|
الإحصاء الإستثنائي في محافظة الحسكة 1962
مهند الكاطع
الحوار المتمدن-العدد: 4238 - 2013 / 10 / 7 - 00:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سَنسْتعرضُ من خلالِ هذا البحث أحَد أهمِ المواضيعِ التي عانى منها أبناءُ محافظة الحسكة ، الأخوة الأكراد منهم على وجهِ الخصوص ، وهو قرارُ الأحصاء الأستثنائي لمحافظة الحسكة في الخامس من تشرين الأول سنة 1962م ، والذي حُرِمَ بموجبة عشرات الآلاف من الجنسية و وصفوا على أنهم (أجانب أتراك) ، ليس لهم أي حقوق المواطن السوري . سأقومُ بتناول هذا البحث عَبرَ عدة نقاط ، حتى يتكون لدينا تصور واضح عن مشكلة الإحصاء وابعادها والأحداث التي سبقتها ، إضافة إلى آثارها السلبية وما نجم عنها.
• مقدمة • أكراد الجزيرة قبل الإحصاء • الإصلاح الزراعي و"أجانب تركيا" • الإحصاء الإستثنائي في محافظة الحسكة • الآثار السلبية للإحصاء وسبل معالجتها • المراجع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة : مَسألةُ قرار الإحصاء الإستثنائي الذيّ جَرى في مُحافظةِ الحسكة بكُلِ تأكيدٍ منْ المسائل التي تَرتَبَ عليها الكثير من الآثار السلبية الخطيرة، عانى منها أولئك الذين مُنِحوا وثائقَ كُتِبَ عليها (أجانب تركيا) بدلاً من مواطن سوري ، حيث لمْ تكُن لتلكَ الوثيقة أي فائدة أو قيمة ، سوى إمتهان إذلال حاملها ، وأصبحت عبارة عن نذير شؤوم يلاحق صاحبها في كل مكان وموضع ومناسبة ، و جعلت جميع الأبواب مغلقة في وجههِ ، وأصبح كُلمّا رآها يستحضر جميع مآسي الماضي والحاضر والمستقبل المجهول الذي ينتظره وينتظر أطفاله! وأنا إذْ أضع بين يدي القارئ هذه القراءة بمناسبة مرور 51 عاماً على ذلك الإحصاء ، فأني أُشيرُ إلى أنَّ ما سأستعرِضَهُ من بعض الجوانب التاريخية التي مرَّ بها الأخوة الأكراد قبل الإحصاء ، وتحديداً بعد الحرب العالمية الأولى له علاقةٌ كبيرة بموضوعِ بحثِنا هَذا ، ويُمكن توصيف موضوع الإحصاء أمتداد لمآسي عانى منِها الأخوةُ الأكراد، و بتصوري الشخصي يمكن القول بأن الأكراد لَمْ يسعوا لِتكونَ لَهُم قيادةً سياسية موحدة في تلك المرحلة ، تَستطيع تجنيبهم الكثير من المآسي ، وتحقيق أستقلالهم في المناطق التاريخية الخاصة بهم دون أي جدال في ذلك ، كمَا كانَتْ روحُ الفرقة والتنافس بين الزعامات العشائرية والأسرية المُختلفة سائدة عليهم ، وغالباً ما كان يتم تأليبهم ضد بعضهم البعض ، وأحداث أقتتالات داخلية، الأمر الذي أضعفهم كثيراً أمام الدول وخاصة أمام تُركية الوليدة وريثة عرش السلطنة العثمانية المنهكة ، و التي لم تكُن مستعدة لأن تتخلى عن جزء آخر أضافي من أراضيها ، وخاصة منطقة شرق الأناضول المنطقة