أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم المطير - خطر الأفكار الاستبدادية الباطنية على صياغة الدستور.. 4















المزيد.....

خطر الأفكار الاستبدادية الباطنية على صياغة الدستور.. 4


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 1219 - 2005 / 6 / 5 - 11:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من أهم القضايا المتعلقة بصياغة الدستور هي لغتها وتعريفاتها ودقتها ووضوح معانيها ومبانيها وأغراضها وأهدافها واستخدام المصطلحات غير القابلة للتفسيرات والتأويلات بمعان مختلفة .
هناك بعض الدساتير كانت لغتها حاسمة أي أن موادها وفقراتها محددة تحديدا مانعا جامعا ، ونجد هذه الصفة في أغلب الدساتير الغربية لكنها مع ذلك خضعت لعدة تغييرات مع مرور الزمن كالدستور الفرنسي الذي أدخلت عليه تعديلات وتغييرات أساسية في النصف الأخير من القرن العشرين رغم أن الصياغة العامة لهذا الدستور كانت محددة بوضوح لكن تأثيرات الأوضاع السياسية والاجتماعية المتغيرة أجبرت رجال القانون والبرلمانيين الفرنسيين على إجراء إضافات كثيرة وتوضيحات كثيرة وتعديلات كثيرة لكي تتناسب مع روح وتطلعات الشخصية الفرنسية في هذا العصر المتميز بسرعة التغييرات في حياة الإنسان . بالاختصار يمكن القول أن للدستور معنى محدد وان تعبير " النظام الدستوري " إنما ينصرف جوهريا إلى النظم السياسية الحرة أي الديمقراطية وليس إلى الدين ، وبالتالي فان علم القانون الدستوري لا يعني إلا بالبلاد ذات النظم الدستورية الديمقراطية التي تجنب أهالي البلاد كل شكل من أشكال الاستبداد .
ليس وجود الدستور هو الهدف ، بل مضمونه ومعانيه وتطبيقاته . فتكاد تكون جميع دول العالم تملك اليوم دستورا يحدد التنظيم السياسي للدولة .. حتى في العراق كان في النظام الملكي يوجد دستور عام 1925 وفي فترة حكم عبد الكريم قاسم يوجد دستور مؤقت عام 1958 وفي فترة صدام حسين يوجد دستور لكن جميع هذه الدساتير لم تكن " جامعاً " لكل نواحي الحرية ولم تكن " مانعا " لممارسات الاستبداد والدكتاتورية .
الحرية هي هدف ومضمون الدستور ،
الديمقراطية هي هدفه ومضمونه ،
العدل والمساواة في المواطنة هي الهدف والمضمون وليس " الشكل " الدستوري .
لنأخذ بريطانيا مثلا فإنها تعمل بشكل دستوري لا يضم إلا جانبا محدودا من القواعد التي تنظم الحكم وان معظم هذه القواعد لا يعدو أن يكون عادات وأعرافا وتقاليد تكمل النصوص المدونة وتتجاوزها .. وحتى في البلاد التي تتضمن دساتيرها المدونة جوهر القواعد المتعلقة بتركيب الدولة وتنظيم الحكم فان كثيرا من القواعد لا وجود لها في الدستور بل نجدها في قوانين عادية وفي أنظمة وقرارات المجالس التشريعية . ولا يمكن لأحد أن ينكر أن بريطانيا هي مهد الديمقراطية والمساواة أمام القانون ، بينما نجد البلاد العربية والإسلامية هي مهد الاستبداد والعنف والدكتاتورية رغم أنها أيضا تملك دساتير يفترض بها أن تنظم الدولة وحياة المواطنين على أساس العدالة . وكمثال فان بعض البلدان العربية ( مصر ) نصت على أن " الإسلام دين الدولة " وبعضها يقول أن " الإسلام مصدر التشريع " لكن هذين النصين لم يستطيعا وقف الاستبداد مطلقا ولم يستطيعا وقف انهيار هذه البلدان إلى الحضيض إلى حد ٍ أصبح المواطن يعيش فيه بلا كرامة و بلا عدالة ولا حرية ولا مساواة ومن دون اعتباره إنسانا في كثير من الحالات والمعاملات ،بل يمكن أن نقول أن الفرق شاسع بين جمهورية مصر العربية " ذات الدستور الإسلامي " وبين المملكة الهولندية الصغيرة التي يعيش فيها " اللاجئون المسلمون " بمئات الآلاف أفضل بمائة مرة مما كانوا يعيشون في بلدانهم الإسلامية ذات الدستور الإسلامي بما فيهم اللاجئون الإيرانيون من رعايا دولة أسمها ( جمهورية إيران الإسلامية ) . المملكة العربية السعودية ليس لها دستور غير نصف صفحة تقول فيه أن ( القرآن هو دستور الدولة ) وأكثر مظاهر الحياة ظلما وتخلفا تجده في هذه البلاد ( اقرأ الأجزاء الخمسة من رواية مدن الملح للدكتور عبد الرحمن منيف )
في العراق توجد حياة فكرية خصبة حول دراسة ملامح الشخصية العراقية ، وأعني بها الشخصية الاستبدادية ولذلك فأن أخطر ما يمكن أن تواجهه لجنة صياغة الدستور هو دخول المفاهيم والنصوص الاستبدادية بتعمد من البعض ومن دون وعي من البعض الآخر ومن دون دراسة عميقة من البعض الثالث مما يفسح المجال لتدوين أولويات سلبية في متون النصوص .
