أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - لينين في مواجهة البرجوازية الصغرى والبيروقراطية















المزيد.....


لينين في مواجهة البرجوازية الصغرى والبيروقراطية


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 4009 - 2013 / 2 / 20 - 18:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لقد عملت ثورة أكتوبر 1917 في روسيا بالفعل سياسيا على إلغاء سلطة الرأسمالية وإرساء ديكتاتورية البروليتارية. لكن الصراع الطبقي لم ينتهي هكذا، بل على العكس من ذلك سيزداد قوة وشراسة . فقد تواصل الصراع الطبقي خلال مرحلة ديكتاتورية البروليتارية، بأساليب أخرى تختلف عن المرحلة السابقة لانتزاع البروليتارية للسلطة من البرجوازية في روسيا. وهذا يعني:

"... أن ديكتاتورية البروليتارية تشكل أيضا مرحلة من الصراع الطبقي، لا يمكن تفاديها طالما أن الطبقات لم يتم الغائها، والتي تغير شكلها وتصبح شرسة وخاصة غداة قلب رأس المال. وبعد غزو السلطة السياسية، لا توقف البروليتارية الصراع الطبقي؛ بل تواصله إلى غاية القضاء التام على الطبقات، لكن، بالطبع، في ظل شروط أخرى، وبكيفية أخرى، وبوسائل أخرى" .

الرأسماليون المحليون والأجانب إضافة إلى الملاك العقاريين، وهم الطبقات المستغلة القديمة، عملت على تعبئة جميع القوى الرجعية بهدف استرجاع هيمنتها عن طريق الحرب الأهلية. وقد ظهر إلى جانبها أعداء جدد للطبقة العاملة، سهل ظهورها التفكك والجوع والبؤس والانهيار الذي تسببت فيه الحرب العالمية الأولى. استهدفت تحقيق إفلاس كلي لاقتصاد البلاد عبر أعمال التخريب، وعن طريق المضاربة والنهب. في مقاله حول "الاقتصاد والسياسة في مرحلة ديكتاتورية البروليتارية"، لاحظ لينين أن نمط الانتاج البرجوازي الصغير لم يتوقف عن إعادة ولادة الرأسمالية:

"الاقتصاد الزراعي ظل انتاجا تجاريا صغيرا. فهناك قاعدة جد واسعة، ذات جدور عميقة وصلبة جدا بالنسبة للرأسمالية. فعلى هذه القاعدة ترتكز الرأسمالية وتحيي، في احدى المواجهات الأكثر شراسة ضد الشيوعية. وتتمثل أشكال هذه المواجهة في: أنشطة المهربين الصغار والمضاربين ضد تخزين الدولة للقمح (بالإضافة الى منتجات أخرى)؛ وعموما، ضد إعادة توزيع المنتجات من طرف الدولة" .

ففي سنة 1918، تم بيع نصف الحبوب القابلة للاستهلاك في المدن في السوق السوداء بسعر أعلى بعشر مرات من السعر الرسمي. هؤلاء المزارعين المرابين، والمضاربين، واللصوص تحالفوا مع الرأسماليين أعداء الطبقة العاملة. ورغم أنهم لم يتميزوا بشكل واضح الا أنهم كانوا في الواقع أكثر خطورة من الأعداء المعلنين للطبقة العاملة والذين يقاتلون في الواجهة.

السمة التي تميز الشريحة الكبرى من البرجوازية الصغرى في المدن والبادية، وأيضا المزارعون الصغار والمزارعون المتوسطون، هو تقلبها بين البروليتارية والبرجوازية.

" ليس بدون سبب يحمل العنصر البرجوازي الصغير هذا الاسم، فذلك لكونه عنصرا غير واضح، غير محدد، غير واع ... فالخراب والبؤس والوضعية الصعبة تحدث لديهم تقلبات؛ فهي اليوم مع البرجوازية، وقد نجدها غذا مع البروليتارية. وتظل فقط الطليعة البروليتارية المتمرسة الطبقة القادرة على الصمود ومواجهة التقلبات.." .

