أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - اطلالة نقدية عامة حول سياسة الميزانية المعتمدة في اطار القانون المالي لسنة 2014















المزيد.....



اطلالة نقدية عامة حول سياسة الميزانية المعتمدة في اطار القانون المالي لسنة 2014


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 4261 - 2013 / 10 / 31 - 08:23
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


مقدمة

1 – السياق الدولي لسياسة الميزانية الحالية

تتميز الظرفية الدولية الحالية بتعمق الأزمة الاقتصادية والمالية لجميع الدول الرأسمالية. وقد بدأت هذه الازمة الاقتصادية والمالية العالمية تتعمق وتأخذ أبعادا دراماتيكية منذ صيف 2008، عقب انهيار أكبر الابناك الامريكية والاوروبية فبدأت سلسلة من الأزمات تصيب الابناك والتمويل والبورصات والمعاملات الاقتصادية، فانهارت التجارة العالمية وتراجع الطلب على المنتوجات والخدمات وتدهور ميزان الاداءات لكافة البلدان وتراجعت نسبة النمو نحو الصفر.

تأثيرات هذه الحلقة الجديدة من الازمة الاقتصادية والمالية الرأسمالية كانت وبالا بشكل خاص على الطبقة العاملة في جميع البلدان وخاصة على العمالة المهاجرة. حيث أدت الى تسريحات واسعة جدا للعمال والى تقليص خطير لأجورهم.

حاولت الدول لرأسمالية الكبرى بمعية عدد من الدول الرأسمالية عبر أنحاء العالم في اطار ما يسمى بمجموعة العشرين التصدي بسرعة للازمة الاقتصادية والمالية العالمية، فتم اتخاذ قرار ضرورة تدل الحكومات عبر ميزانياتها العامة وعبر المديونية على الخصوص لانقاد الابناك والشركات الرأسمالية من الانهيار. وعلى أساس هذا القرار أخذت كافة الحكومات بيمينها ويسارييها تعتمد نفس سياسات الميزانيات التقشفية والاستناد على الاستدانة المفرطة.

وقد شاهدنا نتائج تطبيق هذه السياسات التقشفية في عدد من البلدان الاوروبية مثل اليونان واسبانيا وايطاليا والبرتغال وارلندا وبريطانيا وفرنسا ... فقد خلقت هذه السياسات التقشفية انكماشا وركودا اقتصاديين أديا الى تعمق الازمة والى المزيد من المديونية والى المزيد من سياسات التقشف.

2 – السياق المحلي لسياسة الميزانية الحالية

لم تسلم بلادنا من تأثير الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية رغم انكار حكومة عباس الفاسي لهذا التأثير، ففي فبراير 2009 اجتمعت الحكومة والباطرونا وانشأت خلية أزمة واتخذت قرارات لا زالت انعكاساتها الخطيرة على الطبقة العاملة ومن بينها ما يلي:

- منح المقاولات الرأسمالية المتأزمة (النسيج، الجلد، مقاولات الاشغال، الصناعة التقليدية، المقاولات السياحية ...) امكانية تسريح عمالها في حدود 5 في المائة، لكن هذا السقف لا يتم احترامه وغالبا لا تمنح أية تعويضات للعمال المسرحين؛ بلغ عدد التسريحات في قطاع النسيج بمفرده خلال سنة 2009 خمسين ألف؛

- منح نفس المقاولات امكانية تقليص الحد الأدنى للأجور الى حدود سقف 1200 درهم، لكن هذا السقف لا يحترم فيتم النزول عنه؛

- اعفاء هذه المقاولات من سداد حصص الضمان الاجتماعي وعدم الالتزام بشروط السلامة، وقد شاهدنا كوارث هذا الاجراء في مثال محرقة روزامور بالدار البيضاء وانهيار مبنى المنال في القنيطرة

- اعفاء هذه المقاولات من متأخرات الضرائب.

لقد استفاد من هذه الاجراءات في نفس الوقت المقاولات المتأزمة والمقاولات غير المتأزمة، ولا زالت هذه الاجراءات سارية الى اليوم.

