كامل عباس
الحوار المتمدن-العدد: 1210 - 2005 / 5 / 27 - 12:30
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
للسعودية ومصر دور مميز في منطقتنا العربية ولكن بشكل متعاكس .
تستمد السعودية نفوذها من مصدرين هما الكعبة والنفط , الكعبة قبلة المسلمين , هيأت في أرضها الحركة الوهابية الأصولية اسلاما مناسبا لمشايخ النفط , حكام السعودية , ومع ان الحركة ادعت أول قيامها أنها تريد ان تعود الى الاسلام الحنيف الأول, لكنها خرقته في اهم بند فيه وهو الشورى , وقد حددها القرآن الكريم في الاية التالية – وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون – والشورى أساسا شرعيا لاختيار الحاكم وموضع اجماع فقهي لكل الفرق الاسلامية ماعدا الشيعة . فالامامة عقد بين الامام والأمة , ممثلة في أهل الاختيار والاتفاق بين المسلمين
لا بل ان الحركة الوهابية بتشريعها لوراثة آل سعود في حكم الجزيرة العربية , اعادو الى الأذهان حكم السلالات المرزولة في الامبراطوريات السابقة ( الروم والفرس ) والذي حاربها الاسلام بشدة ,
فاذا بها تظهر في السعودية بشكل ارزل بكثير مع انهم يتشدقون بالاسلام ويصورون حكمهم كانه المدافع الأساسي عن الاسلام في العالم . منذ ان سيطر آل سعود على الجزيرة والسعودية تلعب الدور الرئيس في حماية الرجعية, وضد كل تنوير وعقلانية في المنطقة بالتنسيق والتعاون مع شركائها ايام الحرب الباردة وفي مقدمتهم امريكا , وقد انتج ذلك التحالف غير المقدس حركة الأفغان العرب والارهاب الاسلامي الذي ضرب أمريكا في عقر دارها . وهي ماتزال تشكل الحاضنة الأساسية للارهاب الاسلامي ولو ادعت انها تحاربه . ان حكمها على ثلاثة من اصلاحييها, مشهود لهم بالنزاهة, احكام قاسية جدا فقط لأنهم طالبوا بتحويل المملكة الى مملكة دستورية أكبر دليل على ذلك .
أما مصر فتستمد نفوذها من موقعها الجغرافي وتاريخها الحضاري . مصر ام الدنيا . مصر الفراعنة والبطالمة وغيرهم . مصر كانت على الدوام منارة للفكر التنويري في المنطقة , منها كانت اول حركة دعت لتحرر المراة على يد قاسم امين , ومنها كان الشيخ محمد عبده وعلي عبد الرازق وغيرهم من فقهاء الأزهر المتنورين . ومنها كانت اول حركة ديمقراطية منسجمة عبر عنها حزب الوفد , وان كانت تلك الحركة الديمقراطية قد أجهضت على يد الناصرية وما تفرع عنها من أجهزة مخابراتية واستفتاءات ال 99 % , فقد ظل مثقفوها يلعبون ذلك الدور التنويري في أحلك الظروف , نقدم هنا مثالين خير شاهدين على احتفاظها بذلك التميز اذا قورنت بحكم البعث في سوريا والعراق الذي ينطلق من نفس الأرضية
في عز صعود الناصرية تألق نجم نجيب محفوظ كاديب وروائي كرس جل رواياته لنقد القمع المعمم على الشعب المصري وقرأ بعيني نبي آثار القمع وما سيسبب لمصر من هزائم وتحمل بصبر وشجاعة وثبات مسؤولية كتاباته كل تلك الفترة
على العكس من ذلك في سوريا مثلا وفي نفس الفترة ظهر اديب سوري لا يقل موهبة عن نجيب محفوظ هو حنا مينة واشتراكي ايضا ومن قلب الطبقات الكادحة ويدعي انه يكرس كتاباته لها ومع ذلك وحتى كتابة هذه السطور يقف في صف الاستبداد ضد الديمقراطية ومن لايصدق نحيله الى مقالة له في تشرين بمناسبة زيارة الأسد الى موسكو بعنوان ( دمشق موسكو صداقة جديدة متجددة على الدوام ) يتمنى فيها على بوتين اشادة تمثال لستالين في قلب العاصمة , ويحلم بصفقة اسلحة جديدة لسوريا ؟ ؟ وفي سوريا ايضا ومن نفس المدرسة الاشتراكية لا يزال استاذ جامعي يتوهم نفسه بانه فيلسوف بمستوى ماركس ولينين يدعم الاستبداد وينظر له من دون ان يدري ومع ان أي انسان عاقل يريد ان يستعمل عقله يصل الى نتيجة مفادها ان النظام العالمي الجديد خطوة متقدمة على النظام السابق بكل المعاني ولو لم يكن كذلك لما فرض وجوده , وان فترة الحرب الباردة بين النظامين علمتنا نحن التقدميين العرب كره امريكا انطلاقا من مصالح موسكو وان علينا الان ان ننظر اليها نظرة جديدة واقعية كدولة راسمالية حضارية لها مصالحها في الشرق الوسط . مازال فيلسوفنا –طيب تيزيني - يرددد هذه الأيقونه المثبتة في كتابه الأخير – من ثلاثية الفساد الى المجتمع المدني ص 143 في كل مكان وفي كل