أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - احمد الحمد المندلاوي - ليلة التهجير وتمزّق الأثير














المزيد.....

ليلة التهجير وتمزّق الأثير


احمد الحمد المندلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4206 - 2013 / 9 / 5 - 18:13
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    




** نزعتُ نظّارتي بعدما كسلت عيناي من متابعة فيلم مصري،من على شاشة التلفاز الهنكاري الصنع (أسود و أبيض)،حيث لم يكن التلفاز الملوّن شائعاً آنذاك،ونحن على عتبة الثمانينات من القرن المنصرم،لا سيما في بلدتي المتواضعة(مندلي) القابعة في شرق البلاد،هكذا كان ديدني مع إنتهاء كلّ فيلم،أو مسرحيات دريد لحّام،هذا ما كان شائعاً لدينا في تلك الفترة..لأضع نظّارتي في غلافها الخاص..ومن ثمَّ أتأكّد من غلق الأبواب،لاسيما باب (الباغجة) أي الحديقة التابعة للدار،وغالبية الدور لدينا تنتهي بالحديقة، و كأنّ مدينتنا بستان كبير، و دورنا في وسطه..و آخر جولة لي في الدار قبل الذهاب الى سرير النوم ..أمرُّ على غرفة أطفالي الأربعة للتأكّد من وضعهم السليم أثناء النوم مع تغطية الصّغار منهم،فالجوّ في نيسان فيه لمسة بردٍ لدينا نوعاً ما خاصة في الليل..كون المنطقة قريبة من سلسلة جبال (بيشتكو)،و سلسلة جبال حمرين..ألقيتُ نظرة على وجوهِهم البريئة مع إبتسامة عفوية حين أبصرتُ أصغرهم سنّاً (أسامة) تساوى مع الفراش (البطانية)، لكونه صغيراً، و هزيلاً،و منغمساً في وسط سريره و كاد لا يُبين..أو كأنَّه غير موجود في طيّات فراشه..
الساعة عبرَتْ عقاربها منتصف الليل،و كاد النعاس يغلبني؛إذاً حان وقت النّوم،ولابدَّ من ذلك؛وغداً الدوام ينتظرنا..وما إن تركتُ الغرفة حتى سمعتُ صراخاً غريباً مفزعاً كدتُ لمْ أصدقْهُ،إنَّه قريب جداً منّا،إذ لا يفصلنا عنه غير بيتٍ واحد،والنّهر المسمى بـ (جوبازار) أي نهر السوق،و هناك بناية الحسينية التابعة لمحلتنا (قلعة بالي)،إنَّه ليسَ بصراخ بل زئير من لبوة جريحة،و صداها مزّق الأثير في سكون الليل .. كلمات غريبة تنبعث من حنجرتها :
- لا لا ..لن نرحل،لا لا،لن نترك دارنا الجميلة...ليست لنا والدة و أخوتي صغار،ووالدنا ضرير،ماذا تريدون منّا ؟؟ (إحنه عراقيين.. عراقيين)،ليس لنا غير هذا المكان و هذا البلد،لا نعرف أحداً لا في إيران،ولا غير إيران،نحن لا نعرف لغة غير الكردي و العربي،دعونا ..إتركونا ..بعد هذا السيل العارم من الكلام الرافض لهذا العمل المشين..مازالت تتكلم بنبرة حادّة،و الجلاوزة بين تهديد و عواء ووعيد لإلزام العائلة و إجبارهم على الصعود في سيارة المفرزة لترحيلهم و و تهجيرهم (تسويقهم) .. الى جهة مجهولة ..لا لا أبداً فتحتُ عينيَ على هذا النهر الجميل،و أقود أبي الى هذه الحسينية في ليالي رمضان و أنا طفلة صغيرة،الصراخ مستمر بلا انقطاع،ولكن تختلف وتيرته بين تحدٍ ورفض لهذا الإجراء،والإتيان بالدلائل على أصالتهم،و التمسك بمسقط الرأس،و لكن ليس لهذه الآلات من آذان و لا قلوب،و جاءني ما قاله الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديتَ حيّاً و لكن لا حياةَ لمن تُنادي
فتحتُ باب الدار خلسة لم أرَ أحداً، و استرقتُ السَّمع أكثر..فاذا عائلة جارنا المسكين و أعلم جيداً إنه عراقي أباً عن جد،و الدار التي هم فيها ورثها عن أجداده ..فكيف هؤلاء أصبحوا أجانب،و غرباء عن هذا البلد، شاركتها أختها أيضاً بالصّياح و النّياح،و الرّفض لهذا الإجراء القاسي و اللاانساني ..و لكن ما العمل ..السلطة الحاكمة قاسية جداً، و الجلاوزة ينفذون ما يؤمرون، بل أكثر مما هو مطلوب منهم،هكذا الأذناب دائماً ..رضى السّلطان أهمّ في قاموسهم من رضى الرحمن.صرخت الأولى،و هي أكبرهنَّ بعد الوالد البصير :
- هذا النهر يشهد،و جدرانُ الحسينية تشهد، و هي تشير اليهما بأننّا أبرياء ..تجرّدوننا من أوراقنا و أموالنا و أهلينا ظلماً و جوراً..و بلا حياء،و لكننا سنعود مهما طال الزمن،فأعماركم قصيرة،و لكن عمر الحق طويل .
صاح أحد الجلاوزة بوجهها العذري:
- قد أمهلتكم كثيراً هيّا الى السيّارة،وكانت سيّارة مكشوفة، و اقتربت الساعة من الواحدة بعد منتصف الليل. و السكوت و السكون مخيّمانِ على الكلِّ ،و كأنَّ على رؤوس الجميع الطير.و لكن الضمائر الحيّة تصرخ أيضاً من الأعماق رافضة هذا العمل المشين المنافي لكلّ القيم و الأعراف،كادت تثور و لتكن ما تكون ..و لكن لا جدوى، و لكل قدر مقدور.
و سارت قافلة النوارس الى المجهول تحت سياط الذئاب،و براثن الزبانية تمزّق ثيابهم قُبُلاً و دُبُراً..لإمتطاء ظهر المفرزة (سيارة الواز العسكرية)، و مُلءُ عيونهم نظرات فيها شعلتانِ:غضب على طاغوت أهوج لا يعرف إلا النار و الموت،والسجون،والمقابر،والتهم الجاهزة المعلبة،ويسايرها تفاؤل بالعودة الى الديار مهما طال الزمن .. ومعانقة النهر،وباب الحسينية من جديد..ورؤية الجلاد في تجاويف سقر، و في رحلة الذل حين تنطق محكمة التاريخ حكمها العادل..
و كادت النّجوم في تلك الليلة الظلماء أن تنتحر..و ترحل عن الأثير،و تتمزق من هول هذا المشهد..مع آلام التهجير،وأنين العذارى،وفزع النوارس،وكمد العجوز البصير..الذي يسمع و لا يرى ..لكنه يرى ما يدور حوله بعين البصيرة و الحنان الأبوي..وأنا صدمتُ أمام هذه الصورة،ولا أملك في الحقيقة جملة و لو بسيطة أعبّر بها عن خلجات تدور في أعماق نفسي الكئيبة؛ غير النظر الى هذا الأثير العملاق الذي فوق رؤوسنا..و كأنَّه يتمزّق إرباً إرباً من صرخات الفتاة و هول الجريمة،و قسوة الجناة،بل الغباء الحضاري الذي أوقعهم في فخ الهمجية و الظّلام،في عصر التّنوير..
و أخيراً و أنا في خضم هذه النّفثات لم أجد في كياني حزناً لائقاً لهذا المشهد التراجيدي!!..و وضعته في رفٍ بائس من ذاكرتي الجريحة،عسى يوماً ما يُفتَح و يُنظر اليه،خدمة للإنسانية المعذبة..

