أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - يعقوب بن افرات - امريكا تُدخل العالم لحالة الحرب الدائمة















المزيد.....



امريكا تُدخل العالم لحالة الحرب الدائمة


يعقوب بن افرات

الحوار المتمدن-العدد: 294 - 2002 / 11 / 1 - 03:23
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


وثيقة بوش للكونغرس

 

امريكا تُدخل العالم لحالة الحرب الدائمة

 

قدم الرئيس الامريكي، جورج بوش، لاقرار الكونغرس وثيقة حول "استراتيجية الولايات المتحدة للامن القومي"، التي تحتوي على الخطوط العامة للسياسة الامنية الجديدة. نشر الصحف الامريكية النص الكامل للوثيقة في 20 ايلول (سبتمبر) 2002، يعتبر الخطوة الاولى في الحملة الاعلامية الكبيرة التي تقودها الادارة الامريكية، لكسب تأييد الرأي العام الامريكي والكونغرس.

وقد أثارت الوثيقة التي تعبر عن رؤية استراتيجية جديدة حفيظة بل واستياء العالم ككل. ووصل الامر الى درجة قيام وزيرة العدل الالمانية بتشبيه بوش بهتلر، الامر الذي ساهم في تعقيد العلاقات بين البلدين التي دخلت اصلا الى فتور، بسبب معارضة المانيا الحرب على العراق. وقد ساد العالم شعور بالقلق من نوايا بوش التي وصفت ب"الجنون"، لما تحمله من خطر على سلامة العالم. فما هو جوهر هذه الرؤية؟ جوهرها يتلخص بكلمات قليلة: حق امريكا بالتصرف الاحادي الجانب unilateralism. ويعني هذا ان الولايات المتحدة لم تعد بحاجة للتنسيق مع العالم في رسم سياستها.

مؤسسة "المشروع من اجل قرن امريكي جديد" التي تعتبر الاكثر قربا من الرئيس بوش، علّقت على وثيقة بوش في نشرتها بالانترنت في 30 ايلول. ويؤكد التعليق ان نجاح رؤية بوش الجديدة يحتاج الى ثلاثة عناصر جوهرية، هي: وجود قيادة امريكية نشطة على المستوى العالمي. حسب المؤسسة، هذه القيادة متمثلة بادارة بوش. حسب التعليق: "الرئيس اكد ان اعداءنا يتطلعون للعالم كساحة حرب، وأوضح انه يريد التحرك بشكل وقائي وسريع ضد التهديدات النووية والبيولوجية والكيميائية"؛ العنصر الثاني هو تغيير الانظمة في دول مثل العراق وايران وكوريا الشمالية؛ العنصر الثالث يتعلق بنشر الديموقراطية والليبرالية تحديدا في العالم الاسلامي.

ولا تقف المؤسسة عند هذا الحد، بل تجتهد لتوضيح قصد الرئيس، لمنع وقوع التباس في فهم سياسته. تقول في تعليقها: "ان رؤية بوش مميزة، لانها ليست متعددة الجوانب كما كانت سياسة كلينتون. فالرئيس لم يتوجه للامم المتحدة، ولم يتظاهر بايمانه بضرورة ضبط التسلح، ولم يخلق توقعات بشأن نجاح عملية سلام ما. كما انه لم يتبن الواقعية المستندة لتوازن القوى كما فعل والده، بل أكد على ان السلام الدائم والامن سيتحققان بواسطة ترسيخ القوة الامريكية العسكرية والمبادئ السياسية الامريكية".

 

القرن الامريكي الجديد

اذا اردنا فهم رؤية بوش الجديدة فلا بد من العودة للاسس التي تعتمد عليها، آخذين بالحسبان انها تعبر عن موقف الشخصيات الاكثر يمينية وتطرفا في الساحة السياسية الامريكية، والتي ورثها بوش الابن عن ابيه. خطاب بوش المتكرر حول مهام امريكا الاستراتيجية، يعبر عن مذهب اليمين المتطرف الذي نشرت مؤسسة "المشروع من اجل قرن امريكي جديد" نفسها، افكاره في دراسة بعنوان "اعادة بناء الدفاعات الامريكية"، وذلك في شهر ايلول 2000، اي قبل الانتخابات الامريكية بشهرين.

