أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - هل من جديد في تصريحات السيد مقتدى الصدر؟ - إلى أين ستنتهي موجة الإسلام السياسي المذهبي في العراق؟















المزيد.....


هل من جديد في تصريحات السيد مقتدى الصدر؟ - إلى أين ستنتهي موجة الإسلام السياسي المذهبي في العراق؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 1202 - 2005 / 5 / 19 - 10:32
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


هل من جديد في تصريحات السيد مقتدى الصدر؟

نقلت وكالات الأنباء التصريحات الصحفية الجديدة للسيد مقتدى الصدر التي أعطاها من محل إقامته في النجف. ولا يحتاج الإنسان للتمعن الطويل في هذه التصريحات, كما نُقلت عنه, ليحدد خمس ملاحظات أساسية يحتاج بعضها إلى إبداء الرأي بشأنه, إذ أنها تتضمن قضايا أشرت إليها في مقالي يوم أمس وقبل أن أطلع على تصريحاته الأخيرة ليوم 16/17 من الشهر الجاري (أيار/مايس). والملاحظات التي يمكن تسجيلها مأخوذة من نص المقابلة, وهي:
1. دعوته إلى أتباع المذهبين السني والشيعي إلى طول البال والصبر, وأنه يرى في العراقيين سنة وشيعة شخص واحد لا غير ولا اختلاف بينهما.
2. الدعوة إلى نبذ العنف ضد المدنيين من السكان.
3. رفضه للعملية السياسية الجارية في البلاد وعدم اعترافه بمن يمثله في الجمعية الوطنية ومقاطعته للحكومة وبالتالي للأحزاب السياسية الإسلامية "المعتدلة" التي تساهم بقوة وتلعب الدور الأول في بنية الحكومة الراهنة.
4. إدانته للإرهابيين الوهابيين.
5. استعداده للتعاون في حالة تنفيذ الحكومة مطلب إخراج القوات الأجنبية من البلاد وأن يضع يده بيدها.
تتضمن هذه التصريحات اتجاهين واضحين نحاول التركيز على عليهما معاً, وهما:
1. عدم التخلي عن العنف كأسلوب في معالجة المشكلات التي تجابه البلاد, وبالتالي استعداده عملياً لممارسة العنف في الوقت الذي يراه مناسباً, وهو في حل من أي اتفاق سلمي أو سياسي في هذا الصدد. وهذه الرؤية المتشددة والصبيانية هي التي تجعل من مقالتي ليوم أمس ما يبرر التحذير الذي أطلقته وأشرت فيه إلى أن السيد مقتدى الصدر يستعد لجولة جديدة من العنف في البلاد, وأن المليشيات التابعة له لم ترم سلاحها, بل وضعته بجوارها ويدها ما تزال على الزناد. ومثل هذا الموقف يمكن أن يهدد السلام المنشود والاستقرار والأمان في العراق, خاصة وأن الأحداث المنصرمة في النجف وغيرها من المدن العراقية التي وجد فيها أتباع له تميزت بالقسوة والشراسة في التعذيب والترويع والقتل للشرطة والحرس الوطني والمؤيدين لمجلس الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة حينذاك.
2. كما أنه يدعو إلى إيقاف قتل المدنيين من السكان فقط. وهذا يعني دون أدنى شك حق السنة والشيعة على قتل كل أعضاء الحرس الوطني أو الجيش أو الشرطة أو من يُعتبر مرتبطاً بهذه المؤسسات العسكرية والأمنية العراقية, إضافة إلى دعوته الواضحة إلى قتل الأجانب من القوات المسلحة الموجودة في العراق والتي تشارك مع القوات العراقية في مطاردة الإرهابيين, إذ لم يشر إلى رفض الإرهاب ضدهم. وهي كما ترون ليس فقط عدم تخلي عن العنف, بل دعوة إلى ممارسته بصورة غير مباشرة حين يجري الحديث عن الكف عن قتل المدنيين واعتبار قتل المدنيين وحدها إرهاباً. إن هذه الحقيقة هي التي تؤكد: أن جماعة السيد مقتدى الصدر التي وضعت السلاح جانباً بصورة رسمية, تمارسه عملياً بصورة غير رسمية وضد القوات العراقية والقوات الأجنبية, وأن علي السلطات المسؤولة الكشف عن هذا الواقع دون لف أو دوران.