مناسبة (( ها هنا نكون وجها لوجه امام التدفق العولمي الامبريالي الجديد باتجاه الواقع العربي عبر استفراده الجماهير العربية وتذريرها وتحطيم آخر ما يجعل منها قوة تاريخية يراهن عليها و نعني هويتها العربية ومطامحها في التقدم التاريخي . واذ يراد لهذا أن يتم فإنه يتم عبر وتائر هائلة متصاعدة من إفقارها وإذلالها وتهميشها وسحق ذاكرتها القومية التاريخية الديمقراطية . وذلك عبر الالية الحاسمة على صعيد الفعل العولمي , وهي محاولة ابتلاع الطبيعة والبشر , وهضمهم وتمثلهم , ومن ثم تقيؤهم سلعا . من هنا يتصاعد السؤال الكبير راهنا : كيف لنا أن نواجه ذلك الأخطبوط المتدفق وقد باغتنا في مرحلة نحن فيها أقرب مانكون عزلا؟ إن ذلك السؤال يصوغ الاشكالية العظمى في عصر العرب الراهن : إذا رفع ذلك الأخطبوط الصهيوني الأمريكي العولمي صراعه معنا ومع العالم كله الى السقف الأقصى المتمثل بتفكيك الهوية من حيث هي والوطن ومن حيث هو والانسان من حيث هو , بعد أن كانت الامبريالية الراسمالية تسعى مع المشروع الصهيوني الى تابيد تخلفنا وتجربتنا , فما عسانا ان نفعل ونحن من نحن ؟ )) في حين تجاوز مثقفو مصر الذين شربوا من نفس المعين هذا الفهم الببغائي لحركة التاريخ .
ان نظام حسني مبارك , الخليفة الثاني لعبد الناصر بعد السادات لا يفترق عن نظام البعث في سوريا والعراق الا بالدرجة التي فرضتها عليه تلك الحركة الئقافية وذلك التاريخ الحضاري . وهو بمجمله بنية استبدادية تجسم على صدر الشعب المصري باجهزتها الأمنية ومؤسساتها القمعية واستفتاءتها المشهورة , وحسني مبارك حتى هذه اللحظة لم يعين نائبا له ويامل من خلال الاعيبه ان يتسلى بما بقي له من عمر بولاية جديدة تنتهي بالتوريث لابنه , والصورة اصبحت مكشوفة بعد مناورته الاخيرة ومحاولته تعديل المادة 76 التي جاءت مصادفة متطابقة مع سني حياته , وحتى يكون نجاحه مضمونا فرض تلك التعقيدات على أي مرشح جديد
الصورة اصبحت واضحة في مصر والعالم العربي كافة , انظمة استبدادية تحصي مخابراتها على الشعب انفاسه . وسط مناخ عالمي ودولي جديد لم يعد كالسابق وفي مقدمة العالم الادارة الأمريكية التي رعت وامنت استمرار تلك الأنظمة,والآن لم يعد لها مصلحة في الحفاظ عليها بعد انهيار المنافس الرئيسي لهيمنتها 0 (الاتحاد السوفياتي ) لابل ان روح النظام العالمي الجديد هو الذي استدعى التخلص من نظام كلي الجبروت على شعبه كنظام صدام حسين, ولكن تلك الطريقة الرعناء الآتية بالديمقراطية من الخارج على ظهر دبابة امريكية , أوصلتنا الى نظام المحاصصة الطائفي البغيض في العراق والذي أجج الارهاب في المنطقة
أمام امريكا والعالم الان فرصة قدمها لها القضاة المصريون لتغيير جديد في الشرق الأوسط يبدا من مصر . تغيير يتم فيه انتقال هادئ وسلمي وتدريجي نحو دولة تعاقدية تداولية تستمد قوتها من شعبها رغم كل وعورة الطريق بسبب الجهل والتجهيل الذي عممه نظام حسني مبارك على الشعب المصري . ان مصداقية امريكا على المحك , فهل ستقف مع حسني مبارك حليفها السابق ام تتخلى عنه رغم كل خدماته التي قدمه لها . وسواء شاءت امريكا ام ابت فان رياح التغيير الحقيقية التي تنسجم مع مصلحة الشارع العربي بدات من مصر وعنوانها القضاة المصريون وما يمثلون من معادل موضوعي لحاجة المنطقة الى دول تحكم من من خلال دول يسود فيها القانون بدلا من حكم المافيات . ولا اعتقد ان أي دولة عربية يستطيع قضاتها ان يقفوا ذلك الموقف ودولتهم العتيدة بكامل طاقمها القمعي الجاهز لمعاقبة من يحاول ان يتمرد على سلطتهم . واعتقد ان مقاطعة الاستفتاء من قبل الأحزاب المصرية خطوة في الاتجاه الصحيح اتجاه جعل المعركة في العالم العربي بين الاستبداد والديمقراطية لنستفيد من مناخ عام دولي سيدعمنا بلا شك خوفا من ان يطاله الارهاب في عقر داره ان لم يفعل .
في سوريا ايضا هناك خطوة مشابهة بعد أن تمكن مثقفو حزب الشعب الديمقراطي السوري ان يجعلوا انطلاقتهم الجديدة تحت عنوان من الاستبداد الى الديمقراطية رغم كل العقبات التي وضعت في وجههم , وهم يستحقون التحية الثانية بعد القضاة المصريون
#كامل_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