بدأ الدكتور علي الوردي دراسة الشخصية العراقية التي يجب النظر اليها بدقة من قبل لجنة صياغة الدستور . أهمية هذه الدراسة أجملها بما يلي :
1) أنها كانت صريحة ومباشرة رغم أنها لم تكن متكاملة .
2) أنها أوجدت مفهوماً خاصاً معنياً بثقافات المدن بأساليب الحياة الحضرية ولو أنها محدودة .
3) إنها وضعت أسس علم الثقافة الاجتماعي ، ولم تكن مجرد موجة فكرية عابرة.
يمكن أن أقول أيضاً أن تلك الدراسة أثارت قدراً كبيراً من الاهتمام بين الأكاديميين والمفكرين والأدباء العراقيين مما يجعلها جديرة أمام رؤى لجنة الصياغة .
لكن ما يقلقنا في الوقت الحاضر وقت كتابة دستور جديد لمستقبل الأجيال القادمة أن نرى العراق في حالة ركود ثقافي فلا يوجد ما يساعد على تشجيع إبداع أصيل وأن مؤسسات الثقافة عاجزة عن تفجير طاقات مبدعي الشعب. بل أصبحت الثقافة العراقية مجرد ( أنتاج ) أستهلاكي ومن هذا المنطلق أبعد المثقفون عن المشاركة في صياغة الدستور .. يعني هذا أول ما يعني أن المثقفين العراقيين لم يتحرروا بعد من سلبيات الموقف من تطور المجتمع العراقي وإحداثه وربما لا يراد أن يكون الموقف الثقافي عند العراقيين لا في داخل الوطن ولا في خارجه كإيمان في أحقية أية جماعة عرقية أو مذهبية تعيش في المحيط يفترض في المركز أن يلبى مطالبها . هكذا نلاحظ تناقضا في صميم الديمقراطية العراقية في الفترة اللاحقة لسقوط نظام صدام حسين الدكتاتوري المكشوف والمعلن مثلما كان التناقض نفسه موجودا منذ تأسيس الدولة الحديثة عام 1921 فقد شهد العراقيون على مدي ما يزيد على 85 عاما ظهور جماعات تطالب بتحقيق مطالبها عن طريق الحكومات العراقية المتعاقبة فنتج عن ذلك استبداد من الدولة ضد مصالح الفلاحين في انتفاضات منتصف ثلاثينات القرن الماضي .. وفي انتفاضات الكرد ابتداء من نفس الفترة .. وانتفاضات العمال في بغداد وكاورباغي وموانئ البصرة وعمال شركات النفط الأجنبية .. وانتفاضات الجنود والضباط وانتفاضات الآشوريين وغيرها . جميعها كانت تواجه بالاستبداد الفردي ( رئيس الحكومة ) أو الاستبداد الحزبي ( حزب الحكومة ) أو استبداد الدولة كلها .
