أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - شيليا














المزيد.....

شيليا


سميح مسعود

الحوار المتمدن-العدد: 4075 - 2013 / 4 / 27 - 01:33
المحور: الادب والفن
    


دخلت إلى الغرفة ألتي خصصت لي في فندق شيليا وسط مدينة باتنة الجزائرية ، ألقيت نظرة سريعة عليها ، ووقفت على الشرفة لبرهة ، ثم أعدت تركيز انتباهي على اسم الفندق ، اثارني إسمه ، لم أسمع به من قبل ، لاحظت أنه ينبض بإيقاع يبعث في النفس الراحة والسكينة .

فجأة وجدت فوق منضضة جانبية نشرة إعلامية مزخرفة برسومات وصور كثيرة ، فيها نبذة تعريفية بالفندق والمدينة ، عرفت منها أن " شيليا " اسم أعلى قمة من جبال الأوراس ، إنها ليست مجرد صخور وتراب وشجر ، بل هي حاضنة لأحداث تاريخية شديدة الوطأة ، تستوطن ثنايا الذاكرة الجمعية ، موشومة بلحظات مضيئة لأنها كانت فيما مضى صلة وصل بين الثوار، امتزجت أرضها أثناء الثورة بدماء الشهداء .

نظرت إلى قمة شيليا عن بعد ، رأيت الغيوم تركع أمامها ، وتتدلي بين طيات جنباتها ، هالني كثافة الشجر فيها ، مساحات واسعة من الاشجار الباسقة ، تمتد كسجادة خضراء على اتساع المدى دونما انتهاء.

تخيلت نفسي صاعداً إلى أعلى قمة شيليا ،أحسست بأنني في كل خطوة أخطوها للأعلى أقترب من أردان الغيوم ... توقفت عن الصعودعندما أرخى الليل أستاره عليها .

استهواني سماع المزيد عن أخبارها التاريخية ، اتسعت دائرة معلوماتي عنها ، نقلتني إلى أجواء مشحونة بالإثارة... تصفحت بإدراك سجلات صور ببريق خاطف عن الانسان والمكان ، تقترب من أحاسيس كل الناس، تتردد فيها أسماء الشهداء والأبطال ، مكتوبة بحروف نافرة براقة فوق أوراق أشجار الأرز والزيتون ، تشكل لوحة بديعة مزدانة بالخطوط والألوان ، تشع منها أضواء جميلة.

اردت التعرف على شيليا عن قرب ، وفي ذات يوم وجدتني متجهاً إليها ، كان ذلك مع الساعات الأولى من يوم ربيعي تشابكت فيه وامتزجت أشعة الشمس الأولى ... أقلتني سيارة اندفعت في مدينة بتنة من شارع إلى أخر، باتجاه محدد خارج زحام المدينة ، كنت أنظر حولي بتأمل واسع للارض والشجر والزهور والأعشاب ، استمتعت بكل ما أرى ، كل شئ حولي كان جميلاً يوحي بالتأمل .

أخذت باستنشاق الهواء العليل الذي يسري بين الأشجار، ينساب هنا وهناك ، زادني حيوية ونشاطاً ، واستمتعت بمنظر الأشجار وهي تمتد في تسلسل متواصل في جميع الجهات في أدق ترتيب يدهش الناظر إليها ... شجرة تلو أخرى على اتساع المدى تلتحف الارض بظلالها .

مع تواصل إندفاع السيارة إلى أعلى قمة ، كانت تتكررالأشجار بكثافة زائدة ، يزداد بريقها اللامع مع أشعة الشمس التي تسبح حولها ، تزيد الأشعة من جمال براعمها وأوراقها النضرة وأغصانها الملساء .

كان طبيعياً جداً أن أسمع زقزقة الطيور وهي تتقافز فوق فروع الأشجار تارة ، وتختفي تحت ظلالها تارة أخرى ... ترسم صورة تزدان بألوان ريشها الجميلة ، من الصعب أن تزول من الذاكرة .

