أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ثائر دوري - شياطين بلبوس ملائكي















المزيد.....

شياطين بلبوس ملائكي


ثائر دوري

الحوار المتمدن-العدد: 1196 - 2005 / 5 / 13 - 10:26
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


تحكي قصة شعبية شهيرة عن مسافر وصل إلى مشارف قرية متعباً جائعاً فتجلى له الشيطان بصورة رجل دمث من لحم و دم . استقبل الشيطان هذا المسافر بالترحاب فأجلسه إلى ظل شجرة ، ثم أطعمه حتى شبع و سقاه حتى ارتوى . و بعدها ساعده بإطعام دابته و جلب الماء لها لتشرب. لقد أسر السيد الشيطان السيد المسافر بطيبته و دماثة خلقه . طلب المسافر أن يتعرف بالشيطان ليحفظ له هذا المعروف . فعرّف الشيطان عن نفسه ببساطة قائلاً :
- أنا الشيطان .
ذهل المسافر . و رد على الفور :
- غير معقول ......
- لم غير معقول ؟
سأل الشيطان .
أجاب الرجل:
- أنت رجل طيب كريم . أطعمتني و سقيتني و هذه أفعال ملائكة لا أفعال شياطين . يصف الناس الشياطين بالخبث و الشر ....
هز الشيطان رأسه قائلاً :
- أبداً أنا هو الشيطان . و أنا أتصرف دائماً بهذه الطريقة ...
سأله المسافر :
- لم يتكلمون إذا عنك هذه الطريقة السيئة و ينسبون لك كل أفعال الشر مع أني لم أر منك إلا الخير ؟!!
هز الشيطان رأسه قائلا إنه لا يعرف . و قبل أن يفيق المسافر من صدمته استأذنه الشيطان لأنه يود الذهاب إلى القرية المجاورة كي ينجز بعض الأعمال .
غادر الشيطان إلى القرية تاركاً المسافر يفكر كم أن الناس لديهم صورة خاطئة عن الشيطان وسرعان ما توصل لقناعة مفادها أن الناس قد ظلموا الشيطان ......
غاب الشيطان بعض الوقت و عاد إلى المسافر و ما إن وصل حتى اندلع إطلاق رصاص في القرية،و نشبت معركة هائلة بها .
سأل المسافر الشيطان بذهول :
- ماذا جرى ؟ ماذا فعلت بالقرية ؟
ابتسم الشيطان ببراءة قائلاً :
- أبداً لم أفعل شيئاً فقط حللت رباط العجل .
و تتمة الأمر أنه بعد أن حل الشيطان رباط العجل دخل العجل بأرض زراعية ، أكل قسماً من زرعها و خرب الباقي ، فغضب صاحب الأرض فضرب العجل فقتله ، فغضب صاحب العجل فضرب الرجل . ثم انضم الأقرباء كل إلى قريبه و اندلعت معركة في القرية .
هناك شياطين كثيرة مثل هذا الشيطان في عالمنا العربي . يبدون طيبين مثقفين مهتمين بقضايا الأمة و مهجوسين بمصيرها . لكنهم فجأة يحلون عقدة رباط العجل و يقفون متفرجين ببراءة الأطفال على الحرائق التي أشعلوها ، و المعارك التي افتعلوها . و عقدة رباط العجل في وطننا العربي اليوم هي الماضي ، و صراعات القوى الأساسية ، التي أنهكت الأمة خلال الخمسين عاما الماضية ، أعني الصراعات بين التيارات الماركسية ، و القومية ، و الإسلامية ، و ما يتفرع عن ذلك من صراعات فرعية ........
و أهم هذه الصراعات اثنان : واحد بين التيارين القومي و الإسلامي و هو صراع أنهك الأمة و استهلك خيرة كوادرها و أقام تعارضات مزعومة لا أساس لها على أرض الواقع بين الدين و القومية مع أن كلا الإنتمائين ينتمي إلى دائرة لا تتعارض مع الأخرى . و الصراع الثاني هو الصراع داخل التيار القومي نفسه ، بين الناصريين و البعثيين و قد كان لهذا الصراع فعل مدمر على حركة التحرر العربية برمتها . و نتج عنه نتائج وخيمة لم يستفد منها سوى أعداء الأمة .
و شياطين الحاضر لا يفعلون سوى أنهم يحلون عقدة الماضي فيبدأ كل واحد من موقعه السياسي الضيق بالنبش و التشهير بأخطاء الآخر و الادعاء أن ذلك التيار ، وحده و ليس غيره ، هو من سبب الكارثة التي أحاقت بالأمة . و بالطبع إذا قلت له إن ما تفعله مضر سيجيبك أنه يقوم بدراسة الماضي . و سيقدم لك مبررات علمية توجب النبش في الماضي حتى أسفل السافلين .............
إن عمل هؤلاء كعمل الشيطان ، أفعال بريئة لا قيمة لها ظاهريا لكنها تؤدي إلى معارك لا يستفيد منها سوى أعداء الأمة . و إلى تفتيت و شرذمة للقوى مع أن المطلوب هو تحقيق التلاحم بين مختلف تيارات هذه الأمة .
لسنا ضد دراسة الماضي و تقييم التجربة لكن هذا يتطلب شروطا غير متوافرة في الوقت الراهن ، أولها أن الهدف من أي عودة للماضي هو التركيز على نقاط اللقاء و التوحد لا على نقاط الخلاف و الشرذمة ، التي يجب أن تدرس لتجنب تكرارها في الحاضر لا لتأبيدها . ثاني الشروط أن يتوافر لكل الأطراف فرصاً متساوية لتشرح مواقفها الماضية و زاوية رؤيتها للأمور و مآخذها على التيارات الأخرى . لا أن يستأثر طرف بوسائل الإعلام لوحده و يبدأ بنقد تجارب الآخرين من موقعه الحزبي الضيق دون أن يكون للآخرين فرصة متساوية للدفاع عن موقفهم و شرح وجهة نظرهم . و ثالث الشروط أن يتحلى الدارس بحد أدنى من الحيادية فينظر إلى أفعال الأطراف المنخرطة بالصراع بشكل حيادي لا تؤثر عليه انتماءاته الإيديولوجية .....
و ما عدا ذلك تكون العودة إلى الماضي فعلا من أفعال الشيطان هدفها شرذمة القوى الحية في المجتمع العربي من إسلامية و قومية و ماركسية . و بدل العمل على بناء جبهات عريضة تخاطب تحديات الحاضر و المستقبل سيبقى كل تيار ، بهذه الطريقة ، متخندقا في الماضي يطلق النار على أشباح الماضي في حين أن العدو الأمريكي الصهيوني يفتك بنا يومياً .
إن الإخلاص للأسلاف لا يكون بتكرار سلوكياتهم بل باقتباس الجوهري من تجربتهم و بتجنب أخطاءهم .
و حديث الماضي كأغنية الشيطان ، تستطيع أن تحدد متى ستبدأ به لكنك بالتأكيد لن تعرف متى ستنتهي منه ، هذا إن انتهيت . لأن كل الأطراف تملك حججها و براهينها على صحة مواقفها الماضية و لدى كل طرف قائمة طويلة بأخطاء الطرف الآخر ، لذلك فإن أي شخص يحسب أن تياره كان على صواب دائم هو شخص واهم . إن لدى الطرف الأخر ما يجابه به منتقديه و لديه انتقاداته و ملاحظاته و قائمة لا تنتهي بأخطاء خصوم الماضي ، كما ذكرنا . و إني على قناعة أن كل التيارات ارتكبت في الماضي من الأخطاء فوق طاقتها و إلا لما وصلنا إلى الكارثة الحالية . لكن بعضهم ما زال مصرا على أنه يمتلك الحقيقة المطلقة ، و أنه وحده من كان على صواب و ليس في ثوبه الأبيض أية شائبة . إن مثله كمثل الجمل الذي يصفه المثل الشعبي بأنه لا يرى سنامه ........
هؤلاء هم شياطين الحاضر . إياك أن تتوهم أن لهم أنيابا أو قرونا على ما يشاع عن صورة الشيطان النمطية ، وإذا تحريت لن تكتشف أن لهم صلات مع الأمريكان بل هم يتحدثون عن مستقبل الأمة و يناقشون سبل خروجها من أزمتها كأي وطني حقيقي . هم من حيث المظهر و المفردات وطنيون . لكنهم يحلون رباط العجل فجأة..................



