أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - الموسيقى حلالٌ حلالْ















المزيد.....

الموسيقى حلالٌ حلالْ


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 4247 - 2013 / 10 / 16 - 15:24
المحور: الادب والفن
    


هو موسيقي أحب الموسيقى منذ نعومة أظافره ، درسها في معهد موسيقي معروف ، صقل فيه موهبته و تعلم العزف على ألات كثيرة : العود والكمان والقانون والأورج والبيانو على أيدي أساتذة كبار ، بزغ نجمه بعد التخرج في مجال التلحين والتاليف الموسيقي ، وعمل مع عدة فرق موسيقية معروفة ، أوصلته الى آفاق عديدة في مجال النجاح والشهرة .

تعرفت عليه مع بدء مسيرته الفنية ، أعجبت بعزفه وقدراته الفنية المتعددة ، وأعجبت به كفنان انساني النزعة ، عميق الشعور طيب النفس ، يعيش حياته بحس صادق مرهف ، و يمتلئ وجدانه بالسلام والأمان وحب الناس ، التقيت به في مناسبات كثيرة ، لمست فيه رغبته الزائدة في فهم النفس البشرية ، وقدرته على بذل المزيد من التضحيات اتجاه اسرته الصغيرة ، اهتم برعاية والديه واخوته الصغار ، شاركهم حياتهم لحظة بلحظة ، أغدق عليهم وساعدهم على اجراء تحولات نوعية مهمة تزايدت يوما بعد يوم في مسار حياتهم .

أعطته الشهرة مكانة مرموقة بين مجايليه ، لم يهتم ببريقها الخاطف ، ولم تُدخل الى نفسه الغرور ، بل زادته قرباً من الناس خاصة البسطاء منهم ، وزادته قدرة على مواصلة عمله بنشاط وحيوية ضمن رؤى منفتحة على الحداثة والتجديد ، عبر فيها تعبيرا جيدا عن طاقاته الإبداعية ، و ساعده هذا على اتساع دائرة انجازاته وانشاء تجربة فنية متميزة ، ساهمت في جعل اسمه من ألمع الأسماء يشار إليه بالبنان .

دارت الأيام وانقطعت صلتي به حين هاجرت إلى كندا ، ولما التقيت به أخيرا في عمان في صبيحة أحد أيام الربيع الماضي ، وجدته بشكل مختلف كليا عما اعتدت عليه من قبل ، تغطي وجهه لحية طويلة تصل الى نصف صدره، ويلبس جلبابا قصيرا فوق الكعبين ، وعندما سألته عن الموسيقى ، أجابني انها من عمل الشيطان " وأهل الموسيقى في ضلال مبين"، وبين لي انه لا نقاش في تحريم الموسيقى والغناء وعلى المسلم التلقي والتسليم ، وأضاف في سياق حديثه أن الموسيقى والغناء وكل الاعمال الفنية على درجة عالية من الكفر، ولا بد من تطهير الساحة الفنية من الكفر، وتبديل حال الفن والفنانين بما يرضي الشرع الحنيف .

ما يدعو للمرارة هو ان هذا الفنان الكبير قد خضع لعملية غسل دماغ من قبل تيارات أصولية متشددة ، أثروا عليه وخسر فنه تحت تاثير أفكارهم الغريبة المصطنعة ، وخرج من عالمه الحالم إلى عالم التطرف والعنف والارهاب والمغالاة في كل شئ ، لم يتمكن من المحافظة على محورية الأنا في سياق توجهاته الحياتية الجديدة ، فانجرف كمجهول مسلوب التفكير والشعور غير قادر على التلاؤم مع العالم الواقعي وروح العصر .

