نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1206 - 2005 / 5 / 23 - 11:38
المحور:
كتابات ساخرة
لا أدري ماهي طبيعة , وكنه هذه البنى الهشة,والكيانات الرخوة,والنظم الكرتونية والممالك المهزوزة,والهياكل الآيلة للسقوط التي يهزمها مقال,ويهددها كاتب, ويخيفها عامود في جريدة ,ويدكّها شاعر,ويلّغمها كتاب,وتفتّتها قصيدة ,ويدمرها معارض,ويفجرها منشور سري"لبعض الرفاق الحمر" ,ويزلزل كيانها موضوع إنشاء لطلاب في المرحلة الإبتدائية,وتطيح بها بضع قواف صماء ,وتغضب وتزمجر لتقرير, وتهدّها مسرحية ,وتنتفض لعرس,وترتعد لحفلة,وترتجف لندوة,وتنهار لمنتدى, وتلهبها كلمات عزلاء ,وتفجرها نميمة,ويصرعها بيان ,ويرعبها منبر, وينسفها اجتماع, ويروعها نداء,ويسحقها موّال ,وتخربها فكرة,وتفرق شملها مطبوعة,وتنهيها بضع مظاهرات, ويدك معاقلها إصلاحي , وتحطمها رواية,ويصيبها مقتلا فنان أعزل, ويشوهها رسام,وتحطمها قناة, ويقوضها مذياع, وترتاب من وشوشات وحكايا الأطفال.
لا أدري لماذا أتذكر تلك القصة عن نوادر الاستخبارات بطبعتها الأعرابية الفاخرة. ومصدرتلك القصة قد غاب تماما عن "الهارد ديسك" في دماغي لكثرة ما دخله من "ملفات مرعبة", و"فيروسات" مدمرة ومخربة للذاكرة البشرية, وما سمع ورأى من كوارث وأهوال يشيب لها الصبيان ,بحيث أصبح هذا الهارد ديسك ,كشأن ما تبقى من "أقراص صلبة" أخرى عند الأعراب تالفة,ورخوة ,ولا تحتمل أية معطياتData تحديثية وليبرالية وعلمانية جديدة لكثرة حشوها بالتوافه ,والأساطير ,والخزعبلات ,وحكايا الثعابين والقرود السود والجان.
المهم ياطويلي العمر, وبلا طول سيرة, فقد حدث أن تم إحضار عينة عشوائية من "المشاغبين" من كل مكان ,بعد أن اشتد اللغو ,واللغط ,والكلام والتمادي بالردة والزندقة السياسية والخروج على الأعراف,وأستغفر الله لي ولكم على هذا الانحراف . وبعد أن قام الجلاد المحترف الهمام بالتحقيق مع بعض من أؤلئك الثرثارين المشاكسين الذين لايسكتون ولايشبعون من الكلام بالسياسة ,والتطاول ,والتجديف,والعياذ بالله,على الذوات والسادة المعصومين الأشراف,ولاينامون, مثل البق ,ولا يتركون أحدا ينام من الأنام .وبعد أن أمعن السجان في فنون التعذيب والسادية والتسليات ,وانتزع منهم اعترافات عن حوادث حصلت في المريخ والزهرة وأبعد المجرات,انتابته نشوة عارمة بالانتصار على أولئك الفجار. ولكن حين أتى الدور على أحدهم وكان صامتا لاينبس ببنت شفة ,ولا يتكلم ,وفي إضبارته مايثبت أنه لم يتجرأ يوما على البوح بأي فكرة , والاعتراض على أي أمر ومهما كان تافها .فقال مساعد السجان سيدي هذا مسكين ولا يتكلم شيئا,ولم يسبق أن سمعه أحد يتكلم في أي أمر,فلم لاندعه بحال سبيله ,طالما أنه لا يزعج أحدا بأي كلام ,ولا يفتح فمه سوى لتناول الطعام ,هذا إن وجد شيئا يأكله بعد أن تمرعليه,من كل حدب وصوب, قوافل المافيات. فانتفض السجان ,ورئيس الخفراء ونهره قائلا ما أغباك أيها السجان الصغير ,والغر الخفير ؟ هذا أخطرهم على الإطلاق.فنحن نعلم كل مايقوله,ويفكر به أولئك "الثرثارون الأوغاد" ,أما هذا اللغز المحير ,والعصي عن البيان ,والإفصاح فلا بد من استنطاقه ومعرفة كل مايدور بخلده من أفكار,وماسيقوله بعد ألف عام. فنحن لا نعلم بماذا يفكر؟وماذا يريد؟وماهي طموحاته؟وأهدافه ؟وأحلامه؟ إنه تقصير أمني ملحوظ ألا نعلم مايدور في رؤوس جميع الرعايا ,وحتى أدمغة الأجنة في أرحام النساء,هي من اختصاصنا .إنه سر كبير وظاهرة خطيرة وجديرة بالمتابعة والاهتمام.خذه ,يابني ,ولا تتركه قبل أن يبوح لك بكل مافي عقله,وقلبه ,ودماغه من كنوز وخبايا وأسرار,وسأرفع تقريرا سريعا للسادة الأشراف عن هذه الحالة الفريدة والشاذة في أدغال العربان.فالصمت ,والثرثرة ,والهذيان,وقذف أنظمة الظلام سيَان بسيًان, ويتساوون جميعا في دنيا العجائب والغرائب والأهوال.وللحقيقة لم يعد أحد يعرف شيئا عن تلك الواقعة الأمنية الغريبة.هذا وسنوافيكم بالتفاصيل الكاملة في حال ورودها,وحدوث أية تطورات جديدة.
فمنذ أن بدأ فيلم الإصلاح الأمريكي عند الأعراب, بعد زلزال التاسع من نيسان قابله الناس بمزيج من الحذر ,والفتور والاندفاع ,ولكن وبكل أسف انتهت هذه البدعة إلى مآس وكوارث لأولئك الذين صدقوا كل ما أشاعته أجهزة التلفيق والتسويف وعبادة الأصنام, عن وعود إصلاحية كان هدفها بالدرجة الأولى هو استنطاق من كان صامتا,واستدراج من كان مترددا,والإيقاع بمن كان واجما ,وصامتا ,وحذرا إبان حقب الإغلاق والحصار ليجد نفسه مخفورا في النهاية بالأغلال والأصفاد,وفي الزنازين مع اللصوص والأشقياء.
فلقد صدرت أحكام قاسية بحق الكثيرين من الإصلاحيين في أكثر من بلد وانتهت بشكل مؤسف كل تلك الوعود والإصلاحات هنا وهناك ,وعادت حليمة لعادتها القديمة ,وبغطاء دولي هذه المرة ,وظهر أن الموضوع كله لكم يكن أكثر من فخ أريد منه كشف من عنده نوازع شريرة ضد السادة أولياء الأمور وسلطانهم ,والعياذ بالله . وكان فخا ومقلبا من الأعراب رعاة الإصلاح "بلعه" المساكين على مضض.,ومشي الحال
وتحضرني الآن أيضا قصة ذاك الثعلب الذي أغرى الغراب يوما بجمال صوته,وصار يغازله فجأة, حين كان مطبقا على قطعة من اللحم اللذيد بمنقاره ,متظاهرا – الثعلب - بالطيبة والوداعة ودماثة الخلق والتهذيب ,وعشق الجمال والغناء ووحب الطرب الأصيل , طالبا من الغراب إسماعه شيئا من الألحان والغناء,وذلك لكي يأخذ قطعة اللحم التي كانت في فمه,وعندما بدأ الغراب ينشز طربا ,سقطت قطعة اللحم من فمه ,فتلقفها الثعلب سريعا ومضى بعيدا فرحا ,جزلا ,جاحظا بمكر عيناه,وتاركا المطرب النحرير الفهمان وحيدا يتلوى حسرة وندما , ليردد على لسان الشاعر هذا البيت من الشعر,والذي كنت سأعتمده عنوانا للمقال ,ولكن "عشقي" للعربان أكبر ,وأترك الأمر لكم :
مخطئ من ظن يوما أن للثعلب ديناً.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