أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم الجوهرى - جدلية الانسحاق والصمود فى أدب التسعينيات















المزيد.....

جدلية الانسحاق والصمود فى أدب التسعينيات


حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)


الحوار المتمدن-العدد: 4008 - 2013 / 2 / 19 - 18:11
المحور: الادب والفن
    


أثارت مناقشتى –هذا الأسبوع- للمجوعة القصصية "ولاعة صيني" للكاتبة هدى شاهين، مجموعة من التداعيات فى ذهني، رغم أن هذه المجموعة صدرت فى عام 2012م، إلا أن معظم نصوصها تعود لحقبة التسعينيات وبداية الألفية الجديدة.
هناك من يرفض الرصد الزمني للأدب وفكرة المجايلة عموما، إنما هناك فى نفس الوقت من يؤكد عليها انطلاقا من تغير الظرف التاريخى فى كل عصر، بما يجعل هناك علاقة متمايزة ومختلفة بين أدباء كل فترة عن الأخرى، وحقيقة أدب التسعينيات فى مصر يمثل فترة شديدة الزخم والتداخل، لم يقف عليها أحد –بالشكل المطلوب بعد-، شهدت هذه الفترة مجموعة من الظواهر الملفتة منها:
- صعود قصيدة النثر -فى طبعتها المصرية- وتواجدها الإعلامي.
- تداخل الأنواع الأدبية خاصة الشعر والقصة.
- شيوع حالة كتابة التابو (الجنسي والديني) حتى بين كتاب القصة فى هذا الجيل.

مثل جيل التسعينيات نموذج آخر للمثقف المصرى، المثقف الذى يريد أن يقف فقط على ثقافته دون أن أي مرجعية أخرى، مثقف يريد أن يفرض وجوده بذاته فقط، تحولت العديد من المرجعيات الأدبية والسياسية الاشتراكية والماركسية – تحديدا- عند البعض من هؤلاء؛ لمجرد تكوينات مفككة فى الذهن لا تدل على بناء كلى، تستخدم لإنتاج أدب ليس بالضرورة أن يعود لتلك الجذور فى هدفه. أصبح هناك فصل بين نظرية المعرفة – إن جاز القول- وبين تطبيقات وممارسات هذه المعرفة، ربما يصح أن نسميه :"تصفيرا للوعي"..
هناك من يرجع تلك الحالة لبروز وصعود مجموعة – لأسباب عديدة ليس مجالها هنا- تأثرت أكثر بحالة ما بعد الحداثة الأوربية، وهناك من هو أكثر تحديدا ويعيد هذه الحالة لانكسار الاتحاد السوفيتي وتفككه (استنادا لقدم مشروع ما بعد الحداثة فى أوربا)، مما أدى – بالتبعية – لحالة من التفكك والتشظي وغياب الوجهة عند بعض أدبائه، رغم إصرار الكثيرين منهم على موقفهم النظري دون تأثر بفشل تطبيقه الواقعي، إنما أدى انهيار المشروع الماركسى فى مركزه الروسي لصدمة عند البعض من أتباعه، وتحول العديد منهم لفكرة الفردية والذاتية فى ممارسة أقرب لحالة الوجودية الفرنسية عند سارتر، الأديب الذى يرفض كل الأيديولوجيات المسبقة ويجعل من إحساسه وعواطفه وتجربته الذاتية المركز، وربما كان ذلك الأصل فيما شهدته تلك الفترة من رواج لـ: كتابة الغرفة، كتابة الجسد، التفاصيل الشخصية، المشاهد اليومية اللصيقة. ولا يعنى ذلك – بالضرورة- أن كل من شارك فى الحالة التسعينية كان على وعى بجذورها، فهناك العديد من النماذج التى وجدت فيها تمثلا ومخرجا اجتماعيا، يتماشى مع قدراتهم الإبداعية واختياراتهم الإنسانية.