تمتد الطريق صعوداً إلى أعلى دون انقطاع في رحب أرض واسعة ، السيارة تتسلق الجبل بسرعة فائقة ، لا تقيدها الأمكنة ، تتخطى منعطفات طرق كثيرة وهي تتجه نحو أعلى قمة في جبال الأوراس .

في لحظة لا تنسى وصلت قمة شيليا ، ألقيت نظرة عليها ، أدرت بصري حولها ، كانت معي ، شديدة القرب مني ، أسندت رأسي على صخرة كبيرة وقلت بصوت عالٍ : "هاهي شيليا " ... أدرت بصري يمنة ويسرة ، متعطشاً إلى رؤية كل شئ حولي ... شعرت برائحة طيبة تهب من كل ذرة تراب حولي على امتداد مساحات شاسعة ، أدخلت البهجة والسرورإلى نفسي .

التقيت قمة شيليا بالعناق ، أحسست وسط الأشجار التي تحيطني بصدى أصوات تنبعث من ماضي الأيام ، أعادتني إلى أحداث واقعية كثيرة حدثت من قبل ... معارك وانتصارات مجبولة بخشخشات الرصاص .

ها أنا أسترجع ذكرى تلك الأحداث بانفعال، أغمض عيني وأتخيل تفاصيل مشاهد من تلك الأحداث ، يشتد فيها القتال ضد المحتل ... تبلغ المعارك ذروتها بلحظات غير عادية من أجل تحرير الأرض ، ومن أجل تزيين قمة شيليا بأكليل من الغار .

شعرت في تخيلاتي أيضاً ، أنني على مقربة من أماكن منقوشة في جنبات قلبي وأحاسيسي العميقة، تمتد على سفوح جبل الكرمل الذي كنت أراه في طفولتي بمسقط رأسي حيفا ، وتمنحني فسحة أمل في أن أضمه في عيني في قادم الأيام .



#سميح_مسعود (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جوني منصور مؤرخ حيفا
- عن أقباط مصر
- أحييكم
- الثورة الجزائرية في مرآة النفس والآخر
- كتاب المهد العربي
- حيفا ليست قرطبة
- عبد عابدي : نصف قرن من الإبداع
- شظايا مذكرات غير مكتملة
- جزيرة في نهر سان لوران.
- البحث عن الجذور
- عيسى بُلاطه : ناقداً وأديبا ً
- تراجيديا الهنود الحمر
- التوثيق في الأعمال الإبداعية
- امرأة منسية
- فتاة الترومبون
- ناجي علوش شاعراً ومفكراً
- في ذكرى ناجي العلي ثانية
- في ذكرى ناجي العلي
- العرب لا يقرأون
- كتاب - الإسلام وأصول الحكم - للشيخ علي عبد الرازق


المزيد.....




- إيرادات فيلم سيكو سيكو اليومية تتخطى حاجز 2 مليون جنية مصري! ...
- ملامح من حركة سوق الكتاب في دمشق.. تجمعات أدبية ووفرة في الع ...
- كيف ألهمت ثقافة السكن الفريدة في كوريا الجنوبية معرضًا فنيا ...
- شاهد: نظارة تعرض ترجمة فورية أبهرت ضيوف دوليين في حدث هانغتش ...
- -الملفوظات-.. وثيقة دعوية وتاريخية تستكشف منهجية جماعة التبل ...
- -أقوى من أي هجوم أو كفاح مسلح-.. ساويرس يعلق على فيلم -لا أر ...
- -مندوب الليل-... فيلم سعودي يكشف الوجه الخفي للرياض
- الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها
- وفاة المنتج المصري وليد مصطفى زوج الفنانة اللبنانية كارول سم ...
- الشاعرة ومغنية السوبرانوالرائعة :دسهيرادريس ضيفة صالون النجو ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سميح مسعود - شيليا