3. إن الدعوة إلى وحدة العراقيين من أتباع المذهبين مهمة, ولكن الدعوة إلى الوحدة العراقية من مختلف الأديان والمذاهب والقوميات هي الأكثر حيوية وضرورة, لأن العدوان على المسيحيين والصابئة والأيزيديين جاء في حينها من أتباع الصدر في البصرة وفي غيرها من المدن العراقية في الوسط والجنوب, وكذلك من مجموعة الفضلاء في البصرة. إن الصبر على تحمل البلوى مرفوض, إذ لا بد من مشاركة السكان في رفض العنف كلية وإدانة كل أشكال الإرهاب وضد الجميع, والدخول في العملية السياسية التي هي الطريق الوحيد والضامن في ظروف العراق الراهنة لمعالجة أوضاع العراق وإخراج قوات الاحتلال الأجنبية بأسرع وقت ممكن. ولهذا فالدعوة للوحدة بين السنة والشيعة مهمة, كما جاءت على لسان السيد السيستاني, ولكنها مبطنة وخطرة وفق ما جاءت على لسان الصدر, إذ أنهما ينطقان بلغتين مختلفتين. فدعوة السيستاني موجهة إلى الحكومة لكي تعالج الأمور بطريقة أخرى غير الطريقة التي تعالجها حالياً في تشكيل اللجنة الخاصة بوضع الدستور العراقي وسعيها للهيمنة على الأكثرية وإغفال البقية من السكان بالطريقة التي أشرت إليها في المقال السابق ليوم 16/5/2005, تماماً كما حصل في موقفها من تشكيل الحكومة وعدم أخذها بنظر الاعتبار ضرورة تحقيق الوحدة الوطنية من خلال إشراك الجميع بدلاً من الاستئثار بالسلطة أو بالأكثرية داخل الحكومة, خاصة وأن الأحزاب الإسلامية السياسية تعرف بأن الدستور لا يمكن إلا أن يتم على أساس التوافق.
4. لقد دخل بعض ممثلي السيد الصدر إلى الجمعية الوطنية من خلال قائمة الائتلاف الوطني الموحد. والآن يدعي أنه لا يعترف بهم, وهذا الموقف إزاء ممثلي مليشياته في الجمعية الوطنية يعني بدوره عدم اعترافه بالجمعية الوطنية وبالحكومة الراهنة وبقراراتها. وهو ما يؤكد موقفه العام. لا شك في أن من حقه أن يمارس ذلك كما هو من حق الآخرين, ولكن هذا الموقف بالذات هو الذي يضع علامة استفهام على موقفه المتسم بالتشدد والإصرار على نهج يلتقي شاء الإنسان أم أبى مع من لا يريد الاستقرار والسلام في العراق. ولا يعني أي شيء إدانته للوهابيين من الإرهابيين, إذ أنه من جانب آخر أقر ممارسة العنف ضد القوات العسكرية الحكومية, سواء أكانت من الجيش أو الشرطة أو الحرس الوطني أو الأمن, من خلال رفضه لقتل المدنيين فقط.
5. أشك كثيراً في وجود عراقيات وعراقيين لا يريدون نزوح القوات الأجنبية عن أرض العراق. ولكن كيف يتم هذا؟ هذا السؤال هو الذي أجابت عليه الكثير من القوى السياسية العراقية, أي بعد أن تتوفر للعراق ثلاث ضمانات جوهرية, وهي:
أ?. تشكيل المؤسسات الدستورية الديمقراطية العراقية بعد إقرار الدستور العراقي الفيدرالي الديمقراطي الجديد.