وفيما بين شرائح البرجوازية الصغرى، يمكن أن نشير أيضا الى وضع البيروقراطية في المرافق العمومية، وفي الإدارة والاقتصاد. فإذا كان قد تم في جهاز الادارة القديم القضاء عليها عقب ثورة أكتوبر، فليس صحيحا أن البروليتارية المنتصرة استطاعت أن تستغني ببساطة عن خدمات الموظفين البرجوازيين الصغار في الإدارات، أو عن المهندسين والتقنيين البرجوازيين الصغار في المقاولات الصناعية. وقد أشار لينين الى أن التلقائية البيروقراطية الرسمية تعتبر غريبة عن طبيعة الاشتراكية. فالاشتراكية الحية والمبدعة تعتبر انجازا للجماهير الشعبية:

"رفاقي العمال ! تذكروا أنكم الآن أنتم من يسير الدولة. لا أحد سيساعدكم إذا لم تتحدوا بينكم وإذا لم تأخذوا كافة شؤون الدولة بين أيديكم. سوفييتاتكم تعتبر منظمات سلطة الدولة، فأنتم اقوياء بالسلطات الكاملة، وبمنظمات ذات سلطات القرار ...

بلوروا مراقبة أكثر صرامة على الانتاج وامسكوا جردا للمواد الغذائية. وامسكوا وسلموا إلى محكمة للشعب الثورية أي عنصر يتجرأ على المساس بقضية الشعب" .
لقد استوعب لينين دروس كمونة باريس كما سبق أن لخصها ماركس وانجلز. مبينا مخاطر بيروقراطية الدولة المهيمنة على المجتمع، فقد اشار انجلز، في توطئة لمقال لكارل ماركس حول "الحرب الأهلية في فرنسا" الى الاجراءات التي اضطرت الكمونة الى اعتمادها:

"من أجل تفادي هذا التحول الذي كان حتميا في جميع الأنظمة السابقة، للدولة ولأجهزة الدولة، التي هي في الاصل في خدمة المجتمع، كمتحكمة في هذا الاخير، استخدمت الكمونة وسيلتين ناجعتين. الأولى، اخضعت فيها جميع مناصب الإدارة، والقضاء والتعليم، الى اختيار المهتمين بالانتخاب بواسطة الاقتراع العام، وبطبيعة الحال، مع الإقالة في كل لحظة لنفس هؤلاء المستفيدين. وثانيا، مكافئة كافة الخدمات، من أدناها الى أعلاها، فقط بنفس الأجور التي يتقاضاها باقي العمال. فالراتب الأعلى الذي يؤدى في المجموع كان هو 6.000 فرنك. وهكذا يتم توقيف التطلعات التسلقية بحثا عن المناصب والانتهازية، دون الدعوة الى انتداب مفروض لمنتدبين في هيئة تمثيلية والتي يلحقون بها" .

وبالرجوع إلى هذه الاجراءات الأساسية، فان مجلس مفوظي الشعب حدد، في فاتح دجنبر 1917، مبلغ الدخل الأعلى لمفوض الشعب ولموظف عال في 500 روبل في الشهر. وقد تم تقليص هذا "الحد الأقصى للحزب" الى النصف بالنسبة للموظفين الكبار في الأقاليم. هذا القانون شكل إجراءا مهما من أجل إيقاف الميولات التي تعمل على تطوير البيروقراطية في قلب الحزب. ومع ذلك، سيظهر بسرعة أن المهام الادارية المهمة، في إدارة الاقتصاد والأنشطة العلمية لا يمكن القيام بها بدون اللجوء الى المثقفين البرجوازيين. وقد وصل لينين الى خلاصة مفادها أنه بهدف ربح المثقفون البرجوازيون وإشراكهم في بناء الاشتراكية، لا يمكن تفادي اللجوء الى الوسائل الرأسمالية للمداخيل العليا. وقد فرض اعتماد هذا الإجراء الوضعية العامة والتي ظهر أنها كانت ضرورية في لحظة معينة. وسيكون لها انعكاس ملحوظ على جميع التطورات اللاحقة. يتعلق الأمر بالتوافق على القيام بخطوة إلى الوراء. فقد كان لينين واعيا بشكل كامل بالخطر الممكن أن ينتج عن ذلك. وقد رأى في تحذير واضح وصريح للجماهير حول وسيلة محاصرة هذا الخطر. هذا الإجراء الضروري في تلك المرحلة من أجل ضمان مساهمة المثقفون البرجوازيون كان له أهمية كبرى بالنسبة للتطورات اللاحقة المساهمة في نمو البيروقراطية وبالنسبة لانتقال الامتيازات الى بعض أعضاء الحزب، وفي ما يلي الى تفاصيل التبريرات التي قدمها لينين:

"بدون ادارة الاختصاصيين في مختلف مجالات المعرفة، والتقنية والتجربة، فإن التحول نحو الاشتراكية سيكون مستحيلا، ذلك لأن الاشتراكية تتطلب تقدما واعيا ومكتفا نحو انتاجية في العمل أعلى من انتاجية الرأسمالية وعلى قاعدة نتائج تحققها هذه الاخيرة. الاشتراكية يجب ان تحقق هذا التقدم بأسلوبها، وبمناهجها الخاصة، ولنقول ذلك بشكل ملموس أكثر: بمناهج سوفياتية. ذلك أن أغلبية الاختصاصيين هم برجوازيون بالضرورة، تبعا لكافة شروط الحياة الاجتماعية التي جعلت منهم اختصاصيين. وإذا ما استطاعت بروليتاريتنا، حالما تصبح سيدة للسلطة، أن تنهي بسرعة قضية الجرد والمراقبة والتنظيم على مستوى البلاد (وهو ما كان مستحيلا عقب الحرب والحالة المتخلفة لروسيا)، سنتمكن، بعد أن نواجه التخريب، من إخضاع الاختصاصيين البرجوازيين الى المراقبة الكاملة بفضل تعميم الجرد والمراقبة. وعقب التأخير الملموس الذي سجلناه في مجال الجرد والمراقبة العامة، ونجاحنا في التغلب على التخريب، فاننا لم نخلق بعد الشروط التي تضع في متناولنا الاختصاصيين البرجوازيين؛ هناك عدد من المخربين "تسلموا خدمات"، لكن أحسن المنظمين وكبار الاختصاصيين يمكن استعمالهم من طرف الدولة اما بالطريقة القديمة، بالطريقة البرجوازية (بمعنى اللجوء الى منح أجور عالية)، أو بالطريقة الجديدة، البروليتارية (بمعنى خلق شروط الجرد والمراقبة الممارسة من الاسفل من طرف الشعب بكامله، وهي الشروط التي سيكون من نتائجها الحتمية، الأوتوماتيكية، أن نخضع وأن نجذب إلينا الاختصاصيون).

فالضرورة الزمتنا باللجوء الآن الى التدبير القديم أي إلى التدبير البرجوازي، والقبول بسداد أجر أعلى لقاء "خدمات" لأكبر الاختصاصيين البرجوازيين. وهنا، فإن كل من يتعرف على الإشكالية فسيفهمها جيدا، لكن الجميع لا يعمقون بعد النظر في هذا الإجراء المتخذ من طرف الدولة البروليتارية. ويعتبر من البديهي ان هذا الاجراء عبارة عن توافق، أي نوع من التنازل عن مبادئ كمونة باريز وكامل السلطة البروليتارية، والتي تفرض ان الراتب يجب ان يكون متساويا مع مستوى أجر العامل المتوسط، وأن تتم محاربة الانتهازية بممارسات وليس بالكلام.

أكثر من ذلك. يعتبر من البديهي أن هذا الاجراء لا يشكل فقط قرارا، - في بعض المجالات وفي بعض الحالات – للهجوم على رأس المال (ذلك لان رأس المال، ليس هو مبلغا من المال، بل هو مجموعة من العلاقات الاجتماعية المحددة)؛ انها خطوة إلى الوراء قامت بها سلطة دولتنا الاشتراكية، السوفياتية، التي أعلنت وطبقت منذ البداية سياسة تتجه نحو انزال الرواتب المرتفعة الى مستوى أجر العامل المتوسط ...