على مستوى الميزانية ونتيجة للركود والانكماش الاقتصادي وتراجع المداخيل العمومية خاصة الضريبية أخذت الحكومات تتوسع تدريجيا في الاستدانة الخارجية وفي ممارسة ضغط أكبر من أجل تقليص الانفاق العمومي وتجميد الأجور، وقد بدأت الحكومة تعترف بتأثر المغرب بالازمة منذ سنة 2011. لكن السياق الجهوي لما يسمى بالربيع العربي وانهيار عدد من الانظمة بسبب تعمق ازماتها الاقتصادية والسياسية، جعل الحكومة المغربية تدخل في مناورات سياسية لتجاوز هذه المرحلة المطبوعة بالانتفاضات الاجتماعية، فكان اتفاق 26 ابريل مع النقابات ثم دستور فاتح يوليوز والانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011، التي بوأت حزب العدالة والتنمية مركز الصدارة في الانتخابات وبالتالي قيامه بتشكيل الحكومة نصف ملتحية.

وفي نفس الوقت الذي كانت فيه شريحة واسعة من الجماهير الشعبية المتدينة تأمل في أن تقدم هذه الحكومة على معالجة الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتأزمة، كانت الباطرونا والنظام ومن خلفهما المؤسسات المالية الدولية وكلاء الرأس مال الدولي ترى في هذه الحكومة ضالتها لتطبيق كافة الاجراءات اللاشعبية اللاديموقراطية اللاوطنية والتي عجزت عنها مختلف الحكومات السابقة منذ عقود.

إذن فسياسة ميزانية لسنة 2014، تدخل في اطار هذا السياق المطبوع بالأزمة والتقشف والانكماش والركود. فما مدى واقعية الافتراضات التي قامت عليها هذه السياسة؟ وما هي طبيعة توجهاتها وأهداف القانون المالي لسنة 2014؟ ثم ما هي أبرز سمات السياسة الضريبية في هذا القانون؟ وأخيرا ما هي أبرز معالم سياسة الانفاق العمومي المعتمدة في اطار هذا القانون؟



أولا: افتراضات الحكومة التي بني على أساسها القانون المالي

يستفاذ من وثائق مشروع القانون المالي لسنة 2014 المعروض على البرلمان حاليا، أن سياسة الميزانية المعتمدة في القانون المالي لسنة 2014 تقوم على مجموعة من الافتراضات نناقشها فيما يلي:

1 – توقع السعر المتوسط لبرميل النفط (برينت) بقيمة 105 دولار؛ وإذا كان هذا التوقع مناسبا خلال ستة اشهر الأولى لسنة 2013 والى غاية شهر شتنبر والتي اعتمدت من طرف الحكومة كاساس لاعتماد نظام المقايسة بسرعة قبل أن تؤكد المعطيات الجيو سياسية في الشرق الأوسط وتراجع خطر الحرب على سوريا على امكانية تراجع هذا التوقع الى ما دون المائة دولار، ارتباطا باستمرار الازمة وبتقلص الطلب العالمي على النفط نتيجة الركود الاقتصادي العالمي المتواصل خاصة في دول الاتحاد الاوروبي.

2 – معدل صرف الدولار 8,50 درهم؛

3 – امكانية حدوث ارتفاع طفيف في الطلب الخارجي على المنتوجات المغربية بنسبة 3,4 في المائة مقارنة مع سنة 2013 الذي لم يتجاوز 0,5 في المائة فقط، وذلك بسبب بعض الانتعاش في اقتصاديات الولايات المتحدة واليابان وبريطانيا، وتراجع محتشم للركود في الاقتصاد الأوروبي؛

4 – على المستوى الداخلي يتوقع المشروع سنة فلاحية متوسطة بإنتاجية في مجال الحبوب بحجم 70 مليون قنطار، وهو توقع أضعف من توقعات حصيلة سنة 2013 بنسبة 27,5 في المائة؛

5 – توقع تزايد في الاقبال على الاستهلاك الداخلي بنسبة 3,4 في المائة خلال سنة 2014 انطلاقا من توقع في تحسن في استهلاك الأسر خلال سنة 2014 بنسبة 3,9 في المائة؛ لكن هذا التوقع يبدوا غير واقعي وصعب المنال نظرا للتأثيرات السلبية الممكن حدوثها نتيجة التضخم وغلاء المعيشة والتي ستعاقب بشدة محفظة الأسر؛

