أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصرت مردان - هل يحتضن العراق مثقفيه ؟















المزيد.....

هل يحتضن العراق مثقفيه ؟


نصرت مردان

الحوار المتمدن-العدد: 1219 - 2005 / 6 / 5 - 11:28
المحور: الادب والفن
    


بعد سقوط العهد الملكي ، أصبح قدر العراقيين أن يكونوا جزءا من ماكنة الأنظمة العسكرية التي تتالت على العراق . فإعلام كل هذه الأنظمة ، صنعت لنفسها هدفا استراتيجيا واحدا : تحويل الجماهير العراقية إلى بوق ،وتحويل جميع الذين جلسوا على كرسي الحكم إلى أنصاف آلهة . فكان على الجماهير أن ترى صورة عبدالكريم قاسم على القمر. أتذكر وأنا صبي صغير كيف ان جارتنا ( أم أمير) المفتونة بالزعيم ،كيف كانت وهي جالسة مع نساء الجيران أمام دارها في ليالي الصيف تنظر الى القمر ،وهي تحلف بأغلظ الأيمان إنها ترى صورة الزعيم على القمر. أتذكر عن طفولتي في هذه الفترة كيف كان يردد الصغار والكبار في المسيرات :
ـ أربعطعش لواء فدوة لابن قاسم !
وهو في مضمونه لا يختلف البتة عن الهتاف المقيت :
ـ بالروح بالدم نفديك يا صدام .
كان قدر جماهيرنا في العراق منذ سقوط الملكية وحتى الآن ترديد شعارات الولاء والخضوع والتأليه لجميع من تولوا الحكم في العراق دون تمييز,
وكان يرافق نجاح كل عملية انقلابية كيل آلاف التهم من الانقلابي الجديد ضد غريمه السابق. فعبدالكريم قاسم الذي انطبع صورته على القمر ، وكان ابن العراق البار وحامي البلاد، تحول بين ليلة وضحاها إلى شعوبي وخائن وقاسم العراق. والمضحك المبكي ان التغير بعد زوال حكم عبدالكريم طال حتى أغنية شهيرة لمائدة نزهت في تلك الفترة، وهي أغنية :
ياام الفستان الأحمر فستانج حلو ومشجر
حيث أخذت إذاعة بغداد تذيعها بعد إجراء تعديلات عليها فأصبحت :
ياام الفستان الأخضر فستانج حلو ومشجر
كما لم تبق من تهمة وشتيمة وصفات سلبية لم تلصق بعبدالكريم قاسم ، الذي اتبع نفس الاسلوب والنهج في اتهام العهد الملكي بالعمالة للاستعمار . ولا أزال أتذكر فلما وثائقيا عرض في سينما العلمين بكركوك بعد انقلاب 8 شباط 1963 ،يصور الدمار الذي لحق بمبنى وزارة الدفاع الذي ألقي فيه القبض على عبدالكريم قاسم ، سيق بعده إلى نهايته المأساوية ، حيث تم إعدامه رميا بالرصاص بطريقة بشعة في إحدى قاعات إذاعة بغداد. لم يجد معدو الفيلم ما يدينون به الزعيم الراحل إلا عرض صورة ( بانيو) موجود في حمام متواضع كان يستحم به عبدالكريم قاسم في مقر عمله بوزارة الدفاع . وكان المعلق يعلق على هذه اللقطة بقوله :
تأملوا يا أبناء شعبنا الأبرار كيف يسيطر اللون الأصفر على كل شيء هنا ( البانيو ـ المغطس) اصفر اللون ( كان الفيلم بالأسود والأبيض)، وكذلك مناشف الطاغية وخفه ( نعاله) صفراء، ان طغيان اللون الأصفر يدلل على صفراوية مزاج طاغية العراق واهتزاز شخصيته ونرجسيته !