علينا أن ندرس خصوصيات الطريق الجديدة، الصعبة بشكل لا نهائي، والتي تقود نحو الاشتراكية، بدون أن تخفي أخطائنا وضعفنا، ولكن عن طريق القيام بمجهود من اجل ان نتمم في الزمن ما لم ينتهي بعد. أن نخفي عن الجماهير واقعة أن جلب الاختصاصيين البرجوازيين عبر اهدائهم رواتب جد مرتفعة، يعتبر ابتعادا عن مبادئ كمونة باريس، سيعتبر سقوطا نحو مستوى السياسيين البرجوازيين وخداعا للجماهير. ان نفسر بصراحة كيف ولماذا قمنا بهذه الخطوة نحو الوراء، وان ندرس بعد ذلك امام العموم عبر اية طريقة يمكننا التراجع عن ذلك، انه تعليم الجماهير والتعلم منهم عبر التجارب، وبناء الاشتراكية ...

بطبيعة الحال، فإن للاشكالية مظهر آخر. فلا يمكننا أن نحتج على التأثير المذيب للرواتب العليا والتي تمارسها على السلطة السوفياتية (وهذا اعتبارا الى أن الثورة تم القيام بها بشكل سريع جدا، السلطة الجديدة رأت أنه ارتبط بها عدد من المغامرين والمحتالين الذين، إلى جانب عدد من المفوضين العاجزين أو بدون أخلاق، لن يطلبوا أحسن من أن يصبحوا "نجوما" ... في فن نهب الخزينة)، إضافة أيضا إلى ممارستها على الجماهير العمالية. لكن جميع العناصر النظيفة والناضجة بين العمال والفلاحين الفقراء سيكونون متفقين معنا للاعتراف بأننا لسنا في مستوى التخلص على الفور من ارث كارثي موروث عن الرأسمالية، وأنه لا يمكننا أن نلج الجمهورية السوفياتية "بدين" يتراوح بين 50 و 100 مليون روبل (الدين الذي نؤديه بسبب تباطؤنا الذاتي في تنظيم الجرد والمراقبة الممارسة من الأسفل من طرف الشعب بكامله) الا بتنظيم أنفسنا، وتوثيق النظام في صفوفنا، وعن طريق تنظيف صفوفنا من جميع من لا زال "يحتفظ بإرث الرأسمالية" أو الذي "يتأمل التقاليد الرأسمالية"، بمعنى الكسلاء، والطفيليين، ومبذرين الخزينة (اليوم، جميع الأراضي، جميع المعامل، جميع السكك الحديدية، تشكل "خزينة" للجمهورية السوفيتية) ...
وبسرعة نحن أنفسنا ، عمالا وفلاحين، نكتسب انضباطا أحسن في العمل وتقنية عالية في العمل، عن طريق استعمال من أجل اكتساب هذا العلم الاختصاصيين البرجوازيين، بسرعة سنتخلص من كل "دين" مدفوع الى هؤلاء الاختصاصيين."

هذه الامتيازات (مداخيل مرتفعة جدا، مساكن فخمة، مستوى معيشي مرتفع جدا، الخ) كانت، في زمن لينين، تقتصر على شرائح برجوازية صغرى من البيروقراطيين والعلميين. ومع ذلك، كان لينين يراقب جيدا خطر هذه الظاهرة. فهو، المنظر الكبير والتطبيقي الثوري، سبق له أن فهم بأن الوسيلة للالتفاف على هذا الخطر بشكل فعال، يكمن في التعبئة والتحول الثوري للجماهير. لأجل ذلك كان لينين يطالب بما يلي:

1 – أن يكون من حق العمال والفلاحين الفقراء بأي ثمن:

أ – انتخاب وإقالة المسؤولين المدراء؛
ب – مراقبة أنشطة المدراء و
ج – تعيين عمال في مناصب المسؤولية؛

2 – أن تأخذ الجماهير العمالية السلطة بكاملها وتؤهل نفسها بالتدريب على هذه السلطة (العمل على تطبيق دكتاتورية البروليتارية).

