أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - لاهاي وهاجس العدالة!















المزيد.....

لاهاي وهاجس العدالة!


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4162 - 2013 / 7 / 23 - 21:58
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    



تعتبر لاهاي (هولندا) عاصمة القضاء الدولي بامتياز، ففيها تنتصب محكمة العدل الدولية، الذراع القضائي لهيئة الأمم المتحدة من بين الأجهزة الستة التي تتألف منها، والتي يقع مقرّها جميعها في نيويورك باستثناء محاكمة العدل الدولية. وتنظر المحكمة التي تم تأسيسها ترافقاً مع إبرام ميثاق الأمم المتحدة في 26 حزيران (يونيو) العام 1945 في القضايا التي تضعها الدول أمامها، كما تقدّم الاستشارات القانونية للهيئات الدولية التي تطلب منها وتقوم بتفسير الاتفاقيات والمعاهدات الدولية وقواعد القانون الدولي. وعند تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في روما تموز (يوليو) العام 1998 والتي دخلت حيّز التنفيذ في العام 2002 وبلغ عدد الدول الأعضاء الذين انضموا إليها حتى الأول من تموز (يوليو)2012 نحو 121 دولة، كانت لاهاي مقراً لها. ونظرت المحكمة في قضايا أربعة مهمة هي: انتهاكات حقوق الإنسان في أوغندا الشمالية وجمهورية الكونغو الديمقراطية والجمهورية الأفريقية الوسطى ودارفور في السودان، وأصدرت مذكرات اعتقال شملت الرئيس السوداني عمر حسن البشير، في حين استبعدت مساءلة أي شخص من دولة كبرى.
كما احتضنت لاهاي المحكمة الجنائية الخاصة في الجرائم التي ارتكبت في يوغسلافيا العام 1993، وقامت بمحاكمة عدد من المتهمين بينهم، سلوبودان ميلوسفيتش وكاراديتش وراتكو ميلاديتش والاثنان من زعماء صرب البوسنة، إضافة إلى الرئيس الصربي ميلان ميلاتونوفيش وغيره، ومنذ العام 2006 كانت لاهاي مقرّاً للمحكمة الجنائية الدولية الخاصة بمحاكمة المتهمين بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الحريري في لبنان العام 2005.
ولهذه الأسباب تعبتر لاهاي بحق باحة قضاء دولي، لا سيّما باحتشاد العدد الهائل في المنظمات القضائية العالمية فيها، مثلما تعتبر نيويورك عاصمة سياسية للأمم المتحدة، حيث مقر الجمعية العامة، التي تشكل منبراً مفتوحاً لجميع الأعضاء، في حين يتمتع خمسة من أعضاء مجلس الأمن البالغ عددهم 15 عضواً بصفة العضوية الدائمة ولهم حق النقض (الفيتو)، أما جنيف فإنها تعتبر عاصمة ثانية (أوروبية) للأمم المتحدة، لا سيّما للحقوق الإنسانية، ففيها المجلس الدولي لحقوق الإنسان ومفوضية اللاجئين الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها،
وقد شهدت لاهاي كما تنطق (بالفرنسية)، وهيغ (بالإنكليزية) ودنهاخ (بالهولندية) مؤخراً مؤتمراً عالمياً للعدالة، وهو عبارة عن فضاء قانوني وقضائي ومعرفي ومدني مفتوح، شارك فيه أكثر من 500 شخصية، فيهم الكثيرون من المعتبرين في بلدانهم كشخصيات لها تميّز، لا سيّما كبار القضاة والمحامين والحقوقيين وعدد من المفكرين، إضافة الى عدد من النشطاء، بعضهم شغل مناصب وظيفية ومهنية محلية ودولية متقدمة، بما فيها عدد من العسكريين وجهات إنفاذ القانون.
اللافت أن هناك حضوراً أمريكياً شمالياً، لاسيّما من الولايات المتحدة، وأمريكياً جنوبياً، إضافة إلى حضور أفريقي، في حين كان الحضور الصيني والهندي محدوداً، أما الحضور العربي فكان ضعيفاً جداً، باستثناء تونس، وقد تم تكريم شخصيتين بارزتين، هما شخصيتان نسويتان مسلمتان أسيويتان، الأولى من إيران وهي المحامية شيرين عبادي، التي حازت على جائزة نوبل العام 2003 والثانية هي من بنغلادش ، وهي ناشطة حقوقية ونسوية، وهو أمر إيجابي.
