أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهاد عبد الستار رشيد - قصة قصيرة بعنوان ( بطاقة عودة الى بغداد )














المزيد.....

قصة قصيرة بعنوان ( بطاقة عودة الى بغداد )


نهاد عبد الستار رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 4214 - 2013 / 9 / 13 - 22:16
المحور: الادب والفن
    


عندما صعدت الى حافلة نقل الركاب التي تقلنا الى بغداد وجدت قطعة خبز قديمة على المقعد المخصص لي , فرميتها من النافذة الى برميل قريب , فترامى الى اذني صوت احتجاج وتذمر , في شيء من الحدة , من المقاعد الخلفية للحافلة : " ليش .. مو خطيه ؟ ... مو هذي نعمة الله ! " اعتراني شيء من الذهول , وشعرت بحافز غامض أرغمني على الألتفات . كان الصوت مألوفا لدي . أجلت الطرف في ما حولي بحثا عن المتذمر الذي يفيض حنانا وشفقة على قطعة الخبز . تطلعت اليه وحدّقت في وجهه . رحت اسائل نفسي قائلا : " أليس هذا أبو سامي القصاب ؟ " .. ران الصمت داخل الحافلة لحظات . أحسست بحنق لكني أخلدت الى الصمت , اذ لم أكن أدري ماذا أقول لكي أرد عليه . جلست على مقعدي واستعرضت في مخيلتي بعض أعماله اللاأنسانيه , ورحت اسائل نفسي : " لماذا يتكشف الآن عن كل هذه الوداعة والرقة والشفقة ؟
راحت الأحداث وصور الماضي تتوالى على ذاكرتي , فانتزعت منها بعض مشاهد القصف الأمريكي للبيوت السكنية في منطقتنا , وكانت أكثر الأشياء التي علقت في ذاكرتي قيام هذا القصاب بتفتيش ركام البيوت المقصوفة وملابس الضحايا والمصابين بحثا عن المال , ولم يشارك فرق الأنقاذ في انتشال الضحايا .
عدت بذاكرتي الى الماضي القريب , وتبادرت الى خاطري صور قيامه بذبح عجلة أمام امها . طفقت اناجي نفسي : " أليس من واجب القصاب احترام مشاعر الأمومة لدى الحيوانات عند ذبحها ؟ هذه العجلة التي حملتها امها وولدتها وأنشأتها في صبر العنكبوت الذي يشيد بيته خيطا خيطا , يوما بعد آخر. فالأم بالتأكيد تؤثر أن تذبح هي على أن ترى بعينها عجلتها تذبح أمامها .
بدت على وجه البقرة علامات التشنج والألم الممض , وأنا واقف الاحظ المشهد المثير بوجه يكتسي بمسحة من الحزن . حاولت العجلة الأفلات من قبضة القصاب مذعورة يغريها اليأس بالفرار , وصاحت بصوت متهدج منفعل طالبة من امها التدخل لنجدتها , وكانت عيناها تحدقان اليها , ولمحت في تينك العينين نداء استغاثة وتوسلا واستعطافا . أحست البقرة الأم بجميع كيانها يتحرك من أعماقها لذلك النداء , وحاولت قطع الحبل المربوطة به , وكانت أنفاسها تتردد سريعة وقوية وقلبها يخفق خفقانا شديدا , وكانت مرتجفة المفاصل , منهوكة القوى مما تشعر في دخيلة نفسها من آلام .
بدأت الدموع تترقرق من عيني , والرعدة تسري في أوصالي , وأطبق الرعب على حنجرتي . كنت أتوق لأن آخذ العجلة بين ذراعي وأضمها الى صدري . شعرت بدمي يغلي غليانا شديدا لفظاظة القصاب التي أفزعتني . ولكن كيف أجد السبيل لأنقاذها ؟ واستولت علي فكرة شراء العجلة ... وفي شيء من نفاد الصبر والعصبية وأنا أميط اللثام عما كان يجول بخاطري قلت للقصاب بتعبير ينضح مرارة : " اريد شراء العجلة " .. كان من العبث الذي لا طائل تحته أن اقنع القصاب بالفكرة . راح يضحك بملء فيه ورفض عرضي بازدراء , واندفع يعنفني وكأن طلبي كان ضربا من الوقاحة ... لبثت العجلة وامها تحدقان كل منهما الى الأخرى لحظة , وفي مثل عجز الطائر المهيض الجناحين استسلمت العجلة لسكين القصاب , وراحت الأم تتطلع لمشهد الذبح وقلبها يفيض بالدموع , وأحسست بأن أحشاءها تتقطع وهي تنظر بصمت كئيب .
انتزعت نفسي من غمرة الشرود الذهني حين بدأت الحافلة تتحرك بنا وتتوارى عن الأنظار في ضوضاء الشارع . لم يكن قد مضى الآن على هذه الحادثة اسبوع واحد . لكن شيئا اعتمل في ذات نفسي ... فقد أدركت ما كان يرمي اليه .



#نهاد_عبد_الستار_رشيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( في الأرض متسع للعيش ) قصة قصيرة بقلم نهاد عبد الستار رشيد
- قصة قصيرة بعنوان ( مفاهيم خاطئة ) بقلم : نهاد عبد الستار رش ...
- في دار السفير الفنلندي في بغداد
- ماذا قالت لي رفيقة ( البرتو مورافيا )
- قصة قصيرة بعنوان : من رحم الآلام تولد الآمال
- قصة قصيرة / التحدي
- ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الر ...
- هكذا عرفت الروائية ابتسام عبد الله
- في لقاء لي مع ( فيو ميري )
- واخيرا التقيت بها


المزيد.....




- مصر: مبادرة حكومية لعلاج كبار الفنانين على نفقة الدولة
- غمكين مراد: الرُّوحُ كمزراب
- مصر: مبادرة حكومية علاج كبار الفنانين على نفقة الدولة
- رحلة العمر
- حماس: تقرير العفو الدولية مغلوط ويتبنى الرواية الإسرائيلية
- مهرجان -البحر الأحمر السينمائي- يكرم هند صبري بالشراكة مع غو ...
- فيلم -الملحد- يُعرض بدور السينما المصرية في ليلة رأس السنة
- كابو نيغرو لعبدالله الطايع: فيلم عن الحب والعيش في عالم يضيق ...
- -طفولتي تلاشت ببساطة-.. عرائس الرياح الموسمية في باكستان
- مسابقة كتابة النشيد الوطني تثير الجدل في سوريا


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهاد عبد الستار رشيد - قصة قصيرة بعنوان ( بطاقة عودة الى بغداد )