ب?. بعد تشكيل المؤسسات التنفيذية في الدولة العراقية, وبشكل خاص الحكومة والقوات العسكرية, التي يكون في مقدورها مواجهة احتمالات استمرار أو تجدد الإرهاب من قبل قوى أخرى, سواء أكانت قومية شوفينية أم إسلامية ظلامية متطرفة, أو محاولة تنظيم الانقلابات العسكرية, وبعد أن يتم تسلم المؤسسات العراقية لكل الملفات دون استثناء.
ت?. إنهاء الإرهاب الجاري في البلاد ونشر الأمن والاستقرار والطمأنينة في نفوس الناس.
إن هذه المهمات يمكن أن تنتهي خلال هذا العام والنصف الأول من العام القادم. وبالتالي فأن مطالبتنا بخروج قوات الاحتلال الأجنبية ستكون مقبولة وفاعلة حين التيقن من إنجاز هذه المهمات وقدرة الحكومة العراقية المنتخبة لاحقاً على تسيير دفة البلاد وفق مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات.
تتحمل الحكومة العراقية وكل الأحزاب السياسية مهمة ومسؤولية التمعن بتصريحات السيد مقتدى الصدر, إذ إن فيها ما يمكن أن ينغص عيش الشعب ثانية, رغم أنها ستكون مغامرة طائشة وخاسرة!
برلين في 17/5/2005 كاظم حبيب


*****************************
كاظم حبيب
إلى أين ستنتهي موجة الإسلام السياسي المذهبي في العراق؟

إلى أين ستنتهي موجة الإسلام السياسي المذهبي الجارفة حالياً في العراق؟ يطرح هذا السؤال من جانب الكثير من المثقفين العراقيين والعرب, وكذلك الأجانب, إضافة إلى تساؤل كثرة من الناس الذين يعانون من هذه الموجة التي يطلق عليها بالمد الإسلامي السياسي المذهبي المتشدد, رغم كونه يوضع أحياناً في خانة الإسلام السياسي المعتدل. والسؤال عادل ومعقول تماماً. ولكن يفترض أن يفهم الإنسان قبل ذلك العوامل التي قادت إليه وشددت منه وجعلته جارفاً رغم الحدود التي سيتوقف عندها ويتراجع إلى الوراء بعد أن يكون قد برهن للناس أنه لا يعود إلى هذا القرن, بل لزمان ولى وفات منذ قرون بعيدة. ولكن هذا الرأي لا يمس إيمان الإنسان الفرد بالدين الإسلامي, فهي قضية تخص الإنسان ذاته, كما هو الحال مع بقية الأديان والمذاهب في العراق والعالم. إذ أن الحديث هنا يمس العمل السياسي للأحزاب السياسية الإسلامية التي تسعى إلى إقامة دول إسلامية وحكم إسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية ذات المذاهب المختلفة على الدولة والمجتمع وفق المذهب الذي تأخذ به وتسير عليه, كما هو حاصل في إيران. وهو الذي, كما أرى يتعارض تمام التعارض مع العصر الذي نعيش فيه والحضارة التي وصل إليها المجتمع البشري والحقوق التي كرسها في مجال الإنسان الفرد أو الجماعات أو القوميات والشعوب والأصولية التي تتميز بها كل الأحزاب السياسية الإسلامية, سواء أكانت متطرفة أم معتدلة.