في سنة 1918، لاحظ لينين بأسف كبير أن مراقبة العمال لم تكن مندمجة سوى جزئيا في الحياة اليومية وفي وعي أكبر جزء من البروليتارية. فلأجل ذلك لم يتوقف لينين عن التأكيد على خطر البيروقراطية وعلى ضرورة تعبئة الجماهير وأن تتاح للطبقة العاملة ممارسة مراقبتها كوسيلة وحيدة فعالة لمحاربتها. وقد أكد في هذا الاطار على أنه:

"بالطبع، عنصر التفكك البرجوازي الصغير (الذي يظهر بالضرورة في كل ثورة بروليتارية، والذي، في ثورتنا نحن، ظهر بقوة أكبر نظرا للطابع البرجوازي الصغير للبلاد، وحالتها المتخلفة نتيجة الحرب الرجعية) الذي يطبع بقوة السوفيتات، بطابعها ...

ويوجد ميل برجوازي صغير يستهدف تحويل أعضاء السوفييتات الى "برلمانيين" أو، من جهة أخرى، إلى بيروقراطيين. فيجب أن نحارب هذا الاتجاه عن طريق الإشراك العملي لجميع أعضاء السوفيتيات في إدارة الأعمال...

هدفنا هو أن نشرك عمليا جميع الفقراء بدون استثناء في حكومة البلاد؛ وجميع الإجراءات المتخذة في هذا الاتجاه – كلما كانت متنوعة، كلما كان ذلك أحسن – يجب أن تسجل بعناية، وتدرس، ويتم تنظيمها، ووضعها في مواجهة تجربة واسعة، وأن تكتسب قوة القانون ...

الصراع ضد التشويه البيروقراطي للتنظيم السوفياتي مضمون بواسطة متانة الروابط التي تجمع السوفياتات "بالشعب"، بمعنى بالعمال والمستغلين، وبواسطة المرونة وليونة هذه الروابط ...

انه الاتصال بين السوفييتيات مع "الشعب" من العمال الذين يخلقون على الخصوص أشكالا خاصة من المراقبة من الأسفل، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لإقالة المفوضين، الشكل الذي يجب علينا الآن أن نطوره بسرعة" .

وقد أكد لينين على ضرورة أن تكون مناهج المراقبة من القاعدة متعددة الأشكال، "تستهدف أن يتم باستمرار وبدون هوادة نزع الربيع السيئ للبيروقراطية" . في 12 أبريل 1919، صدر مرسوم حول اعادة تنظيم مراقبة الدولة، موقع من طرف لينين، كالنين وستالين، تم تعميمه. هذا المرسوم أعلن الحرب على كل أشكال البيروقراطية، كيفما كان شكلها. وقد جعل من البديهي أن مشاركة الجماهير في مهام التدبير والمراقبة تشكل الشرط الوحيد الذي يتيح "تنقية المؤسسات السوفياتية من وحل البيروقراطية".

وفي كل مرة يلاحظ فيها لينين تعمقا في الاتجاه نحو تطور البيروقراطية، كان يرن جرس الإنذار. وهكذا في يناير 1920، كتب رسالة الى طومسكي Tomski تتعلق بوضع البيروقراطية في النقابات:

"لم أكن أشك أبدا أن هناك الكثير من البيروقراطيين في جميع مفوضياتنا.

لكني لم أكن أتوقع أن يكون هناك أكثر من ذلك في النقابات.

إنها فضيحة بدون اسم. أرجوكم بإلحاح أن تقرؤوا جميع هذه الوثائق على الفصيل الشيوعي في ال C.C.S. لروسيا و بلورة إجراءات تطبيقية للنضال ضد البيروقراطية، والتباطؤ، وانعدام الفاعلية والعجز." .