6 – تتوقع الحكومة أن ترتفع نسبة نمو الناتج الداخلي الاجمالي إلى 4,2 في المائة سنة 2014، انطلاقا من توقع تطور نمو الناتج الداخلي الاجمالي غير الفلاحي بنسبة 4,8 في المائة، مقابل تراجع القيمة المضافة الفلاحية بنسبة 0,3 في المائة. هذا التوقع هو الآخر غير واقعي نظرا لارتباطه بدينامية السوق الداخلي المهددة بالتراجع نتيجة السياسة التقشفية وكذا بالسوق الدولية المتقلبة؛

7 - تتوقع الحكومة التحكم في عجز الميزانية في حدود 4,9 في المائة بالنسبة للناتج الداخلي الخام، وهو مستوى مشابه تقريبا توقعات سنة 2013 (5 في المائة)، لكنه معرض للتجاوز. وتراهن الحكومة على الاحتفاظ بهذه النسبة من العجز على أساس تراجع فاتورة المقاصة، والتي تم تحديدها في 35 مليار درهم عقب اعتماد نظام المقايسة الجزئية للمنتجات النفطية، وعلى الخصوص على تحسين المداخيل (الجبائية وغير الجبائية). لكن هذا التوقع هو الآخر غير واقعي نظرا لتراجع نسبة تغطية الضرائب لنفقات الميزانية العامة من 60 في المائة الى 55 في المائة فقط، وهو ما سيلقي بضلاله حتما على ارتفاع في نسبة عجز الميزانية؛

8 – توقع استمرار تعمق العجز التجاري لكي ينتقل من – 4,7 في المائة من الناتج الداخلي الاجمالي سنة 2013 إلى – 4,8 في المائة سنة 2014؛

9 – توقع عدم تحسن عائدات العمال المغاربة في الخارج، نظر لاستمرار تعمق الأزمة في منطقة الأورو في بلدان الاتحاد الأوروبي منذ سنة 2008، وحيث بلغ فيها معدل البطالة 11,4 في المائة بينما سجل هذا المعدل رقم قياسي في اسبانيا بنسبة 25 في المائة؛

10 – كما تتوقع الحكومة استمرار تعمق عجز الحساب الجاري لميزان الأداءات والذي قد يصل الى 10 في المائة من الناتج الداخلي الاجمالي حسب توقعات بنك المغرب وهو ما يؤثر على قدرة البلاد على الاستيراد ويدفعها أكثر نحو الاستدانة الخارجية، ولمواجهة هذا العجز تتهيء الحكومة لاتخاذ عدد من الاجراءات في اطار مشروع القانون المالي لدعم استقرار العائدات الخارجية من النقد الأجنبي، من خلال انعاش الصادرات وتقنين الواردات، اضافة الى تعبئة المداخيل من النقد الأجنبي والتحكم في عجز الميزانية.

إذن فالحكومة تبني سياستها للميزانية على عدد من التوقعات بعضها صحيح والبعض الآخر غير واقعي الا أنها تفيد الحكومة في تبرير هجومها على العديد من المكتسبات الاجتماعية للاجهاز عليها، كصندوق المقاصة ونظام التقاعد والزيادة في معدلات الضريبة على عدد من المنتجات والخدمات الأساسية.


ثانيا: حدود وطبيعة توجهات القانون المالي لسنة 2014

تقيم الحكومة مشروعها حول القانون المالي لسنة 2014 ، على أربع توجهات كبرى متكاملة، تستهدف بعض الاصلاحات المؤسساتية وضبط التوازنات المالية ودعم الاستثمار والتشغيل وأخيرا معالجة بعض الجوانب الاجتماعية.
لكن طبيعة هذه التوجهات المحكومة بالتقشف وخدمة رأس المال على حساب العمل تجعلها مجرد خطاب ايديولوجي تغلف بها الحكومة سياستها التقشفية الانكماشية. وفي ما يلي نظرة موجزة على مختلف هذه التوجهات.