في صياغة هذه الدراسة شاركت عناصر رئيسية في وزارة الدفاع الامريكية الحالية، مثل نائب الوزير بول ولفوفيتش. الهدف منها وضع استراتيجية بديلة لتلك التي انتهجتها ادارة كلينتون التي قلّصت في حينه ميزانيات الدفاع. وتشير الدراسة الى انها تستند الى الاستراتيجية التي وضعتها "وزارة الدفاع برئاسة ريتشارد تشيني في نهاية ولاية بوش، في مطلع عام 1992 بعنوان: "توجيه سياسة الدفاع"".

من هذا يتبين ان تشيني بدأ التمهيد لسياسة بوش الحالية منذ كان في ادارة بوش الاب، غير ان الركود الاقتصادي الذي اصاب امريكا عام 1992 منع الادارة الجمهورية من جني ثمار انتصارها في الخليج. فبسبب الازمة الاقتصادية هُزم بوش امام منافسه كلينتون الذي انتهج سياسة بديلة دون التنازل عن دور امريكا الرئيسي كقوة عظمى وحيدة ومهيمنة في العالم.

الدراسة التي اعدتها المؤسسة في ايلول 2000، تنطلق من التأكيد على ان "الولايات المتحدة هي القوة العظمى العالمية الوحيدة، اعتمادا على تفوقها العسكري ودورها التكنولوجي الريادي وكونها اكبر قوة اقتصادية في العالم". اهداف الاستراتيجية الامريكية حسب الدراسة هي: "الحفاظ على هذه المكانة التفوقية لأطول امد ممكن. هناك دول ذات قدرات عالية ولكنها غير راضية عن الوضع الراهن وتسعى لتغييره بشكل يهدد حالة السلام والازدهار والحرية التي يتمتع بها العالم اليوم". واذا ارادت امريكا الحفاظ على دورها العالمي هذا، فعليها ان تعتمد على "تفوقها العسكري".

وتحدد الدراسة اربع مهام رئيسية للجيش الامريكي، هي: الدفاع عن الوطن الامريكي؛ حسم المعارك العسكرية في ساحات متعددة وفي آن واحد؛ أداء مهام شرطية، وتشكيل البيئة الامنية في مناطق النزاع المختلفة؛ تحديث الجيش الامريكي واستغلال الثورة التكنولوجية في الشؤون العسكرية.

الخطوات العملية التي تقترحها المؤسسة لتحقيق هذه المهام هي: الحفاظ على التفوق الامريكي النووي كقوة ردع ليس فقط في مواجهة روسيا بل في مواجهة اية تهديدات مستقبلية محتملة؛ زيادة القوى البشرية في الجيش من 1.4 مليون جندي الى 1.6 مليون جندي. واعادة انتشار قوات الجيش الامريكي في مختلف انحاء العالم، وتحديدا في جنوب شرق اوروبا وجنوب شرق آسيا؛ وزيادة ميزانية الدفاع.

وتناقش الدراسة استراتيجية كلينتون الذي رأى ان انهيار الاتحاد السوفييتي أفسح للولايات المتحدة متسعا من "الوقت للاستراحة الى ان تظهر قوة عظمى جديدة يمكنها منافستها على قيادة العالم". وتبعا لهذه النظرية، جرى تقليص ميزانية الدفاع في عهد كلينتون، لدرجة انها اصبحت ادنى من مستواها في فترة انتهاء الحرب العالمية الثانية، عندما تولت امريكا قيادة العالم في الحرب الباردة. فقد انخفضت الميزانية من 339 مليار دولار عام 1992 الى 277 مليارا عام 1996، بينما تطلب الوثيقة زيادة الميزانية لتتراوح بين 20-15 مليار دولار سنويا، اي 3.5% و3.8% من الناتج القومي الاجمالي، وذلك لمدة خمسة اعوام.