بعد بضعة أيام، كتب لينين الى ستالين حول إجراءات التفتيش العمالي والفلاحي. وقد طالب بأن يتم تحفيز جميع العمال النشطاء، وعلى الخصوص النساء، من أجل المشاركة في التفتيش العمالي والفلاحي، وأن يتم توسيع المراقبة وأن يتم اقناع عمال وفلاحين غير مسجلين في الحزب بالتعاون في ممارسة مراقبة الدولة في المركز. وفي كل مرة، يدعوا لينين العمال والفلاحين أن يتعلموا الممارسة في التسيير، "فالممارسة تعتبر أكثر أهمية مائة مرة من كافة النظريات". واجه لينين على الخصوص البيروقراطية في جهاز الدولة التي تستعمل سلطتها لقمع أولائك الذين يدينون تعسفاتها. فقد تدخل لنين بكل قوة، كما يؤكد ذلك التلغراف التالي، الذي وجهه إلى اللجنة التنفيذية لحكومة نوفكورود Novgorod :

"ظاهريا، بولاتوف Boulatov تم إيقافه لكونه وجه لي شكاية. أحذركم أن ذلك سيدفعني إلى إيقاف رؤساء اللجنة التنفيذية للإقليم وللتشيكا Tchéka اضافة الى أعضاء اللجنة التنفيذية وأن أطالب برميهم بالرصاص. لماذا لم تجيبوا بسرعة على طلبي بتقديم تفسيرات؟

لينين، رئيس مجلس مفوضي الشعب" .

ويبدوا أن لينين لاحظ بوضوح تزايد خطر الهيمنة على السلطة من طرف البيروقراطية في قلب الحزب، وفي جهاز الدولة والاقتصاد. وقد حاول تبعا لذاك خنق هذا الخطر في المهد عبر اعتماد إجراءات صارمة. ومع ذلك، لم يلجأ إليها إلا في حالات استثنائية، من أجل تقديم أمثلة. وقد رأى أيضا أن الحل في النضال ضد البيروقراطية يكمن في تعبئة الجماهير وفي مشاركتهم في مهام إدارية ورقابية، لأن البيروقراطية البرجوازية الصغرى كانت قد اخترقت كامل أجهزة الحزب والدولة، الشيء الذي يفسر كون البيروقراطية البرجوازية الصغرى أصبحت تشكل معضلة خطيرة منذ سنة 1921.

وفي خطابه أمام المؤتمر العاشر للحزب، في مارس 1921، أشار لينين إلى ضرورة النضال ضد البيروقراطية: "علينا أن نناضل ضد البيروقراطية، علينا أن نتوفر على مئات الآلاف من المساعدين" . وقد تأكد بوضوح أنه لا يمكن بكل بساطة "القضاء" على البيروقراطية البرجوازية الصغرى وانه لا يمكن الانتصار عليها الا في خضم صيرورة ذات نفس طويل، وبنضال بدون هوادة، وتعتمد بدون توقف على أساليب جديدة متطورة. ويفترض في كل ذلك فضح وإدانة وطرد البيروقراطيين الذين تسربوا إلى الحزب. فقد كتب لينين الى سوكولوف M. Sokolov ما يلي: "البيروقراطيون عبارة عن أناس بارعون، فالكثير منهم أوغاد وضيعين وعبارة عن لصوص. ولا يمكن أن نحجز على أياديهم فارغة" .

وفي سنة 1921، وتطبيقا لقرار اللجنة المركزية، بدأت عملية تطهير الحزب. فالكثير من عناصر البرجوازية الصغرى كانت قد تسربت الى عضوية الحزب خلال الأربع سنوات الأولى التي أعقبت الثورة عندما أصبح الانتصار بديهيا. وقد جاؤوا على الخصوص من أحزاب البرجوازية الصغرى للمناشفة والاجتماعيين الثوريين. وقد أعلن لينين أن هناك 1 في المائة فقط من المناشفة من دخلوا الحزب في بداية سنة 1918، ومكتو فيه. وبعد أن تم اختبارهم ثلاث أو أربع مرات، ذلك أنه:
"يجب أن نطرد اللصوص من الحزب، والشيوعيين البيروقراطيين، واللصوص، والمائعين، والمناشفة الذين حاولوا تلميع الواجهة، لكنهم ضلوا في العمق مناشفة" .
وهكذا تم إبعاد 170.000 عضوا من الحزب غير موثوق فيهم، يشكلون ربع مجموع الأعضاء.