إنني اعتقد تماما أن جميع أعضاء لجنة ال55 لصياغة الدستور هم من الوطنيين المخلصين لكنني اعتقد أيضا أن التمايز بينهم موجود في مدى فهم واستيعاب الديمقراطية أي أن لكل واحد أو لكل كتلة منهم مستوى غائي من السياسة الديمقراطية تختلف في القوة والمقام والقوام عن الغائية النوعية لدى الآخر أو لدى الكتلة الأخرى مما يستوجب دائما البحث عن الغائية الواحدة أو الموحدة التي تضمن المصلحة العراقية العامة عند صياغة دستور مهمته الأولى أن يحمي " المصلحة العامة " .
وإذا ما عدنا إلى التاريخ فإننا نجد أن " المصلحة العامة " لها مفاهيم مختلفة لدى الفلاسفة في مختلف العصور فقد لاحظ أرسطو أن كل فن وكل فعل وكل فاعلية إنسانية إنما تنزع إلى هدف ما أو إلى خير ما أو إلى منفعة معينة وهذا المفهوم الأرسطي ينطبق على فعالية صياغة الدستور أيضا . وبصورة عامة فان الإنسان العراقي يتطلع بعد سقوط دكتاتورية صدام حسين واستمرار دكتاتورية أبشع منها في الشوارع العراقية على يد أنصاره من الإرهابيين ، يتطلع إلى فعالية سياسية قوية تتجسد بصياغة دستور لا يتعلق بمنفعة قاصرة على أفراد او عشائر أو طوائف أو قوميات أو مذاهب إنما يتعلق بعملية " دمج " أو "اندماج " العراقيين جميعا كأعضاء متساوين في مجتمع واحد وفي دولة واحدة . وبهذا الصدد أود الإشارة إلى اختلاط كثير ورد في رؤى و حديث السيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية - وهو ليس عضوا في لجنة صياغة الدستور - لمراسلة صحيفة( نيوز) النمساوية وردا على سؤال عن نوعية الفيدرالية المطروحة في العراق قال الحكيم :" الفيدرالية المطروحة في العراق مختلفة فهي فدرالية جغرافية إدارية وليست قومية أو دينية وسوف تبحث خلال الشهرين المقبلين ويثبت بالشكل النهائي نحن ضد الفيدرالية القومية أو الدينية أو المذهبية " ( ملاحظة سأعود لهذا الموضوع في حلقة قادمة ).
وعن رؤيته لدور الإسلام في مستقبل العراق قال الحكيم :" يمكن ان نلخص الموضوع بأربع نقاط أولا احترام الهوية الإسلامية للشعب العراقي وثانياً أن يكون دين الدولة الرسمي هو الإسلام وثالثاً أن يكون الإسلام مصدرا أساسيا للتشريع ورابعاً أن لا يسن قانون مخالف للثوابت الإسلامية .مع احترام حقوق كل الأقليات الدينية والقومية والمذهبية.

أليس في مثل هذه التصريحات لأكبر حزب شيعي في العراق ما ينقصه هو ضرورة اكتشاف المبرر الأول لوجود ( الجماعة العراقية ) وهي تضم الكثير من الأعراق والمذاهب والأديان . ألم يكن الأجدر والأصوب أن يلتفت هذا القائد الإسلامي المناضل طويلا ضد دكتاتورية صدام حسين التي كانت مدعمة بـما سمي " الحملة الإيمانية " وهي أوسع حملة " دينية " ساهمت فيها المساجد الشيعية والسنية ورجالها ، شهدها العراق فترة طويلة كان هدفها تبرير الدكتاتورية .
كنت وما زلت متوقعا أن السيد عبد العزيز الحكيم سيقدم خطابا دينيا جديدا من خلال تصريحاته المتكررة إلى لجنة الدستور والبرلمان والى المجلس الأعلى . نحن في عصر جديد بحاجة ليس فقط إلى دستور جديد بل إلى " فقه جديد " مدروس علميا يتناول الشريعة في عصر حضاري يتقدم فيه الإنسان والمجتمع بخطى سريعة وواسعة نحتاج إلى تجديد الرؤية لتطبيق الشريعة بعلاقتها مع حقوق الإنسان وهي – أي شرعة حقوق الإنسان - اكبر ظاهرة في العالم كله في الزمن الحاضر تدخل إلى حياة المجتمعات ودساتيرها وإلى أفئدة الناس أيضا . مثل هذا التجديد يمكن أن يحل أزمات الفرد العراقي مع مجتمعه وحتى مع العالم كله وبوسع المجتمع العراقي عن طريق دستوره الجديد وضرورة إبعاد الدين عن الدولة وعدم الخلط بينهما بما يجعل أبناء الوطن الواحد مجتمعين متآلفين يحكمون أنفسهم بأنفسهم متمتعين بحقوقهم إلى جانب تأدية واجباتهم حسب دستور يحدد القوانين الوضعية التي تحقق السعادة والرفاهة لجميع المواطنين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم ، ولا أظن أن في تحقيق مثل هذه الأهداف الإنسانية النبيلة أي تعارض مع نصوص الدين الإسلامي الحنيف ، بل العكس تماما .