1 – إتمام البناء المؤسساتي وتسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية:

- تبرر الحكومة هذا التوجه بإقبالها على تنفيذ توصيات المناظرة الوطنية حول الاصلاح الجبائي خاصة منها تلك المتعلقة بتوسيع الوعاء الجبائي، لكن ما يلاحظ هو تجاهل ملموس لروح تلك المناظرة وللعديد من التوصيات والاجراءات الممكن اعتمادها في الاصلاح الجبائي والاقتصار على منظور مالي ضيق للإصلاح هدفه فقط هو رفع المداخيل الجبائية في تجاهل تام للفعالية والعدالة الجبائية.

وفي هذا الاطار تم التركيز بشكل مختل على نوعين من الضرائب محابيان للباطرونا ولكبار الملاكين العقاريين وهما كل من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الفلاحية.

فبالنسبة للضريبة على القيمة المضافة كانت الحكومة تتحين منذ سنوات اختزال المعدلات الأربع للضريبة أي 7 و10 و14 و20 في المائة في معدلين فقط وهما 10 و20 في المائة وهي طريقة ذكية لرفع مختلف أسعار المنتجات والخدمات الأساسية ودون التمييز بين ما هو أساسي ومتوسط وكمالي. فبادخال القانون المالي لهذا الاجراء ستحقق زيادة في مداخيل هذه الضريبة على حساب المعيش اليومي للكادحين، وتفتح من خلاله المجال للباطرونا لتدشين زيادات جديدة في الاسعار.

أما بالنسبة للضريبة الفلاحية فمحاباة لكبار الملاكين العقاريين في المجال الفلاحي سوف لن تطبق هذه الضريبة الا على من يحققون رقم أعمال يتجاوز 35 مليون درهم وذلك بنسبة 17,50 في المائة فقط علما أن عدد الشركات التي تصل الى هذا الرقم، ضئيل جدا لا يتجاوز 10 شركات حسب تصريح وزير الفلاحة نفسه، أما بالنسبة لباقي المقاولات الفلاحية المتوسطة والصغيرة خصوصا منها تلك التي يتراوح رقم أعمالها ما بين مليون و35 مليون درهم ومعلوم أنها ذات وزن اقتصادي مهم جدا، فستضل معفاة من مختلف أنواع الضرائب. وبطبيعة الحال أن ذلك يشكل حيفا كبيرا في حق دافعي الضرائب.

ومعلوم أن تضريب القطاع الفلاحي سيتم على أساس سنة 2014 وليس على أساس سنة 2013.

2 – اعادة التوازن للمالية العمومية والمحافظة على استقرار العائدات الخارجية:

فيما يتعلق بالتوجه الرئيسي الثاني للقانون المالي لسنة 2014 فيستهدف اعادة التوازن للمالية العمومية، وذلك من خلال حزمة من الإجراءات تتعلق بضغط النفقات وبالزيادة في الموارد العمومية.

لكن حقيقة هذا التوجه يبقى حبرا على ورق، لأن مجال تحرك الحكومة يبقى ضئيلا جدا ومحصورا في الهجوم على النفقات الاجتماعية من اجل اعدامها كما هو الشأن بالنسبة لاعدام صندوق المقاصة ومراجعة قانون التقاعد وتقليص عدد الموظفين وتجميد الأجور أو في رفع نسبة الضغط الجبائي على ذوي الدخل المحدود من أجراء وموظفين. ومعلوم أن هذه المجالات المنهوكة أصلا لا يمكنها ان تحقق مطلب اعادة التوازن المالي.

أما بالنسبة لعوائد الأرباح الرأسمالية والعقارية والفلاحية والمهن الحرة ومختلف عائدات الريوع، والتي تنتج في الأصل عن طريق استغلال مفرط للعمل والعمال، فتضل بعيدة المنال عن أن تطالها الضرائب بشكل جدي نظرا لوقوف اللوبيات القوية وراء تحصينها من أي مساس بالضريبة.

كما أن الانفاق العمومي البدخي في عدد من المجالات المسمات بمجالات السيادة والامن والدفاع فلا تخضع حتى للمناقشة أمام البرلمان. اضافة الى عمليات العفو الغريبة عن المتأخرات الضريبية واستمرار الامتيازات الجبائية والعفو عن ناهبي المال العام تبقى كلها مجالات محصنة من التضريب.