دخلت معه بنقاش طويل بينت له فيه أنه لا توجد حجة ولا دليل مرجعي عند القائلين بتحريم الموسيقى والغناء ، واعتمدت في قولي هذا على مراجع تراثية معروفة كثيرة أكدت كلها على عدم وجود نص صريح في الكتاب أو السنة ينص على تحريم الموسيقى والغناء ، وبينتْ أن موضوع التحريم كان مثار خلاف كبير بين الفقهاء في مختلف العصور ، ووجود الخلاف في موضوع مهم كالموسيقى يعني بصريح العبارة انه لا يوجد نص صريح لتحريمها .

وطرحت سؤالا عليه ، تُرى كيف يكون حال الناس بدون موسيقى وغناء ، كيف يمكن الاستغناء عن الموسيقى ، وهي غذاء للروح ومتعة للعقل والنفس والقلب والذوق ، وعلاج لحالات نفسية كثيرة ، بها تحرك المشاعر ويتم تجميل العالم المحيط وتعم البهجة والاقبال بفرح على الحياة ؟

هذا السؤال استدعى تساؤلا اخر وهو : هل اطلعت على كتاب الأغاني لابي الفرج الأصفهاني ؟

أجابني بحدة : إنه فارسي من الرافضة .

فوجئت لجوابه ، تمعنت وجهه مبتسما وقلت له : إنه من ذرية أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، من علماء العرب الأجلاء ، ألمّ بالأدب والشعر والسير والطب والموسيقى والرواية وحفظ الاغاني والأخبار ، وكتابه " الأغاني " من أمهات الكتب العربية ، إنه على حد تعبير ابن خلدون " ديوان العرب " ، كتاب موسيقى وكتاب غناء وطرب .

ذكر في كتابه أهم المغنين والعازفين في صدر الإسلام والدولتين الأموية والعباسية ... مئات من الأسماء مثل زرياب وابراهيم الموصلي وابنه اسحق ومعبد وابن جامع والكسائي ومتيم ودنانير وحبابة وعريب وعلوة وعليوة وعزة وعاتكة ، وأسماء مغنين من " الخلفاء " أمثال يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد وعمر بن عبد العزيز والواثق بالله ( افضل من غنى بعزف العود ) والمنتصر بالله والمعتز بالله والمعتمد على الله وغيرهم من ابنائهم واحفادهم ، وفيه ذكرٌ لآلات الطرب التي كانت مستعملة وشائعة في أزهى العصور الاسلامية مثل الأرغن الرومي والعود والناي والطبل والطنبور وغيرها .

وبينتُ له ما يذكره كتاب "الأغاني" على صفحات مجلداته المتلاحقة ، من شواهد وقصص كثيرة لا تحصى عن المغنين والمغنيات و الشعراء والادباء ، ومن تفاصيل سردية مسهبة عن سير وآثار واخبار وأشعار وأغاني كثيرة ، ومرويات تراثية فنية غنائية وموسيقية بديعة ، متصلة بتاريخ العرب وخلفائهم ونخبهم الحاكمة ، وفي مقدمتهم الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي اهتم كثيرا بمغنيه ابراهيم الموصلي ، الذي كان أشهر المغنين والملحنين في زمانه ، فقد رعاه وقربه منه في مجالسه وكانت له حظوة كبيرة لديه ...أعطاه أول جائزة قدمها لما وُلي الخلافة ، وعند موته أمر ابنه المأمون أن يصلي عليه .

قدمتُ له أمثلة موسيقية كثيرة ذات شفافية روحية من واقع " الأغاني "، تعكس حقيقة ترسخ الموسيقى في أعماق نفوس وعقول جدودنا منذ أقدم الأزمان ، وبينت له أن أهم ما يمكننا تعلمه من هذا الكتاب ، هو أن الموسيقى حلالٌ ، حلالْ ، لغة انسانية يفهمها كل البشر ، غنية بالمعاني الجميلة ، ترتضيها الفطرة الانسانية السليمة ، وكان العرب في الماضي من أكثر الناس فهما وادراكاً لها ، ساهموا في تطويرها ، وكان حصادهم خصباً ثميناً .