#ثائر_دوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة تشكيل المشرق العربي
- بسيطة كالماء ....... واضحة كطلقة المسدس*
- هل ضاعت البوصلة أم فقد القباطنة أبصارهم ؟
- الموت الرحيم على الطريقة الأمريكية
- مبدأ ساترفيلد و مبدأ مونرو
- فهم السياسة بالهمس ؟ أم باللمس ؟ أم بالنظرات ؟
- دليل تعلم صناعة الثورة على الطريقة الأمريكية في عشرة أيام
- الاحتلال القبيح و الاحتلال الجميل
- المحافظون الجدد : من لم يمت باليورانيوم المنضب مات بسياسات ا ...
- انتهى درس الحداثة الاستعمارية يا غبي
- استنساخ التجربة الاستعمارية من الجزائر إلى العراق
- سلاح الذاكرة في وجه القتلة
- .........ديمقراطية السجون
- بغداد : الماء يشبه السلام لا تدرك قيمته تماماً حتى تفقده ( b ...
- شيطنة العدو صناعة غربية بامتياز
- ميموري منسق الحملات ضد الشيخ القرضاوي
- ماذا ينتظر الأمريكان من اجتماع عمان ؟
- كم سيكون حجم الهزيمة الأمريكية في العراق ؟
- مفارقات تقرير التنمية البشرية !!!ّ
- اتجاهات الريح الأمريكية القادمة


المزيد.....




- شاهد.. رجال إطفاء يكافحون لاحتواء حرائق الغابات في كندا
- عودة -كاسر العظام-.. قصة إنقاذ النسر الملتحي المهدد بالانقرا ...
- الخاتم الماسي يسرق الأضواء.. والمجوهرات الفخمة لا تغيب أبدا ...
- بسترات واقية من الرصاص.. عملاء FBI وإدارة مكافحة المخدرات يق ...
- هل يستعين بوتين بترامب للإطاحة بزيلينسكي؟- مقال رأي في التاي ...
- الترويكا الأوروبية تهدد بفرض عقوبات على إيران إذا لم تعد للم ...
- عقد بقيمة 1.6 مليار دولار بين دولة أوروبية وشركة -إلبيت سيست ...
- لاريجاني من بيروت: لا ننظر لأصدقائنا كأداة.. وعون يرى أن لغة ...
- تحذير لقسد؟.. توقيع مذكرة تفاهم دفاعية بين أنقرة ودمشق
- مباشر: زيلينسكي وقادة أوروبيون يسعون لإقناع ترامب بالدفاع عن ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ثائر دوري - شياطين بلبوس ملائكي