ان انحراف هذا التوجه والطبيعة الهزيلة للاجراءات المتخذة في اطاره تفرض استمرار عجوزات الميزانية والخزينة وتفرض بالتالي علاقة ميكانيكية مع التوازنات الخارجية بحيث ان ارتفاع العجز يقود بشكل اتوماتيكي نحو الافراط في الاستدانة الخارجية وهو ما يعود مرة أخرى وبالا على الجماهير الشعبية من ذوي الدخل المحدود والضعيف.

3 – دعم الاستثمار والمقاولة وتطور ميكانيزمات التشغيل:

تتبجح الحكومة في اطار هذا التوجه الثالث برصدها لغلاف مالي بمبلغ 49,3 مليار درهم لنفقات الاستثمار مضافا اليه غلاف مالي بمبلغ 126 مليار درهم مخصص لنفقات استثمار المؤسسات العمومية وهو ما ينقل الحجم الاجمالي لنفقات الاستثمار الى 186 مليار درهم.

ونظرا لكون القانون المالي السنوي هو مجرد توقعات للمنجزات الفعلية للحكومة، ونظرا لكوننا قد تعودنا على أن قانون التصفية الذي يعكس حقيقة انجاز الميزانيات العمومية لا يصدر الابعد مرور عدة سنوات ولا يحظى باي اهتمام من لدن الرأي العام بسبب بعده عن واقعه، وحيث كنا نكتشف على الدوام على أن نسبة تطبيق القانون المالي تتراوح فقط ما بين 20 و30 في المائة فقط خصوصا بالنسبة للاستثمارات العمومية. وقد تتبعنا الغاءات فعلية سنوية لمبالغ تشكل جزءا من ميزانيات الاستثمار تصل الى 10 مليار درهم، وحيث تم الغاء 15 مليار درهم من هذه الميزانية خلال سنة 2013 بشكل رسمي لأول مرة. ونظرا لمختلف مؤشرات الازمة التي أشرنا اليها أعلاه، فإن انجاز الاستثمارات المشار اليها تحيط به الكثير من التحفظات.

إن مشروع القانون المالي رصد 103 مليار درهم للكثلة الاجرية من أجل تشغيل حوالي 18.000 شخص في الوظيفة العمومية، علما أن عدد مناصب الشغل تقلصت عن سنة 2013 بحوالي 6.000 منصب شغل. علما ان حصة الاسد من مناصب الشغل ستذهب الى وزارة التربية الوطنية ب 7005 منصب شغل، تليها وزارة الداخلية ب 4000 منصب شغل ثم وزارة الصحة ب 2000 منصب شغل وادارة الدفاع ب 1800 منصب شغل ووزارة الاقتصاد والمالية ب 1000 منصب شغل.

كما تقول الحكومة أنها ستتخذ عدة اجراءات ضرورية للارتقاء وتحسين مردودية برامج التشغيل في القطاع الخاص، وايضا اعتماد العديد من الاجراءات من أجل تعزيز ثقة المستثمرين الخواص.

وقد عودتنا الحكومات المتوالية على أن مثل هذه الاجراءات تستهدف تشجيع المقاولات الرأسمالية بواسطة تحفيزات جبائية واعفاءات من واجبات الضمان الاجتماعي ... الخ من أجل القيام بعمليات تدريب مجانية أو بمقابل هزيل في أوراشها ولمدد محدودة قد تصل الى ستة أشهر. وهناك العديد من الشباب الذين مروا من هذه التجربة والذين يحكون عذاباتهم في هذا الاطار والذين يزاولون فيه مختلف أنواع الأشغال الشاقة دون مقابل وبوعود بالتشغيل تتجدد كل ستة أشهر وحيث يمكن تأخير تسليم شهادة التدريب كما يتم تأخير تسليم الأجر الرمزي الموعود به. الما المقاولات فتضمن شبابا يشتغلون في أوراشها بدون مقابل ويحققون لها فوائض قيمة وأرباح هائلة.

