أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - نظام المقايسة وحقيقة الوضع الاقتصادي والسياسي في المغرب















المزيد.....


نظام المقايسة وحقيقة الوضع الاقتصادي والسياسي في المغرب


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 4221 - 2013 / 9 / 20 - 03:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نظام المقايسة وحقيقة الوضع الاقتصادي والسياسي المغربي

أجرت الصحافية بجريدة المنعطف السيدة بشرى عطوشي حوارا مع عبد السلام أديب حول نظام المقايسة المعتمد مؤخرا من طرف الحكومة نصف الملتحية على ضوء الوضع الاقتصادي والسياسي القائم، وفيما يلي مضمون الحوار.

** ما هو تصوركم لإصلاح نظام صندوق المقاصة بعدما عمدت الحكومة إلى تبني نظام المقايسة ؟

* من الصعب جدا أن نتصور اليوم أي إصلاح لصندوق المقاصة بدون حدوث انعكاسات اقتصادية واجتماعية كارثية على الشعب المغربي، مما يدفع إلى الاعتقاد بأن تبني نظام المقايسة اليوم لاعتماد الأسعار الدولية كسعر مرجعي للأثمان المحلية، قد جاء اعتباطيا وفي استهانة كاملة للواقع الاقتصادي والاجتماعي، وحتى وان ظهر بأن الاجراء سيعاقب فقط وعلى الخصوص الطبقة الوسطى، فإن انعكاساته الوخيمة ستشمل مختلف الطبقات الشعبية الدنيا، رغم وعود الحكومة باتخاذ اجراءات اجتماعية وقائية.

ولا بد هنا من التأكيد هنا على أن صندوق المقاصة عبارة عن آلية اقتصادية واجتماعية عرفت صيرورة تاريخية من التطور في علاقة وثيقة مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي القائم فعلا، لذلك فإن أي إجراء يتخذ بشأن إصلاح هذا الصندوق الا وسيكون له انعكاس عميق على واقع ومستقبل هذا المحيط.

فورطة صندوق المقاصة تضخمت اليوم بشكل هائل كما هو الشأن بالنسبة لأية "ذمالة" Abcès لم تعالج لمدى عقود فامتلأت "قيحا" وأصبحت مضرة ومؤثرة في محيطها وقابلة للانفجار في أية لحظة، فوجود صندوق المقاصة في بلادنا على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية لدعم القوة الشرائية للكادحين المغاربة وتعويض الشركات المنتجة بواسطة هذا الدعم، ليس دليلا على شكل من أشكال الرعاية الاجتماعية للمسحوقين من طرف النظام السياسي القائم، سواء في ظل الاستعمار المباشر أو بعد تأسيس الدولة المغربية التابعة، بل يدل على العكس من ذلك، على التوجه اللا اجتماعي لهذا النظام.

فمن أجل إطلاق يد الرأسمال المحلي والدولي لاستغلال مفرط للطبقة العاملة، سواء على مستوى المحافظة على تدني الأجور أو الاستهانة بشروط العمل أو بناء علاقة عكسية بين الأجور والأسعار(بمعنى تدني الأجور مقابل ارتفاع الأسعار) وغياب الضمان الاجتماعي وتردي الخدمات الاجتماعية، يؤدي بشكل حتمي إلى هشاشة مفرطة للوضع الاقتصادي للطبقة العاملة في مواجهة حاجياتها المعيشية الأساسية. وقد أدت هذه الوضعية المتراكمة الى ضعف الطلب المحلي على المنتجات والخدمات المعروضة في السوق الداخلي. وبطبيعة الحال فإن ضعف السوق المحلي يشكل مدخلا واسعا نحو دائرة التخلف المغلقة وعلاقاته السببية، فمن ضعف الاستهلاك إلى ضعف الادخار والاستثمار إلى ارتفاع معدلات البطالة وتدني الرواتب والأجور والأرباح وضعف المداخيل الضريبية. فصندوق المقاصة شكل وسيلة لتقليص انعكاس هشاشة الوضع الاجتماعي على مسار الاستغلال الرأسمالي والتكوين البدائي لرأس المال، فهو آلية إذن لإحداث توازن اقتصادي واجتماعي في مرحلة التراكم البدائي لرأس المال.