ويبقى السؤال: لماذ العدالة؟ وفي هذا الوقت بالذات، لا سيّما التركيز على موضوع استقلال القضاء ومهنيته ونزاهته، وكذلك موضوع الفساد المالي والإداري وسبل مكافحة هذه الظاهرة المستفحلة دولياً، ارتباطاً بحكم القانون ودور الفن والأدب والتربية والتعليم والإعلام والبيئة، وذلك في إطار خارطة شاملة ومسطرة قانونية متنوّعة، على الصعيد العالمي. وهنا لا بدّ من قراءة مدققة لسير توجه الرأي الغالب، لا سيّما في مثل هذه المؤسسات الدولية الكبرى، وماذا يعني ذلك، خصوصاً خلفيّاته الفكرية والتعبوية، ونشاط المجتمع المدني، وبالتالي التوجّه الدولي والحكومي، لوضع حد لبعض هذه الظواهر الخطيرة، على المستوى الكوني، لدرجة أن منتدى للعدالة الدولي World Justice Forum (WJF)، وهو مؤسسة كبرى مرموقة، تكرّسَ مؤتمرها الدوري (كل سنتين) لبحثه وبلورة توصيات بشأنه.
لقد ظلّت العدالة كفكرة هاجساً إنسانياً يسعى إليه الإنسان، ومهما حاول مقاربته، فإنه سيجد أن هناك بوناً شاسعاً بينه وبين تحقيق قيم العدالة كاملة. ولهذا فإن الأديان والفلسفات والآيديولوجيات كانت ولا تزال تسعى لتحقيق شكل من أشكال العدالة مستشرفة طموحاً لا ينتهي لتحقيقها كاملة، سواءً على الصعيد القانوني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والنوع الاجتماعي (الجندر)، والقومي والديني وبكل أشكاله، لتلبية الحاجات الأساسية والمتطوّرة للانسان، تلك التي لا تتوقف عند حدود، لأنها تتعلق بحقوقه المتوالدة المتراكبة، المتخالقة، والمستمرة.
وشكّلت العدالة ركناً أساسياً من أركان كفاح الإنسان عبر التاريخ، بين الحق والباطل، وبين الغنى والفقر، ومن يملك ولا يملك، وبين الجهل والعلم، وبين الخير والشر، وذلك على امتداد الحضارات والثقافات والدول والأمم والشعوب، وكانت مسألة عدالة النظام الدولي محل تساؤل كبير منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، فهل هي عدالة المنتصر؟، وما السبيل لقواعد ناظمة لسلوك الدول بحيث يتحقق التوازن بين الحق والواجب دون إهمال موازين القوى وإمكانات الدول وأحجامها وطاقاتها، وهي مسألة تؤخذ بنظر الاعتبار من الناحية الواقعية، حتى وإن كانت الدعوة للمساواة بين الدول تأخذ طريقها إلى الدول صغيرها وكبيرها.
وقد كان القانون الدولي التقليدي مثلاً يجيز حق الفتح والغزو وذلك من خلال الحق في الحرب واستخدام القوة لتحقيق أهداف الدولة "القومية"، بما فيها شن الحرب تحت عناوين الخطر الوشيك الوقوع، والحرب الاستباقية، ولكنه بالتدريج أخذت تلك المفاهيم تنحسر، ولا سيّما بعد أن تأسست عصبة الأمم العام 1919 وقبل ذلك إعلان الرئيس الأمريكي ويلسون مبادئه الأربعة عشرة العام 1918 والتي دعت إلى حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما كانت ثورة اكتوبر الاشتراكية قد دعت إليه منذ العام 1917.
وقد جاء ميثاق باريس أو ما يعرف باسم " ميثاق بريان كيلوك" العام 1928، ليحدّد استخدام القوة في العلاقات الدولية ويقننه، وصولاً إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي صدر بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية العام 1945 والذي حرّم استخدام القوة أو التهديد بها، الاّ باستثناء حالات الدفاع عن النفس وفقاً للمادة 51 من الميثاق أو في إطار النضال من أجل حق تقرير المصير والانعتاق من الاستعمار والتبعية، ودعا إلى الحل السلمي للمنازعات الدولية، وخصوصاً بتأكيده على احترام حق السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والمساواة بين الدول وحقها في تقرير مصيرها، مثلما دعا إلى التعاون الدولي لإنماء علاقاتها الاقتصادية والثقافية والإنسانية، وهي مبادئ جديدة انتشرت بفضل شيوع الأفكار الديمقراطية، بعد سقوط النازية والفاشية.