التي يصح أن نقول عنها من الناحية الجغرافية (كردستان) حيث أطلق عليها السلطان السلجوقي هذا الأسم عندما كانت جزء من مملكته ، رغم أنها لم تشكل وحدة سياسية مستقلة في عصر من العصور. لقد أضرَّ الإحصاء الأستثنائي أكثر ما يمكن بأولئك الذين لم يتم تقييدهم بالسجلات المدنية قبل سنة 1945م ، والذين تم تطبيق عليهم قوانين الإحصاء بشكل خاص ، رغم أضراره أيضاً ببعض الذين أثبتوا هويتهم قبل ذلك التاريخ . حاولْتُ قدرَ الأمكان تَسليط الضوءِ على اللمحة التاريخية التي سبَقَت الإحصاء ، مستعيناً بمصادر كردية أو ما نَشَرتهُ بعض المنظمات الدولية الحقوقية ، وبعض دراسات للمستشرقين ، علها تكون مصادر مقبولة للجميع وتحاكي الأحداث بِكُلِ موضوعية ، بغضِ النظر من أتفاقها مع الطرح السياسي الكردي الذي تشهده الساحة اليوم من عدمه ، خاصةً إذا عرفنا بأن الخطاب الكردي السياسي لا يزال يكتنفه الكثير من الغموض ، و متذبذب و غير موحد ، وتزداد حدته و سقف مطالبه مع كل زيادة في التكهن بأقتراب سقوط النظام ، فضلاً عن أن المشاريع التي تَطرحُها الأحزاب الكُردية اليوم لا تنسجم أبداً مع مبادئ الثورة السورية ، ولا معَ الحفاظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً ، فضلاً عن التسميات الأحادية التي يطلقها الساسة والمثقفين الأكراد على بعض اجزاء من سوريا (كالجزيرة) والتي لا تحمل إلا معاني قومية فيها كل الأقصاء للآخرين ، (هذا رأيي طبعاً) و قد يرى البعض ما لا آراه في هذا الجانب ، فلا أدعي أمتلاك الحقيقة كاملةً. لكن كل هذا لا يمنع أن نقف موقفاً واضحاً رافضاً للظلم الذي تعرض له من طُبقَ بحقهم قانون الإحصاء الإستثنائي. لذلك أعيد التنويه بأنه لا يُقْصَدُ من إستعراض الأحداث التي سبقت مرحلةِ الإحصاء أي محاولة نفي أو إقصاء أو تقليل من شأن الأخوة الأكرادِ ، الذي أكنُ لهم كل الود والإحترام و التعاطف مع مطالبهم المنصفة ، كما أنني وبنفس الحماسة أقفُ ضد أي خيار فيه الإضرار بالتعايش المشترك الذي جمَعَنا ، تحت أي مسمى وأي ذريعة . لأن هدفنا يجب أن يصب في أن تَشعُر كل المكونات بآلام بعضها البعض ، وأن يكون شعارنا رفع الظلم عَن الجميع ، و ليسَ السعي لتحقيق أهداف طائفية أو قومية أو أثنية ضيقة على حساب دماء الآخرين . كما يجب أن نسعى أن يكون الجميع على قدرٍ واحد من المساواة و أن تكون حقوق المواطنة كاملةً غير منقوصة للجميع ، وبالطبع لا شئ أكثر من المواطنة التي تساوي أبناء الشعب السوري الواحد ، و على قاعدة الإنتماء لوطنٍ واحدٍ ، ورايةً واحدة ، وفقَ قانونٍ و دستورٍ يحفظ حقوق الجميع دون أي تمييز أو إلحاقِ ضررٍ بأي مكون نظراً لقوميته أو طائفته أو مذهبه.