لقد مارس صدام حسين أثناء حكمه البغيض الكثير من السياسات والإجراءات التي عمقت الضيم والقهر السياسي والاجتماعي والتدهور النفسي والبؤس الاقتصادي لدى الغالبية العظمى من سكان محافظات الوسط والجنوب ممن يدين بالمذهب الشيعي في الإسلام. وعمق التصور بأن وراء هذا السلوك يقف سكان العراق العرب من أتباع المذهب السني في الإسلام, علماً بأن الكثرة الغالبة من أتباع المذهب السني كانت تعاني كما كانت تعاني منه بقية بنات وأبناء الشعب, في ما عدا نسبة مهمة من رجال الدين السنة وأئمة الجوامع الذين تمتعوا بامتيازات غير قليلة بعد أن قام بتدجينهم وجعلهم جزءاً من نظامه اللعين, في حين لم يكسب من بين رجال الدين الشيعة إلا العدد الضئيل, وواجه غالبيتهم العنت والسجن والقتل بصيغ مختلفة.
وأجبرت هذه الحالة الغالبية العظمى من الناس في القسم العربي من العراق إلى الولوج في دواخلهم وإلى طلب العون من الله والمساجد التي كانوا يلجأوون إليها للصلاة وطلب النجاة لهم ولأفراد عائلاتهم من غضب الدكتاتور وأجهزته, بعد أن أجبرت الأحزاب السياسية الديمقراطية والعلمانية على الغياب عن الساحة السياسية المباشرة بعد أن تعرضت إلى المطاردة والسجن والقتل والقسر على الهجرة أو الصعود إلى جبال كردستان للنضال مع بقية القوى الديمقراطية الكردستانية ضد النظام.
ورغم الإرهاب البشع استطاعت جماعات من الأحزاب السياسية الدينية, التي غادر أغلب قادتها العراق كبقية غالبية قادة الأحزاب السياسية في الوسط والجنوب إلى الخارج أو إلى كردستان, أن تحتمي بالمساجد وأن تحافظ على علاقات معينة وطيبة مع جماهير الشيعة التي فقد الكثير من أفرادها أبناء لهم, سواء أكان ذلك في الحروب أم عبر الإرهاب والقتل والقبور الجماعية. كما كان في مقدور هؤلاء أن يصلوا الناس ويساعدونهم نفسياً على تحمل الضيم اللاحق بهم وساعدوا البعض الآخر بالأرزاق.
هذا الواقع ساعد على ابتعاد أو غياب الأحزاب الديمقراطية والعلمانية عن الساحة السياسية, وبقاء القوى الحاكمة والجوامع وكأنها متواجهة, مما ساعد على قبول تلك الأحزاب في أذهان الناس.
وفي كردستان كان الوضع يختلف بعض الشيء. فالمجتمع كان يعاني من مرارات وعذابات شديدة بسبب الإرهاب والقتل الجماعي الاستثنائي الواسع الذي سلط على المنطقة, كما حصل في فترات مختلفة ولكن بشكل خاص في الأنفال والكيماوي في حلبجة, بسبب تصاعد الثورة الكردستانية ونشاط قوات البيشمركة والأنصار فيها وبسبب مقاومة الناس للنظام ورفضهم له وبسبب عنصرية النظام ذاته. إلا أن الناس كان لهم ما يساعدهم على المواجهة وإقامة علاقات مع الأحزاب الديمقراطية من خلال وجود إمكانية نسبية على ترك الأفراد للمدن والالتحاق بالثورة في مناطق الريف والجبال الكردستانية, كما أن بعض قوى الإسلام السياسي أبدت استعدادها للمساومة ولم تحول الجوامع إلى مواقع لخدمة الحركة الوطنية, مما أضعف مواقع تلك القوى في قلوب الناس. وهي مسألة مهمة جسدت حقيقة المكانة الطيبة التي تحتلها الأحزاب السياسية القومية والديمقراطية الكردية في نفوس الناس في مقابل ضعف هذه المكانة للأحزاب السياسية الإسلامية.