ولعل تلك القواعد الأساسية اعتمدها القانون الدولي، وسعى إلى تطويرها خلال العقود السبعة الماضية تقريباً، حتى وإن تم التجاوز عليها وانتهاك بعضها أو كلّها، كما هو بالنسبة لفلسطين، الاّ أن وجود هذه القواعد يعتبر تطويراً للقانون الدولي يستحق العمل من أجل وضعها موضع التطبيق، جهوداً كبيرة حكومية وغير حكومية باتجاه مقاربة للعدالة ومفاهيمها.
وعشية الحرب العالمية الثانية وبُعيدها، تأسست الكثير من المنظمات الدولية والإقليمية الخاصة بالعدالة، ومن بينها منظمة أمريكية عُرفت باسم "عالم السلام من خلال القانون" والتي بدأت عملها بعقد عدد من المؤتمرات المهمة دعت إليها أعداداً من المحامين والقضاة والعاملين في الحقل العام من نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وكان من أبرز هذه المؤتمرات، مؤتمر آثينا الذي انعقد في العام 1963 تحت عنوان " السلام من خلال القانون" ومؤتمر واشنطن الذي ضم 110 دول وحضره نحو 3200 محامي وقاضي بما فيهم قضاة المحكمة العليا و3 من أعضاء محكمة العدل الدولية وحقوقيين وأكاديميين ونشطاء مدنيين، كما انعقد مؤتمر نيودلهي العام 1967 وكانت تلك محطات مهمة على صعيد متابعة فكرة العدالة، لا سيّما خلال فترة الصراع الآيديولوجي بين الشرق والغرب والذي دام كل فترة الحرب الباردة 1947-1989.
وبحكم العولمة وتأثيراتها على المجتمع الدولي فقد تعاونت شخصيات وهيئات لتأسيس منتدى العدالة الدولي في العام 2007 الذي نظم أربعة مؤتمرات الأول في فيينا (النمسا) والثاني في إفران (المغرب) والثالث في برشلونة (إسبانيا) والرابع في لاهاي (هولندا)، وكان الأخير بحكم تنوّع الحضور والموضوعات التي ناقشها تتويجاً للمؤتمرات الثلاث، لا سيّما وأن فكرة العدالة سواء على المستوى الدولي أو الإقليمي أو المحلي لا تزال تشكل أملاً موعوداً وإن كان غائباً من عالم اليوم، وما بين العدالة المنشودة والعدالة القائمة فارق كبير.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشيد موطني والأَخوَان فليفل
- 45 مليون لاجئ يؤرقون العالم
- مكبّ النفايات الأمريكية
- العدالة الانتقالية: مقاربات عربية للتجربة الدولية!
- العدالة الانتقالية: عفو مستتر أم آلة انتقام؟
- شرنقة الفصل السابع
- دبلوماسية حقوق الإنسان
- النهضة والمشروع النقدي
- الزيوغانيفية ولعبة الكراسي
- الاختفاء القسري قضية إنسانية
- بصمات الفوضى وإرث الاحتلال
- السويد والآذان !!
- عن العدالة الانتقالية
- الدستور مليء باختلالات وألغام انفجرت بعضها وستنفجر غيرها
- عن الكرد والنجف والثقافة
- الطائفية وانعكاسات الجغرافيا السياسية
- التفكير الديني وفقه المعرفة
- حكاية الحوار العربي- الكردي
- المثقف ونقد الثورة
- -إبادة- التعليم!


المزيد.....




- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
- الرئيس الايراني: ادعياء حقوق الانسان يقمعون المدافعين عن مظل ...
- -التعاون الإسلامي- تدعو جميع الدول لدعم تقرير بشأن -الأونروا ...
- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبد الحسين شعبان - لاهاي وهاجس العدالة!