وإذا كانت الدولة قد استطاعت قبل عقد الثمانينات أن تتحمل أعباء صندوق المقاصة، فذلك نظرا لارتكاز مختلف الأنشطة الاقتصادية على تدخل واسع للدولة عبر قطاعه العمومي الواسع، وحيث كانت مداخيل الدولة متنوعة من الضرائب ومن عائدات احتكاراتها العمومية، وأيضا من الكم الهائل للموظفين والمستخدمين في القطاع العمومي الذين كانوا يساهمون نسبيا في تقوية الطلب الداخلي. لكن الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضت على الدولة ابتداء من عقد الثمانينات من طرف المؤسسات المالية الدولية والدائنين، جعل الدولة تسرع في لبرلة الاقتصاد المحلي والتخلي عن دورها التدخلي السابق وفتح المجال واسعا أمام رأسمال المحلي والدولي للهيمنة على مختلف الأنشطة الاقتصادية.

ونظرا للإجراءات الراديكالية التي اتخذت في إطار سياسات التقويم الهيكلي لتكييف المجتمع والاقتصاد المغربيين مع الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة، فإن النتائج الاجتماعية نزلت كارثية على الكادحين منذ عقد الثمانينات نتيجة التسريحات الجماعية وتجميد الأجور وتفكيك المرافق العمومية وخوصصتها مما أدى إلى رفع من أسعار خدماتها (منذ خوصصة شركة توزيع الماء والكهرباء بالرباط سنة 1998، قامت شركة ريضال المستفيدة من الخوصصة بأكثر من عشر زيادات دورية في فواتير الماء والكهرباء الى درجة اصبحت لا تطاق على التحمل من طرف الكادحين). بل أن ميزانية الدولة تعرضت أيضا لعملية اجتفاف وتصحر قويين نتيجة تراجع المعدلات الضريبية التي تهم المصادر الاقتصادية الرأسمالية خاصة بالنسبة للضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة، وأيضا تراجع عائدات احتكارات الدولة بسبب عمليات خوصصة المرافق العمومية، وأيضا تراجع عائدات الخوصصة تدريجيا طيلة عقدين من الزمن.

إذن فالدولة توجد حاليا أمام سكتة قلبية حقيقية متعددة الأوجه (نقصد بالسكتة القلبية الأزمة الحادة متعددة الأبعاد)، فهناك وجه أولي لهذه السكتة يتجلى في العجز الاجتماعي العميق والذي تعبر عنه بوضوح وتعترف به ما تمت تسميته "بالمبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية"، فالفقر والهشاشة التي تضرب أطنابها وسط المجتمع المغربي العميق مضافا اليها جمود الأجور والمرتبات وتدني شروط الاستغلال والعمل، وبطبيعة الحال فإن هذا المستوى الأول من السكتة القلبية يعمق من ضعف السوق الداخلي ومن عجزه عن استيعاب السلع والخدمات الغزيرة المحلية والمستوردة كما يعمق تخلف البنيات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تحافظ بصعوبة على الأساس المادي لمعيشة الطبقة العاملة والطبقة الوسطى، وهناك العديد من الخطب الرسمية التي تعترف بتدهور الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للطبقة الوسطى نتيجة الصيرورة الليبرالية التي أتينا على ذكرها. بينما لا تشير أبدا نفس هذه الخطب الى الوضع الكارثي الحقيقي الذي أصبحت تعيش عليه الطبقة العاملة المسحوقة اقتصاديا والمضطهدة سياسيا، بل تحاول دائما التغطية على هذا الوضع من خلال در الرماد على العيون بواسطة التوجه الاحساني للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والتي لم تحقق أية نتائج تذكر للارتقاء بالوضع الاجتماعي المتدهور.