وعلى صعيد الخارج تسنى للأحزاب السياسية الإسلامية الحصول على دعم واسع من قبل حكومات عربية وأخرى مجاورة للعراق ساعدها على تعزيز دورها في العمل السياسي وفي إعطاء الانطباع وكأنها ذات شأن كبير في العراق حقق أول تأثيراته على الإدارة الأمريكية مما ساهم في دعم الولايات المتحدة بعد سقوط النظام ودفعها إلى الأخذ بنظام المحاصة المذهبية على أساس الأكثرية الشيعية والأقلية السنية, في حين تجاوزت على القوى العلمانية والديمقراطية لخشيتها منها وكونها تتميز بالعداء للسياسات الأمريكية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط المعروفة تاريخياً.
هذا الدور الأمريكي مضافاً إليه التركة الثقيلة للنظام السابق إزاء الشيعة كرسا في عقول قوى الأحزاب السياسية الإسلامية ولدى جمهرة غير قليلة من الناس في العراق ثلاث مسائل سلبية صارخة, وهي:
1. أصبحت الفرصة مواتية ومتاحة أمام الأحزاب السياسية الإسلامية ذات المذهب الشيعي أن تحتل المكانة الأولى والبارزة في السلطة الجديدة والتي لم تتمتع بها طيلة قرون وأن عليها أن تغتنم هذه الفرصة قبل فوات الأوان.
2. وفي مقابل هذا وجدت الأحزاب السياسية الإسلامية ذات المذهب السني أنها فقدت وتفقد يومياً مكانتها في الدولة والمجتمع بعد سقوط النظام, وأن مداً شيعياً يريد إزاحتها من كل المواقع التي كانت فيها في أجهزة الدولة دع عنك السلطة, وعلى عاتقها تقع مسؤولية المواجهة وإفشال المخطط الشيعي للسيطرة على الحكم وفرض المذهب الشيعي على الدولة.
3. نُقلَ هذا الشعور لدى الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية والسنية إلى الأوساط الشعبية وحوَّلَ القضية من صراع سياسي إلى صراع مذهبي أو طائفي مقيت للهيمنة على السلطة تجلى بشكل واضح في الانتخابات الأخيرة التي نظمت في العراق والتي قاطعتها أغلبية السكان السنة العرب ومارستها أغلبية السكان الشيعة العرب والتركمان والكرد الفيلية. وكانت النتيجة واضحة ويغر عقلانية.
ومما عمق من هذا الشعور خمسة عوامل أخرى, وهي:
أ?. إصرار الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية على الهيمنة الفعلية على السلطة والبرلمان واللجان وفرض إرادتها وتصوراتها على البلاد, الدولة والمجتمع. ولولا مقاومة الأحزاب القومية الديمقراطية الكردية لاجتاحت هذه القوى الساحة السياسية العراقية وحولت العراق إلى ما يشبه الحكم في إيران.
ب?. تفاقم الوعي بالخسارة والتكتيكات الخاطئة التي مارستها بدعم من الخارج, وبالتالي تزايد الشعور بالإحباط وسعي البعض منها, وخاصة أطراف معينة في هيئة علماء المسلمين السنة وغيرها إلى تنشيط ما تطلق عليه بالمقاومة المسلحة ضد الوضع القائم واختلاط الأمر مع بقية قوى الإرهاب أو حتى تفاعلها معها. ومن الواضح أن قوى الإرهاب المكشوفة في العراق تنطلق من مواقع أتباع المذهب السني, سواء الوهابي أم غيره. وهذا لا يعني عدم وجود قوى إرهابية تنطلق من مواقع المذهب الشيعي, كما كان وما يزال, ويحتمل أن يكون عليه الحال, مع قوى السيد مقتدى الصدر.
ت?. إصرار الإدارة الأمريكية حتى الآن على ممارسة السياسات ذاتها التي مارستها منذ حربها ضد النظام المقبور وعدم إجراء تغيير حقيقي على تكتيكاتها الفاشلة على مختلف المستويات وتحميل الشعب العراقي وقواتها خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والأموال.