في 18 تشرين الأول 1963 حينما ثار عبدالسلام عارف على البعثيين بعد 8 أشهر من انقلاب 8 شباط، تحول أبطال الأمس البعثيين إلى خونة وتحول ( حرسهم القومي ) إلى الحرس اللاقومي.وبدأ النظام الجديد بنشر الفضائح والفظائع التي ارتكبها الحرس القومي بحق الشعب العراقي. ومثلما كانت هالة التقديس الإعلامي الموجه تحيط بعبدالكريم قاسم ،أصبحت تحيط بعبدالسلام عارف ،فأصبحت الجماهير تردد هذه المرة :
ـ أربعطعش لواء فدوة لابن عارف .
عند نجاح البعث في الاستيلاء على الحكم في 17 تموز 1968 ، كان هم إعلامه منذ الوهلة الأولى تسويد وتشويه صفحة عبدالسلام عارف، فتحولت ثورته 18 تشرين إلى ردة تشرين السوداء، وأطلقت على فترة عارف وشقيقه عبدالرحمن ( فترة حكم الأخوين عارف).ومثلما أبعد عبدالكريم قاسم كل من اشتبه به من كتاب وإعلاميين كإبعاده للمذيع جمال الحيدري ( على ما أعتقد) والذي كان يعد برنامجا يهاجم فيه عبدالناصر خلال فترة تبادل الحملات الإعلامية بين إذاعتي بغداد وصوت العرب، فعل البعثيون نفس الشيء وكانت ضحيتهم الأولى المذيع سليم المعروف ، لا لذنب إلا لأنه كان يرافق الأخوين عارف زيارتهما للمدن العراقية ويصف استقبال الجماهير لهما.
لكن الإنصاف يدعونا للقول ، أن إعلام كل العهود الذي سبق جلوس صدام على عرش العراق ، لم يكن مخصصا له ميزانية خاصة تتجاور ملايين الدنانير لتأليه صدام عبر برامج وأغان ومهرجانات إضافة إلى تطبيق الترهيب والترغيب الجماهير، من خلال سطوة المنظمات الحزبية على وعي ولا وعي الجماهير. فأصبح العربي يغني ( غالي صدام غالي ) فيرد عليه الكردي بلغته بتحريف بعض الكلمات ( زيرا ..صدام زيرا ــ ذهب صدام ذهب ).
أصبح الهتاف والنفاق أسلوبا حياتيا ليحافظ العراقي بهما على رأسه المهدد بالتقارير الحزبية ، التي تكفي واحدة منها فقط ليقوده إلى مصيره المحتوم والمجهول . لقد ترك هذه السياسة الإعلامية الذي نفذ على مدى 35 عاما ، آثارا مدمرة في نفسية الإنسان العراقي ، وتغيير قيمه فبات الأب يسأل عن مكرمة الشهيد عن ابنه المقتول في الحرب الإيرانية ( سيارة و10 آلاف دينار) قبل أن يبحث عن جثمانه ابنه.
اليوم أيضا نرى أن من لا ينتمي إلى واحد من الأحزاب العراقية وخاصة التي تمسك بيدها زمام السلطة منبوذ ،لذلك أصبح المثقف الحقيقي الذي لا يجيد التطبيل والتزمير على الخطاب السياسي لهذا الحزب أو ذاك منكفئا وجالسا في الظل.فلم تنجح الأحزاب المائة في العراق ( أو أكثر) في تضميد جروح الوطن وجمع العراقيين باختلاف مشاربهم في خطاب عراقي وطني وموحد غير قائم على المحاصصة والطائفية .
لم يعرف العراق رمزا إلا في شخصية الزعيم الذي يأتي عن طريق الانقلابات ، زعيم وحده يقرر ماهو الخطأ والصواب لوطننا ، حتى لو كان هذا الصواب قيادة الوطن إلى آتون الحروب . لقد تربت أجيال في العراق على تمجيد الحرب والتغني بالموت والدمار ، واعتبار ذلك مجدا وعزة للوطن الجريح .
ان غياب الآخر منذ سقوط الملكية وحتى الآن ، هو شريان الأسباب التي أدت إلى الفترة المظلمة التي عاشها العراق حتى الأمس القريب . حتى بعد سقوط نظام الطاغية لا يزال ثمة من يسير على نفس نهج مدرسة صدام الظلامية في إسكات الآخر المختلف فكريا وشخصيا عن طريق التهديد والوعيد المغلف بشعارات الديمقراطية التي يلوكها الجميع دون أن يتحملوا ضريبتها ومسؤوليتها الأولية في ضرورة احترام الآخر وفتح الأبواب المغلقة أمامه ،ورفع صدأ ثلاثة عقود ونيف من صوته وقلمه.