الوجه الثاني للسكتة القلبية تتمثل في الوضع الكارثي للمالية العمومية، فقد حدث تراجع مخيف في المداخيل الضريبية مقابل ارتفاع حجم الانفاق العمومي، والتي أصبحت لا تمثل سوى 60 في المائة فقط من عائدات الميزانية بينما يتم البحث عن مداخيل استثنائية متعددة لاستكمال حاجيات تمويل الميزانية خصوصا بعد تراجع عائدات الخوصصة، وقد ظل المصدر الأساسي لهذه العائدات الاستثنائية يتمثل في الاستدانة الخارجية والداخلية المفرطة والتي تضخمت من جديد رغم تراجع الاستدانة الخارجية النسبي في النصف الأول من العقد الأول من الألفية الثالثة عبر ما سمي بالتدبير النشيط للمديونية. وقد تعمقت أزمة الميزانية العامة أيضا بسبب ضعف وتيرة الأنشطة الاقتصادية نتيجة ضعف السوق الداخلي وكذلك نتيجة التبذير الهائل للإنفاق العمومي في وجهات غير منتجة اقتصاديا واجتماعيا، بل ترتبط باستهلاك بذخي مفرط في التبذير في مجالات صيانة ما يسمى بمؤسسات السيادة والأمن والدفاع والدبلوماسية، فهو عبارة عن إنفاق سخي على ما يمكن تسميته بنفقات الدولة الدركية وحيث أن بعضه لا يخضع لأية مساءلة أو محاسبة لا برلمانية ولا قضائية.

الوجه الثالث للسكتة القلبية يهم البنية الاقتصادية الرأسمالية نفسها التي ترعرعت وعششت في بلادنا على قاعدة الاستغلال البرجوازي المفرط للطبقة العاملة خصوصا خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن العشرين، وفجأة وخلال عقد الثمانينات وجدت البرجوازية المحلية المدللة نفسها أمام تحول راديكالي في الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للدولة، حيث انطلق التخلي تدريجيا عن الحماية الجمركية لأنشطة هذه البنية الطبقية الرأسمالية التبعية طبعا، فبين ليلة وضحاها وخاصة مع الشروط الجديدة لمنظمة التجارة العالمية واتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الاوروبي ومع الولايات المتحدة الأمريكية ... الخ، أصبح من المفروض على البرجوازي المحلي أن يأخذ بعين الاعتبار هجوم منافسة البرجوازية العالمية ذات القاعدة الاقتصادية القوية والسلع الأجنبية ذات الجودة العالية وبأقل كلفة، ونظرا لضعف استعداد الرأسمال المحلي لمنافسة الرأسمال الأجنبي، فإن العديد من القطاعات الاقتصادية تم ضربها في الصميم مما دفع الكثير منها إلى إقفال أبوابها وتسريح الآلاف من الأيدي العاملة وقد لاحظنا ذلك على الخصوص بالنسبة لقطاع النسيج والذي سرح فقط خلال سنة 2009 ما يزيد عن 50 ألف عاملة على الصعيد الوطني.

وتتعمق السكتة القلبية أكثر بالنظر الى للتوجه الخارجي للاقتصاد المغربي، فالأزمات الدورية التي أصابت السوق الدولة جعلته يصاب بعوارض تقلبات عنيفة خاصة منذ سنة 2008 ، ومن النتائج المباشرة لذلك تراجع الطلب الدولي على المنتجات المغربية مضافا اليها تراجع عائدات العمال المغاربة في الخارج وأيضا تراجع مهم في اقبال أعداد السياح الأوروبيين على الخصوص. وكان من نتائج كل ذلك عجز تجاري مزمن وتراجع مخزون البلاد من النقد الاجنبي وتدني نسب النمو السنوية والتي لم تتجاوز خلال العشرية الأخيرة 3 في المائة في المتوسط سنويا، وهو معدل لا يشجع على التشغيل ويزيد من تكريس التخلف الاقتصادي والاجتماعي وارتفاع معدلات البطالة.