ولا بد لنا من التوقف عند توصيات الدراسة بشأن السياسة النووية الخطيرة. التفوق النووي، حسب الدراسة، هو اساس لترسيخ دور امريكا العسكري في العالم، من هنا يحق لامريكا خرق كل المعاهدات الدولية التي تحرّم التجارب النووية: "اذا ارادت الولايات المتحدة ان تتمتع بقوة ردع نووية آمنة وفعالة، فعليها ان تجرب". وهذا بالضبط ما ينفذه الرئيس بوش حرفيا. فقد الغى معاهدة ضبط برنامج الصواريخ المضادة للصواريخ مع روسيا، وهو يتجه نحو تطوير اسلحة نووية جديدة.

وفي "زلة"، قد تكون مقصودة، تكشف الدراسة هدف امريكا الحقيقي وراء حملتها المحمومة ضد العراق اليوم. ففي الباب الثالث المعنون "اعادة انتشار الجيش"، تؤكد الدراسة ان "الولايات المتحدة سعت على مدى عقود للعب دور دائم في حفظ الامن الاقليمي في الخليج. ورغم ان النزاع غير المحلول في الخليج يوفر المبرر المباشر، فالحاجة لوجود عسكري امريكي مكثف في المنطقة، يتجاوز قضية نظام صدام حسين". وبمعنى آخر، اذا لم يكن صدام هناك، فكان على امريكا خلق مبرر آخر لاحكام سيطرتها على منابع النفط في الخليج.

 

اليمين يخطط وبوش ينفذ

مخطط ادارة بوش كان ترسيخ مكانتها ووحدانيتها في العالم، دون الارتكان على الحلفاء بل على تفوقها العسكري، كما اسلفنا. غير ان، احداث 11 ايلول 2001 خلطت الاوراق من جديد. حتى ذلك التاريخ المفصلي، كان بوش قد ضرب بعرض الحائط المعاهدات الدولية التي وقعت عليها ادارة كلينتون، مثل معاهدة "كيوتو" لحماية البيئة، وتحدى اقامة المحكمة الدولية لجرائم الحرب، واعلن ان العالم يجب ان يلائم نفسه لامريكا، وليس العكس.

ولكن، الاحداث التي خُطّط لها في البلد المنسي، افغانستان، جاءت لتغيّر جدول اعمال الدولة العظمى. وبدل ان تركز امريكا حملتها ضد "الدول المارقة" (أي الدول البربرية وهو مصطلح تطلقه امريكا على دول مثل العراق وايران وكوريا الشمالية)، اضطرت لتوجيه قواتها ضد عدو جديد، هو الاسلام المتطرف. غير ان هذه الحرب لم تستوجب استخدام قوة نووية، ولم تستدعِ تخصيص ميزانيات خيالية، لان العدو فقير  ومتخلف اقتصاديا وعسكريا، لدرجة ان نظام طالبان لم يصمد الا اياما معدودة في وجه امريكا.

مع هذا، فقد سعت امريكا لاستخدام الحرب ضد بن لادن والارهاب، كمبرر لتطبيق استراتيجيتها الخطيرة التي تضع مصلحتها فوق كل الاعتبارات. بادعاء حماية امنها من خطر الارهاب، تحلل امريكا لنفسها ما تحرّمه على غيرها، ومن ذلك شن الحروب دون سبب، وقلب انظمة الدول التي لا تطبق املاءاتها.

المثير للقلق في هذا النهج الجديد هو بُعده عن الواقع. ان العدو الذي يحذّر منه بوش في خطاباته، هو غير مرئي وغير محدد الملامح او الحدود، حتى يمكن القول ان كل شعب ودولة مرشح لان يهدد امريكا. الهدف واضح: تخويف الشعب الامريكي وادخاله لهستيريا حتى يدعم المخططات الامريكية دون تحفظ.

في هذا الصدد تقول وثيقة بوش المقدمة للكونغرس: "ان الخطر الكبير التي تواجهه امتنا، يكمن في التطرف عندما يلتقي بالتكنولوجيا. لقد اعلن اعداؤنا على الملأ انهم يبحثون عن اسلحة الدمار الشامل، وتشير الدلائل الى انهم يسعون لتحقيق هدفهم هذا بحزم. ان الولايات المتحدة لن تسمح بنجاح هذه الجهود، بل سنبني دفاعات ضد الصواريخ وضد اية وسائل اخرى. ومن المفروغ منه ان امريكا ستبادر، دفاعا عن النفس، للعمل ضد هذه التهديدات الناشئة، قبل ان تتبلور نهائيا. في العالم الجديد الذي دخلناه، الطريق الوحيدة لحماية امننا هي بالعمل".

