أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهاد عبد الستار رشيد - في دار السفير الفنلندي في بغداد















المزيد.....



في دار السفير الفنلندي في بغداد


نهاد عبد الستار رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 3834 - 2012 / 8 / 29 - 20:40
المحور: الادب والفن
    


كان الأصيل يحتضر غارقا في سحب حمراء حين شرعت في الذهاب الى دار السفير الفنلندي , تلبية لدعوته لي لتناول العشاء بعد انتهاء الندوة الثقافية الفنلندية العراقية التي عقدت في بغداد بدعوة من دائرة الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والأعلام العراقية للفترة من 11-13/ 12 / 1979 . وكنت قد ساهمت فيها بمحاضرة عن الدراما الفنلندية الجديدة ، ضمن مجموعة من المحاضرات لأدباء ومثقفين فنلنديين وعراقيين .
ما أن دخلت القاعة الواسعة في دار السفيرحتى ترامى الى ذهني نداء الناقد الكبير ، الدمث الأخلاق ، الذي تميزت أعماله الأدبية والنقدية بالعمق والثراء ، الصديق عبد الجبار داود البصري ، الذي كنت أستريح الى صحبته ، فطالما كنا نلتقي معا في مقهى حسن عجمي أو مقهى الزهاوي . التفت باتجاه مصدر الصوت ، فوجدته يلوح لي بيده فتوجهت اليه، وألفيته في أهدأ أركان القاعة انارة ، وكان في انسجام عميق مع الشاعرة الفنلندية سركا سليا ، التي أجريت معها البارحة لقاء صحفيا في قاعة ابن النديم حول " أشعار ما بين النهرين " التي القتها في الندوة الثقافية المذكورة .
كانت الشاعرة سليا ، التي تجمعني واياها معرفة قديمة ، امرأة على درجة كبيرة من الأناقة ، بهية الطلعة وموفورة النشاط . وكان وجهها يطفح بشرا ويفيض بحيوية انثوية . واتخذت مقعدا الى جانبها ، وتبادلنا بعض الأحاديث القصيرة حول نشاطاتها الأدبية . ران الصمت لحظات ، وفي غضون ذلك انبعثت ذكرياتي مع الشاعرة حية ، ورحت أستعرض أمام مخيلتي لقاءاتنا السابقة في هلسنكي ، وثارت كوامن شوقي وحنيني لذلك البلد الذي أحببته من كل أعماقي ، واخلصت له فرعاني واحتضنني وقدم لي كل التسهيلات لتحقيق أهدافي الأدبية والثقافية .
كانت عيناها صافيتين ، هادئتين وبريئتين ، ووجنتاها الورديتان مالتا الى الحمرة ، وبدت جزلة مسرورة . فرحت أتفرس في أسارير وجهها ، وأخذنا نتبادل ألأبتسامات .
حضر النادل مع عربة المشروبات الكحولية فاخترت الويسكي ، واختار الأستاذ البصري الجن ، بينما كان اختيار الشاعرة الشمبانيا .
رفعت الشاعرة سليا كأسها فرفعنا كأسينا ، وقرعنا كؤوسنا بعضها ببعض ، وشربنا نخب صداقتنا وازدهار بلدينا الصديقين .
مزجت الويسكي مع أحد المشروبات الغازية ورحت أرتشفه في رشفات كبيرة . اما الشاعرة سليا فلم تكد تبلل شفتيها . قالت ، موجهة كلامها الى الأستاذ البصري ، وهي مسترسلة في دلاعتها ما طاب لها الأسترسال :
- اندهشت كثيرا من قدرتك النقدية في اقتناص مشهد تطلع بعض الشعراء العراقيين المعاصرين والمحدثين نحو الشمال الأوربي ، هل لك أن تستشهد ببعض تلك القصائد ؟

بعد أن ترجمت له طلب الشاعرة ، بدأ الأستاذ البصري يستشهد بقصائد للشعراء : السياب ، والبياتي ، والجواهري ، وسعدي يوسف ، وسامي مهدي وحسب الشيخ جعفر ، ثم أضاف مؤكدا بان النظرة عند هؤلاء الشعراء العراقيين المعاصرين كانت " زمكانية " وضد النظرة الفراغية .