أكراد الجزيرة قبل الإحصاء : الجزيرة السورية بحدودها الحالية التي تحددت بعد سايكس بيكون يمكن أعتبار مرتفعات ماردين في الشمال هي ابرز المعالم الجغرافية المحاذية لحدودها الشمالية مع "تركيا الحديثة" ، وهذه التضاريس يبدو أنها شكلت فاصلاً طبيعياً بين مواطن العرب الرحل ونصف الرحل في جنوبها ، و الأكراد والأرمن والنسطوريين في شمالها ، مع تداخل لقبائل عربية وكردية رحل أعتادت التنقل من مواطنها الأصلية بين هذه الأراضي التي لم يكن يفصل بينها فاصل ، انما كانت تنسب لمدن أو معالم جغرافية أو روافد نهرية ، كمنطقة الخابور ، و براري سنجار ، ومنطقة ماردين ، وطور عابدين ، و ويرانشهر ، والبلخة ، و وادي الرد ، والبحرة الخاتونية ....الخ . وفي أقدم ذكر للقبائل الكردية الرحل في منطقة الجزيرة القسم الواقع جنوب (ماردين) في المنطقة المسماة براري سنجار ، يذكر كارستن نيبور في رحلته بين الموصل وماردين مشاهداته لأربع قبائل بدوية كردية في براري سنجار والتي يحكمها شيخ قبيلة طي بصفته (بيك سنجار) والتي تتبع ادارياً والي ماردين ، حيث جاء في كتابه بأن ابرز قبائل الاكراد التي تهيم في هذه المنطقة ،مع خيامها وتدفع جزيرة لوالي ماردين هي كيكي (Kiki) ميلي (Milli) ساجلي (Sadjseli ) مزيان ( Musesian ) (1) ونلاحظ بأن تلك القبائل التي تبدونت بهذا الشكل أو ذاك كما يصفها ماكس فون أوبنهايم في كتابه البدو ، قد تأثرت بلباس البدو ومساكنهم، لطول الاقامة بينهم ، واقتبست طريقة ونمط حيلة القبائل البدوية العربية النقية (2) ، و بقيت متنقلة بين مناطقها الاصلية في شرق الاناضول وبين جنوبها في ما يسمى (المصايف والمشاتي) بعرف البادية . جاءت الحدود الاصطناعية ، وتقاسم فرنسا وبريطانية وتركيا المناطق ، وأصبحت هناك مناطق أنتداب فرنسية وآخرى بريطانية ، وأنقسمت القبائل العربية والكردية على طرفي الحدود ، بينما بقيت قبائل كبيرة في الطرف الشمالي (تركيا الحالية) كالحديديين العربية وكقبيلة الملية وجزء كبير من قبيلة عدوان والنعيم. وبقي الحال على ما هو عليه حتى بدء الإضطرابات في شرق الأناضول ، على خلفية عدم وفاء كمال أتاتورك بوعوده التي قطعها للأكراد الذين ساندوه بادئ الأمر ، بأنه سيمنحهم الحكم الذاتي في مناطقهم شرق الأناضول بعد أن يستتب له الاستقرار بالحكم والخلاص من الأنكليز الكفار (3)، حيث رفض تنفيذ بنود معاهدة سيفر ، وتم أستبدالها بمعاهدة لوزان ، وبذلك تنصل من أي ألتزام اتجاه الأكراد الذين ساعدوه في بداية مهمته بعد ان رفع شعار الجهاد ضد الغزاة والكفار ! ونتيجة لسياسات التتريك التي أنتهجها كمال أتاتورك ، ومحاولته فرض القوانين الجائرة اتجاه القوميات الغير تركيا ، وعدم أعترافه بها كقوميات ، بل وصف الأكراد بأنهم (اتراك الجبل) ، ونتيجة بروز عدد من الجمعيات والصحف الكردية وتنامي الشعور القومي الكردي الذي لم يحصل على اي كيان خاص به ، فقد بدء عصر ثورات كردية قومية بلغ عددها سبعة عشر ثورة بين عامي 1925-1938 ابرز تلك الثورات ثورة الشيخ سعيد الكردي سنة 1925م (4) ، والتي اشعلت المنطقة برمتها ، وقام الجيش الأتاتوركي بتجهيز حملة كبيرة لقمعها ، حيث أنتهت بالقبض على الشيخ سعيد الكردي من منطقة بيران ، واعدامه برفقة العشرات من رفاقه ومن زعماء الاكراد المؤيدين للثورة في ديار بكر صباح 4/ايلول/1925م(5). كما قام الجيش الأتاتوركي بحرق مئات القرى الكردية وقتله الألاف وتهجيرهم ، في كل ثورة تقوم ، ومع كل عملية لسحق ثورة من تلك الثورات ينتج تدفق هجرات جديدة بالمئات والآلاف إلى سورية (الأنتدابية) ، وتركزت معظم الهجرات الكردية إلى منطقة الجزيرة السورية والتي كانت تسمى في عهد الأنتداب الجزيرة العليا . بينما تركزت الهجرات الارمنية الكبيرة أيضا إلى المدن الداخلية ، وجزء بسيط منها إلى الجزيرة ، في حين أن الآشوريين (النساطرة) واليعاقبة قد تم جلبهم وتوطينهم سنة 1933 في منطقة تل تمر ومناطق اخرى من سوريا . كانت تركيا تتهم فرنسا بتشجيع الهجرات الكردية إليها ، وتخشى من أستخدامهم من قبل الفرنسيين ضدها ، حيث شجع المندوب السامي للتمدن وبناء المتستوطنات في الجزيرة ، وكان من شأن ذلك ظهور عدد كبير من المدن والقرى مع محاذاة الحدود الحالية ، و أبرزها ديريك والقامشلي وقبور البيض ، الأمر الذي من شأنه تثبيت الحدود الحديثة بشكل أكبر من ناحية ، و يسهم أيضاً في تحسين الواقع الزراعي المهمل من ناحية أخرى. وفي عشرات الوثائق الفرنسية المرسلة من (القامشلية) آنذاك ، يظهر التخوف التركي من التدفق الكبير من العشائر الكردية بأتجاه سورية الأنتدابية ، وبات الاتراك يحاولون أقناع الأكراد بالعودة إلى أراضيهم ، وتقديم كل التسهيلات لذلك ، والأعفاء عنهم ، وأعفاءهم من جميع ضرائب الأراضي والزراعة لعدة سنوات . جاء في نشرة المعلومات الفرنسية رقم 204 الصادرة بتاريخ 18/10/1926 القسم الأول ( إدارة المخابرات – خيرو) " بغية التأثير على الاكراد اللاجئين إلى الأراضي السورية ، لا يكتفي الأتراك بأن يرسلوا إليهم الرسائل والمبعوثين وتقديم الوعود لهم ، كما ينشرون خبراً في كل مكان مفاده بأن الفرنسيين مجبرين و بموجب الإتفاقية الأخيرة بتوقيف كل الأفراد المطلوبين من قبل تركيا ، وتسليمها اياهم ، ونشر هذا الخبر بكفاءة . اللاجئون الأكراد يظهرون قلقهم الشديد من هذا الأمر ، حاجو بالذات جاء ليقدم نفسه إلى ضابط إدارة المخابرات في القامشلية ، وعبّر عن مخاوفه من الموضوع ، وعمل نفس الشئ آمين آغا من الرمّان " وتظهر الوثائق الفرنسية عدم استجابة وثقة الأكراد بوعود الأتراك ، وانهم فضلوا البقاء تأمين سبل العيش في سوريا ، وان بعض الزعماء الذين قرروا العودة قد تم الغدر بهم . الامر الذي أدى إلى تعزيز الارتياب وعدم الثقة مجدداً بالاتراك وأزدياد مشاعر الكره اتجاههم وأزدياد عدد العشائر المهاجرة إلى سوريا . جاء في نشرة المعلومات رقم 212 تاريخ 6/11/1926 القسم الأول (ادارة المخابرات خيرو) عندما عُرفت عمليات التوقيف التي قام بها الاتراك ، تباطئت فجأة وتيرة التقارب بين الأتراك والأكراد اللاجئين الذين عبروا إلى شمال الحدود. العروض المقدمة من قبل الحكومة التركية لم تعد تعتبر إلا كحيلة ، ومن جديد يشعر المرء بسعادة كبيرة عندما يحس بأنه محمي بالحدود السورية ، ويتخذ الكره اتجاه الاتراك كل حدته . في غرب جغجغ لا يزال تجمع اللاجئين الكرد في مكانه ، ولا زال محتفظاً بهدوئه ، أغلبيتهم يرغبون في تأمين أحتياجاتهم