، والثورة في الدعوة والحزبييون في المؤمنون... ونجد يهوذا ومسيلمة الكذاب في (...) والخوارج والمرتدين في المنشقين والتحريفيين، كما ونجد الشيطان والوسواس الخناس بوجوهه المختلفة في المؤامرة الداخلية والخارجية بأشكالها وألوانها المتنوعة.

لم تتوقف عملية الإستدلال والإقتباس على المفردة فحسب بل مست المنهج والذرائع، فعلم الكلام الذي حل مكان الفلسفة إقتبس منهجاً ليتحول إلى حرفة في تفسير النص وعبادة النص السياسي، وفي كلتا المنظومتين يتمّ بتقديس النص إذلال الحقيقة والواقع بما يخالف الحقائق المادية وموضوعيتها.

هذا التماثل ليس مصادفة وليس مجرداً بل هو تماثل بآليات التشيكل والإنتاج وتماثل بالمفردة والمصطلح وتماهي بالأحكام والمحاكمات، وتقليد بالسيرة والأفعال وتشابه بالإرتكاسات والإنتكاسات، هو تماثل يجعلنا نفكر ملياً بمن يقف وراء مرآة من وأي المنظومتين الخيال وأي هي الأصل!

فماذا نقول في الحديث والرسائل الرسولية والتلمود التي نجد لها مثيلاً في الكلمات التاريخية والتوجيهات الثورية والخطب القومية التي تحل مكان النظرية وتتحول إلى مرجعية في التربية السياسية ووسيلة نصية لترويض وتدجين الأتباع. وماذا نقول حين نجد تماثلاً بين آل البيت في الدين وآل البيت في السياسة، وتماثل في مكانة وإمتيازات الصحابة والحوارين ومكانة وإمتيازات الصف الأول بعد القائد من القيادات السياسية، وكيف نفهم الإرتزاق الديني والإرتزاق السياسي، وماذا نقول عن الإستثمار المتماثل لثنائيات الترهيب والترغيب، التحريم والتكفير، والحزبي واالاحزبي، المسموح والممنوع، وماذا نقرأ من التماثل بين عصا الأمن وعصا المطاوع، وبين القمع الديني والقمع السياسي الذي ارتقى لحدّ التشابه بين الإغتيال الديني والإغتيال السياسي.

وإذا كانت سلطة المنظومة الدينية تنبثق من إحتكارها لصحة تمثيل الإرادة الإلاهية حيث يصبح قبول الفرد أورفضه لهذه المنظومة معياراً لكفره أو صدق تعبده لعظمة الذات الإلاهية، فماذا نقول حين تحتكر المنظومة السياسية التمثيل الأوحد لحقيقة الوطن والامة وتصبح وطنية الفرد مرهونة بقبول الفرد أو رفضه لهذه العقيدة السياسية.

أمام هذا التماثل وبإعتبار العمل بالقياس منهج من مناهج التفسير والإجتهاد في الدين، هل يمكننا إستخدام القياس على التجربة الدينية للتنبوء بما يلف الحركات السياسية من مشاكل بنيوية وفكرية، وهل نستطيع أن نستقريء الجوانب المخفية والغامضة من تاريخ الحركات الدينية إنطلاقاً من تجارب الحركات السياسية ووثائقها، وماذا لو أردنا أن نتعرف على نصف الحقيقة الغائبة وما بقي خافياً مما جرى في مؤتمر سقيفة بني ساعدة بالرجوع لوثائق مؤتمرات الأحزاب السياسية التي تبعها إنشقاقات في صفوفها، أو أن نستقريء مستقبل الأحزاب الشيوعية والقومية وإنقساماتها بالقياس مع مسيرة الحركات والمنظومات الدينية بتشكيلاتها المتعارضة.

وهل نستطيع بإسقاط بسيط للمنظومات السياسية، (بكل مكوناتها من حيث النشأة والفكر والتنظيم والتطور حتى مرحلتي الأزمة والإندثار)، أن نتنبأ بمصير المنظومات الدينية، وهل نستطيع بالرجوع لحالة الحركات السياسية أن نستكمل الجزء المهمل من تاريخ الحركات الدينية وما اعتبر في حينه ليس بذي أهمية فأهمل تدوينه بأمر من الحاكم، لنفسر سبب التباين والتخالف في فهم العقيدة الدينية.

إن مجمل هذه التساؤلات لا بد أن تشكل مقدمة لدراسة وتحليل أسباب قصور أحزاب اليسار في تحقيق إمتدادها الشعبي وإنتشار مفاهيمها السياسية وقيادة مجتمعاتها نحو الحالة الحضارية التي تتوافق مع جماليات قيمها العقائدية، هذه الحقيقة الماساوية تفرض علينا التفكير ملياً بأهمية إعادة بناء حركاتنا السياسية على أساس من العمل الطوعي الواعي المتحرر من ضوابط وإيقاعات الموروث المعرفي المحكوم بالوصاية والإملاءات والمقيد بأحكام المسموح والممنوع.
هي خطوة حتمية لا يمكن تجاوزها إذا ما أرادت هذه الحركات بتشكيلاتها الحزبية المختلفة أن تعود لممارسة دورها السياسي، في ظل من الديمقراطية التنافسية، بغية نقل المجتمع إلى الحداثة والمعاصرة، ولتتمكن من إستثمار طاقاتها الحرة في بناء مجتمع المواطنة والديمقراطية القائم على فن إحتواء التنوع الثقافي والمعرفي، المتحرر من أحكام الإنتماء القسري والتأطير الثقافي والأخلاقي المشروط.



#عفيف_رحمة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة طبقية في جذور الأزمة السورية-حقائق ومؤشرات البيئة الإج ...


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد
- تشظي الهوية السورية بين ثالوث الاستبداد والفساد والعنف الهمج ... / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - عفيف رحمة - الوجه الديني في تكوين الأحزاب اليسارية