ث?. ضعف القوى الديمقراطية والعلمانية العراقية من حيث الاستعداد للعمل والتجديد في الفكر والسياسة والأساليب والأدوات التي تمارس بها النضال وقلة مشاركة الشباب من النساء والرجال في الحياة السياسية ومع القوى الديمقراطية, إضافة إلى تمزقها إلى كتل صغيرة عاجزة عن تعبئة الناس وراء برنامج مشترك أو موحد لها على صعيد القوى العربية بمفردها من جهة, وعلى صعيد التعاون مع القوى القومية والديمقراطية الكردية والكردستانية من جهة أخرى.
ج?. الدور الذي لعبه وما يزال يمارسه الإعلام العربي, وخاصة بعض الفضائيات العربية والعراقية ذات الاتجاهات القومية الشوفينية والمذهبية الضيقة والادعاء بممارسة الحرية في النشر والإعلام والصحافة, في حين كان بعضها ولا يزال يمارس التشجيع على الصراع وممارسة العنف. وكانت المواقف المذهبية المتشددة لجمهرة من رجال الدين في الأحزاب السياسية الإسلامية يقدم الزاد المناسب لهذه الفضائيات. ولم تكن سياسات ومواقف الحكومات العربية والدول المجاورة بعيدةً عن هذه الأجواء, بل شاركت فيها بحماس وبطرق شتى علنية وسرية.
هذا الواقع عمق المشكلات القائمة في العراق وزاد في تنامي الانقسام الطائفي في العراق, خاصة وأن دور القوى المثقفة المناهضة للطائفية ضعيف للغاية حتى الوقت الحاضر ومعطل جدياً من جانب القوى والأحزاب السياسية الإسلامية. وعلى الإنسان أن لا ينسى تحميل الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية منها والسنية, رغم أن المبادرة كانت وما تزال بيد الأحزاب السياسية الشيعة في تحسين الأوضاع, مسؤولية ما يجري في العراق حالياً, خاصة وأن هيئة علماء المسلمين السنة وجمهرة من أتباعها لعبت دوراً سلبياً كبيراً وسيئاً جداً في الفترة المنصرمة. وما يزال الوضع على هذه الحالة حتى الآن.
كلنا عاش تجربة البصرة ودور القوى الدينية العراقية والإيرانية القادمة من إيران في أعقاب سقوط النظام, وكذلك أتباع مقتدى الصدر وجماعة الفضلاء ومن لف لفهم, في تعميق الصراع في البصرة والهجمات التي شنت ضد العائلات من أتباع الأديان والمذاهب الأخرى. وهذه الظاهرة يمكن أن تشمل العراق كله إن سمح الشعب العراقي لهذه القوى بالتمادي في غيها ومنهجها الطائفي, إذ يحمل معه مخاطر تقسيم الشعب في جميع أنحاء العراق على أساس طائفي, ويساهم, شاء الإنسان أم أبى, في خلق أجواء الانقسام والصراع والنزاع المسلح أيضاً, وهو ما يفترض مقاومته ومنعه.
من هنا يمكن القول بأن الموجة الدينية السياسية ليست بنت الساعة, بل هي نتيجة تراكمات وعوامل فاعلة سابقة, كما أنها نتيجة فعل يجري اليوم من قبل قوى هذه الموجة. إلا أن هذه الموجة غير معزولة بل مرتبطة بدورها بالواقع السياسي المتردي السائد في المنطقة العربية عموماً وفي دول الجوار. ومن هنا تأتي أهمية إدراك الامتداد القائم لهذه الموجة خارج العراق, وبالتالي تحمل معها مخاطر جدية من جهة, ولكن تحمل معها بذور تراجعها المشترك والمتسارع في حالة حصول تغيرات جدية وأساسية على الأصعدة الدولية والإقليمية والداخلية. وهو أمر ممكن وسيحصل في فترة غير بعيدة.