رغم أن الخناق كان يضيق بشدة على أدباء الأيديولوجيا عموما، إلا أن الطريق مهد –بطريقة أو بأخرى- أمام دعاوى الفردية والتشظي والعدمية ونهاية العالم، فبرزوا فى المشهد وكأن هناك يد خفية وجدت فى طرحهم مشتركا ما، كانت تلك الحالة التسعينية مبعث طرد للعديدين – كنت أنا منهم رغم تجذرى فى السياق التاريخى لها ومحاولات الغواية المتكررة-، وظهر تيار من داخل الماركسية المصرية ذاتها يرفض أطروحات نهاية العالم التى صدرت لهذا الجيل وأعاد تصديرها للمشهد الثقافي العام، وإن لم تنتظم بعد محاولات هذا التيار فكريا لتمثل ما يمكن أن نسميه: ما بعد "ما بعد حداثة المركز الأوربي".
ولكن من بين هذا الجيل كان هناك بعض التجارب والمحاولات – وقفت أنا على أحدها عند إيهاب خليفة فى دراسة سابقة- التى تتمايز عن الكتابة المدرسية والنمطية لقصيدة النثر المصرية، فحاولت الاختلاف قدر الإمكان على مستوى الشكل والمضمون، وكانت هذه النماذج الأدبية الفردية تحمل فى الأساس تمردا حقيقيا ووعيا أعلى، كان يجعلها تختلف فى أطروحاتها عن القطيع. وظلت هذه النماذج فى حالة حيرة! بين ما يطرحه الجيل عامة وبين ما تدفعه لها اختياراتها وطبيعتها المتمايزة، وهناك قلة امتنعت عن المشاركة عامة فى المشهد – كنت منهم رغم استمراري فى الكتابة- ، والبعض حاول أن يقدم معادلة خاصة به، وإن خضع للسياق التاريخى لقصيدة النثر المصرية فى نهاية المطاف.
وكان الجدل والصراع يبرز داخل هذا الجيل أكثر، عند صعود حالة جماعية أو قومية ما، مثل أحداث الانتفاضة الفلسطينية عام 2000م، حيث حاول بعض أبناء الجيل التواصل على استحياء مع المشهد، وكانت المشكلة الأبرز فى تبنى مواقف عامة فى ظل وجود مرجعية خراب وتشظى العام وعدميته! وأذكر فى هذا السياق أحد الشعراء الأصدقاء، الذى كتب قصيدة عن ميدان التحرير عام 2004م، لكن وعيه المدرسي النمطي أصر أن يضع بها إحالة جسدية جنسية، تؤكد على ازداوج واشتباك الطرح الجديد مع القديم!

وأعتقد أن المشكلة الأبرز فى هذا السياق، هى انفصال وغياب الجهد النظري والأكاديمي المصرى عن الواقع والمجتمع، وربما كان ذلك متعمدا ومقصودا فى البنية الأساسية للمجتمع التى تسيطر عليها بنيته السياسية الاستبدادية التاريخية، تحول الجهد الأكاديمي التنظيرى المصرى فى معظمه إلى: "تعليق على ما حدث" وشروح على ما كتب، وإعادة اجترار لما هضم.. أصبح التنظير المرتبط بالمجتمع من التابوهات فى المؤسسة الأكاديمية المصرية التى سيطر عليها – عيانا بيانا- جهاز الأمن السياسي فى النظام السابق، وحتى الآن لم يحدث تغير حقيقي فى البني الأساسية للمجتمع المصرى لتنتج لنا المغاير والمختلف والفعال.

كانت هدى شاهين فى مجوعتها القصصية "ولاعة صيني" إضاءة للذاكرة، تمحور مضمون مجموعتها حول إطارين، الأول: جدل الانسحاق والمقاومة، والثاني: جدل وتبادل مواقع الضحية والجلاد، كانت مجموعتها التى ناقشتها فى مكتبة "ديوان" بالزمالك ناكئة للذاكرة؛ لما فجرته من تداعيات حول المشهد القديم. تراوحت هدى شاهين – وهى ناشطة ومترجمة وكاتبة سيناريو- بين اختراع آليات لمواجهة القهر والانسحاق، وبين استعذاب والاستسلام للهزيمة! أحيانا ما كانت تضفى على الجلاد إنسانية تجعلك تتعاطف معه ، تجعل من "المتحرش" شخص له ملامح إنسانية (قصة حنفى)، تجعل من السجين فى عربة ترحيلات حبيبا غائبا سرقت معه لحظات من قهر الزمن (قصة طريق)!