فإذا ما اكتفينا بالآثار الوخيمة لهذه الأوجه الثلاثة من السكتة القلبية الاجتماعية والمالية والاقتصادية، فإن هامش مناورة الحكومة فقط لمجرد تدبير أزمتها المزمنة أصبح ضيقا جدا، أمام الضغوطات التي يمارسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على المغرب للوفاء بالتزاماته اتجاهها لقاء الخطوط الائتمانية التي منحها الى المغرب والتي يوجد من بينها مطلب تطبيق الأسعار الدولية المشجع للرأسمال المالي الدولي للاستثمار في المغرب. فالاختيار الوحيد الذي أصبح موجودا في يد الحكومة هو التضحية بالجانب الاجتماعي (ان لم نقل التضحية بالقوت اليومي للطبقتين العاملة والوسطى) لإنعاش ما يمكن إنعاشه في الجانبين المالي والاقتصادي، بل بلغ الأمر بالحكومة درجة العفو على جميع ناهبي المال العام والتي تقدر بالمئات الملايير بمجرد مقولة "عفا الله عما سلف، ومن عاد فينتقم الله منه" (بلغت المبالغ المنهوبة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لوحده 115 مليار درهم، علما أن ناهبي هذه المبالغ معروفون لدى السلطات القضائية منذ 2002).

إن خطة الحكومة لتمرير إصلاحها اللاشعبي واللاديموقراطي والمفروض من طرف المؤسسات المالية الدولية تطلب منها استعمال خطاب ديماغوجي مبطن بالمصطلحات الاجتماعية، حينما يصرح لنا نجيب بوليف أو ادريس اليازمي بان الزيادة في أسعار الحليب والمحروقات مثلا له أهدافا اجتماعية وأنه لصالح الفقراء، ويقيسون نسب دعم المحروقات الى الناتج الداخلي الاجمالي، انما يحاولون فقط تمرير هذا القرار، من أجل التماثل مع التزامات الحكومة اتجاه صندوق النقد الدولي، أما مضاعفاته الاجتماعية والاقتصادية الكارثية فيحاولون تغطيتها برداء من الضبابية.
لقد تم تمرير نظام المقايسة اليوم، في ظل ظرفية دولية تندر بالحرب في منطقة الخليج الشيء الذي سيقود لا محالة إلى قفز أسعار برميل النفط عاليا، مما سيجعل الحكومة تسارع برفع أسعار المحروقات بشكل اتوماتيكي محليا، وبالتالي رفع مختلف أسعار السلع والخدمات محليا. لكن ردود الفعل الاجتماعية من المؤكد أنها ستنفجر آجلا أم عاجلا. ونظرا لأن هامش المناورة في ظل النظام القائم يعتبر ضيقا جدا بالنسبة لكافة الأطراف السياسية، فإن الأزمة الاقتصادية والمالية ستعمق الأزمة السياسية أكثر.

** يعتبر المتتبعون أن اعتماد نظام المقايسة ليس بعملية إصلاح صندوق المقاصة بقدر ما هي مغامرة ترقيعية ما هو تعليقكم؟

* لا أستطيع أن أصف العملية بكونها ترقيعية بقدر ما أعتبرها تنطوي على نية مبيتة مخطط لها مسبقا من طرف الحكومة والتي ستخدم مصالح الرأسمال المحلي والدولي على السواء الى أبعد حد، وذلك من خلال مؤشرين اثنين على الأقل، فاعتماد نظام المقايسة جاءت من جهة نتيجة ضغوط صندوق النقد الدولي على المغرب لدفعه الى الوفاء بالتزاماته أمام هذه المؤسسة التي أبرمت معها حكومة عبد الاله بنكيران في يوليوز 2012 اتفاقية للحصول على الخط الائتماني المعروف بقيمة 6,2 مليار دولار لمواجهة الصعوبات المالية المحتملة مقابل الوفاء بعدد من الشروط والالتزامات التقويمية، ومن جهة أخرى، استباقا للاحتمالات التي أصبحت شبه مؤكدة حول نشوب حرب بالشرق الأوسط وحدوث ارتفاع صاروخي لأسعار برميل النفط، حيث ستنقلها الحكومة أتوماتيكيا على كاهل المستهلك النهائي.