فعلى صعيد الداخل تقدم قوى الإسلام السياسي الشيعية والسنية كل ما هو ضروري لفقدان الأساس الذي تستند إليه في علاقتها مع الواقع ومع بالناس ومع مصالح المجتمع العراقي, إذ أن الركض وراء المذهبية والطائفية الضيقة والمصالح الخاصة يفقأ العين. والوزارات العراقية منذ ما يقرب من سنتين في أساليب عملها وأسس التعيين فيها يدلل على ذلك دون أدنى ريب, وكذا التعيينات في السلك الدبلوماسي الذي أصبح محجوزاً لممثلي الأحزاب الحاكمة فقط. فليس هناك من مستقل واحد بين عشرات الدبلوماسيين الذين عينوا في الخارج. كما أن التعامل اليومي مع الأحداث والموقف من المرأة العراقية ومن التراث الديمقراطي الشعبي مثل: الاحتفالات والأفراح والغناء والموسيقى والرقص والمسرح والسينما والحرية الفردية ... كلها تدلل على أن هذه القوى الدينية تريد قطع جذور هذه الثقافة العراقية الأصيلة, وبالتالي ستضعف مواقعها في صفوف المجتمع تدريجاً. ولكن لن يتم ذلك دون إدراك وعمل القوى الديمقراطية العلمانية ووحدتها في خوض الانتخابات القادمة بصورة مشتركة وقائمة موحدة. إلا أن تراجع هذه القوى الإسلامية السياسية سيأخذ وقتاً أطول نسبياً من الانتخابات القادمة بسبب الأوضاع الإقليمية والدولية التي لن تتغير بالسرعة الضرورية, خاصة وأن الدولة الأعظم في العالم تمارس سياسات لا تقود إلى نتائج إيجابية لصالح الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذه الدول وفي العالم, رغم تحريكها المياه الآسنة السائدة في النظم العربية والروائح العفنة التي بدأت تتصاعد منه خلال السنتين الأخيرتين بشكل خاص.
إن قوى الإسلام السياسي المتطرفة وتلك المتشددة المعتدلة لا مستقبل لها في الهيمنة الكاملة على الحكم في العراق وغير قادرة على فرض الحكم الديني أيضاً, وأن الموجة الراهنة ستنحسر فور توقف العمليات الإرهابية الجارية حالياً وفور تحسن عمل القوى الديمقراطية والعلمانية العراقية, ومنها قوى اليسار الديمقراطي العراقي (القوى العربية منها) التي أصيبت بنكسة شديدة في الانتخابات الأخيرة نتيجة دورها الضعيف وسياستها القلقة ومواقفها المترددة وعدم التعاون المطلوب في ما بينها .. الخ. وهذا لا يعني أنها لم تبذل جهوداً ولم تسعى إلى تحقيق نتائج أفضل, ولكنها كانت, كما أرى, تسير في درب ليس كله صحيحاً, بل الجزء الأصغر منه هو الصائب والجزء الأكبر منه كان وما يزال بحاجة إلى إعادة نظر., وعلى القوى الديمقراطية أن تكف عن مدح الذات, وخاصة قياداتها, بل عليها أن تمارس النقد من أعلى هيئة فيها ثم نزولاً وليس البدء بالأسفل والتوقف عند القيادة!
إن تراجع المد الإسلامي السياسي المذهبي الراهن لن يتحقق دون فعل عوامل عديدة ذاتية وموضوعية, وعلينا أن ندرك هذا بصواب ودون تبجح من أجل تسهيل عملية التحول الديمقراطي المنشودة في مسيرة العراق الجديد, من أجل الحد من هذه الموجة التي أطلق السيد عبد العزيز الحكيم على قواها بأنها فازت فوزاً ساحقاً, أي فوز قوى الإسلام السياسي اليمينية المتشددة مذهبياً في الانتخابات الأخيرة. أرى هذا التراجع بوضوح وسيتحقق, فسياسات ومواقف هذه لا تعود إلى هذا العصر ولا إلى حضارة القرن الحادي والعشرين ولا تنسجم مع تراث وتقاليد وحضارة العراق ولا على بنيته القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية. ولكن كل ذلك بحاجة إلى عمل دءوب ومتعاظم من جانب جميع قوى المجتمع المدني الديمقراطي العلماني, من جميع القوى السليمة غير الطائفية التي تسعى إلى إقامة عراق ديمقراطي فيدرالي تعددي وحضاري قادر على الاستفادة مما توصل إليه العالم من تقدم في جميع المجالات لتحقيق التقدم المنشود للعراق والازدهار الاقتصادي والتحسن في مستوى حياة وظروف عمل ونشاط جميع فئات المجتمع. ولا يمكن أن تتم هذه العملية دون إشراك واسع للمثقفين العراقيين في العملية الجارية حالياً ودون مساهمة واسعة من جانب الأوساط الشعبية العراقية التي هي أداة وهدف التغيير في المجتمع.