المعيشية ، يعملون في الزراعة بالاتفاق مع السكان الذين يعيرونهم الاراضي " الفترة الواقعة بين عامي 1945 و 1962 شهدت ايضاً موجة كبيرة من المهاجرين ، وكانت فترة الخمسينيات قد شهدت بذلك تشديد للسياسات التقييدية ، أي التقييد بالسجلات المدنية ، وخاصة في النصف الأول من فترة الخمسينيات 1940-1945 ، أدى ذلك إلى أنتشار ظاهرة الهويات المزورة أو تلك التي يتم الحصول عليها بطرق غير شرعية ، ويمكن ملاحظة بأن الفترة بين 1947-1963 قد شهدت نمواً سكانياً يعادل مقدار النمو خلال أربعين عاماً سابقة (1905-1947) ، وكان النمو السكاني في الجزيرة هو الاضخم والأكبر ، حيث تضاعف عدد سكان الجزيرة منذ عام 1952 -1963 ! فقد بلغ عدد السكان سنة 1952 162145 نسمة ، بينما بلغ سنة 1959 293140 نسمة ، وارتفع هذا العدد إلى 316308 سنة 1963 !! ويعتبر معدل النمو هذا معدل غير مسبوق أبداً في العالم ، حيث بلغ 6.3 بالمئة في حين أن المتوسط الطبيعي آنذاك 3.8 بالمئة،(6) وكل ذلك كان من علامات الأستفهام المتراكمة وتزيد من تخوفات الحكومات المتعاقبة .
الإصلاح الزراعي و " أجانب تركيا" صدر قانون الإصلاح الزراعي في فترة الوحدة بين سوريا ومصر 1958-1961 ، ونتج عن ذلك موجة هجرة جديدة للأنتفاع من ذلك القانون ، وكان أعدادها باللآلاف ، وكان يتم القبض على مئات منهم في كل يوم ويتم تسليمهم بمحاضر رسمية إلى السلطات التركية في نصيبين فيعودون في اليوم التالي لمحاولة الكرة. (7) و من المفارقات بأنه من كان في سن خدمة العلم كان يسلم نفسه إلى شعبة التجنيد ، حيث يعود بعد خدمة العلم لثلاث سنوات مع دفتر خدمة التي كان يؤديها بصفحة (مكتوم) ويحصل بذلك على بطاقة عسكرية (8) هناك عدة عوامل شجعت ايضاً على الهجرة في تلك المرحلة : • سوء الأوضاع في شرق الاناضول وخاصة في المناطق المدمرة • توزيع الأراضي على الفلاحين دون النظر إلى اسس قومية و أثنية وبغض النظر أيضاً عن الجنسية وكان في عدادها الكثير من القرى مثل (تل جمالة ، غور قافيق ، غور زيارة ) (9) • قيام تحالف قوي بين أجهزة وزارة الداخلية في الجمهورية المتحدة وحزب الديمقراطي الكردي الذي نشأ 1957 ، حيث دعمت الأجهزة ذلك الحزب على أن يقوم بالعمل السياسي بين أكراد تركيا (10) • فتح ركن كردي في راديو صوت العرب لكن تفكك هذا التعاون بسبب الموقف السلبي لحزب الديمقراطي الكردي من قيام الجمهورية العربية المتحدة ، أدى إلى تقديم كوادر الحزب إلى المحاكمة ، وبروز مشكلتهم ، حيث قدم نور الدين زازا مشكلة الأجانب في المحكمة ، ورفض السلطات السورية منح الجنسية "لعدد كبير من الكرد القاطنيين في سوريا منذ عدة اجيال وأهمال طلبات مئة ألف منهم في الأقبية" (11) في مرحلة الأنفصال (1961-1963) كانت هناك سياسة تتجه لإلغاء قانون الإصلاح الزراعي ، واستبداله بساسة اخراج الفلاحين المنتفعين من الارضي وتوزيعها عليهم بعد ربطها بسياسة جديدة في توزيع السكان ، وكان ذلك غطاء لعملية تهجير الفلاحين من الأراضي التي وزعت لهم بالإصلاح الزراعي بعهد حكومة الدواليبي . تفجرت المشكلة ، وحدثت مواجهات دامية في مناطق متفرقة ، كتلك التي حدثت في (ابو راسين) التي يستأجرها عبد الباقي نظام الدين ، وجرت محاولة