رغم عدم الدقة المفترضة وعدم التجديد الخطابي في تصريحات السيد الحكيم عن الدستور إذ ركز على عملية " فرز " العراقيين وليس على " اندماجهم " في مجتمع واحد كما كنت أتوقع من فضيلته ، فإن تجارب المواد الدينية في الدساتير العربية تفتقد التمام والكمال لأنها جميعا تتحدث عن أسلام غير محدد حتى الآن في أي دولتين مسلمتين أو بين جماعتين مسلمتين وحتى بين جماعتين من مذهب واحد أصلا ، فلم لا يرى السيد الحكيم ليس مكونات الشعب العراقي مختلفة بل حتى المكونات الإسلامية نفسها مختلفة ، وأقول أيضاً حتى المكونات الفكرية والسياسية عند " الشيعة " أنفسهم مختلفة ولذلك نجد عشرات الأحزاب والكتل الشيعية المختلفة مثلما نجد عشرات الكتل السنية مختلفة في عدد غير قليل من مفاهيمها المذهبية والسياسية . لقد انطلق السيد الحكيم من عقل ٍ أحادي ٍ محدود " الإسلام الشيعي " أو ربما من إستراتيجية المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي لا يريد أن يرى بوضوح مواقفه المتفقة مع القوى الأخرى ولا يرى مواقف القوى الإسلامية المختلف معها . وبالتأكيد فأن من لا يرى الشيء لا يعترف بوجوده أصلاً .
أنني اسأل : هل يوجد إسلام واحد معروف لجميع المسلمين وغير المسلمين في عالم اليوم ..؟ هل يوجد مذهب شيعي واضح ومعلوم ومحدد ..؟ هل يوجد مذهب سني واحد معروف ومعلوم ..؟
الأمر ليس كذلك بالتأكيد .
وإلا لماذا تقاتل المسلمون الإيرانيون مع المسلمين العراقيين في الحرب العراقية الإيرانية وضحاياهم مليون مسلم .. لماذا قتل الجندي الشيعي العراقي أخيه الجندي الشيعي الايراني في الحرب العراقية الإيرانية ( وهي حرب حكام مختلفين ) .. ولماذا تقاتل الشيعة مع الشيعة في كربلاء والنجف ..؟ و ..و .. هناك مئات الأسئلة .
نعم يوجد إسلام واحد هو الأصح المطلق الموجود في القرآن الكريم . لكن الحكام والفقهاء ورجال الكثير من الأحزاب على مر العصور من الدولة الأموية وحتى الجمهورية الإيرانية الإسلامية مرورا بالدولة العباسية والإمبراطورية العثمانية هم الذين أوجدوا " ملحقات " من عقولهم الخاصة للدين الإسلامي تحاول أن تجعل قانونها الإسلامي أو " دستورها " ضامنا رئيسيا لمصالح طائفية تنفي نفيا مطلقا كل من تمذهب بغير " الإسلام " فصاغه في " دستور " دولته لضمان مصالح( المجتمع العامة ) حسب المدعيات المخالفة للتطبيقات الفعلية .
أريد المبادرة إلى توجيه سؤال إلى بعض قادة الأحزاب الإسلامية الذين درسوا وأقاموا في البلدان الغربية وعدد غير قليل منهم الآن يقود العراق وحكومته ومنهم أعضاء في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة وغيرهما هل وجدوا صعوبات بحتة ناجمة عن غموض القوانين الوضعية المتعلقة في تسمية الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية النوعية في أي بلد من البلدان التي أقاموا فيها كما هو الحال في مئات التناقضات الموجودة في البلدان العربية التي يعلق حكامها على دساتيرها رايات الدين الإسلامي .