انبسطت أسارير الأستاذ البصري ، وأشرق محياه ، وهو يقرأ في عينيها العسليتين ذلك الحب الذي يكنه لها ، فراحت تبعث البهجة في قلبه وهو يحدق في وجهها ، فأستطرد يقول موجها كلامه لي :
- ان الفم يؤثر الصمت امامك عن كثير مما يخامر الفؤاد ، ثم واصل كلامه ، بعد برهة صمت ، وراح يميط اللثام عما يجول بخاطره من افكار : " لكنني لا استطيع البوح لها بخلجات فؤادي ، وأجهر بما أكنه لها بصدري ، وأفضي لها بحبي ، كأنني شاب حديث العهد بالعشق . وقد بذلت قصارى جهدي عن طريق الرسائل لأفهامها كي يكون في مقدورها أن تعرف ما يجول بخاطري وما تنطوي عليه نفسي من حب تجاهها ، لكن جهلي باللغة الفنلندية حال دون ذلك ، و اجتاحتني الآن رغبة شديدة في أن أتغلغل في صميم نفسها لأتعرف منها مباشرة حقيقة شعورها نحوي . أيمكن أن تسدي لي فضلا ، يا أستاذ نهاد ؟
وهنا مال الأستاذ البصري عليّ ، وأسرّ في اذني كلاما محبوسا في صدره منذ فترة طويلة .
لقد كان متجها اليها بكل عواطفه ، وهو يتطلع اليها من حين الى آخر في شيء كثير من الأعجاب ، وكان متشبثا بالبقية الباقية من حياته ، ومصرا على التحرر مما يدعوه بقيود الألتزام الأسري ، بعد أن أوفى بكل ما لديه من التزامات ، وكان متلهفا لسماع ما ستقوله له .
ما أن أكملت ترجمتي حتى رمته بعينين داهشتين ، اذ لم يصعب عليها قراءة ما يدور بخلده من رغبات ، وندت عنها ضحكة مترعة بالعافية ، وانقطعت عن الكلام وحدجته بنظرة ذات معان ، وظل كل منا مدى بضع دقائق صامتا لا ينبس ببنت شفة ... بدأ احساس خفي بالضيق يتسرب الى نفس الأستاذ البصري ... بعد أن فكرت في الأمر مليا ، رمقته بنظرة فاحصة ، وطفقت تلحظه بوجه يكتسي بمسحة من الأسف . عندئذ نظر كل منا الى الآخر ، وعلى حين غرة ، نظرت الشاعرة الى الأستاذ البصري وقالت دون تردد:
- أنت متزوج ولديك عائلة ، وتريد أن تطلب يدي للزواج ، أليس كذلك ؟
- " بالتأكيد ، ووفق شرع الله ، " أجاب الأستاذ البصري بعد تردد
أمسكت الشاعرة سليا عن الكلام بضع دقائق كانت في طولها كالدهر ، ثم بادرته بالحديث في غير مداورة ، فقالت بلهجة تحمل الأعتذار : - في قوانيننا ، يعتبر تعدد الزوجات جريمة يعاقب عليها المرء أمام القضاء . ثم أنا غير مستعدة أن أحرم عائلتك من عطفك وحنانك ، فهذه هي الأخرى جريمة أمام الله ... ما تطلبه يا استاذ مستحيل . ثم تابعت الشاعرة تقول متعجبة وهي جالسة قبالته : - ما أكبر هذه الخطيئة ! وسرعان ما أدرك ألأستاذ البصري تلك الحقيقة التي لم يبطىء هو الآخر في فهمها . ووجد في هذه الكلمات حرارة الصدق . فانتابه حس من الندم كان يعذبه ، واستدرك قائلا بعد برهة صمت أليمة : - كلامك هو عين الصواب . رفعنا الكؤوس وقرعناها ببعضها نخب صداقتنا البريئة . شعر البصري بشيء من تأنيب الضمير ، وقال في ذات نفسه : " ينبغي أن أصيخ الى صوت العقل ! سوف لن أنسى هذا الدرس القاسي ما حييت . وهنا انتابته موجة عارمة من المرارة وتأنيب الضمير ، وفارقت مخيلته فجأة خيالات ذلك الوهم ، وأقر في دخيلته أن الشاعرة سليا على صواب . وانبعثت في نفسه من جديد الرغبة في الأهتمام بعائلته وبمستقبله . وما كاد الأستاذ البصري يشعر بمقدم ألأستاذ صالح مهدي عماش نحو مائدتنا حتى انتصب واقفا ومد له يده مصافحا ، ثم تحول الأستاذ عماش اليّ واحتضنني وانهال علي تقبيلا ، وهو يمتدح محاضرتي التي القيتها باللغتين الفنلندية والعربية ، ثم تمنى للشاعرة سليا اقامة هانئة في العراق . جلس الأستاذ عماش الى جانب الأستاذ البصري ثم استدار نحوي وطلب مني أن أسأل الشاعرة عن وضع الشعر الفنلندي في الوقت الحاضر ، فأجابت بعد هنية تأمل : - كان الشعر الفنلندي وما يزال يلعب دورا بارزا ، ففي بداية القرن العشرين ، في زمن الشاعر ( آينو لاينو ) أصبح للشعر دورا قياديا للحركة الأدبية في فنلندة ، وعاد بدرجة أكبر في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ليتصدر الحركة ويحدد مساراتها . في الستينات ، كان الشعر أول الأنواع الأدبية استجابة لموجة الألتزام السياسي الجديدة . ومما يدلل على ألأهمية التي يحتلها الشعر في فنلندة ، ان ثلاث جوائز أدبية للعام الماضي ، 1978 ، منحت للشعراء ( ايفا ليزا مانر ) ، و ( لاسي نومي ) و( بنتي ساريتسا ) . ومنحت جائزة آينو لاينو لنفس العام للشاعر الشاب يوكا فيينو . يمثل الشعر الفنلندي في الوقت الحاضر مقتطفا نموذجيا من جميع الأنواع المختلفة من الشعر الذي شاع بين عامة الناس في خمسينات وستينات وسبعينات هذا القرن ، ويمتد على نطاق واسع بدءا بالشعر الغنائي وانتهاء بالشعر الأستطرادي ، ويمكن اكتشاف ما أفرزته الخمسينات من الشعر بصورته الأكمل في شعر( ايفا ليزا مانر ) و (لاسي نومي ) . أما الشعر الفنلندي المكتوب باللغة السويدية وهي اللغة الرسمية الثانية في فنلندة ، فهو واسع بشكل ملحوظ . من شعرائه النموذجيين في المقام الأول يأتي ( بو كاربلان ) و ( كليه اندرسون ) و ( لارس هولدن ) و ( بيتر ساندلين). كان الأستاذ عماش منهمكا في تسجيل اجابة الشاعرة وترجمتي العربية . مدّ يده الى كأسه وقال :
- لنشرب نخب الشعر الفنلندي العظيم وقرعنا كؤوسنا ببعضها وراح كل منا يشرب ما تبقى في كأسه حتى آخر قطرة بناء على اقتراح الشاعرة سليا التي كان من شأن الشمبانيا أن جعلها تتجلى في أبهى صورها ... وبعد لحظات ، سأل الأستاذ عماش الشاعرة عن أبرز الدوواوين الشعرية التي صدرت في فنلندة في السبعينات ، فأجابت بعد أن أغمضت عينيها لحظة :
- في عام 1975 ، أصدر توماس فاربورتو ديوانه الشعري الموسوم ( القطع ) ، وقد سبق أن فاز هذا الديوان الرائع باحدى جوائز الدولة للترجمة ، وهو عبارة عن قصيدة قصصية طويلة ، شخصيتها المركزية فنلندي يعيش أبان الحرب الأهلية عام 1918 . في السنوات الحديثة كرّس شعراء آخرون أنفسهم للقصيدة القصصية . فقد أصدر ( بافو هافيكو ) قصائد مختلفة ومجموعات في هذا الأسلوب أحدثها تحت عنوان ( عشرون وواحدة ) . ونشر في العام نفسه ( بنتي ساريكوسكي ) مقالة عن الشاعر لاينو بشكل سلسلة متعاقبة من القصائد . وفي العام الماضي ، 1978 ، نشرت ( مارتا تيكانن ) رواية شعرية باللغة السويدية عن القضية المعاصرة وهي ( عالم زوجة السكير ) . واستطرد الأستاذ عماش قائلا : - وماذا عن الشاعرة الكثيرة المواهب ، أقصد ( ايفا ليزا مانر ) ؟ أجابت سليا دون تردد وهي تبتسم بلطف : - تعتبر الشاعرة ايفا ليزا مانر واحدة من كبار الشعراء الفنلنديين على المستوى العالمي . اشتهرت بشكل خاص كشاعرة غنائية ، مع ان نتاجها الأدبي يشمل اضافة للمسرحيات ، النثر والترجمات . عندما صدرت مجموعتها الشعرية الموسومة ( هذه الرحلة ) عام 1956 ، وهي رابع نتاج لها ، أحدثت ضجة كبيرة في الوسط الأدبي ، حيث أحرزت تقدما كبيرا في الحداثة الفنلندية . كانت القصيدة تبنى من الصور البلاغية ، والبناء الطباقي لقصائد مانر الغنائية . وهنا خطر ببال الأستاذ البصري ان يوجه لها هذا السؤال : - هل تأثرت مانر باحد الشعراء العالميين ؟ فاجابت الشاعرة سليا على الفور بعد ان مطت شفتيها : - ربما كانت ايفا ليزا مانر متأثرة ب ( اليوت ) أكثر من جميع الشعراء الأوربيين ، والطبيعة ذات الأيقاعات الموسيقية المتعددة لأسلوبه الشعري انعكست ايضا في قصائد شعراء فنلنديين آخرين لفترة ما بعد الحرب . ثم عاد الأستاذ البصري ليستفسر عن دوواوين مانر الشعرية التي أصدرتها ، فاجابت بعد عدة رشفات من الشمبانيا قائلة : -وسط تشويش الحرب العالمية الثانية ، وفي التحديد في عام 1944 ، أصدرت مجموعتها الشعرية الأولى تحت عنوان ( الأسود والأحمر ) . أما مجموعتها الشعرية الموسومة ( كالريح أو الغيم ) فقد صدرت عام 1949 ، وهي تحمل مزاج الشعر الغنائي التقليدي . وفي عام 1964 صدرت لها مجموعة شعرية بعنوان ( هكذا تتغير الفصول ) وقد احتوت على معظم الفلسفة الطبيعية في جميع أشعار ايفا ليزا مانر ، حيث ينعكس فيها التواتر الفصلي لمناظر البحيرات في فنلندة ، اشجارها وطيورها . كما يجد جو البحر المتوسط انعكاساته هو الآخر في مجموعتها الشعرية الموسومة ( كتب على حجر ) التي صدرت عام 1966 . وهنا راودت الأستاذ عماش فكرة الألتقاء بها فسألها قائلا : - هل لديك عنوانها ، أقصد ، أين تعمل في الوقت الحاضر ؟ - تعمل الشاعرة مانر جزءا من كل عام في اسبانيا ، البلد الذي قدم لها جوا تعبيريا قويا في مجموعتها الشعرية ( فهرنهايت 121 ) التي صدرت عام 1968 . اما الأستاذ البصري فقد طاف بذهنه هذا السؤال : - بماذا تتميز مانر عن الشعراء الآخرين ؟ - تتميز شخصية الشاعرة مانر ببراعة الأسلوب والتغيير في فلسفة التوحد التي برزت في نتاجها ، النوم ، اللعب ، الفراغ ، و الموسيقى هي الموضوعات الأكثر تكرارا في شعرها . – " قرأت ذات يوم مسرحية " يتساقط الثلج في مايس " من تأليف الشاعرة مانر وترجمة الأستاذ نهاد عبد الستار رشيد ، وأعجبتني كثيرا . ما هي أبرز أعمالها المسرحية ؟ " سأل الأستاذ عماش - من المسرحيات التي كتبتها الشاعرة مانر ذات القوة الدرامية الأعظم ربما تكون ( عشية عام جديد ) التي صدرت عام 1965 وتتحدث عن فريق من المفكرين – زوج وزوجته ، رجل دين ، كاتب ، وممثل . اما مسرحية ( يتساقط الثلج في مايس ) التي صدرت عام 1966 ، فهي عن فتاة شابة كما هو الحال في مسرحية ( برتقالة محترقة ) التي صدرت عام 1968 ، الا أن الفتاة في المسرحية الأخيرة مصابة بمرض ( انفصام الشخصية ) والجزء الأكبر من المسرحية هو لغوي – حتى الشذوذ وضع ببراعة وتم التعبير عنه لغويا .