ومع ذلك، لم تختف البيروقراطية، فالعديد من الشيوعيين الشرفاء لم يكونوا في مستوى كفاءة الاختصاصيين البيروقراطيين البرجوازيين الصغار. وقد أشار لينين في محضر للجنة المركزية الى ما يلي:

"ذلك لأنه في الغالب البرجوازيون هم أكثر كفاءة من أفضل شيوعيينا الذين يتوفرون على كامل السلطة، وعلى جميع الإمكانيات، والذين، بكافة حقوقهم وكامل سلطاتهم، لا يعرفون كيفية القيام بخطوة واحدة" .

"يجب أن نعي، وأن لا نخاف من الاعتراف بذلك، أنه من ضمن 99 حالة على 100، الشيوعيون المسؤولون لم يوظفوا بحسب كفاءتهم: ولا يعرفون كيفية مزاولة مهامهم؛ فما يجب أن يفعلوه الآن هو أن يتعلموا" .

وقد أشار لينين بوضوح الى هذا الضعف، والى خطر البيروقراطية التي، بغض النظر عن خبرتها المهنية، تجعل نفسها "ضرورية" وتولد عدم الثقة في نفوس الشيوعيين. سيتمكن هؤلاء البيروقراطيون البرجوازيون الصغار من الهيمنة على جهاز الدولة والحزب. لأجل ذلك، شجع لينين سنة 1923التفتيشية العمالية والفلاحية على ممارسة الرقابة بشكل مسؤول وعدم التحرج أو التنازل :

"ان تفتيشيتنا الجديدة العمالية والفلاحية، التي نتمنى، ان تترك بعيدا ورائها تلك الصفة التي يسميها الفرنسيون ب "الاحتشام"، والتي يمكننا أن ندعوها مهمة سخيفة أو مباهاة سخيفة، والتي تدعم بشكل عال لعبة بيروقراطيتنا بشكل كامل، سواء تعلق الأمر بالمؤسسات السوفياتية أو بمنظمات الحزب، ذلك أنه البيروقراطية موجودة لدينا في كل مكان" .

لينين لم يكن يشك بأن البيروقراطية، التي لا تشكل في الأصل سوى شريحة برجوازية صغرى، ستستحود على السلطة لمدة ثلاثين سنة بعد ذلك، ثم تعمل بعد ذلك، كطبقة برجوازية جديدة مهيمنة، على إرجاع الرأسمالية على أسس جديدة. لكن لينين كان يرى بشكل واضح خلال حياته خطر إرجاع الرأسمالية عن طريق العناصر البرجوازية الصغرى المتقلبة، خصوصا خطر تشكيل البيروقراطية. وفي خطابه في المؤتمر العاشر ، أشار إلى : "الخطر الداخلي هو، في بعض الأحوال، أكبر من خطر دونكين ولودنيتش de Denikine et Ioudenitch " .

وفي مقترح المقرر المتعلق بالانحراف النقابي والفوضوي، حذر الحزب والطبقة العاملة ضد رجوع الرأسمالية. وقد كتب بشكل واضح ما يلي:

"في بلاد كروسيا، الرجحان الكبير لعناصر البرجوازية الصغرى والعواقب الحتمية للحرب، والدمار، والإفقار، والأوبئة والمجاعة، والبؤس المطلق وضائقة الشعب، تولد تقلبات واضحة تميل تارة الى تعزيز وحدة هذه الجماهير مع البروليتارية، وتارة أخرى إلى رجوع البرجوازية؛ تجربة كافة الثورات خلال القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين تبين بوضوح وقناعة مطلقة أنه نتيجة التراخي في الوحدة وفي القوة وفي تأثير الطليعة الثورية للبروليتارية، لا يمكن لهذه التقلبات أن تؤدي الى شيء آخر سوى الى رجوع السلطة والملكية الرأسمالية والملاكين العقاريين الكبار" .