وتنطوي هذه العبارة على الفكرة الاساسية التي تتكرر على طول الوثيقة وعرضها. والسؤال كيف السبيل للعمل، اذا كان العدو غير محدد بل يعبر عن التلاقي بين التطرف والتكنولوجيا؟ الجواب: تطوير الدفاعات ضد الصواريخ. جواب غريب اذا اخذنا بالحسبان ان الارهابيين لا يستخدمون الصواريخ بل الانتحاريين.

بوش نفسه يعترف انه ما من دولة الآن تخطط او تريد مهاجمة امريكا، والحقيقة ان العكس هو الصحيح. فامريكا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت القنبلة النووية، والوحيدة التي تهدد العالم اجمع بجبروتها.

ولكن، اذا كان بوش قد تمكن من تجنيد دعم الكونغرس وادخال شعبه الى هستيريا، فهو يواجه مشكلة كبيرة في فعل الشيء نفسه مع العالم. ان العالم يرى الواقع على حقيقته، ويفهم ان مصدر المشكلة ليست في تقاطع الطرق بين التطرف والتكنولوجيا، بل في التفوق الاستراتيجي الامريكي. هذا التفوق الذي تسعى لتثبيته نخبة رأسمالية لا ضمير لها ولا هدف، سوى ضمان ارباحها الطائلة على حساب العالم كله.

كيف ينوي بوش، اذن، التغلب على هذه المعضلة؟ تقترح الوثيقة: "ستسعى امريكا لكسب دعم المجتمع الدولي، الا انها لن تتردد في العمل بمفردها اذا استدعى الامر لممارسة حقها في الدفاع عن نفسها، مستخدمة اسلوب الضربة الوقائية ضد هؤلاء الارهابيين لمنعهم من التسبب بالضرر لشعبنا ووطننا".

وإمعانا في التضليل، يفسر بوش نظريته الجديدة المتعلقة بالضربات الوقائية، والتي تشكل انقلابا على المعايير الدولية المتبعة منذ فجر التاريخ في العلاقات بين الامم: "القانون الدولي اعترف منذ قرون بحق الامم في التحرك دفاعا عن نفسها ضد القوات التي ثبت انها تستعد لمهاجمتها حتى لو لم تهاجمها فعلا. وقد اشترط خبراء القانون الدولي شرعية العمل الوقائي بوجود خطر داهم، كتحرك قوات عسكرية او اساطيل او قوات جوية مثلا. اليوم، علينا ان نلائم مفهوم الخطر الداهم لقدرات واهداف خصومنا الحاضرين. الدول المارقة والارهابيون لا يستخدمون في هجومهم علينا الاساليب التقليدية".

هنا بيت القصيد. على امريكا ان تعدّل القانون الدولي حتى يتلاءم مع اهدافها. فكل ما كان صالحا لادارة العلاقات بين الدول لقرون طويلة، قد تقادم عليه الزمن، ولم يعد صالحا لمواجهة مخاطر العالم الجديد، العالم الموجود فقط في خيال جورج بوش والزمرة الفاشية من حوله.

ان القوانين التي يسعى بوش لتغييرها، تحولت الى اعراف ملزمة لانها تعتمد على تجربة تاريخية ودراسة عميقة للحروب، سواء تلك التي قادتها روما في العصر القديم او اوروبا في القرون الوسطى او الدول الامبريالية في العصر الحديث. لقد عكست هذه الحروب دائما رغبة الدول الكبيرة في بسط نفوذها على العالم خدمة لمصالح الطبقة الحاكمة، وجاءت القوانين والاعراف الدولية لحفظ التوازنات وضبط المصالح المتضاربة بين الدول، ومنع الدمار الشامل. اما اليوم فتعلن دولة واحدة ان العالم تغير، بعد ان اصبحت هي القوة العظمى الوحيدة فيه. من هنا فعهد التوازنات وتضارب المصالح بين الدول انتهى، ولذلك فلا حاجة لقانون دولي يضبطها.