برلين في 18/5/2005 كاظم حبيب




#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يمكن توقع مشاهد إرهابية جديدة غير التي تجري اليوم في العر ...
- العراق ومشكلاته الثلاث!
- رسالة مفتوحة محاولة للاستجابة إلى استغاثة الكاتبة المصرية ال ...
- دعوة عاجلة إلى القوى الوطنية والديمقراطية في سوريا والعالم ا ...
- هل من جديد في اتحادية كردستان العراق وفي حياة الشعب الكردي؟ ...
- رسالة احترام واعتزاز إلى الأخ الأستاذ هاشم الشبلي
- هل من جديد في اتحادية كردستان العراق وفي حياة الشعب الكردي؟ ...
- يا سيدي السيستاني: هل يكفي أن ترفضوا نشر وتعليق صوركم, أم يف ...
- من هم وقود قوى الإرهاب في العراق وكيف نواجههم؟
- هل يسمح المجتمع باستمرار -نظام الفساد الوظيفي- سائداً في الد ...
- جولة في المشهد الإرهابي العراقي الراهن!
- ! لنجعل من مشروع الجامعة المفتوحة في الدانمرك أحد مناهل العل ...
- هل يمكن استشراف مستقبل العراق الديمقراطي في ضوء منجزات فترة ...
- هل تعمي الكراهية الشوفينية البصر والبصيرة؟
- هل هناك من مقاومة مسلحة شريفة في العراق؟
- هل التأخير في تشكيل الحكومة وخلافها مبرر أم غير مبرر؟
- هل تحاول بعض قوى الإسلام السياسي فرض ولاية الفقه ووليها على ...
- رسالة مفتوحة إلى الأخ الفاضل الأستاذ صلاح بدر الدين
- ما هي المهمات التي يناضل من أجلها التجمع العربي لنصرة القضية ...
- إلى الشعب الكردي في كردستان العراق وإلى الأمة الكردية في كرد ...


المزيد.....




- وزير الخارجية الأمريكي يزور السعودية لمناقشة وضع غزة مع -شرك ...
- السلطات الروسية توقف مشتبهاً به جديد في الهجوم الدامي على قا ...
- حماس تنشر مقطع فيديو يوضح محتجزين أمريكي وإسرائيلي أحياء لدي ...
- حزب الله يقصف إسرائيل ويرد على مبادرات وقف إطلاق النار
- نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب بسام محي: نرفض التمييز ضد ...
- طلبة بجامعة كولومبيا يعتبرون تضامنهم مع غزة درسا حيا بالتاري ...
- كيف تنقذ طفلك من عادة قضم الأظافر وتخلصه منها؟
- مظاهرات جامعة كولومبيا.. كيف بدأت ولماذا انتقلت لجامعات أخرى ...
- مظاهرة طلابية في باريس تندد بالحرب على قطاع غزة
- صفقة التبادل أم اجتياح رفح؟.. خلاف يهدد الائتلاف الحكومي بإس ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - هل من جديد في تصريحات السيد مقتدى الصدر؟ - إلى أين ستنتهي موجة الإسلام السياسي المذهبي في العراق؟