4 – دعم ميكانيزمات التناسق الاجتماعي:
تقول الحكومة أنها ستتخذ عددا من الاجراءات لتسهيل الولوج الى الخدمات الصحية، وتطوير ميكانيزمات ضمان السكن للطبقة الوسطى وتعميم التغطية الطبية، ودعم التمدرس ونوعية التعليم، ومحاربة الفقر، وإنعاش التنمية القروية ومعالجة النقص في السكن. لكن مختلف هذه الأهداف تبقى حبرا على ورق نظرا لضعف الاعتمادات المخصصة لها، ونظرا لما يشوبها عند التطبيق من انحرافات لا متيل لها تجعل المعنيين بها في الغالب ما يصيبهم اليأس من تحققها.

وتحاول الحكومة أن تدخل في مجال التناسق الاجتماعي حتى الغلاف المتناقص لصندوق المقاصة والذي خصصت له هذه السنة غلاف قدره 35 مليار درهم. مع العلم ان هذا المبلغ تم تقليصه ب 5 مليار درهم عقب اعتماد نظام المقايسة.



ثالثا: سمات اختلال السياسة الضريبية في القانون المالي لسنة 2014

1 – الضريبة على القيمة المضافة:

كما لاحظنا أعلاه لجأت الحكومة متسرعة الى ادخال تعديل خطير على اسعار الضريبة على القيمة المضافة وذلك عن طريق اختزال اسعارها من اربعة الى سعرين فقط وهما 10 و20 في المائة، ويعني هذا بالإضافة الى رفع العديد من أسعار المواد والخدمات الاساسية انهاء مبدأ التصاعدية في مجال الضريبة على القيمة المضافة وذلك عن طريق تطبق ضريبة نسبية على مواد مختلفة سواء كانت اساسية أو عادية أو كمالية.

وكنماذج للمنتجات والخدمات التي ستخضع ابتداء من فاتح يناير 2014 لمعدل 10 في المائة والتي من بينها تلك التي تخضع حاليا لمعدل 7 في المائة هناك الزيوت السائلة الغذائية والعجائن الغذائية السكر المصفى وعلب السردين والعلف المخصص للماشية وغاز النفط ووزيوت النفط وعمليات البنوك وبيع المواد الغذائية في مجال السياحة وعمليات بيع السلع الغذائية في المطاعم والمأجورين في خدمات المطاعم.

كما سيرتفع التضريب من 10 في المائة الى 20 في المائة بالنسبة للملح والأرز المصنع والزيوت الغذائية كما سيرتفع التضريب أيضا من 14 في المائة الى 20 في المائة على الزبدة والشاي والسيارات المهنية والشحوم الغدائية.

2 – الحيف الجبائي في مواجهة الجماهير الواسعة ذات الدخل المحدود:

لاحظنا كيف التفت الحكومة على الضريبة الفلاحية للاستمرار في اعفاء كبار الملاكين العقاريين أصحاب الزراعات النوعية والموجهة نحو التصدير من الضريبة، وحيث لن يخضع لهذه الضريبة الا المقاولات التي يتجاوز رقم أعمالها 35 مليون درهم، علما ان عدد المقاولات المعنية بها لا يتجاوز عشرة مقاولات، وإذا كان كبار ملاكي الاراضي الفلاحية الذين لا يتجاوز رقم اعمالهم 35 مليون درهم معفيين تماما من الضريبة ويحققون أرباحا مالية خيالية، فإن وضع العمال الزراعيين المنتجين لهذه الخيرات لا تتجاوز أجورهم 1.500 درهم شهريا أي أنهم لا يتقاضون الحد الادنى للأجور.

ويتكرس الحيف الجبائي من خلال محاباة الحكومة بالاضافة لملاكي الاراضي الفلاحية الكبار الملاكين العقاريين في المدن ومحاباة رؤوس الاموال والثروات المكتسبة عن طريق الارث وأيضا محاباة أصحاب المهن الحرة. فالثقل الجبائي في المغرب والذي يتراوح ما بين 21 و22 في المائة منذ أكثر من ثلاثين سنة، يقع بالاساس على الفئات الوسطى من ذوي الدخل المحدود من عمال وموظفين أي ان العبء الجبائي يقع بالاساس على العمل والعمال بينما يحابي رأس المال الصناعي والتجاري والفلاحي ومختلف أنواع الريوع ومختلف المهن الحرة، مع العلم أن هذه الثروات هي في الاصل نتاج لفائض القيمة لعمل العمال والذي تستولي عليه البرجوازية الخاملة والمهيمنة على جهاز السلطة بدون شريك.