ران الصمت لحظات استبدل خلالها الأستاذ صالح مهدي عماش شريط التسجيل وارتشفت الشاعرة سليا قليلا من الشمبانيا فيما كان الأستاذ البصري يتطلع لساعته ، فقال الأستاذ عماش : - في الندوة الثقافية الفنلندية العراقية تم التطرق للشاعرة ايرا ستنبيرغ ، هل بوسعك ان تحدثينا عنها ؟ - في عام 1966 ظهر ديوانها الشعري الأول ، ومنذ ذلك الحين أصدرت الشاعرة ايرا ستنبيرغ عدة مجاميع شعرية وقصص للأطفال وروايات . – " وما هي أبرز الموضوعات التي تعالجها ستنبيرغ في قصائدها " سأل الأستاذ عماش . – في أحدث مجاميعها الشعرية تدرس هذه الشاعرة العلاقات الأنسانية ضمن نطاق العائلة ، الطلاق ، والأمومة والطفولة . ويعتبر صوتها واضح وواقعي النزعة . ثم استغرقت في التفكير لحظات قبل ان تجيب قائلة : - أن معالجتها للمرأة والطفل معا هي معالجة وجدانية ، وتهكمية في بعض الأحيان . انها تتعامل ، على نحو يتسم بالتبصر ، وحدة الملاحظة ، وبعد النظر ، مع أهمية الطفولة في الطريق الذي يحتمه قدر المرء ... البيت – حيث الحماية والتقييد والعقوبة – هو في الغالب مسرحا لقصائد ستنبيرغ ، والرجل الأب هو هدف التهكم والنقد ... يظهر العنف اللاعقلاني واليأس على نحو واسع في عالم قصائد ستنبيرغ . انها تكتب عن العلاقة بين الأم والطفل ، وعن ابتهاج الأمومة وخشية المستقبل ، والتناقض في نشاط الطفل غير المدرك لذاته والبهجة بالحياة . – " سمعت في فنلندة عن مجموعة قصائد تحت عنوان ( قصة حب القرن العشرين ) لشاعرة سويدية في فنلندة هل لك ان تحدثينا عنها ؟ " سأل الأستاذ عماش . - هذه المجموعة هي للشاعرة الفنلندية ( مارتا تيكانن ) وصدرت المجموعة بلغتها السويدية عام 1978 ، وترجمت للفنلندية والدنماركية والنرويجية والهولندية والألمانية والآيسلندية والأنكليزية ، واعدت للأذاعة والتلفزيون والمسرح – " هل هذه الشاعرة تنتمي للأقلية السويدية في فنلندة ؟ " سأل الأستاذ عماش .
– انها من الفنلنديين الذين يتكلمون السويدية . وهي صحفية ومدرسة وام لأربعة أطفال . وقد ظهرت على المسرح الأدبي ، لأول مرة ، من خلال روايتها الموسومة ( الآن الغد ) التي صدرت عام 1970 . وتدور احداث الرواية عن قصة تحرير المرأة التي تفلت من وظيفتها التقليدية . واعقبت هذه الرواية روايتان ، الأولى تحت عنوان ( لا لعالم الرجل ) صدرت عا 1972 ، والثانية بعنوان ( من يهتم بدوريس ميهايلوف ) التي صدرت عام 1974 . وجلبت هاتان الروايتان لها الشهرة في جميع الأقطار الأسكندنافية ، ولكنها لم تشتهر على النطاق العالمي الا بعد عام 1975 حين صدرت روايتها الرابعة والتي ترجمت الى العديد من اللغات العالمية واعدت للسينما . وسأل الأستاذ البصري عن اية قصة حب تتحدث تيكانن في ديوانها الشعري المذكور ، فاجابت الشاعرة سليا :
 جاء ديوانها الشعري ( قصة حب القرن العشرين ) ردا على تجاوزات زوجها ( هنريك تيكانن ) لأنه تناول قصة زواجهما في روايات السيرة الذاتية التي لم يرحم فيها نفسه ولا زوجته . تصف مارتا تيكانن ، في قصائدها ، بنبرة مشوبة بالعاطفة والحماس ، كيف يمكن لأمرأة سبق وان عاشت ضمن تخوم تقاليد الطبقة الوسطى ان تعيش في جحيم الزوجية الناجم من تعطش زوجها الشديد لتناول الكحول . انها تفسر ادمانه على الخمر باعتباره سلاحا في صراع النفوذ داخل العائلة , وانها مكرهة للتعبير عن بغضها الشديد رغم حبها له . في هذه القصائد تتحدث مارتا تيكانن عن جلد امرأة في محنتها ، وحماستها ، وتوقها الشديد للحب ، ونزوعها للتمرد والثورة . - " أود لو تحدثينا عن شاعرة القطب . " قال الأستاذ عماش - شاعرة القطب هي الشاعرة الفنلندية المتميزة ( سركا توركا ) التي اعتادت ان تكتب أجمل قصائدها في فناء ريفي ، عند جذور شجرة رماد الجبل المتوقفة النمو ، وهي تتطلع الى بحيرة لوهيانيارفي عبر الغابة التي تغطيها كتل الثلج . كما انها ما تزال تقضي جزءا من السنة تعمل في مدينة ( هامة ) الريفية حيث تجد الشاعرة توركا هناك جوا خصبا لحكايات الجن . – " وبماذا تتميز قصائدها ؟ " سأل الأستاذ عماش . – في شعر توركا تأتي الطبيعة واعية : فالصخور تبكي ، وتتنهد الأشجار ، ويشعر المطر بالحزن . وما يدهش المتابع لشعرها ، هذه اللغة العاطفية القديمة النمط ، وكيفية استخدامها لهذه الصور البلاغية باسلوب عفوي معاصر ... وفي لقاء لها مع ماركو هووتاري قالت : " من الجراحات تنمو الحياة . واني اتحدث عن الموت عندما اقصد التحدث عن الحياة . " ثم أردفت تتحدث عن طريقة كتابتها للقصيدة : " حين أصف الخريف بحوذي عجوز ، لا أقصد بذلك تزيين شعري لكن ذلك يأتي عفويا ومصادفة . أنا لا أتصنّع في كتابة الشعر . حين يمسك الألهام قلمي ، يتعين علي الأسراع في تدوين الملاحظات . – " وهل يأتي شعرها بشكل عفوي دون تكلف ؟ " سأل الأستاذ البصري . -نعم . كانت تتحدث بنباهة وفطنة ، وتأتي كلماتها على نحو عفوي دون تكلف : تحدثت عن الطبيعة والمدينة باسلوب ساحر ، تحلل الأفكار والصور الذهنية الى لحن موسيقي مليء بجمال حزين ، وأصداء الوحدانية ، وذكريات مؤلمة وسعيدة . انها سيدة الكلمة المنطوقة ، فقد كانت قصصاصة ومغنية قصائد قصصية ، وراوية حكايات ملحمية . – " ومن لقبها بشاعرة القطب ؟ " سأل الأستاذ عماش
 النقاد اعتبروها شاعرة القطب ، وواحدة من أبرز وأكثر شعراء السبعينات أهمية . من أعمالها ، على سبيل المثال ، ( غرفة في فضاء ) ، صدرت عام 1973 ، و( انه أنا ) ، صدرت عام 1976 . وفي هذا العام ، 1979 ، صدرت لها مجموعة شعرية تحت عنوان ( الرجل الذي أحب زوجته كثيرا ) ... سركا توركا شاعرة غنائية تكتب ملاحم مسرحية مثيرة للمشاعر ، وصوتها المباشر والصريح ينفذ الى القلب. وتوقفت الشاعرة سليا لحظات عن الكلام ريثما ترتشف ما تبقى لها في كأسها من الشمبانيا ، لكن الأستاذ عماش طلب منها التوقف قائلا : - لا تكلفي نفسك عناء التفاصيل في الأجابة ، فانا الاحظ عليك مظاهر التعب والأرهاق ، وأخشى ما أخشاه أن تكوني قد ضجرت من كثرة استفساراتنا . فاجابت الشاعرة بابتسامتها المعهودة قائلة : - كلا أبدا . الحديث عن الشعر الفنلندي شيق جدا . وانا على الأستعداد للأجابة على أية أسئلة اخرى في ذهنكم .
 " كانت هذه الأسئلة هي كل ما يجول بخاطري . شكرا جزيلا . " قال الأستاذ عماش وأنفقنا في هذا الحديث الشيق بضع ساعات تقضت على نحو خاطف . لقد أوشك الليل أن ينتصف ، ولم نفطن قط الى تصرم الزمن . وبعد أن بلغنا الذروة في نشوتنا ، هممنا بمغادرة دار السفير الفنلندي .



#نهاد_عبد_الستار_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا قالت لي رفيقة ( البرتو مورافيا )
- قصة قصيرة بعنوان : من رحم الآلام تولد الآمال
- قصة قصيرة / التحدي
- ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الر ...
- هكذا عرفت الروائية ابتسام عبد الله
- في لقاء لي مع ( فيو ميري )
- واخيرا التقيت بها


المزيد.....




- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهاد عبد الستار رشيد - في دار السفير الفنلندي في بغداد