أخلاءهم من الأرض بدعوى أنهم مهاجرين من تركيا ، على الرغم من أنهم كانوا قد حصول على البطاقة الشخصية السورية. وبعد تلك المواجهات الدامية ، أضطرت الحكومة للتراجع عن قرار تهجير الفلاحين من الاراضي التي وزعت لهم. أندلعت صدامات مجددة بعد أنقلاب النحلاوي بين الفلاحين والملاك في الجزيرة ، فِأعادت حكومة العظمة ذات التوجه الوحدوي مع مصر اعادة تطبيق قانون الاصلاح الزراعي وتوسعت به. التفكير في موضوع الأحصاء كما أشرنا كان قد سبق حكومة العظمة ، نتيجة الأرتياب من موجات الهجرات ذات الطابع العرقي ، والناتجة بالاساس عن التهجير العرقي الذي مارسته الحكومة التركية . لكن تم أتخاذ القرار بأجراءه في عهد حكومة العظمة ، وصدر القرار بأجراءه في 5 تشرين الأول سنة 1962م.
الإحصاء الإستثنائي في محافظة الحسكة محافظة الحسكة كانت تعرف بالجزيرة العليا في فترة الأنتداب الفرنسي ، و بغية تسجيل المهاجرين الأكراد للحيلولة دون أكتسابهم الجنسبة السورية قبل اقامتهم خمس سنوات ثم عشر سنوات . و بشكل خاص موجة المهاجرين الكبيرة بين عامي 1945-1962 ولدت مسالة "الأحصاء الأستثنائي" فقد كان موجهاً ضد أكراد الجزيرة بشكل حصري ، والذين تميّزوا عن أكراد الشام المتعربين أو شبه متعربين وغدوا منذ زمن من سكان سوريا . وجاء القرار في خضم تلك المتحولات والأحداث في الجزيرة ، وخاصة بعد ورود تقارير من المحافظة تفيد بأنه هناك عشرات الآلاف من سكان المحافظة الغير مقيدين بأي قيد وسجل مدني ، فأتخذت وزارة الداخلية قرار الأحصاء الاستثنائي . وكانت أهم البنود الواردة في الأحصاء هي كالتالي : • انهاء سجلات الأحوال المدنية لكافة سكان المحافظة • أجراء احصاء جديد للسكان السوريين و "الأجانب" • أعتبار السوري كل من كان مسجلاً بالقيود قبل عام 1945 • منح السكان مدة شهر أعتباراً من صدور القرار كي يستحصلوا على صورة من قيودهم وقيد اسرهم وابرازه للجنة الاحصاء لكي يتم تثبيت جنسيته. وبالتالي أعتبر المهاجرون المقيدون رسمياً قبل عام 1945 سوريين ، ومنحوا الجنسية السورية ولم تجرد منهم الهوية ، وجرى التوسيع بتقييدهم ، وشمل ذلك الأكراد الذين هاجروا إلى الجزيرة قبل الإستقلال في عهد الأنتداب الفرنسي . وكما اشرنا مسبقاً بأن سنة 1945 هي السنة التي تدفقت فيها هجرات جديدة وحصل اصحابها على هويات بطرائق مختلفة وبمساعدة اقاربهم وعشائرهم . واستقر هؤلاء على طول الحدود بين المالكية ورأس العين (12 ) لذلك تم تحديد سنة 1945 كعام اساسي لتحديد الجنسية. وبالتالي كان الهدف تحديد دفعة موجة الهجرة . تمخض الإحصاء عن تسجيل 85 ألف مقيم في محافظة الحسكة كأجانب أتراك ، وكان يحدث أن يكون أحد أفراد الاسرة أجنبياً والآخر مواطناً ، إلا أن الرشوة كانت أيضاً تجد طريقها في أحوال كهذه لتعديل الأوضاع والحصول على الجنسية ، وقد تضرر أيضاً جراء الاحصاء أيضاً بعض الأرمن والسريان والذين أعيدت لهم المواطنة بعد نداءات كثيرة توجهوا بها إلى الحكومة ، وفي بعض الحالات كانوا يسكتون عن تلك المطالبة إذا كان هناك شاب في عمر الجندية لتجنيبه خدمة العلم (13) ، و جرَّدَ من الجنسية عدد كبير من كبار السياسيين والعسكريين السوريين ، مثل عبد الباقي نظام الدين