أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الاختفاء القسري قضية إنسانية















المزيد.....

الاختفاء القسري قضية إنسانية


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4126 - 2013 / 6 / 17 - 19:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



من قال إن الاختلاف الثقافي والقومي والديني والاجتماعي وغيره يعني عدم التشابه أو التماثل في السلوك والأفعال؟ فإذا نظرنا بشكل عام إلى العديد من دول العالم، نرى أن الظلم في الكثير من الأحيان يعيد نفسه لدرجة التشابه، حتى وإن اختلفت الأساليب، لكنه يبقى واحداً، فهو يستهدف حق الإنسان وهدر كرامته، والسعي لإذلاله والانتقاص من آدميته ومصادرة حقوقه .

والسؤال المهم هو من يمارس مثل هذه الأعمال؟ وكيف؟ ولماذا؟ وإذا كان أصحاب القلوب الغليظة هم من لا يتورّع من التجاوز على الاعتبارات الحقوقية والأخلاقية والاجتماعية والثقافية والدينية والقانونية، فذلك لأنهم يجعلون الغاية تبرر الوسيلة، وغايتهم هي إقصاء الآخر وإلغاؤه وحجب حقه في التعبير، حتى وإن اقتضى ذلك تغييبه قسرياً .

وقد ظلّ موضوع “الاختفاء القسري” حسب المصطلح القانوني الذي تستخدمه الأمم المتحدة، أو “الاختطاف” حسب المصطلح السياسي والإعلامي المتداول، يؤرق الضمير الإنساني والوجدان الشعبي، ويشغل شريحة واسعة من المجتمع: رجال فكر وحقوقيون وساسة ورجال دين ومهتمون ومشغولون بالقضايا العامة وفي أوساط مختلفة من الرأي العام وبخاصة الصحافة ووسائل الإعلام .

ابتداءً نقول، إن المقصود بالاختفاء القسري أو الاختطاف السياسي هو: احتجاز شخص “أو أشخاص” محدّد الهوية من جانب جهة غامضة أو مجهولة سواءً كانت سلطة أو منظمة أو أفراداً . وتقوم هذه الجهة بإخفاء مكان الشخص وترفض الكشف عن مصيره أو الاعتراف باحتجازه وتسعى إلى إخفاء معالم فعلتها النكراء .

فالضحايا أول المتضررين والمكتوين بنار الاختفاء القسري أو الاختطاف السياسي، وهم يعانون أقسى المعاناة، لأنهم لا يعرفون مصيرهم وهل سيطول اختطافهم؟ وهل سيفرج عنهم في ظل الظروف والملابسات الغامضة والكثيرة؟ حتى يكاد اليأس يتسلل إلى نفوسهم كلّما طالت فترة الاختطاف، وكلّما كان انقطاعهم عن العالم الخارجي تاماً وشاملاً .

أما ذوو الضحية الذين ينتظرون بأمل عودة “عزيزهم” ويتطلّعون إلى رؤيته سالماً، فضلاً عمّا يشكله الاختفاء أو الاختطاف من مخاوف تزداد مع مرور الأيام على حياة المخطوف أو المختفي دون إرادته، فإن قلقهم يكبر، وينعكس ذلك على حياة الأسرة، خصوصاً الزوجة والأولاد وتبعات ذلك قانونياً واجتماعياً ونفسياً ومعاشياً إذا كان هو ربّ الأسرة .

والمجتمع الذي يفجع عادة بفقدان صاحب رأي، لا يريد أن ينسى، وإلاّ فإن الأمر سيصبح واقعاً مع مرور الأيام، وقد يتكرر من دون رادع أو مقاومة أو احتجاج لتحديد المسؤولية ووقف مثل هذه الانتهاكات اللاإنسانية، التي لن تلحق الضرر بالضحية وذويه فحسب، بل بالمجتمع ككل، حيث تشكل ظاهرة خطرة تهدد السلام الاجتماعي والأمن والاستقرار وتثير الرعب والفزع في النفوس .

أما الخاطفون، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو سلطة دولة “بعض أجهزتها التنفيذية”، فإنهم يراهنون على النسيان، فتذبل القضية تدريجياً ويتلاشى الاحتجاج، بل يصبح مجرد ذكرى، ولذلك تراهم يعمدون إلى التعتيم، بل يثيرون غباراً من الشك لإبعاد الموضوع وإبقائه في دائرة الظل بعد أن كانت الأضواء مسلّطة عليه . . وهكذا يتآكل تدريجياً بالإهمال وصدأ الذاكرة وازدحام الأحداث ودورة الزمن بعيداً من الإثارة وتحديد المسؤولية، خصوصاً استمرار البحث عن هويّة الخاطفين والمرتكبين وترك المصائر المجهولة للمخطوفين باعتبارهم جزءاً من الماضي لا أمل فيه ولا عمل يُرتجى من البحث عنهم أو الانشغال بهم .

وفي كل الأحوال يظل الفاعل أو الجاني أو المرتكب غائباً أو بعيداً من دائرة الضوء، مجهول الهوية ولا يمكن الاستدلال عليه، سواء كان الفعل صادراً عن جهة أمنية أو بتكليف منها أو مجموعات مسلحة تكفيرية أو عصابات أو أفراد، فإن النتيجة واحدة، وإن المختفي قسرياً، قد سلبت حريته ولا يعرف أهله مكان اختفائه، كما لا يمكن الوصول إليه، وإذا كان سبب الاختفاء في الأغلب سياسياً، فإن هناك أسباباً أخرى دينية أو طائفية أو اجتماعية أو شخصية أو مالية أو غير ذلك .