لا يوجد فقيه أو رجل دولة أو قائد حزب أو عالم دين لا يؤثر القول دائما انه يسعى للمصلحة العامة كذلك كانت مواثيق المدن في القرون الوسطى تتحدث عن " المصلحة العامة " في قوانينها ودساتيرها حتى الثورة الفرنسية تحدثت عن" المصلحة العامة " كذلك تحدث جان جاك روسو عن " المصلحة العامة " وتحدث هيجل عن " مصلحة الدولة " وتحدث توكوفيل عن " مصلحة البلاد " وها نحن نسمع أصوات جميع الأحزاب في العراق تشدو بالمصلحة العامة وقد يكون الجميع يستهدفون خيرا حقيقيا أو خيرا واحدا لكن الخلاف يتعلق بالتفاصيل قبل الجوهر فهل تستطيع لجنة صياغة الدستور أن تتميز بفعل دايلكتيكي واحد يرجع بالتحليل الاخير إلى استلهام العقل الديني والأخلاقي والاجتماعي في إعداد الدستور من دون أن تكون موصولة الأفكار بمصطلحات عمومية غامضة أو بعيدة عن " جوهر " الديمقراطية ، قريبة ظاهريا من شكلها . ولا بد من الإشارة إلى أن " النظام الدستوري " لا يختفي في ظل الاستبداد كما في نظام صدام حسين وغيره من الأنظمة كإيران وسوريا والباكستان وغيرها فكل الحكام يقولون أنهم يعملون ويقررون وفق " الدستور " ، كذلك فان رفض المثل والقيم الإنسانية التي جاء بها الدين الإسلامي يمكن أن تصدر أيضا من الناس الذين يعتقدون أن النصوص الإسلامية المثبتة في الدستور تستطيع أن تقضي على الاستبداد عندما يجدون ذلك يمس الوضع الشخصي وواقعهم النفعي الخاص .
الاستبداد يرتكز أساسا على وجود فكر متميز لدى فئة متميزة تغالي في الانضباط والطاعة عن طريق العنف مثلما ركزت جماعة الأمر بالمعروف في البصرة في قضية طلبة كلية الهندسة في جامعة البصرة متجاوزين كل تقدير إنساني عقلاني جاء به الدين الحنيف فضلا عن التجاوز على أبسط القيم الديمقراطية . ولم نجد حتى هذه اللحظة مناهضة إسلامية حقيقية لا من مراجع الشيعة ولا من مراجع السنة ضد العنف المستخدم في قضية الحجاب الإجباري في الكليات والجامعات وغيرها من أشكال قهر واضطهاد الحريات الشخصية التي جعلت العراقيين والعراقيات في حالة خوف دائم ليس فقط من الإرهابيين القتلة بل من دعاة النهي عن المنكر المسلحين بالكلاشنكوف . مما يلغي الطابع الإسلامي السليم والمطلق عن الخير والشر وعن الحق والباطل وعن الحلال والحرام لان كل ذلك أصبح في المثال المتقدم يتعين بشعور فرد أو خيال فرد أو أغراض فرد من دعاة ومنفذي " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " بواسطة السلاح .
وهنا لا بد من التذكير أيضا أن الكثير من المتحدثين الإسلاميين عن الديمقراطية هم ليسوا غير متظاهرين بها من اجل ضمان انتخابهم لعضوية البرلمان يحوم في أذهانهم وعي وطني غامض لا يتجاوز مقولة " الغاية تبرر الواسطة " .
.لقد أبدعت أيدي العراقيين وعقولهم على امتداد أكثر من أربعة آلاف سنة حضارات سومر وبابل وآشور . كانت الحضارة العراقية مرتبطة بشكل أو بآخر حسب الفترات والظروف بالحضارات الأخرى اليونانية والفارسية والهندية والمسيحية والإسلامية.
هل تدرك لجنة صياغة الدستور أن هناك استبدادا سياسيا ودينيا واقتصاديا واجتماعيا فرض علينا جميعا منذ حقبة طويلة من الزمن من قبل العشيرة والدولة والاحتلال الأجنبي وأحيانا يأتي من أحزاب وقوى سياسية ضد بعضها أو ضد الجماهير الشعبية في واقع إنساني يغلب عليه زمن البدائية والقصور . كان القوي أو الكبير هو المخول بالإشراف والرعاية على كل الشعب . مصطلح الراعي في التراث الإسلامي اعتمد مفهوم الرفق والحرص، دون أن يسلبه ذلك ظله الذي يشير إلى الفارق بين (الراعي) و(الرعية).فهل يكون حلمنا متحققا بدستورنا الجديد الخالي من أية بذرة لاستمرار هذه الأنواع من الاستبداد .
