أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم نزال - درس التاريح الاخير فى مدرستنا !














المزيد.....

درس التاريح الاخير فى مدرستنا !


سليم نزال

الحوار المتمدن-العدد: 4276 - 2013 / 11 / 15 - 18:20
المحور: الادب والفن
    


درس التاريح الاخير فى مدرستنا !
( لاجل ذكرى المعلمين الفلسطينين من ذلك الجيل العظيم :يوسف القط ,على زكريا , ميشيل الخازن و موسى الشاعر رحمهم الله )

كنا اولادا و لا نعرف حقيقه ما يدور حولنا . كنا نعرف ان بلادنا تمر باحداث كبيره حتى و ان لم نكن نستطيع فهمها.فعلى سبيل المثال كان ياتى للقريه ليلا رجال يحملون بنادق. كان والدى يقول بصوت منخفض, جاء الثوار للقريه ثم يضيف , ها يا اولاد لا تقولوا هذا لاحد.كلمه الثوار كان لها وقع كبير على نفسى . لم اكن قد شاهدت ثائرا واحدا فى حياتى . كانوا يتحدثون عن رجال ملثمون بالكوفيه يحملون بنادق لاجل ان يدافعوا عنا من اليهود الذين يريدون اخذ بلادنا . قلت لوالدى ذات يوم و هو يشرب القهوه مع جارنا ابا توفيق: عندما اكبر اريد ان اكون مع الثوار.ابتسم والدى و ابا توفيق الذى كان رجلا مرحا و قال : عندما تكبر لن نكون بحاجه لثوار.قلت لماذا؟ قال لاننا سنكون قد انتصرنا على الاعداء!. قلت يعنى لن يكون هناك ثوار اذن .قال و هو يبتسم , سنحتاج حينها الى ثوار من نوع اخر, اطباء و مهندسين و معلمين لبناء فلسطين و لكن ليس ثوار يحملون البنادق !

ذات يوم عندما كنت العب مع الاولاد فى اطراف مراح القريه شاهدنا رجلا على حصان يندفع باتجاه التله المقابله لقريتنا .كان يرتدى بنطلون بريتيش و على راسع عقالا و على كتفه باروده.صاح احد الاولا د بصوت عال : هذا ثائر!.ركضنا خلف الحصان لكن لم نلحق به. كان قد مضى باتجاه التله عند مغيب الشمس و لكننا كنا نسمع وقع اقدام الخيل و هى تضرب فى الارض .


حتى ذلك الحين لم يكن قد حصل اى حادث فى قريتنا. لكننا بدانا نرى عائلات قادمه لقريتنا و كنا نسمع ان اليهود قد احتلوا قراهم. كنا نسمع من الاهل ان هناك من الاهالى من هرب الى لبنان.و كانت جارتنا ام توفيق تقول كلما سمعت باخبار كهذه تقول .يا مشحرين يا اهل فلسطين لوين رايحين, الله يكفينا شر البهدله !
كانت ام توفيق راديو الحى بلا منازع .كانت تعرف اخبار القريه كلها . كانت تعرف من يحب من! و من يريد ان يتزوج من ! و هو من متخاصم مع من. بل كان يقال انها لا تعرف النوم قبل ان تعرف كل اخبار القريه!

من خلال احاديث ام توفيق عرفنا ان الاستاذ الذى كان يعلمنا التاريخ التحق مع الثوار.بل سمعنا عنه
قصصا عديده منها انه هاجم موقعا عسكريا لليهود و انه كاد ان يقتل فى احدى الهجمات . امى كانت لا تعلق سوى القليل على هذه الاخبار . كانت تقول لدى سماعها اخبار كهذه, الله يحمي الشباب يا حرام حاملين دمهم على كتفهم من اجلنا!

استاذ التاريخ لم يكن يحظى بشعبية بين التلاميذ . كان طويل القامه, يرتدى فى معظم الاحيان بدله سوداء, و على عينيه نظارات بيضاء. كان فى نظر التلاميذ شديدا, خاصه اذا ما سال سؤالا و عرف ان التلميذ لم يقرا الدرس .كان يردد :ان لم تتعلموا الان ستعلمكم الحياه, و قد يكون الدرس مكلفا حينها ! كان هذا الاستاذ من قريه لا تبعد كثيرا عن قريتنا ,و كنا نراه كل يوم بعد المدرسه يمشى ليصل الطريق العام , حيث لم يكن هناك سيارات تصل مباشره الى قريته . و من هناك كان ينتظر باصا يستقله الى قريته.