لقد تحول العراق إلى بلد لا يملك رموزا وطنية خارج الأصنام وأشباه الآلهة الذين حكموا العراق .
بمقارنة بسيطة ، نجد أن سعد زغلول على سبيل المثال ظل في عهد كل الأنظمة المصرية زعيما وطنيا ورمزا له مكانته في وجدان كل مصري مهما اختلفت توجهاته السياسية.كما ان الأنظمة المصرية عامة لم تحاول تشويه وتصفية مثقفيها ورجال الثقافة فيها فطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم والعقاد وعشرات غيرهم ( رغم تعرض عدد منهم للاعتقال) احتفظوا برؤوسهم رغم اختلافهم مع النظام الملكي أو نظام عبدالناصر أو السادات أو حسني مبارك .
بينما الوضع في العراق على العكس من ذلك تماما فقد توفي هادي العلوي في الغربة بعد اضطراره إلى ترك العراق حفاظا على رأسه ،واختفى عزيز السيد جاسم ، وان احتفظ العالم الجليل علي الوردي برأسه فأنه ظل مهملا ومنتقدا من قبل إعلام النظام السابق ،وجرد البياتي من جنسيته وكذلك الجواهري وقضي على عشرات من الكتاب والشعراء الشباب المجهولين . في الوقت الذي كان يحدث القمع والاضطهاد للأدباء الحقيقيين ، كانت تضاف الآلاف من الدنانير على أرصدة الشعراء والكتاب المداحين ،الذين تهافتوا مع سقوط النظام.
المطلوب إعادة الاعتبار للمثقف العراقي ، وعلى الكتاب والمثقفين الاحتفاظ دائما بفضيلة النقد للسلطة الحالية بدلا من التطبيل والتزمير وتخوين الآخرين , المطلوب اعتبارا من الآن تثقيف السياسة ،وليس تسيس الثقافة ،الذي عانى العراق لا يزال من آثاره المدمرة . .وعلى الحكومة الحالية والحكومة المقبلة ان لا تطيح برؤوس المثقفين أو تحاربهم في رزقهم لمجرد أنهم لا يصفقون ولايدبكون لقرارتها. ومن غير المقبول حاليا تحويل المثقفين إلى جوقة من الزمارين والطبالين ومداحي جناب السلطان . ستنقضي هذه الظاهرة رغم البقية الباقية من آثارها ، عندما يصل العراق إلى ضفة الأمن والاستقرار وإلغاء الطائفية والمحاصصة المقيتة .



#نصرت_مردان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعر التركماني العراقي ـ مقدمة ونصوص
- جاندار ، الطالباني ونموذج بروكسل
- على ضوء زيارة الطالباني لأنقرة : صفحة جديدة بين التركمان وال ...
- عطا ترزي باشي يؤرخ تاريخ الطباعة والصحافة في كركوك 1879 ـ 19 ...
- الشاعر الاوزبكي محمد صالح، شجرة غريبة في المنفى
- التركمان في شرق المتوسط
- لوحات ملونة يرسمها الأذربيجاني غضنفر ?اشاييف عن كركوك و التر ...
- تينور في قفص الطيور
- الروائية التركية نازلي آراي : عالمي الروائي فوضوي وغريب..بين ...
- قصائد برقية إلى شعراء مدينتي
- إبراهيم الداقوقي يرسم صورة الأتراك لدى العرب
- كتابات في قفص الاتهام- بودلير يغرد في جحيم البؤس ود.هـ .لورا ...


المزيد.....




- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نصرت مردان - هل يحتضن العراق مثقفيه ؟