وبينت له في سياق هذه الكلمات أن للموسيقار والمطرب زرياب فضل تأسيس معهد للموسيقى في قرطبة في القرن التاسع الميلادي ، يعتبر أول معهد أسس في العالم أجمع لتعليم علم الموسيقى والغناء وأساليبها وقواعدها ، وله الفضل أيضا بابتداع الموشحات الأندلسية ، وإضافة وتراً خامساً إلى عوده .

مثال أخر ذكرته له في هذا السياق ، يتعلق بالفارابي ، الملقب بالمعلم الثاني بعد سقراط ، فقد طور آلة القانون الموسيقية و ألف كتاباً بعنوان " كتاب الموسيقى الكبير" سجل فيه أول وصف لآلة الربابة الموسيقية ذات الوتر الواحد والوترين المتساويين ، كما وضع بعض المصطلحات الموسيقية وأسماء الأصوات التي لا تزال تستخدم في زمننا المعاصر ، يظهر منها أنه أول من عرف صناعة الموسيقى ومصطلح الموسيقى ، وأول من وضع أصول الهارمونية الحديثة قبل جان فيليب رامو بستة قرون ، وأول من ثبت قواعد تصنيع الألات الموسيقية قبل فيرديناند هيلمهولتس بتسعة قرون ، وقد تُرجم كتابه إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، واستطاع به تطوير الموسيقى العالمية .

للأسف لم يتجاوب مع الذي قلته له ، أطبق شفتيه ولم ينطق بشئ ، لبث برهة صامتاً ، ثم تحدث بكلمات متقطعة ادعى بها أن كتاب " الاغاني " باطل ومعلوماته التي حدثته عنها زائفة ، لا تعبرعن حقيقة الحياة فيما مضى من العصور ، واستطرد بعد ذلك بترديد اتهامات وتشنيعات وفتاوى كثيرة ضد الموسيقى والغناء وضد الفارابي وزرياب تبدو أقرب الى الخرافات منها إلى الحقيقة .

تأكد لي مما ردده أن قوى الجمود الديني وحركات التعبئة الظلامية المتشددة قد تمكنت منه ، أقنعته بصحة تفسيرات دينية خاصة بها تسعى من خلالها إلى فرض القيود على الحداثة العقلية و الحريات الشخصية والثقافية والإبداعية ، ورفض الموسيقى والأغاني والثقافة العصرية ، وحتى نبذ التقانة الحديثة بتنوع انماطها بما فيها الانترنت .

انها دعوة تسعى الى الدمار والتطرف ونبذ الحياة الانسانية السليمة ، أدت به إلى الضياع ، سيطر البؤس المادي و المعنوي على حياته ، وطاردته لقمة العيش ، لم يجد مجالا للعمل يكسب منه ، لأن قدراته العملية محصورة في مجال الموسيقى ، وقد حُرمت عليه واصبحت عديمة النفع .

هذا هو العقاب الصارم الذي فُرض عليه ، أن يرى الحياة عابثة لا جدوى منها خالية من اي معنى ، تدور حوله في دائرة ضيقة مظلمة ، تكاد تكون مغلقة على التكفير والتجهيل والتجريم وترسيخ " ذهنية التحريم " .



#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حيفا يا عشقي الأزلي
- أيامٌ في حيفا
- لماذا فشل حكم الإخوان في مصر ؟
- في ذكرى رحيل الشاعر محمود درويش
- مريضة الغرفة 72
- رواية دروز بلغراد ... حكاية حنا يعقوب
- على ضفاف البحر الميت
- الإسلام السياسي
- إميل حبيبي باقٍ في حيفا
- شيليا
- جوني منصور مؤرخ حيفا
- عن أقباط مصر
- أحييكم
- الثورة الجزائرية في مرآة النفس والآخر
- كتاب المهد العربي
- حيفا ليست قرطبة
- عبد عابدي : نصف قرن من الإبداع
- شظايا مذكرات غير مكتملة
- جزيرة في نهر سان لوران.
- البحث عن الجذور


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - الموسيقى حلالٌ حلالْ