 

بين خيال بوش والواقع العالمي

تواجه امريكا اليوم ازمة سياسية، اقتصادية واجتماعية لم يسبق لها مثيل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذه الحقيقة غائبة عن الخطاب الرسمي الامريكي الذي اخترع اعداء له خارج الحدود، للهرب من معالجة الوضع الداخلي. ان طرح موضوع الحرب على العراق لا يهدف فقط لحرف الانظار عن المشاكل الداخلية التي حاول الحزب الديمقراطي استخدامها للفوز بالانتخابات النيابية الشهر المقبل. اننا نشير الى ازمة مستمرة منذ اكثر من عامين دون ان تجد لها حلا جذريا.

على هذه الازمة تشهد عدة دلائل منها، التردي المستمر في مؤشرات البورصة الامريكية؛ الركود المتواصل بسبب عدم وجود رأسمال استثماري؛ ارتفاع نسبة البطالة؛ والاهم، انهيار اهم الشركات الامريكية التي قادت الازدهار في العقد الماضي. لقد انهارت هذه الشركات التي دعمت حملة بوش الانتخابية، بعد ان انكشفت اكاذيبها واختلاساتها، الامر الذي زعزع ثقة الجمهور الامريكي بالمؤسسة الاقتصادية برمّتها. بهذا الانهيار يكون المحرك الاهم للنمو الاقتصادي في امريكا قد تعطّل. فقد اعتمدت هذه الشركات في تجنيد رأسمالها على استعداد الجمهور الامريكي للاستثمار في اسهمها.

الخبير الاقتصادي وليام غريدير تطرق الى ظاهرة الدين الخارجي الامريكي والعجز التجاري الناجم عن زيادة حجم الواردات على الصادرات. في مقال بعنوان "نهاية امبراطورية" نشرته صحيفة "ذي نيشن" في 23 ايلول، يكشف غريدر حقيقة لا احد في امريكا يريد مناقشتها، وهي: "ان الدين الخارجي الامريكي، الناجم عن تراكم عجز تجاري مستمر منذ عقدين، سيصل هذا العام الى 25% من الناتج القومي الاجمالي، اي ما يعادل 2,5 تريليون دولار. قبل 15 عاما بلغ هذا العجز: صفراً". ويستنتج غريدر: "ان ادارة بوش لا تبالي بآراء الدول الدائنة، بل تحدثها بعنجهية عن الصفات الامريكية المثلى. ولكن، ليس من المعقول ان يشتم المستدين مدير البنك الذي يدينه".

من هذا يتبين ان ما يضعضع مكانة امريكا ليس اسلحة الدمار الشامل، او العدو المتوحش غير الواضح الملامح، بل التدهور الاقتصادي والسياسي. ان هذا التدهور نابع من طبيعة النظام الرأسمالي نفسه، من فساده، استبداده، والحكم المطلق الذي تمارسه الشركات الضخمة على العالم، من تشجيع ثقافة الاستهلاك المفرط في المجتمع الامريكي، والاهم: من الهبوط المستمر في ارباح الشركات نتيجة ظاهرة الانتاج الفائض الذي لا تنجح في استيعابه السوق الرأسمالية الآخذة بالانكماش.

ان ما يقلق العالم ليس الفوضى التي عاثتها امريكا في العالم، بل عدم نية الادارة الامريكية معالجة المشاكل الحقيقية من خلال اعادة تنظيم الاقتصاد، وكبح جماح رأس المال المضارِب والشركات الكبرى. والحقيقة الاخطر ان هذه الادارة انما هي دمية بيد رأس المال هذا، وقد انتخبت تحديدا لحماية مصالحه. ودورها ازاء الغضب المتنامي في العالم ضد استغلال الشركات الرأسمالية، هو إقرار سياسة جديدة تبيح لها خرق سيادة الدول وقلب الانظمة التي لا تنصاع لمصالحها.