المخاطرة الوحيدة التي تجرأت الحكومة على تحملها وهي مقتنعة بقدرتها على تجاوزها، هي توقع ردة فعل "ضعيفة" كما هي العادة للجماهير الشعبية على الانعكاسات الكارثية لارتفاع الأسعار المدمرة لقدرتها الشرائية، فرصيد حزب العدالة والتنمية السياسي والايديولوجي الديني تستعمله البرجوازية اليوم بشكل واسع لتخدير الجماهير حتى تتحمل مرة أخرى أعباء الزيادات المقبلة في الاسعار، إضافة الى أن التركيز على الطبقة الوسطى بالأساس كمتحمل رئيسي لتبعات هذه الزيادات مع نشر الوعود وسط الطبقات الدنيا الكادحة بأن هناك إعانات اجتماعية تستهدفها، أدى الى نوع من الفصل بين الطبقتين، علما أن الطبقة الوسطى غير متشبعة بثقافة الاحتجاج لا تشكل شيئا بدون الطبقة الدنيا نظرا لطابعها الانتهازي الجبان تاريخيا.

وقد سمعنا مؤخرا خطاب الحسين الداودي وزير التعليم العالي يفتخر أمام شبيبة حزبه أن ما استطاعت حكومته تحقيقه خلال سنتين لم تستطع الحكومات المتعاقبة انجازه طيلة عشرين سنة. فالحكومة مقتنعة في قرارة نفسها أنها قادرة على اتمام تنفيذ سياسات المؤسسات المالية الدولية المتماثلة مع طموحات الرأسمال المحلي والدولي ومع ضغوطات صندوق النقد الدولي، محملة كاهل الطبقتين الوسطى والدنيا تبعات كافة هذه السياسات.

** هل في نظركم محاولة تمرير القرار في هذه الظرفية له علاقة باستباق الاجتماع المقبل مع صندوق النقد الدولي المقرر في 10 أكتوبر المقبل؟

* القرار بحد ذاته جريء نظرا لكونه شكل محط انشغال كافة الحكومات المتعاقبة منذ عقد الثمانينات لكونه يعتبر مطلبا للمؤسسات المالية الدولية بالدرجة الاولى لأنه يخدم مصالح الرأس مال المالي العالمي ومنذ ذلك الحين لم تتمكن الحكومات المتعاقبة، رغم كون الظرفية المحلية والدولية كانت أقل كارثية من الوضع الحالي، على تلبيته، خوفا من ردود الفعل الشعبية على مثل هذا القرار. وهذا ما يؤكد على أن مختلف تحليلات الحكومة كانت شبه متأكدة قدرتها على تمرير القرار بدون هزات اجتماعية حقيقية كما حدث سنوات 1981 و1984 و1990.
القرار جريء أيضا لكونه اتخذ في ظرفية تسبق نشوب حرب محتملة في الشرق الأوسط والتي قد تؤدي الى اشتعال أسعار النفط عالميا ومحليا والتي قد تصل الى مبالغ خيالية، بمعنى أن الحكومة اتخذت قرارها وهي تعرف تبعاته السياسية والاجتماعية، مستعدة لذلك بتجهيزات وتدريبات أمنية جد متقدمة لمواجهة حرب الشوارع في حالة نشوبها (أنظر حجم ميزانية وزارة الداخلية التي تتجاوز بكثير ميزانيات القطاعات الاجتماعية والاقتصادية، وأنظر أيضا الزيادات المهمة في أجور ورواتب مختلف أجهزة القمع ...)، مما يدل على سوء نيتها التي تستهدف تحميل الطبقة العاملة تبعات أي اشتعال آني أو مستقبلي للأسعار. فالحكومة لم تراعي أبدا للظروف الاجتماعية عندما قامت برفع الأسعار سواء سنة 2012 أو في سنة 2013.