إن التعامل الضريبي مختلف مع مداخيل متساوية للاجير وللملاك العقاري وللمضارب في البورصة وللفلاح الكبير، فالاجير يسدد ضريبة بمعدل 39 في المائة والملاك العقاري يسدد ضريبة بمعدل 20 في المائة والمضارب في البورصة يسدد ضريبة بنسبة 15 في المائة، والفلاح الكبير لا يسدد أية ضريبة.




رابعا: أبرز معالم اختلال سياسة الانفاق العمومي في القانون المالي لسنة 2014

1 – بنية مختلة للنفقات العمومية

تلتهم نفقات التسيير 65 في المائة من اعتمادات الميزانية أي بمبلغ 199 مليار درهم تخصص منها 52 في المائة كنفقات الموظفين و32 في المائة كتكاليف للتسيير المشتركة و16 في المائة كنفقات المعدات .

تأتي نفقات المديونية في المرتبة الثانية ب 19 في المائة أي 57 مليار درهم منها 87 في المائة من الدين الداخلي 49 مليار درهم و13 في المائة من الدين الخارجي 7,6 مليار درهم.

أما نفقات الاستثمار فتأتي في المرتبة الثالثة ب 16 في المائة أي فقط ب 49,5 مليار درهم وهو تراجع كبير عن السنوات السابقة والذي تطور على التوالي نظريا على الأقل سنوات 2011 ، 2012 و2013 من 53,9 الى 59,1 الى 58,9 مليار درهم.


2 – الاختلال الكامن في عملية توجيه اعتمادات الانفاق العمومي

تحضى مرافق السيادة والامن والدفاع والعدل بحصة الاسد من اعتمادات الميزانية حيت تصل الى 20 في المائة من مجموع نفقات الميزانية بينما لا تحضى المرافق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية سوى بنسب ضئيلة من هذه النفقات. وتتزايد هذه الاختلالات في الانفاق العمومي مع الزمن مما يدفع الحكومة بين الحين والحين الى ضغط النفقات "الضرورية" لصالح نفقات أخرى قد لا تكون "ضرورية" بل توجد فقط ضمن الرعاية التي تحضى بها مرافق السيادة والدفاع والأمن.


بدلا من الخاتمة

1 – سياق الفكر المالي والاقتصادي الحالي مقارنة بالماضي
إذا كانت الفترة التي سبقت عقد الثمانينات تتسم بالتدخل الواسع للدولة مما يتطلب توسعا في عدد الموظفين وفي حجم المرافق العمومية الادارية والاقتصادية والاجتماعية فان سياسة الميزانية كانت تقوم على ضرائب تصاعدية سواء في ما يتعلق بالضرائب على الدخل أو الضرائب على الانفاق. ورغم المحاباة الكبيرة الهيكلية للضريبة اتجاه رأس المال والمهن الحر والفوائد والريوع على حساب المداخيل الاجرية، الا أنالفئات الأولى كانت تساهم بشكل أو بآخر ضريبيا.

لكن مع بداية عقد الثمانينات ومع تفاقم حجم المديونية ولجوء الحكومة الى المؤسسات المالية الدولية تم الخضوع لبرامج التقويم الهيكلي التي قضت بتقليص حجم الادارة وتفويت القطاع العمومي للخواص، بدأت سياسة الميزانية تستهدف تقليص المعدلات الضريبية العليا على الشركات وعلى المواد الكمالية بينما تحافظ على ارتفاع معدلات الضريبة على الدخل. وبذلك بدأنا نلمس أن مداخيل نظامنا الجبائي يقوم على مثلث يتكون من حوالي 65 في المائة من المستهلكين وحوالي 20 في المائة من أقلية من المقاولات التي لا تتهرب من الضريبة و15 في المائة من المأجورين.

وهذا يعني أن السياسة الضريبية تستهدف جزءا صغيرا من الوعاء الجبائي وتتغاضى عن تضريب القسم الأكبر. وهذا ما يؤدي الى محدودية قدرات النظام الجبائي على توليد مداخيل ضريبية أكبر، وأن يصبح مرتعا للغش والتهرب الضريبيين.