ان لجنة صياغة الدستور مطالبة بإيجاد كل السبل الديمقراطية التي لا تدع مجالا للتعسف ولسوء استعمال السلطة والقوة من قبل الحاكم والحكومة . إن حرمان الإنسان العراقي من أي حق من حقوقه الإنسانية ـ باسم الدين ـ أو باسم " المصلحة العامة " يعني تشويهه الروحي كما لو تم حرمان عقله من بدنه .
ولنتذكر أن مجتمعنا العراقي مجذور بالاستبداد فكل حكام بلدنا استبدوا بنا وبمجتمعنا الذكوري حيث اتجه الرجال للاستبداد بالنساء ، ويشارك الآباء والأمهات الاستبداد بالأولاد ، ويستبد المعلمون بالتلاميذ ثم يستبد الغني بالفقير ويستبد القوي بالضعيف ويستبد المتعلم بالجاهل ويستبد الكبير بالصغير ويستبد المسلح بالأعزل..الخ بهذه الصورة المتسلسلة تلغى لغة التفاهم والحوار وتحل محلها لغة وعاظ السلاطين . ومن يعصي أوامر هؤلاء الوعاظ يعاقب.
وأذكر الأخوة من أعضاء لجنة صياغة الدستور أن كل هذه الأنواع من الاستبداد كان وما زال من أبرز متابعات ودراسات رجال القانون والدستوريين جميعا في الدول الغربية بهدف استئصالها .



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضرورة صياغة دستور بلا محاور استبدادية 3
- 2الدستور وثيقة ضمان حرية المواطن العراقي
- عن الخطوة الاولى نحو صياغة الدستور العراقي / الحلقة الأولى
- أجمل وأظرف وأقصر كلمة هي : طــــز ..!!
- عاش إرهابيا من عاش بلا إعدام ..!!
- مسامير جاسم المطير 907
- أنا أدعو المرأة للتحرر من الحجاب ..!
- لا اكتب عنك .. اكتب عن الوطن ومعاناته ..!
- مسامير جاسم المطير 903
- مسامير جاسم المطير 901 - البرلمان العراقي معرض للملابس الفول ...
- وطن الدراويش .... ورموز الإنقاذ البعثي
- وزراؤنا لا يقربون الكومبيوتر ..!
- الشهيد العراقي لا يعادل ثمن قطة ..!
- أسوأ عقيدة سياسية هي الطائفية ..!
- عيش وشوف يا معيوف ..!
- هاشم الشبلي ديمقراطي بالرضاعة ‍..!
- الثقافة العراقية بين فضاء البراري والقضبان الطائفية ..!
- ديمقراطية للكَشر ..!
- إلى الوزراء الديمقراطيين الجدد
- الإرهابيون المراهقون .. والمراهقات ..!!


المزيد.....




- هدده بأنه سيفعل بأخته ما فعل به لإسكاته.. رجل يتهم قسيسًا با ...
- مصر تفتتح أكبر مراكز بيانات -مؤمنة- في تاريخها تحتوي على كل ...
- يوتيوبر أمريكي ينجو من الموت بأعجوبة (فيديو)
- السعودية.. جدار غباري يجتاح وادي الدواسر وزوبعة ضخمة تظهر ش ...
- بوريل: لسنا مستعدين للموت من أجل دونباس
- السيسي للمصريين: علموا أولادكم البرمجة بدلا من كليات الآداب ...
- محمد صلاح.. يلمح إلى -خطورة- الأسباب وراء المشاجرة الحادة بي ...
- الزي الوطني السعودي.. الحكومة توجه موظفي الحكومة بارتدائه اع ...
- الشرطة الليبية.. ردود فعل واسعة بعد تدافع رجال أمن خلف شاحنة ...
- حمزة يوسف أول رئيس وزراء مسلم لاسكتلندا يستقيل قبل تصويت مقر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم المطير - خطر الأفكار الاستبدادية الباطنية على صياغة الدستور.. 4