الذي كان احد الممثلين التاريخيين للكتلة الوطنية منذ عام 1936 ، ورئيس الوفد الجزراوي في مواجهة المفوض الفرنسي السامي ، والنائب والوزير ، أضافة غلى أخيه اللواء توفيق نظام الدين (رئيس هيئة الأركان) الأمر الذي أفقد عملية الاحصاء مصداقيتها ، وأضفى عليها صبغة وطابع الانتقام. الأرقام التي تحدثت عن المتضررين من جراء الأحصاء هي أرقام غير موثوقة ومتضاربة ، وكانت متراوحة بين 75.000 بحسب بعض المصادر و 120.000 بحسب مصادر أخرى لترتفع تلك الأرقام بعد تطورات المنطقة والغزو الأمريكي للعراق إلى 300.000 شخص (14)، غير أنه وبعد قرار السلطات السورية بعد أندلاع الثورة السورية سنة 2011 ، يتجنيس الاكراد ، في محاولة لكسب تأييدهم ، وجعل الباب مفتوحاً امام جميع الاجانب في الداخل والخارج للتسجيل للحصول على الجنسية ، فقد تقدم حوالي 120 الف وحصلوا على الجنسية السورية . مما يرجح بأن الأرقام السابقة التي تحدثت عن أرقام أكثر من ذلك مبالغ بها كثيراً . إلا أنه لا يزال بعض المثقفين الأكراد الذين يبالغون في حجم الارقام يفاجئوننا بأرقام جديدة ، وكأن الطريقة الوحيدة للتعبير عن ذلك الظلم هو بزيادة الأرقام وتضخيمها. الأمر الذي ينعكس سلباً في كثير من الأحيان على مصداقية الخطاب الذي يقدمونه ، ويؤثر على الحقائق الواردة ضمنه.
نتائج الإحصاء وسبل علاجها : إن إبقاء مجموعة من الناس بدون هوية ، و حرمانهم من الجنسية ، ومن حقوق المواطنين في البلد الذي يعيشون به ، تحت أي مسمى وتحت أي ذريعة هو موضوع غير إنساني بالمطلق ، سواء كان ذلك تحت ذريعة بأن أولئك المحرومين مهاجرين غير شرعيين نتيجة ظروف الحرب ، أو مكتومي القيد لأسباب أخرى ، أو تحت اي مسمى آخر. ولا شك بأن مسمى الإحصاء أصبح من الشؤوم بحيث أنه أصبح يشير إلى الأضطهاد أكثر منه إلى مصطلح اجتماعي يساعد في تنظيم المجتمع وتطوره . وذلك لما ترتب عليه من آثار سلبية بحق جزء مهم من ابناء محافظة الحسكة (بحسب رأيي الشخصي). من جملة الآثار السلبية التي ترتب عليها الإحصاء وإبقاء العديد من سكان محافظة الحسكة بدون هوية وبدون حقوق مواطنة هو : • الحرمان من حق التصويت ( رغم أن هذا الحق كان شكلياً بالنسبة للآخرين) • الحرمان من حق التوظف بوظائف الدولة. • الحرمان من حق الحصول على وثيقة تؤهل حاملها للسفر ، وبذلك تقييد حرية ذلك الإنسان وجعله يعيش في سجن كبير. • الحرمان من حق التملك والبيع والشراء. • الحرمان من أجراء أي معاملة قانونية بما فيها الزواج من مواطنة أو مواطن. لا شك بأن سبل علاج آثار الإحصاء لا يتوقف عند منح الجنسية ، كتلك التي قام بها النظام لتحقيق أهداف سياسية من مثل تحييد الاكراد بالنسبة للثورة السورية ، بل يجب أن يتضمن علاج لكل التراكمات الأجتماعية التي ترتبت على ذلك الأحصاء ، وبقاء ذلك العدد من السكان بدون جنسية لكل تلك العقود . وفعل كل ما من شأنه إعادة تأهيل تلك الأسر ، وتعويضها تعويضاً مناسباً عن كل ما لحق بها من معاناة ، فمن حق أي إنسان يعيش في أي بلد لمدة تتجاوز الخمس سنوات الحصول على الجنسية في معظم دساتير العالم ، فما بالك بأولئك الذين عاشوا لعقود طويلة ولا يملكون جنسية آخرى ، ووطناً غير الذي تربوا وترعرعوا فيه ؟!