هل تم أخذ هذه التحذيرات التي عبر عنها لينين بعين الاعتبار؟ هل فهمت الطبقة العاملة أن الأمر يتعلق بحفاظها على سلطتها، وتعزيزها ودعمها بديكتاتورية البروليتارية؟

في المقال التالي سنتطرق لستالين في مواجهة البرجوازية الصغرى والبيروقراطية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - http://www.marxists.org/francais/rosmer/works/msl/index.htm
2 – لينين، الأعمال الكاملة، المجلد 29، موسكو، 1962، الصفحة 424/425
3 - لينين، الأعمال الكاملة، المجلد 30، موسكو، 1964، الصفحة 106
4 - لينين، الأعمال الكاملة، المجلد 32، موسكو، 1962، الصفحة 385
5 - لينين، الأعمال الكاملة، المجلد 26، موسكو، 1958، الصفحة 311
6 – ماركس/انجلز، أعمال مختارة في ثلاث اجزاء، دار التقدم، المجلد 2، موسكو، 1976، الصفحة 199
7 - لينين، الأعمال الكاملة، المجلد 27، موسكو، 1961، الصفحة 256/260
8 – المرجع السابق، الصفحة: 283/285
9 - المرجع السابق، الصفحة: 285
10 - لينين، الأعمال الكاملة، المجلد 35، موسكو، 1964، الصفحة 445
11 - لينين، الأعمال الكاملة، المجلد 44، موسكو، 1970، الصفحة 224/225
12 – لينين، المرجع السابق، المجلد 32، الصفحة: 214
13 - لينين، المرجع السابق، المجلد 35، الصفحة: 507
14 - لينين، الأعمال، المجلد 33، موسكو، 1963، الصفحة: 33
15 - المرجع السابق، الصفحة: 294/295
16 - المرجع السابق، الصفحة: 314
17 - لينين، المرجع السابق، المجلد 33، الصفحة: 509
18 - لينين، المرجع السابق، المجلد 32، الصفحة: 250
19 - لينين، المرجع السابق، الصفحة: 259



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطلعات ثورية في الألفية الثالثة؟
- الاحتجاجات الشعبية والاحتقان الاجتماعي في المغرب
- الحركة الاحتجاجية لساكنة حي سيدي يوسف بنعلي بمدينة مراكش
- السياسات العمومية وأثرها على القدرة الشرائية للكادحين
- ميادين الصراع النقابي بين الطبقة العاملة والبيروقراطية النقا ...
- أي عمل نقابي نريد وبأية آفاق؟
- الحكومة أحرقت ما تبقى من القدرة الشرائية وبنكيران يريد حل ال ...
- تاريخ -اقتصاد الريع- في المغرب
- البطالة وارتفاع أعداد العاطلين بالمغرب
- ألا يمكن للطبقة العاملة أن تناضل خارج المركزيات النقابية؟
- حتى لا تنتحر الطبقة العاملة بكاملها يأسا من واقعها المزري
- اليوم الدولي للقضاء على الفقر
- خروتشوف كذب، لنعيد الاعتبار للرفيق استالين
- صناعة رأي عالمي جديد بعيدا عن كوارث تعمق أزمة النظام الرأسما ...
- نموذج التراكم الرأسمالي البدائي في المغرب والمقاومة البروليت ...
- تأسيس تيار ماركسي لينيني مغربي
- على هامش ندوة وحدة اليسار
- نحو -يونانية- الأزمة في المغرب !!!
- القطار الفائق السرعة
- الأداة السياسية للطبقة العاملة


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - لينين في مواجهة البرجوازية الصغرى والبيروقراطية