بقلم/أحمد الحمد المندلاوي
بغداد- 24/3/2012م



#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار في الحافلة
- تكريم متأخر لإمرأة مجهولة
- حسين صفر المندلاوي..شاعر الحكمة و الحنين
- إنّما عيدي مضى..!!
- في استقبال النبأ
- وأد الطفولة..
- مندلي يا نسرين
- طيارتي من الورق
- إن كانت الدنيا..
- أمثال كورديّة من بدرة:جمال في المبنى وحكم في المعنى/3
- أمثال كورديّة من بدرة:جمال في المبنى وحكم في المعنى/2
- أمثال كورديّة من بدرة:جمال في المبنى وحكم في المعنى/1
- أهلاً ببنتِ الوطنِ
- الشاعر محمد دارا
- لا تطلب الودَّ
- استعارة جناح
- أنا فيلي.. أنا فيلي
- رجل من طينة العقارب
- مرثيةعصفورة
- قصائد مكتّمة في زمن الرعب


المزيد.....




- دراسة: الوحدة قد تسبب زيادة الوزن عند النساء!
- تدريب 2 “سياسات الحماية من أجل بيئة عمل آمنة للنساء في المجت ...
- الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري
- -اغتصاب الرجال والنساء-.. ناشطون يكشفون ما يحدث بسجون إيران ...
- ?حركة طالبان تمنع التعليم للفتيات فوق الصف السادس
- -حرب شاملة- على النساء.. ماذا يحدث في إيران؟
- الشرطة الإيرانية متورطة في تعذيب واغتصاب محتجزات/ين من الأقل ...
- “بدون تشويش أو انقطاع” تردد قنوات الاطفال الجديدة 2024 القمر ...
- ناشطة إيرانية تدعو النساء إلى استخدام -سلاح الإنستغرام-
- شوفوا الفيديو على قناتنا وقولولنا رأيكم/ن


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - احمد الحمد المندلاوي - ليلة التهجير وتمزّق الأثير