أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم الجوهرى - وليم بليك: بين الإلهي والأرضي















المزيد.....

وليم بليك: بين الإلهي والأرضي


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 4193 - 2013 / 8 / 23 - 12:29
المحور: الادب والفن
    


وليم بليك: بين الإلهي والأرضي




* نشرت هذه الدراسة كجزء من دراسة أكبر أعددتها لديوان "أغنيات البراءة والتجربة" الذى ترجمته لوليم بليك، والذي نشر فى وقت سابق هذا العام، وكانت تحت عنوان: "المطلـق الإلهى: حب الأصيـل وكراهيـة الوكيل".





أعتقد أن أهم ظواهر ديوان "أغنيات البراءة والتجربة" لوليم بليك؛ هو حب الأصيل والمصدر والمنبع، وكراهية الوكيل أو المندوب والممثل؛ أقصد أن الشاعر- في "مرحلة البراءة"- كان يتحدث عن علاقة مباشرة وواضحة، محكومة بالثقة والحب واليقين والود والدفء مع الخالق، صاحب القدرات والإرادة المطلقة النافذة، وصاحب المنهج السماوي الذي أرسله للبشر.

لكن في مرحلة "التجربة" والواقع، أصبح ثمة وسيط في العلاقة، ممثل- أو يدعى هو كذلك- لكينونة الخالق. وعند هذه اللحظة، استحالت علاقة الحب إلى علاقة عداء وكراهية وندية، وإن حرص الشاعر أيضًا- حتى في ظل هذه المرحلة- على الفصل بين الخطاب الموجه إلى الوكيل (الكنيسة ورجالها)، وبين الأصيل الخالق سبحانه وتعالى؛ وإن اتسم مستوى الخطاب اللغوي الموجه إلى الأصيل هنا ببعض الضيق والسخط، والتمرد الوجودي أحيانًا كذلك.

ففى قصيدة "العثور على الولد الصغير"- (من أشعار مرحلة البراءة)-نجد هنا الله (الأصيل) هو المنقذ والقريب والأب، الذي ينجد "الإبن الضال" ويرشده للطريق :

ضاع الولدُ الصغيرُ في المستنقع الموحش،
تقوده الأضواءُ العابرة،
شَرع في البكاء، لكن الله، القَريبَ دائمًا،
ظهر مثل والده، بالأبيض.

وفى قصيدة "الراعي"، نجد الحالة المثالية للراعي (الإنسان) الذي يعيش هائمًا جوالاً حرًّا في الطبيعة والحياة، متصالحًا مع قدره، وعلاقته متصلة بالشكر للخالق مباشرة:

كم عَذبٌ هو القدر العذبُ للراعي !
يهيم من الصباح إلى المساء ؛
سوف يتبع أغنامَه طُول النهار،
وسوف يمتلئُ لسانُه بالتسبيح.

وفي قصيدة "الحَمَل"، يقدم "بليك" حالة الوحدة والتوحد والتداخل الصوفية، وذلك ما بين الخالق والشاعر والحمل الوديع، مصورًا الخالق في صورة الوداعة والبراءة والطهارة الطفولية:

أيها الحَمَلُ الصغيرُ، مَن الذي خلقك؟
أتعلم مَن الذي خلقك؟
أيها الحَمَلُ الصغيرُ، سأخبرك :
هو يُسمَّى باسمك،
لأنه يُسمِّى نفسه حَمَلاً.
هو وديع، وهو لطيف،
هو أصبح طفلاً صغيرًا.
أنا طفلٌ، وأنت حَمَل،
نحن نُسمَّى على اسمه.

ثم في قصيدة "أغنية للمهد"، نرى استمرارًا لفكرة الجانب الرقيق العذب الصوفي (الحلولي) للخالق الذي يتداخل مع الطفل، رمز البراءة، ويبكى من أجل الجميع:

أيها الرضيعُ العذب، في وجهك
أستطيع أن أرى أثر صورة مقدسة ؛
أيها الرضيع العذب، ذات مرة
رقد خالقُك مثلك، وبكى من أجلي.