ويلتجئ أصحاب القلوب الغليظة، الجناة، إلى السرية الكاملة باستهداف الضحايا، ويحدث الأمر في معظم الأحيان حين يتم رصد الضحايا ومراقبتهم ليتم معرفة تحركهم وعاداتهم، للتخطيط لعملية “الخطف”، دون ترك أي دليل أو أثر يثبت هوية الجهة الخاطفة إن كان من الأجهزة الأمنية أو مجموعات أخرى .

لعلّ مناسبة الحديث هذا هو استذكارية سنوية أقامتها مؤسسة عزيز السيد جاسم بالتعاون مع الاتحاد العام للكتاب والأدباء في العراق “بغداد”، لمفكر اختفى قسرياً في العام ،1991 وهو عزيز السيد جاسم الذي ترك للمكتبة العربية عشرات الكتب والدراسات والأعمال النقدية والفكرية والأدبية في مجالات مختلفة .

وعزيز السيد جاسم جمع العديد من المتناقضات المحببة في تجاور عجيب أحياناً فيه، فهو شخصية جدلية إشكالية، مشاغب ومشاكس، حتى وإن كان عقلانياً وتنويرياً، هو نوع من المثقف الذي يمتاز بالتماهي مع اللحظة الحرّة، إنه مثقف حرّ متنوّع الاهتمامات: كاتب وروائي وناقد وصحافي، ولا يمكن الحديث عن جانب واحد منه، أو اختزاله إلى فرع من فروع المعرفة، ففي كل ميدان خاض فيه عزيز السيد جاسم كان رياديّاً، إنه مجموع في واحد، لعب دور البطل، مثلما كان يميل إلى لعب دور الضحية، فكان البطل والضحية في آن .

وقد مثّلت قضية عزيز السيد جاسم واحدة من القضايا الخطرة في موضوع الاختفاء القسري، وهي تتطلب جهداً وعملاً مثابراً لكشف الحقيقة، وبالتالي للمساءلة، وخصوصاً لجبر الضرر وتعويض ذويه على أمل إصلاح النظام القانوني الدستوري والقضائي والأمني لوضع حد لعدم تكرار مثل هذه الأعمال . وإذا كنّا قد بدأنا ذلك بتزويد المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية بمعلومات عن عزيز السيد جاسم ودوره ومكانته وظروف اختفائه قسرياً منذ أواخر العام ،1991 فقد آن الأوان للكشف عن مصيره وإجلاء ذلك خدمة للحقيقة أولاً وأخيراً، مثلما آن الأوان لكي يكرّم مفكر مبدع وقلم رشيق وصاحب رأي متميّز مثل عزيز السيد جاسم .

وقد أضحت قضية الاختفاء القسري منذ اختفاء المناضل المغربي المهدي بن بركة في باريس العام 1965 واختفاء منصور الكيخيا وزير خارجية ليبيا الأسبق في القاهرة العام ،1993 وعشرات من الشخصيات التي اختفت في تشيلي إبان حكم بينوشيه قضية تشغل الرأي العام العالمي، لاسيّما ارتباطها بمسألة عدم الإفلات من العقاب “المساءلة العقابية” من جانب مرتكبي جريمة الاختفاء القسري .

وقد وضع الفريق العامل الخاص بالاختفاء القسري مسطرة فيها 10 شروط لحالات الاختفاء القسري منذ العام 1993 وعلى أساسها صيغت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري واعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 61/177 المؤرخ في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2006 .

وأياً كان الخاطف ومهما كانت دوافعه وأسبابه فإنه من أصحاب القلوب الغليظة، وبغضّ النظر عن المخطوف، فإنه ضحية بغض النظر عن أفكاره وآرائه وقوميته ودينه وجنسه ومعتقداته السياسية .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصمات الفوضى وإرث الاحتلال
- السويد والآذان !!
- عن العدالة الانتقالية
- الدستور مليء باختلالات وألغام انفجرت بعضها وستنفجر غيرها
- عن الكرد والنجف والثقافة
- الطائفية وانعكاسات الجغرافيا السياسية
- التفكير الديني وفقه المعرفة
- حكاية الحوار العربي- الكردي
- المثقف ونقد الثورة
- -إبادة- التعليم!
- بول وولفويتز ورسائله المثيرة
- حقوق الإنسان: سلاح ذو حدين
- بغداد عاصمة الثقافة العربية!!
- الثورة ومبادرة حكم القانون
- حلبجة ورائحة التفاح
- التغيير والتنوير
- 10 سنوات على احتلال للعراق العملية السياسية على الحافة
- سلاح أميركا ضدها!
- تديين الدولة أم - دولنة- الدين!؟
- هوبسباوم وتغيير العالم


المزيد.....




- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..مقتدى الصدر يشيد بالانفتا ...
- الكشف عن بعض أسرار ألمع انفجار كوني على الإطلاق
- مصر.. الحكومة تبحث قرارا جديدا بعد وفاة فتاة تدخل السيسي لإن ...
- الأردن يستدعي السفير الإيراني بعد تصريح -الهدف التالي-
- شاهد: إعادة تشغيل مخبز في شمال غزة لأول مرة منذ بداية الحرب ...
- شولتس في الصين لبحث -تحقيق سلام عادل- في أوكرانيا
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (1).. القدرات العسكرية لإسرائيل ...
- -امتنعوا عن الرجوع!-.. الطائرات الإسرائيلية تحذر سكان وسط غ ...
- الـFBI يفتح تحقيقا جنائيا في انهيار جسر -فرانسيس سكوت كي- في ...
- هل تؤثر المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على الطيران العالمي؟ ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الاختفاء القسري قضية إنسانية