** النظام يقتضي مقايسة أسعار المحروقات بالمغرب بالأسعار الدولية في نظركم هل ستخفض الحكومة من ثمن المحروقات إن تم ذلك دوليا؟

* نظريا ستخفض الحكومة من ثمن المحروقات إن تم ذلك دوليا، وذلك ما كان معمولا به نسبيا قبل سنة 2004، لكن من الناحية الواقعية أن الحكومة السابقة تخلت على نظام المقايسة لان الظرفية الدولية كانت تتسم باعتدال في اسعار النفط. أما اليوم فإن جميع المؤشرات تؤكد على أن أسعار النفط لن تتوقف عن الارتفاع نتيجة لعدة عوامل وهذا ما يمكن من القول أن حظوظ تراجع أثمان المحروقات محليا تبقى ضئيلة. وحتى وان حدث تراجع في اسعار برميل النفط دوليا بعد ارتفاع أسعار النفط محليا والذي يؤدى الى ارتفاع كافة الاسعار الأخرى، فإن تخفيض سعر استهلاك المحروقات محليا لن يواكبه تخفيض باقي الاسعار. واذن فنظام المقايسة هي طريقة ذكية لمراجعة مختلف الاسعار دوريا لصالح البرجوازية المهيمنة.

** كما ترون الدخول الاجتماعي والاقتصادي والسياسي هذه السنة يأتي على إيقاع الزيادات المتتالية في الأسعار وتأخر الحكومة في تقديم مشروع قانون مالية 2014 ،وترميم الحكومة بحثا عن نسختها الثانية ما هو تعليقكم ؟

* الأزمات الحكومية المفتعلة والمسرحيات السياسية من أجل التطاحن على الصدارة الانتخابية وبالتالي قيادة الحكومة، لا يجب أن تغيب عن أذهاننا بأن نفس السياسات سيتم تطبيقها كيفما كان اللون السياسي للحكومة. ففي ظل النظام السياسي الحالي يمكننا الحديث عن نهاية التاريخ مؤقتا، فليس هناك أي تمايز بين ما يسمى باليسار وما يسمى باليمين أو بين ما يسمى بالاسلامويين، الى فيما يخص تباين قدراتها على تخذير الكادحين للخضوع الى برامجها المتشابهة. فالجميع يؤمن بنفس الأفكار الرأسمالية المرجعية رغم أن النظام الاقتصادي لا يطبق بالفعل كافة القوانين الرأسمالية المعروفة. وقد عشنا فترة التناوب في ظل حكومة عبد الرحمان اليوسفي ولم نشهد أي فارق بينها وبين الحكومات المسماة باليمينية السابقة، كما أن حكومة الملتحي بنكيران رغم كافة الوعود التي قطعتها أحزابها على نفسها خلال الانتخابات التشريعية والتعبير عن ارادة محاربة الفساد والاستبداد فإن العكس هو ما حصل ولم تخرج ممارسات هذه الحكومة عن ثوابت الحكومات السابقة، مع فارق وحيد هو اسراع هذه الحكومة في اتخاذ القرارات الجريئة اللاشعبية واللاديموقراطية، التي تخدم مصالح البرجوازية المهيمنة بدون شريك ومن بينها اعدام صندوق المقاصة واصلاح انظمة التقاعد.