ولكن مع دخول الشاعر في مرحلة "التجربة" وأشعارها، اختلفت هذه العلاقة المباشرة، المبنية على الثقة واليقين والتوحد؛ فأصبح الشاعر- في هذه المرحلة- خاضعًا لفكرة "رد الفعل" تجاه الكنيسة المتسلطة، وسيطرة علاقته مع الوكيل (الكنيسة) على علاقته مع الأصيل (الخالق). وعادةً ما يحدث ذلك النوع من "رد الفعل" الاجتماعي والإنساني، عندما يتعرض البشر لنوع هائل من الضغوط التي يكون لها الأثر الأكبر في حياتهم، وبالتالى يعطونها من الأهمية النسبية الكثير؛ حتى يستطيعوا مواجهتها.
فعندما دخل "بليك" معترك الحياة وتجربتها، وجد أن الكنيسة هي أكبر عدو في وجه الحرية والتفكير والإبداع والتقدم، خاصةً علاقتها بالسلطة السياسية (الملك)، وطبيعة بنائها المؤسسي الكهنوتي، وذلك في قصيدة "منظف المدخنة"، فأعلن عن كراهية الوسيط ( الكنيسة والملك)، وضيقه به:

ولأنني أرقص وأغني سعيدًا،
اعتقدوا أنهم ما أصابوني بأي ظُلم،
وذهبوا ليمجِّدوا الربَّ وكاهنه وملكه،
الذى خلق فردَوسًا من تعاستنا.

وفى قصيدة "الملاك"، ثمة تعبير مهم عن العلاقة الجديدة بين الشاعر (الإنسان)- الذي يتخذ في القصيدة قناع "ملكة عذراء"- والمطلق (ممثلاً في الملاك)، وذلك في حالة التجربة والسقوط، أو الانفصال الذي صوره الشاعر بالهروب أو التخلى عند الحاجة، ثم العودة أو الظهور ثانيةً بعد ما يكون الأمر قد أصبح بلا جدوى؛ لأن الإنسان عندها يكون قد طوَّر طُرقًا وحيلاً خاصة به للتعامل مع الحياة، في ظل شعوره بالخوف وعدم السكينة والضياع؛ فتكون عودة "الملاك" حينها بلا طائل، لأن العمر يكون أيضًا قد ولَّى:

هكذا أخذ جناحيه وهرب ؛
جففتُ دموعي، وسلحتُ خوفي
بعشرة آلاف درع وحربة.
سرعان ما عاد ملاكى ثانيةً ؛
كنت مُسلحة، جاء هباءً ؛
لأن وقت الشباب كان قد ولَّى،
وعلا الشَّعرُ الرمادي رأسي.

وفى قصيدة "حديقة الحب"، نرى إحدى القمم الكبرى للصراع وذروته داخل الديوان، حين يقدم لنا الشاعر: الحب والجمال والطبيعة، في مواجهة العدو: الكنيسة القاسية والقساوسة والموت؛ دون أن يخلط الشاعر الأوراق في هذه القصيدة. ويأتي في خطابه بالمطلق الأصيل (الخالق) مصاحبًا للوكيل (الكنيسة والقساوسة):

ذهبتُ إلى حديقة الحب،
ورأيتُ ما لم أره أبدًا ؛
بُنيت كنيسةٌ صغيرةٌ في المنتصف،
حيث اعتدتُ اللعب على الخضرة.
ورأيتهَا مليئةً بالقبور،
وشواهدُ الأضرحة قائمةٌ حيث كان يجب أن تكون الزهور؛
وقساوسةٌ في عباءاتٍ سوداء كانوا يسيرون حولها،
ويعوقون بـ"الورود الجبلية" أفراحي ورغباتي.