ومن ضمن القصص المعاصرة التى كتبتها حديثا وحملت نفس الصراع والتداخل فى تعريف المفاهيم وردها لأصولها، كانت قصة "الشهيد معتز" التى تتحدث عن موقعة الجمل فى الثورة المصرية، جاء مضمونها الأساسي يحمل جدل التوصيف والسؤال الأساسي! "معتز" كان من ضمن المهاجمين لميدان التحرير! وسقط من أعلى الكبرى ليصحبه الثوار للعلاج فى المستشفى الميداني الأقرب لميدان عبد المنعم رياض، لتطرح الكاتبة علينا السؤال هل "معتز" شهيد أم لا! لتسرد لنا التفاصيل المعبرة عن طرحها، بين أهله وحارته وجيرانه، وتاريخه وما كان يدور فى ذهنه وهو يهاجم التحرير، وكانت الخاتمة على لسان طبيبة المستشفى الميداني، التى كتبت فى تقريرها: الشهيد معتز، معتبرة أنه ضحية للظروف والسياق التاريخى أيضا.
ومن ضمن الملاحظات الدالة فى المجموعة، هو نظريتها الأدبية الخاصة بها! فقلما يكتب الأديب مقدما نفسه فى خلفية غلافه، لكنها فعلت ذلك، تحدثت هدى شاهين عن دوافع صدور المجموعة و وبداية علاقتها بالأدب، وفى ظنى أن هذا التقديم كان غرضه تعريف المساحة الفاصلة بين الكاتبة وبين العالم الأدبي! أعتقد أنها لم تكن حاسمة لأمرها فى خروج المجموعة، لذا وضعت لنفسها وللعالم تفاصيل العلاقة حتى تبدو وكأنها لا تورط نفسها فى شئ، هى تصرح بإطار العلاقة ولا تريد منا أن نحملها بأكثر مما هى عليه..
وكأن المجموعة القصصية كانت محاولة استكشافية أو جولة استطلاعية منها لهذا العالم، وتمثل ذلك أيضا فى أسلوب وتقنيات الكتابة المتنوعة، فمنها ما هو واقعي سردي ( قصة: ولاعة صيني)، ومنها ما هو رمزي فلسفى( مثل: غرق، كسوف الشمس)، ومنها ما هو مشهدي يحمل تقنيات السيناريو (مثل قصة: حادث)، ومنها ما اعتمد على الحوار والديالوج( قصة: حاول يا محمد).. وكذلك كانت مستويات اللغة، عادية حوارية، مركزة رمزية..
ومن ضمن السمات الأبرز لتلك المجموعة والتى تؤكد انتمائها لحالة جيل التسعينيات عن عبث العالم ولا منطقيته؛ كان محاولة المجموعة فى أكثر من قصة أن تجعل من الجنون آلية مثلي للحياة فى مصر والعالم، كان الجنون وسيلة لمواجهة القهر والظلم والعبث، كان محاولة لفرض الإرادة ولو من خلال قناع الجنون وضياع الإرادة! فى علاقة جدلية أخرى قدمتها هدى شاهين ( وكان ذلك حاضرا فى قصص: سمير، بلوتوث).. وأيضا حضر الاغتراب والشعور بالوحدة وزيف العلاقات الاجتماعية والعائلية، فى قصة "خروشه"، التى وجدنا البطلة فيها تحتفي بفأر كان يخيفها فى المطبخ، تأثرا بحالة الوحدة وغياب الصحبة.

يظل الإنسان رغم كل شئ يبحث عن آليات لمواجهة الواقع، هناك من تدفعه تلك الآليات للحافة ويتحول لمنطق وفكرة "الرد فعل" تماما، وهناك من يحاول التماسك ولا يستسلم للهزيمة أيا كانت.. ولكن تبقى هدى شاهين فى مجموعتها الأولى، تناوش العالم وتحاوره من بعد، لم تستقر على آلياتها بعد، لم تعرف نفسها كقاصة محترفة بعد، كانت مجموعتها محاولة لاختبار الوجود فى هذه المساحة الإنسانية، دون التزامات تفرض عليها مسبقا أشياء بعينها، كانت مجموعتها التى جاءت بعد الثورة محاولة للتصالح – فى ظنى – مع شئ ما، لا أستطيع تأويله تماما، لكن توقيت صدورها وكيفية صدورها بدون ناشر وبتصدير من صاحبتها، له دلالة فى هذا السياق..

هدى شاهين لم تقرر بعد ما هو القادم! لكنها تملك القدرة الكامنة –فى تقديري- على تقديم اختيارات إنسانية مغايرة، وتملك القدرة والموهبة على تقديم فن سردي بمهارة عالية؛ إذا ما تحملت تبعة الدخول إلى عالم الإبداع والأدب.. وأخذت القرار الذى قد يبدو – من بعض الجوانب- صعبا طارحا للمزيد من أفق المسئولية، فى عالم ما بعد "انطلاق الثورة" الذى مازال يسعى – بدوره - لتشكيل ملامحه بين: التكسر والنهوض.. القرار والاختيار ذلك معضلة الوجود الإنساني المستمرة.





#حاتم_الجوهرى (هاشتاغ)       Hatem_Elgoharey#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة وصراع الأنماط البشرية: التصعيد والإزاحة
- انتصار الثورة القيمية ومجموعات المصالح
- حكايات غريب الثورة: عصام
- الدافع السياسي لأحداث بورسعيد الأولى والثانية
- الطريق إلى الاتحادية: دماء الثوار ومليشيا الوهم
- من ديوان: الطازجون مهما حدث
- طرق مطاردة الذات فى قصيدة النثر المصرية
- 25يناير2013 : سجال الأطراف الأربعة
- -الحوار المتمدن- و-أنا علماني-
- ذكروهم: التجمع الصهيونى فى فلسطين ومنظومة قيم - الطفرة - (mu ...
- فى استراتيجية الثورة: الفرصة والفرصة المضادة
- الثورة وإرث العلمانية والدين
- الثورة والأيديولوجيا الشعبية والوعي الانتقائي
- المسارين الثوري والسياسي: بين التكيف والتمرد
- -محمد محمود- الماضى والمستقبل
- الفلسطينى بين: الأيديولوجيا والتاريخ.. حين يكون الموقف مأزقا ...
- كيف يكون الشعر إنسانيا فى المساحة السياسية!
- اليسار: المصري، والفلسطيني، والصهيوني و خرافة -الاحتلال التق ...
- -الصهيونية الماركسية-وجذور: المرحلية والنسبية، فى الفكر الصه ...


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حاتم الجوهرى - جدلية الانسحاق والصمود فى أدب التسعينيات