القاعدة السياسية للنظام القائم تتمثل في المحافظة على التوازن الحاصل بين مكونات الحكومة ومكونات المعارضة، فإذا كانت قوة النظام تقوم على أربعة كثل اجتماعية وهي أولا كثلة البرجوازيتين التقليدية والحديثة وثانيا، كثلة الاسلام السياسي بطرفيه المعتدل والمتطرف، وثالثا، كثلة اليساريين المعتدلين والرادكاليين، ورابعا، كثلة التيارات الأمازيغية بمختلف تلاوينها، وحيث نجد نفس هذه الكتل الأربعة داخل الحكومة وداخل المعارضة، فتبقى على العموم عبارة عن مكونات اجتماعية طبقية، تعتمد الايديولوجيات الدوغمائية والمخدر الديني والنعرة الطائفية لتمييز بعضها عن بعض ولمنافسة بعضها البعض، الا أن برامجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فتبقى برامج برجوازية متحكم فيها من طرف القصر ومن طرف الامبريالية.
انعكاس تأثير هذه الكتل البرجوازية على المستويين الاقتصادي والمالي، سيستمر في العمل على تفضيل مصالح التكتل الطبقي الحاكم على حساب مصالح الطبقة العاملة وذلك طالما بقيت هذه الأخيرة لا تتوفر على أداتها السياسية والتي يمكن بواسطتها مواجهة اضطهاد الكتل الطبقية المهيمنة.

ويمكن أن أختم هنا أنه سواء تأخر تقديم القانون المالي أم قدم في أوانه، فلا تأثير لذلك على مصالح الطبقة المهيمنة، بينما سيستمر في المقابل تدمير الاساس المادي والاجتماعي للطبقة العاملة.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقيقة منجزات الحكومة التي يتغنى بها لحسن الداودي
- لا للغلاء لا للإفقار
- هل هو الخوف أم مفعول تخدير حكومة بنكيران نصف ملتحية؟
- دعوة للتظاهر ضد الحرب الامبريالية على سوريا
- قراءة سريعة في طبيعة ازمتنا الراهنة
- الطبقة العاملة بيت الميثاق الاجتماعي الجديد والحوار الحكومي
- الطريق البروليتاري
- أزمة النظام الضريبي المغربي سنة 2013
- الاعتقال السياسي في المغرب قضية طبقية
- مؤامرة الحكومة البرجوازية ضد الطبقة العاملة عشية فاتح ماي 20 ...
- ماذا تنتظر الطبقة العاملة المغربية من الحكومة نصف ملتحية؟
- الطبقة العاملة في حاجة الى منظمة سياسية ثورية
- الثورة المضادة البرجوازية الصغرى على ثورة 1917
- بإعدامها لصندوق المقاصة تستهدف الحكومة قوت الملايين من الكاد ...
- ستالين في مواجهة البرجوازية الصغرى والبيروقراطيتين القديمة و ...
- لينين في مواجهة البرجوازية الصغرى والبيروقراطية
- تطلعات ثورية في الألفية الثالثة؟
- الاحتجاجات الشعبية والاحتقان الاجتماعي في المغرب
- الحركة الاحتجاجية لساكنة حي سيدي يوسف بنعلي بمدينة مراكش
- السياسات العمومية وأثرها على القدرة الشرائية للكادحين


المزيد.....




- الشرطة الأسترالية تعتقل صبيا طعن أسقفا وكاهنا بسكين داخل كني ...
- السفارة الروسية: نأخذ في الاعتبار خطر ضربة إسرائيلية جوابية ...
- رئيس الوزراء الأوكراني الأسبق: زيلينسكي ضمن طرق إجلائه من أو ...
- شاهد.. فيديو لمصري في الكويت يثير جدلا واسعا والأمن يتخذ قرا ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر جريمة طعن الأسقف في كنيسة سيدني -عمل ...
- الشرطة الأسترالية تعلن طعن الأسقف الآشوري -عملا إرهابيا-
- رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يقول إنّ بلاده سترد على الهجوم ا ...
- زيلينسكي لحلفائه الغربيين: لماذا لا تدافعون عن أوكرانيا كما ...
- اشتباكات بريف حلب بين فصائل مسلحة وإحدى العشائر (فيديوهات)
- قافلة من 75 شاحنة.. الأردن يرسل مساعدات إنسانية جديدة إلى غز ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - نظام المقايسة وحقيقة الوضع الاقتصادي والسياسي في المغرب