وفى قصيدة "الصعلوك الصغير"، استمر الشاعر في حالة السخط الشديدة على الكنيسة المتسلطة الباردة، منتقدًا تقاليدها؛ متماسًّا أيضًا مع تيار وحالة فكرية كانت سائدة في أوربا آنذاك- كرد فعل عنيف لدور الكنيسة- تقوم على الانصياع للخالق ووجوده، ولكن مع الاعتراض على كافة التقاليد والقوانين التي تقدمها الكنيسة، وما تحلله وما تحرمه؛ وهو ما ظهر في نهاية القصيدة حين فصل الشاعر في خطابه الموجه للأصيل (الخالق) عما كان يقوله للوكيل (الكنيسة):

أيتها الأم الغالية، أيتها الأم الغالية، الكنيسة باردة ؛
لكن الحانة صحيةٌ، وممتعةٌ، ودافئة.
لكن، إذا ما في الكنيسة وزعوا علينا بعض "المزر"،
ونارًا ممتعة تبهج أرواحنا،
ثم يمكن للقس "البروتستانتي" أن يعظ، ويشرب، ويغني،
سنكون سعداءً كالطيور في الربيع ؛
والله، مثل أبٍ، سعيدٌ لرؤية
أطفاله مسرورين وسعداء مثله

وفى قصيدة "لندن"، ينتقد "وليم بليك" صراحةً فكرة التحليل والتحريم التي تقوم بها الكنيسة، ويراها منافقةً لعدم اكتراثها بمنظفى مداخن الكنائس من الأولاد الصغار، رابطًا بين فكرة "التحريم" والدور سيء السمعة الذي كانت تقوم به الكنيسة الأوربية وفكرة تقييد العقل والمصادرة. كما نلاحظ هنا أيضًا أن "بليك" لم يتطرق لفكرة "الحلال والحرام" نفسها، بقدر ما كان معنيًّا بدور وسلوك الوكيل ( الكنيسة):

أهيم عبر كل شارع حلال،
حيث يجري على مقربة نهر "التيمز" الحلال،
في كل صوت، في كل تحريم،
أسمع قيودًا صُنعت للعقل:
كيف يبكي مُنظف المداخن
مع رعب تنظيف سواد كل كنيسة

وفي "قصيدة ضياع ولد صغير"، استمر "بليك" في تقديم الكنيسة في صورتها الكهنوتية التي تقيد العقل، ومطالبتها الناس بالانصياع لها لمجرد الانصياع، وفكرة الوكالة الدينية المطلقة؛ وإن زاد على الأمر هنا بأن جعلها تصل إلى مداها، وتحرق الطفل (رمز البراءة والمواجهة الإنسانية) :

جلس القس وسمع الطفل ؛
وأُعجب الجميع بعنايته الكهنوتية.
قال "وا أسفاه، يا له من شيطان هنا!":
"ذلك الذي يُعلي العقل ليحكم
على أكثر غموضنا قداسة".
وقيدوه بسلسلة حديدية،
وأحرقوه في مكان مقدس
حيث أُحرق الكثيرون من قبل






#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البدائل السياسية لمسار الثورات العربية
- دوافع وأشكال الثورة عند المصريين
- نظرية الثورة وتمرد 30/6/2013
- مراحل الثورة وسيناريوهات ما بعد الإخوان
- الثورة المصرية والنخب التاريخية
- معادلة الاغتراب في شعر المنجى سرحان
- ثالوث الصراع الثوري: المستبد- الثوار والمتكيفون
- جدلية الانسحاق والصمود فى أدب التسعينيات
- الثورة وصراع الأنماط البشرية: التصعيد والإزاحة
- انتصار الثورة القيمية ومجموعات المصالح
- حكايات غريب الثورة: عصام
- الدافع السياسي لأحداث بورسعيد الأولى والثانية
- الطريق إلى الاتحادية: دماء الثوار ومليشيا الوهم
- من ديوان: الطازجون مهما حدث
- طرق مطاردة الذات فى قصيدة النثر المصرية
- 25يناير2013 : سجال الأطراف الأربعة
- -الحوار المتمدن- و-أنا علماني-
- ذكروهم: التجمع الصهيونى فى فلسطين ومنظومة قيم - الطفرة - (mu ...
- فى استراتيجية الثورة: الفرصة والفرصة المضادة
- الثورة وإرث العلمانية والدين


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم الجوهرى - وليم بليك: بين الإلهي والأرضي