|
البحث عن الغائب الحاضر -رواية -19-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4217 - 2013 / 9 / 16 - 03:58
المحور:
الادب والفن
البحث عن الغائب الحاضر --رواية - 19- *************************** دخلت الحانة كعادة مرتادي الحانات الرخيصة ، أوزع الابتسامة هنا وهناك ، أحيي هذا وذاك ، وتلك واالأخرى ، فنحن هنا كعائلة واحدة ، نأتي لنمضي ساعات منفلتة نعجز عن عيشها في أماكن أخرى . كأننا ، أو نحن فعلا هاربون من مجتمع كل علاقاته مزيفة ومصطنعة وكاذبة . قليلون من يعرفون مهنتي ، لكنهم جميعهم لا يعيرونها اهتماما او شأنا ، فمجرد أن تدخل الى مثل هذه الحانات ؛ بملابس عادية وبسحنات أبناء الطبقة المسحوقة التي تم حكها مثل حب الكامون ، لكنها للآن لم تعط رائحة ، تصبح من أهل النسيان في مثل هذه الأماكن . كم جميل أن تحس بلحظات أنك منسي ومهمل في مجتمعات لم تعد تترك شيئا للصدفة والمفاجأة . لكنني الان لا أعني هؤلاء الضائعين من ابناء الشعب المقهور . فهم خارج معادلات التحليلات الاجتماعية والنفسية والسياسية ، هم كالأعداد لا تحس بذاتها أثناء عدها ، فقد يصير عدد العشرة ألفا ، وقد يصبح عدد المليون واحدا . علم رياضيات من ابتكار الدول المتخلفة . قلت كم هو جميل أن يداهمك احساس كونك منسي ومهمل ، أنا لا أتحدث عن الاقصاء ، فمن شاء الاقصاء لقيه ، انه العلاقة الوحيدة التي ينبني عليها كل الهرم الاجتماعي . هرم مشوه وزنيم ، لاشكل له ، هجين . للنسيان نكهة الهروب من أجهزة المراقبة الحديثة ، الى درجة ان الانسان صار رقيبا لذاته شخصيا ، وكل رقابة تضييق ، والكون مؤسس على التمدد ، وبين تضييق وانحسار بعض البشر ، يتوسع ويتمدد الآخرون . اخترت كعادتي الجلوس بعيدا عن الآخرين ، ليس لأن الآخر هو العدو ، لا أعترف بهذه النظرية ، ولطالما فكرت في عكسها ، انا هو العدو بالنسبة للآخرين . على الأقل كي اكون متطابقا مع واقعي . فعلاقاتنا أصبحت تفترض خلق اعداء وهميين ، الى درجة ان مفهوم الصداقة لم يعد له وجود ، واذا وجدت صديقين فاعلم ان ثقل الصداقة يتحمله واحد ، او لا أحد . انها علاقات فارغة ناشئة عن الصدفة ، والصدفة صارت أسوأ من ألف ميعاد . كل القيم الموروثة انهارت على صعيد الواقع ، وأصبحت معكوسة . رحب بي النادل وهو يضع امامي بعض المأكولات الخفيفة ، لكنه محكوم بالعادة ، فقد قدم لي صحنا صغيرا من لحم الدجاج الممرق ، وأنا لا أحب المرق ، لذلك أشرت عليه برده وتعويضه بأكل مقلي أو مشوي . من فوق الكونتوار كانت سكينة تنظر الي ، والدليل على ذلك عندما أجلت عيني على المشهد العام للحانة وانطبقت عيناي بعينيها لوحت لي بيدها ، ابتسمت في وجهها المقزز ، ورددت التحية دون أن أدعوها لطاولتي ، أو أوصي البارمان بتقديم قنينة جعة على حسابي اليها . اليوم أعيش اضطرابا فظيعا ، وليس هناك كما يخيل لي غير سعاد من يمكنها أن تخرجني من اضطرابي ، أحس بافتقاد شديد اليها ، هل أهاتفها ؟ تساءلت وأنا اشك في استجابتها لرغبتي في ان تلتحق بي سعاد الى هذا المكان . لكني قررت أخيرا أن أهاتفها وأطلب منها الالتحاق بي هنا . -آلو سعاد ، كيف أنت ؟ أين أنت ؟ - مصطفى كيف حالك لقد خلتك نسيتني ، لم أرك اليوم ، أين أنت . سؤال لم يكن يطرأ على بالي ، فقد كنت مهيئا نفسي لطلبها هنا ، ولم أكن جاهزا لسؤالها عني . -أنا الان في حاجة اليك . لا تسأليني عن أي شيئ آخر أرجوك ، هل يمنكنك الالتحاق بي في أحد الحانات ؟ سكتت لبرهة ، نعم هي مصدومة ، تعرف انني اشرب الخمر أحيانا ، لكنها لم تنتظر يوما مني دعوة كهذه . لكنها حتما ستجيب . يربطنا شيئ غريزي ببعضنا ، رغم اننا لم نتحدث عنه أبدا ، فهي لم ترد لي يوما طلبا ، وأنا ايضا . نحترم بعضنا بشكل أرقى من الاحترام ، ربما ولا استحيي من ذلك ، كنا في علاقة حب كمونية ، سرية ، نرفالية ، عشق آرامي عذري ، سمه ما شئت ، المهم انها ستجيبني وستوافق على موافاتي الى هنا .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجربة العدالة والتنمية الفارغة
-
لذة السقوط
-
عالم جديد في طور التكوين -2-
-
طريق النسيان
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-18-
-
سفر في مقهى -الرايس -
-
عالم جديد في طور التكوين -1-
-
وجع بوجهين
-
لماذا تم تأجيل الهجوم على النظام السوري ؟
-
البحث عن الحاضر الغائب -رواية-17
-
انا من هنالك
-
أنا من هنالك
-
بعيدا عن السياسة في قلب السياسة
-
البحث عن الغائب الحاضر -رواية-15-
-
انجازات الملك محمد السادس الغائبة
-
شعرية الانفجار عند ايمان الونطدي
-
عندما يصبح الانسان نفسه كذبة كبيرة
-
المغاربة والسياسة
-
اضاءات حول انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة المغربية
-
اللعبة المصرية واحراق المرجعية
المزيد.....
-
أحدث المسلسلات والأفلام على المنصات الإلكترونية في العيد
-
السعودية: الوصول لـ20 مليون مستفيد ومستمع لترجمة خطبة عيد ال
...
-
ولاد رزق 3 وقاضية أفشة يتصدر إرادات شباك التذاكر وعصابة الما
...
-
-معطف الريح لم يعمل-!.. إعلام عبري يقدم رواية جديدة عن مقتل
...
-
طرد مشاركين من ملتقى تجاري في أوديسا بعد أن طالبوا المحاضر ب
...
-
المخرجة والكاتبة دوروثي مريم كيلو تروي رحلة بحثها عن جذورها
...
-
أولاد رزق 3 وعصابة الماكس.. شوف أقوى أفلام عيد الأضحى 2024 خ
...
-
الرِحلَةُ الأخيرَة - الشاعر محسن مراد الحسناوي
-
كتب الشاعر العراق الكبير - محسن مراد : الرِحلَةُ الأخيرَة
-
6 أفلام ممتعة لمشاهدة عائلية فى عيد الأضحى
المزيد.....
-
الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد
...
/ الويزة جبابلية
-
تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً
/ عبدالستار عبد ثابت البيضاني
-
الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم
...
/ محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
-
سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان
/ ريتا عودة
-
أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة
/ ريتا عودة
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
المزيد.....
|