ان ادارة بوش تدرك تماما التراجع الكبير في مكانة الولايات المتحدة في العالم. كما تدرك جميع الدول، الكبرى منها والصغرى، ان امريكا عاجزة عن حل مشاكل العالم وانها نفسها تعاني ازمات عميقة. ان دولا مثل اليابان، المانيا، روسيا، الصين وفرنسا، ودولا اخرى بينها الدول العربية، اخذت تبتعد شيئا فشيئا عن امريكا وتفصل مصالحها عن المصالح الامريكية، دفاعا عن مصالحها القومية الخاصة. ان النظام العالمي الجديد الذي فرضته امريكا على العالم بعد حرب الخليج، بدأ يتفكك. وهنا يأتي دور رؤية بوش الجديدة، التي تهدف لاعادة ترتيب النظام العالمي من جديد من خلال الحرب على العراق.

المشكلة ليست الهيمنة الامريكية على العالم، فهي قائمة منذ انهار الاتحاد السوفييتي. المشكلة كامنة داخل المارد نفسه الذي تزعزعت هيمنته بسبب ضعف نظامه واقتصاده المفرط وتردي اخلاقه وتنكره لحاجات العالم. ان الخطر الكبير هو في سياسة الحرب الجديدة التي تعرض كدواء للازمة، في حين انها ستفاقم الوضع وتؤدي لنتائج عكسية وتهدد بانتقال عدوى الفوضى من العالم الثالث الى اوروبا وآسيا، مما سيعرض المعمورة الى خطر وجودي.

ان الفاشية هي الورقة الاخيرة التي تلجأ اليها الرأسمالية عندما تفقد السيطرة، والحرب هي وسيلتها لتمكين قبضتها. هذا هو العالم الجديد الذي دخلناه، ليس بسبب المزيج بين التطرف والتكنولوجيا بل لان الرأسمالية تعيش ازمتها التاريخية وتنوي تكرار اخطائها. لقد تقادم الزمن على هذا النظام، الا انه يرفض السقوط ويهدد بجر الانسانية معه الى الهاوية.

ان المظاهرات ضد الحرب في ارجاء العالم، هي بداية صحيحة باتجاه بناء بديل لهذا النظام القديم الخطير. قبل عقد واحد اعلنت الرأسمالية انتصارها على الاشتراكية، واليوم يتضح ان هذا الانتصار كان مؤقتا، وربما كان مقدمة لعودة الاشتراكية وهي اكثر نضجا وتجربة لتطرح نفسها كرد وحيد للحرب والفاشية التي تقودها اليوم ادارة بوش الامريكية.

الصبار   تشرين اول 2002 العدد 157

 



#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم رهينة لجنون بوش
- الرأسمالية الامريكية في قفص الاتهام
- الوضع الامني يفاقم الازمة الاقتصادية
- الماركسية في عصر العولمة لم تفقد قيمتها الثورية
- محور عالمي جديد ضد الارهاب العم بوش يحتضن الدب بوتين
- هدف العدوان: استبدال السلطة الفلسطينية بوصاية دولية
- فشل الاسلام السياسي .....هكذا اهدروا دماء الجزائر4
- المعالم الفكرية للاسلام المتطرف
- فضيحة "انرون" اكبر افلاس في تاريخ امريكا
- فشل الاسلام السياسي
- على نفسها جنت براقش ..امريكا تفقد القيادة


المزيد.....




- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل
- جهود عربية لوقف حرب إسرائيل على غزة
- -عشر دقائق فقط، لو تأخرت لما تمكنت من إخباركم قصتي اليوم- مر ...
- شاهد.. سيارة طائرة تنفذ أول رحلة ركاب لها
- -حماس-: لم نصدر أي تصريح لا باسمنا ولا منسوبٍ لمصادر في الحر ...
- متحف -مرآب المهام الخاصة- يعرض سيارات قادة روسيا في مختلف مر ...
- البيت الأبيض: رصيف غزة العائم سيكون جاهزا خلال 3 أسابيع
- مباحثات قطرية أميركية بشأن إنهاء حرب غزة وتعزيز استقرار أفغا ...
- قصف إسرائيلي يدمر منزلا شرقي رفح ويحيله إلى كومة ركام
- -قناع بلون السماء- للروائي الفلسطيني السجين باسم خندقجي تفوز ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - يعقوب بن افرات - امريكا تُدخل العالم لحالة الحرب الدائمة