المراجع
1- كارستن نيبُور - رحلة إلى شبه الجزيرة العربية وإلى بلاد أخرى مجاورة لها - الطبعة الثانية - الجزء الثاني ص 299. 2- ماكس فون اوبنهايم - البدو مابين النهرين العراق الشمالي و سوريا - الجزء الأول - ص 73 3- أكراد تركيا - د.ابراهيم الدقوقي - دار الثقافة للنشر - لبنان -بيروت 2003 سنة ، ص 257-282 4- محمد عبد العاطي – تركيا بين تحديات الداخل ورهانات الخارج ، بيروت ، الدار العربية للعلوم ناشرون 2010 ص 27 5- الدكتور نوري درسيمي - درسيم درسيم - بيروت 1946 - ص 185 6- سوريا، وزارة الداخلية ، تقرير عن حالة الامن العام (1963 ص 23 ) 7- مقابلة شخصية مع محمد عبد المجيد منجونة - حلب 2011 8-نور الدين زازا ، حياتي الكردية - اربيل : دار فارس 2000، ص 127 9- عصمت شريف وائلي ، المسألة الكردية في سوريا ، لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان 1968 ، ص 15 10- عبد الحميد درويش - أضواء على الحركة الكردية في سوريا - ص 16 11- نور الدين زازا - ص 127، 139 12- ديفيد مكدول - تاريخ الأكراد الحديث - ص 703 13- تقرير هيومن رايتس ووتش 10/6/1996 "سوريا الاكراد المكتومين 14- بيتر براجيتوس -المجلة الدولية للدراسات الكردية -2007
#مهند_الكاطع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركة الكردية في سوريا ... ماضي و حاضر
-
مواجهات في مدن الجزيرة السورية .. من المستفيد .. رؤية تحليلي
...
-
إرهاصات الخطاب الكردي في ظل الثورة السورية .... وجهة نظر عرب
...
-
12 آذار بين أنتفاضة قامشلو ... وأحداث القامشلي
-
ما بعد أحداث القامشلي .... رؤية واقعية
-
الرد على ماجاء في مقال السيد اسماعيل حمد الجبوري
المزيد.....
-
اجتماع بين إيران وتركيا وروسيا في الدوحة لبحث الوضع في سوريا
...
-
علي معتوق.. تعرف إلى رجل تحدى القصف الإسرائيلي لإنقاذ الحيوا
...
-
الجولاني: سقوط النظام السوري -بات وشيكًا-.. والمعارضة تعد ال
...
-
مسؤولون إيرانيون ينفون فرار الأسد من سوريا
-
ناسا تؤجل إطلاق مهمات برنامج -أرتميس- القمري
-
دراسة: القلب يملك -دماغا صغيرا- خاصا به
-
احتمال سقوط الأسد والشكوك حول استراتيجية إيران؛ -تم المتاجرة
...
-
من طب العيون في لندن إلى الحرب في سوريا.. سيرة بشار الأسد
-
سكان دمشق يعيشون حياة طبيعية وسط مخاوف من تقدم الفصائل المعا
...
-
إيران تزيد تخصيب اليورانيوم وسط توتر دبلوماسي متصاعد
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|