وفي ظل نفس سياسة الميزانية نجدها على مستوى الانفاق العمومي بمثابة عبد في خدمة ما يسمى بمرافق السيادة والامن والدفاع والعدل، حيث تتواجد العشرات من البنود التبذيرية عديمة الفائدة تمتص موارد مالية خيالية وتستدعي من الحكومة باستمرار الضغط على المرافق الاجتماعية الضرورية من أجل الاستمرار في ضخ مبالغ مالية في هذه المرافق الطفيلية.



2 – استنتاجات بخصوص المستقبل

سياسة الميزانية المعتمدة في اطار القانون المالي لسنة 2014، سياسة مغامرة خطيرة تستهدف دبح جماهير شعبية واسعة مسحوقة القدرة الشرائية أصلا من أجل خدمة الرأسمال وملاكي الاراضي الفلاحية الكبار وأصحاب الريوع والفوائد والمضاربين في البورصة. وجدير بالإشارة الى أن هذا الهجوم البرجوازي الجديد الذي يفرض التقشف الصارم على الجماهير المسحوقة بينما يمكن الطبقة المهيمنة في نفس الوقت من وسائل مالية هائلة بالاضافة الى قرارات الاعفاء الجبائي عن المتأخرات الضريبية بالنسبة للشركات الرأسمالية والعفو عن ناهبي المال العام يعتبر بمثابة تلاعب خطير لا أفق له، من شأنه أن يعمق الاصطدام والأزمتين الاقتصادية والسياسية.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قوة الثورة المضادة في المغرب
- قراءة مادية موجزة في السياق الرأسمالي الدولي الحالي
- نداء لمشاركة الطبقة الشعبية في اليوم الوطني للمعطل
- نظام المقايسة وحقيقة الوضع الاقتصادي والسياسي في المغرب
- حقيقة منجزات الحكومة التي يتغنى بها لحسن الداودي
- لا للغلاء لا للإفقار
- هل هو الخوف أم مفعول تخدير حكومة بنكيران نصف ملتحية؟
- دعوة للتظاهر ضد الحرب الامبريالية على سوريا
- قراءة سريعة في طبيعة ازمتنا الراهنة
- الطبقة العاملة بيت الميثاق الاجتماعي الجديد والحوار الحكومي
- الطريق البروليتاري
- أزمة النظام الضريبي المغربي سنة 2013
- الاعتقال السياسي في المغرب قضية طبقية
- مؤامرة الحكومة البرجوازية ضد الطبقة العاملة عشية فاتح ماي 20 ...
- ماذا تنتظر الطبقة العاملة المغربية من الحكومة نصف ملتحية؟
- الطبقة العاملة في حاجة الى منظمة سياسية ثورية
- الثورة المضادة البرجوازية الصغرى على ثورة 1917
- بإعدامها لصندوق المقاصة تستهدف الحكومة قوت الملايين من الكاد ...
- ستالين في مواجهة البرجوازية الصغرى والبيروقراطيتين القديمة و ...
- لينين في مواجهة البرجوازية الصغرى والبيروقراطية


المزيد.....




- أردوغان في أربيل.. النفط وقضايا أخرى
- اضطرابات الطيران في إسرائيل تؤجّل التعافي وتؤثر على خطط -عيد ...
- أغذية الإماراتية توافق على توزيع أرباح نقدية.. بهذه القيمة
- النفط يصعد 1% مع هبوط الدولار وتحول التركيز لبيانات اقتصادية ...
- بنك UBS السويسري يحصل على موافقة لتأسيس فرع له في السعودية
- بعد 200 يوم من العدوان على غزة الإحتلال يتكبد خسائر اقتصادية ...
- الولايات المتحدة تعتزم مواصلة فرض العقوبات على مشاريع الطاقة ...
- تباين في أداء أسواق المنطقة.. وبورصة قطر باللون الأخضر
- نشاط الأعمال الأميركي عند أدنى مستوى في 4 أشهر خلال أبريل
- -تسلا- تعتزم تسريح نحو 2700 موظف من مصنعها.. بهذه الدولة


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - اطلالة نقدية عامة حول سياسة الميزانية المعتمدة في اطار القانون المالي لسنة 2014