كان هذا المعلم فى غايه الجديه و قلما كنا نراه يبتسم .لكنه كان يبدى عطفا كبيرا لدى غياب اى تلميذ و كان يزوره فى البيت ان كان مريضا.
لم نكن نعرف عنه شيئا سوى انه معلم حازم يكره ان تضيع دقيقه واحده بدون ان يستفيد منها التلاميذ. و احيانا كان يقرع جرس الفرصه, و لكنه لا يعطى اذنا بالخروج, قبل ان ينتهى من الشرح فيما نكون نحن متحفزين للركض الى الملعب . شاهدناه ذات مره يتحدث و هو يبتسم للمرضه الارمنيه التى كانت تاتى بين الحين و الاخر فى جولات صحيه للمدرسه.قال احد الاولاد انه يحبها لكننا كنا صغارا و لا نعرف كثيرا عن عالم البالغين.كنا نظنه كبيرا فى السن .لكننا فى مراحل لاحقه عرفنا انه كان فى العشرين من العمر !
كان اليهود قد احتلوا تقريبا معظم القرى التى كانت بجوارنا .و كان شباب القريه يحرسون مداخل القريه فى الليل, و ساد الاعتقاد ان هجوم اليهود على قريتنا بات مساله وقت, خاصه ان القرى الاكبر حجما من قريتنا سقطت بيد اليهود, و بدا القلق يزداد فى قريتنا يوما بعد يوم .

فى صيف 1948 كات الاوضاع فى فلسطين اخذه بالتدهور يوما بعد يوم .و كنا نسمع قصصا عن مقاومه اهالى البلاد لقراهم و بيوتهم من هجمات اليهود .كما كنا نسمع ان اليهود يقتلون من يصادفهم و يغتصبون النساء. جاء والدى ذات يوم و سمعناه يقول ان اليهود اعلنوا فلسطين دوله لهم و اسموها اسرائيل.
لم تمضى سوى بضعه ايام على هذا الخبر عندما جاء مدير مدرستنا و اخبرنا ان نذهب الى المدرسه التى توقفنا للذهاب اليها بسبب الاوضاع.



فوجئنا بهذا الامر لكننا ذهبنا فى اليوم التالى الى المدرسه و اصطفننا فى ساحه الملعب كالعاده و جاء مدير المدرسه و قال انه يريد الهدوء الكامل الان .وقفنا جميعا ننظر للمدير و للمعلمين الاخرين الذين كانوا الى جانبه. ثم فجاه شاهدنا استاذ التاريخ قادما باتجاهنا .مر بين الصفوف, و هو ينظر الينا واحدا واحدا .كان حزينا لكنه كان يحاول ان يبتسم الينا .و لما انتهى من ذلك . وقف فى مقابلنا و نظر الينا و قال بصوت عال .هذه البلاد اسمها فلسطين .لا تنسوا ذلك !هذا اخر درس لى فى التاريخ . و لما انتهى صافح المعلمين ثم نظر الينا نظره اخيره و مضى بسرعه .علمنا فى مراحل لاحقه انه توفى لاجئا فى لبنان .



#سليم_نزال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتبهوا للصين ايها العرب !
- تاريخ بدء رحله التراجع الحضارى فى بلادنا !
- جمهوريات الايتام و الارامل و المشردين!
- ما بعد نهايه الايديولوجيا !
- مائه عام على ولاده البير كامو
- ثقافه القبائل السياسيه!
- فى الذكرى الثالثه لمذبحه كنيسه سيده النجاه فى بغداد .لا خلاص ...
- 300 عام على ولاده ديدرو !
- 40 عاما على رحيل طه حسين !
- الاخ الاكبر يطل من جديد !
- لا بد من تعلم ثقافه السوؤليه و المواجهه مع الذات!
- لاجل مجد كنعان
- منزل فى منتصف الطريق!
- لقد حل عصر جديد على البشريه!
- ألاهم هو التصدى للثقافه المنتجه لللاستبداد !
- الاعوام التى سبقت انفجار الشرق الاوسط!
- لا قيمه تعلو على قيمه التسامح!
- بانتظار التغيرات الكبرى فى المنطقه العربيه!
- الحقيقه التى على الفلسطينيين مواجتها
- حرب امبرياليه صهيونيه بمعاونه قوى التصحر العربى!


المزيد.....




- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم نزال - درس التاريح الاخير فى مدرستنا !